الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النهضة النسائية
في سوريا ولبنان
للآنسة ماري عجمي
منذ عشر سنوات ونيف أنشئت في سوريا ولبنان جمعيات أدبية وضعت لنفسها أهدافاً واحدة أو متقاربة تنبئ أنها أعدت لنشر روح جديدة في شتى مرافق الحياة الاجتماعية. عشر سنوات تنقضي بيت تصفيق للخطيبات وتهاليل للمؤتمرات ووصف للمآدب التي تقوم لهن على صحائف الجرائد والمجلات تهب بنا إلى التساؤل وهو من حق كل مفكر: أية فائدة نتجت من كل هذه المساعي والمجتمعات؟ وإلى أية درجة قدرت هذه الجمعيات أن ترفع مستوى المرأة الأدبي وكم هو مقدار ما أحدثت من الإصلاح الاجتماعي؟ وكم من مئات القرارات التي انتهت إليها هذه المؤتمرات وضع موضع العمل والتنفيذ؟ وما هي العوامل التي سببت وقوف الجماعات النسائية عن حد ترديد الأقوال التي لا يتجاوزها إلى العمل بما يرتفع من صرخاتهن في الدعوة إلى الاشتراك مع الرجال في حل المشاكل الاجتماعية والوطنية، وتعميم الثقافة بواسطة المحاضرات في الكتب وإلى قلب التقاليد والعادات، وإلى تأييد الصناعة الوطنية وإلى المطالبة بجعل التعليم الابتدائي للبنات إجبارياً واستبدال ما وضع من الشرائع والقوانين التي أشارت الدلائل إلى وجوب تغييرها أو تعديلها مما للمرأة به علاقة كلية أو جزئية؟
إن أغراضاً كهذه تجعلها الجمعيات أهدافاً لمساعيها، وتشير إلى أن المرأة السورية واللبنانية أصبحت تتطلب لحياتها المثل العليا - تكفي للتدليل على أن في سوريا ولبنان نهضة نسائية عامة.
وقد أكون من الكاذبين إن لم أؤمن بأن المرأة قد نهضت عن موضعها وأنا أراها تؤلف الحلقات وتنشئ المؤتمرات وتقوم من بيروت إلى سوريا ومن سوريا إلى لبنان ومن لبنان إلى طهران.
ولا أكون أكثر زوراً مني ساعة أشهد أن المرأة لم تحقق غرضاً من أغراض هذه الدعوة العريضة ما عدا جمع بعض الكتب في مكتبات الجمعيات التي لا تقرأ منها على الغالب إلا الروايات، وما عدا إقامة بعض حفلات ترى الخطيبة لات تلقي قيها إلا الخطب الباردة في
أبحاث فرغ الناس منها هي صدى ما علق بذهنها من مطالعة الصحف الحين بعد الحين.
أما العوامل التي سببت وقوف عمل جمعيات النساء عند هذا الحد على ما يقول بعض المفكرين فالأخلاق السلبية التي يتصف بها كل من الرجل والمرأة في سوريا وإن أثر هذه الأخلاق في المرأة ما يزال أقوى منه في الرجل فهي قد توافقك على الفكرة الفلسفية والعلمية وتشعر بضرورة عملها بها سعياً وراء المثل الأعلى ثم تقف مترددة ثم محجمة عما تطمح إليه بعامل الجبن أو الوجل أو الكسل أو الجهل.
وقد يكون جهل جماعات النساء بالطريق إلى تحقيق أغراض جمعياتهن أكبر العوامل التي وقفت بهن بعد صرف عشر سنوات في المناقشات التي لا طائل تحتها عند هذا الحد لأنك إذا بحثت بينهن عن حاملات الشهادات الطب والآداب والصيدلة والحقوق والفنون القادرات على التعمق والإفاضة لا ترى أثر لهن في هذه الجمعيات إلا حين يدعين إلى ألقاء كلمة. لأن هذه الفئة لم تجد حتى الآن على هذه الجمعيات بشرف انتمائها إليهنَّ، ولا هن يأبهن لتأليف جمعيات خاصة بهن يتذوقن فيها لذة التفاهم ويعملن في صبر وتأن على إبراز أعمالهن بدقة وإتقان لينتجن شيئاً أو يحققن غاية أدبية أو موسيقية أو فنية أو رياضية أو اجتماعية أو علمية على نقيض ما نرى من النهضات النسائية في العجم وفي الهند وفي تركيا تلك الأقطار الشرقية التي تسير المرأة المثقفة بجماعتها وفق فكرة فلسفية أو وفق غاية معينة تطمح بها إلى مثل أعلى تضعه نصب عينيها وتبذل قصاراها في البلوغ إليه رغم ما تلاقيه من عنت وإجهاد ومشاق إلى أن يقيض لها الله أسباب التوفيق.
فإذا لم تتألف الجمعيات النسائية من فرق المثقفات أو لم يكن كل الأعضاء في جمعية واحدة مثقفات فإن جمعياتنا الحاضرة ولئن ناصرتها العاملات بإخلاصهن، ودرجة أكثرهن العلمية لا تسمو على التعليم الابتدائي، باقية عند هذا الحد إلى عشر سنوات أخرى تظل فيها نهضتنا النسائية الموهومة سخرية لأدبيات الغرب اللاتي يأتين للسياحة في هذه البلاد وأن لي مما نشر أدبية فرنسية سائحة طلبت أن تجتمع إلى الزعيمات فكان لها ما أرادت دليلاً على ذلك. فقد رغبت هذه السائحة أن تطلع على درجة مستوى زعيماتنا العملي فقامت تلقي عليهن الأسئلة فإذا هن يجهلن تاريخ دينهن وبلادهن حتى أسماء الجبال التي تحيط ببلدتهن ويشرفن عليها من نوافذ منازلهن!
فزعامة من هذا النوع نملأ بها الدنيا من الجعجعة قبل أن نقوى على تحريك الرحى تنشر في الصحف أنها تفعل كثيراً وهي لا تفعل شيئاً وأنها تمثل نشاط نساء البلاد ودرجة ثقافتهن وهي في الواقع تمثل كسلهن أو ضعفهن أة جهلهن المطبق وإن جمعيات من هذا الصنف تقف المثقفات عنها في نجوة، لحرية بالسخر اللاذع. وكثيراً ما تنقلب هذه الجمعيات الأدبي إلى جمعيات خيرية وليس من عجب في ذلك لأن الجمعيات الخيرية في سورية ولبنان ناجحة، لسهولة تأثر الناس بالدعوة إلى التصدق وصعوبة تأثرهم بالدعوة إلى فكرة علمية أو أدبية ولأن الجود بالمال أيسر على أمثالنا من الجود بالأدب. وإن تصدقك على مريض أو بائس بربع ليرة مثلاً أهون عليك من تصدقك ببحث طريف مستفيض لأن قرضنا لله مبلغاً زهيداً من المال نتوقع أنه سيعوضه علينا بالفائدة الفاحشة ألفاً، هو مثار السذج على الغالب إلى التصدق على البائسين وإلى معاضدة الجمعيات الخيرية لاسيما النسائية منها.
يستنتج مما تقدم أن الدعوة إلى تأييد الصناعة الوطنية من جمعية لا تقتصر ما بتباع على المآكل والملابس الوطنية، وإن الدعوة إلى التهذيب والأدب من جمعية لا تقوى عضو فيها أن تثير العاطفة أو تخاطب العقل، وإن الدعوة إلى الإصلاح الاجتماعي من جمعية لا تقدر أن تتلمس إليه طريقاً غير الذي ترشدها المبشرات الأجنبيات إليه، وإن الدعوة إلى رفع مستوى المرأة وإصلاح شؤونها بتعديل ما تئن منه من الشرائع من جمعية لا تغامر بشيء في سبيل الأرغام على وضع تشريع جديد يضع حداً للشكاوي والمظالم، أجل أن هذه الدعوات كلها الملقبة بالنهضة النسائية ما تزال ضعيفة خائرة لضعف القائمات بها ولخور في عزائمها ولأنَّ أكثرهن ينتحي بها طريق الشهرة لا طريق التضحية والنكران والمغامرة بالوقت والدرس والمفاداة بالمال والنفس.
وستبقى هذه الدعوات صرخات في واد تصلك منها آذان المثقفين إلى أن تتحسس المثقفات بضرورة تغذيتها ودعمها بروح العلم وميزان العقل تحقيقاً للغاية منها وإلى أن يتناولن بذورها ليغرسنها في حقول سوريا ولبنان متعهدات بحرث منابتها وسقيها وتنقيها لتغدو أزهارها حية نامية لا أزهاراً توضع في الآنية أيام الحفلات لتذبل في الغد ذبول الجني من الأزهار.