المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الحادي عشرفي تفاضل الذكر والأنثى في العقيقة - أحكام العقيقة

[حسام الدين عفانة]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأولما يتعلق بالعقيقة

- ‌المبحث الأولتعريف العقيقة لغة واصطلاحاً

- ‌أولاً: تعريف العقيقة لغة:

- ‌ثانياً: تعريف العقيقة اصطلاحاً:

- ‌المبحث الثانيمشروعية العقيقة

- ‌المبحث الثالثمعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم كل غلام مرتهن بعقيقته

- ‌المبحث الرابعالحكمة من مشروعية العقيقة

- ‌المبحث الخامسهل يكره تسمية العقيقة بهذا الاسم

- ‌المبحث السادسحكم العقيقة

- ‌المبحث السابعشروط العقيقة

- ‌المبحث الثامنما هو الأفضل في العقيقة

- ‌المبحث التاسعالعقيقة أفضل من التصدق بثمنها ولو زاد

- ‌المبحث العاشرهل يصح الاشتراك في العقيقة

- ‌المبحث الحادي عشرفي تفاضل الذكر والأنثى في العقيقة

- ‌المبحث الثاني عشرالتصرف بالعقيقة

- ‌أولاً: الانتفاع بها:

- ‌ثانياً: حكم جلده وسواقطها:

- ‌ثالثاً: هل يكره كسر عظام العقيقة

- ‌المبحث الثالث عشرحكم تلطيخ رأس المولود بشيء من دم العقيقة

- ‌المبحث الرابع عشرحكم اجتماع الأضحية والعقيقة

- ‌الفصل الثانيما يتعلق بالعاقّ ووقت الذبح

- ‌المبحث الأولمن يتولى العقيقة " من يعق عن المولود

- ‌المبحث الثانيحكم من لم يعق عنه، هل يعق عن نفسه إذا بلغ

- ‌المبحث الثالثفي وقت العقيقة

- ‌المبحث الرابعالتسمية والنية عند ذبح العقيقة

- ‌قائمة المصادر

الفصل: ‌المبحث الحادي عشرفي تفاضل الذكر والأنثى في العقيقة

‌المبحث الحادي عشر

في تفاضل الذكر والأنثى في العقيقة

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: عن الغلام شاتان وعن الأنثى شاة واحدة وبه قال الشافعية والحنابلة والظاهرية وهو قول ابن عباس وعائشة وإسحاق وأبو ثور وغيرهم (1). إلا أنه ينبغي أن يعلم أن الظاهرية يرون أن الشاتين عن الغلام على سبيل الوجوب فلو عق عن الغلام شاة واحدة لا يجزئ (2)، وهو قول الشوكاني (3)، بخلاف بقية العلماء المذكورين أعلاه، فيرون أن الأكمل والأفضل شاتان عن الغلام فإن لم يتيسر فتجزئ شاة عن الغلام. قال النووي:[السنة أن يعق عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، فإن عق عن الغلام شاة حصل أصل السنة](4)، وقال المرداوي:[إن خالف وعق عن الذكر بكبش أجزأ]. (5)

القول الثاني: يذبح عن الغلام شاة واحدة وكذلك الأنثى شاة واحدة وبه قال الإمام مالك والهادوية، ونقل عن ابن عمر وعروة بن الزبير واسماء بنت أبي بكر. (6)

(1) المجموع 8/ 447 - 448، المغني 9/ 460، بداية المجتهد 1/ 376، المحلى 6/ 241.

(2)

المحلى 6/ 242.

(3)

السيل الجرار 4/ 91.

(4)

المجموع 8/ 429.

(5)

الإنصاف 4/ 110.

(6)

الخرشي 3/ 47، بداية المجتهد 1/ 376، سبل السلام 4/ 181، المجموع 8/ 447، شرح السنة 11/ 265.

ص: 43

القول الثالث: أن العقيقة عن الغلام فقط ولا عقيقة عن الأنثى وهذا منقول عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين وقتادة وشقيق بن سلمة. (1)

أدلة الفريق الأول: احتجوا بما يلي:

1.

حديث أم كرز وفيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة)، وفي رواية أخرى:(عن الغلام شاتان وعن الأنثى واحدة لا يضركم ذكراناً كن أم إناثاً).

2.

حديث حفصة أن عائشة أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة).

3.

وفي رواية أخرى أن عائشة: (أخبرتهم أن الرسول أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة).

4.

حديث أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العقيقة عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة) وقد أخذ الظاهرية بظاهر هذه الأحاديث وتمسكوا بألفاظها فأوجبوا عن الغلام شاتان وعن الأنثى شاة.

5.

حديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده وفيه: (من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة). (2)

وهذه الأحاديث ظاهرة في التفاضل بين الذكر والأنثى في العقيقة وقد علل ابن القيم هذا التفاضل بين الذكر والأنثى بقول: [وهذه قاعدة الشريعة فإن الله سبحانه وتعالى

(1) المجموع 8/ 448، المغني 9/ 460، تحفة المودود ص 52، بداية المجتهد 1/ 376، المحلى 6/ 242.

(2)

سبق تخريج هذه الأحاديث.

ص: 44

فاضل بين الذكر والأنثى وجعل الأنثى على النصف من الذكر في المواريث والديات والشهادات والعتق والعقيقة كما رواه الترمذي وصححه من حديث أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرئ مسلم أعتق مسلماً كان فكاكه من النار يجزئ كل عضو منه عضواً منه، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزىء كل عضو منهما عضواً منه). وفي مسند الإمام أحمد من حديث مرة بن كعب السلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما رجل أعتق رجل مسلماً كان فكاكه من النار يجزئ بكل عضو من أعضائه عضواً من أعضائه، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار يجزئ بكل عضو من أعضائها عضواً من أعضائها). رواه أبو داود في السنن فجرت المفاضلة في العقيقة هذا المجرى لو لم يكن فيها سنة كيف والسنن الثابتة صريحة بالتفضيل (1)، وقال ابن القيم أيضاً:[إن الله سبحانه وتعالى فضل الذكر على الأنثى كما قال: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) آل عمران الآية 36. ومقتضى هذا التفاضل ترجيحه عليها في الأحكام وقد جاءت الشريعة بهذا التفضيل في جعل الذكر كالأنثيين في الشهادة والميراث والدية فكذلك ألحقت العقيقة بهذه الأحكام]. (2)

أدلة الفريق الثاني: احتجوا بما يلي:

1.

عن ابن عباس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشاً كبشا).

2.

عن أنس بن مالك قال: (عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين بكبشين). (3)

3.

روى أبو داود بسنده عن عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي بريدة يقول: (كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالإسلام

(1) تحفة المودود ص 53 - 54.

(2)

زاد المعاد 2/ 331.

(3)

سبق تخريج الحديثين.

ص: 45

كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران) رواه أبو داود والنسائي وأحمد والبيهقي وقال الحافظ في التلخيص: وسنده صحيح. وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح. وصححه الحاكم وقال: على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وقال الشيخ الألباني: إنما هو على شرط مسلم. (1)

4.

عن ابن عمر أنه كان يعق عن ولده بشاة شاة للذكور والإناث.

5.

عن عروة بن الزبير أنه كان يعق عن بنيه الذكور والإناث بشاة شاة. رواهما مالك في الموطأ وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: وإسنادهما صحيح. (2)

6.

عن أسماء بنت أبي بكر: (أنها كانت تعق عن بنيها وبني بنيها شاة شاة الذكر والأنثى). (3)

7.

قالوا إن هذا ذبح متقرب به فاستوى فيها الذكر والأنثى كالأضحية والهدي وهذا ما تدل عليه الأحاديث السابقة من استواء الذكر والأنثى في العقيقة. (4)

أدلة الفريق الثالث: واحتجوا بما يلي:

1.

بحديث سلمان بن عامر الضبي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً

).

2.

وعن سمرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: (كل غلام مرتهن بعقيقته

).

3.

وعن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (مع الغلام عقيقة

). (5)

(1) عون المعبود 8/ 33، صحيح سنن أبي داود 2/ 548، التلخيص الحبير 4/ 147، سنن البيهقي 6/ 101، المستدرك 4/ 238، إرواء الغليل 4/ 389.

(2)

موطأ مالك بهامش المنتقى 3/ 102، شرح السنة 11/ 265 الهامش.

(3)

شرح السنة 11/ 265.

(4)

المنتقى 3/ 102، بداية المجتهد 1/ 376.

(5)

سبق تخريج هذه الأحاديث الثلاثة.

ص: 46

تمسك هؤلاء بظاهر قوله عليه الصلاة واسللام: (مع الغلام) والغلام اسم الذكر دون الأنثى (1). وقال ابن قدامة محتجاً لهؤلاء: [لأن العقيقة شكر للنعمة الحاصلة بالولد والجارية لا يحصل بها سرور فلا يشرع لها عقيقة](2)، وهذا التعليل مستبعد عن هؤلاء العلماء الأجلاء فكيف لا يحصل بولادة الأنثى سورو عند المسلم وهو يعلم أن ذلك بيد الله سبحانه ولقد نعى الله على أهل الجاهلية تشاؤمهم بقدوم الأنثى وأبطل ذلك قول تعالى:(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ). (3)

فلا يقبل من المسلم أن يتذمر إذا رزق ببنت أو بنات فإن الأمور كلها بيد الله سبحانه وتعالى وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل من ربى البنات وعلمهن وأدبهن وصبر عليهن وأنهن يكن له حجاباً من النار.

مناقشة وترجيح:

الذي يظهر للناظر والمتمعن في أدلة العلماء في هذه المسألة أن قول الجمهور هو أرجحها لما يلي:

1.

إن حديث ابن عباس ورد برواية أخرى وفيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم: (عق عن الحسن والحسين بكبشين كبشين) قال الشيخ الألباني عن الرواية الأولى لحديث ابن عباس: [صحيح لكن في رواية النسائي كبشين كبشين وهو الأصح]. (4)

(1) تحفة المودود ص 52.

(2)

المغني 9/ 460.

(3)

سورة النحل الآيتان 58 - 59.

(4)

صحيح سنن أبي داود 2/ 547.

ص: 47

2.

إن الروايات التي ذكرت شاتين عن الغلام تضمنت زيادة على الأخرى وزيادة الثقة مقبولة لا سيما إذا جاءت من طرق مختلفة المخارج كما هو الشأن هنا. (1)

3.

أن الأحاديث التي ذكرت شاتين عن الغلام من قول النبي صلى الله عليه وسلم والتي ذكرت شاة عن الغلام من فعله وإذا تعارضا فالقول مقدم على الفعل لأن القول عام وفعله يحتمل الاختصاص به صلى الله عليه وسلم. (2)

4.

إن قصة الذبح عن الحسن والحسين كانت عام أحد والعام الذي بعده والذي ثبت عن أم كرز أنها سألت الرسول صلى الله عليه وسلم عام الحديبية أي سنة ست للهجرة، فقد روى ابن حزم بسنده عن أم كرز قالت:(أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية أسأله عن لحوم الهدي فسمعته يقول: على الغلام شاتان وعلى الجارية شاة، لا يضركم ذكراناً كانت أم إناثاً)، فيؤخذ من هذا أن حديث أم كرز متأخر عن قصة العقيقة عن الحسن والحسين فيكون الحكم للقول المتأخر لا للفعل المتقدم. (3)

5.

روى ابن حزم بسنده عن جعفر محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده: (أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عقت عن الحسن والحسين حين ولدتهما شاة شاة)، ثم قال ابن حزم:[لا شك في أن الذي عقت به فاطمة رضي الله عنها هو غير الذي عق به رسول الله فاجتمع من هذين الخبرين عق عن كل واحد منهما بكبش وعقت فاطمة عن كل واحد منهما بشاة فحصل عن كل واحد منهما كبش وشاة كبش وشاة]. (4)

(1) المحلى 6/ 242، زاد المعاد 2/ 330، إرواء الغليل 4/ 384.

(2)

زاد المعاد 2/ 330.

(3)

المحلى 6/ 242، زاد المعاد 2/ 331.

(4)

المحلى 6/ 243.

ص: 48

ويمكنني القول بأنه يمكن الجمع بين أدلة الجمهور وأدلة الفريق الثاني فنعمل بموجب تلك الأدلة مجتمعة فيكون الأكمل والأفضل في هذه السنة النبوية ذبح شاتين عن الغلام وإن لم يتيسر ذلك أو اقتصر على شاة واحدة عن الغلام أجزأ وحصل المقصود بهذه السنة.

قال الإمام النووي: [السنة أن يعق عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة فإن عق عن الغلام شاة حصل أصل السنة]. (1)

وقال الصنعاني: [يجوز أنه صلى الله عليه وسلم ذبح عن الذكر كبشاً لبيان أنه يجزئ وذبح الأثنين مستحب]. (2)

وأما ما احتج به الفريق الثالث على عدم مشروعية العقيقة عن الأنثى فترده الأحاديث الثابتة في ذلك كحديث أم كرز وعائشة واسماء ولعل هذه الأحاديث لم تبلغهم. والله أعلم.

(1) المجموع 8/ 429.

(2)

سبل السلام 4/ 182.

ص: 49