الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
في وقت العقيقة
وردت الأحاديث النبوية التي تحدد وقت العقيقة باليوم السابع من ولادة المولود منها:
1.
حديث سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى).
2.
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: (أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق).
3.
حديث عائشة قالت: (عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حسن وحسين يوم السابع وسماهما وأمر أن يماط عن رأسهما الأذى). (1)
فمن هذه الأحاديث يؤخذ أن الوقت المستحب للعقيقة هو اليوم السابع من الولادة وهذا باتفاق علماء المسلمين للأحاديث الواردة في ذلك. (2)
وبين العلامة ابن القيم الحكمة من اختصاص العقيقة باليوم السابع للولادة فقال: [وحكمة هذا والله أعلم أن الطفل حين يولد يكون أمره متردداً بين السلامة والعطب ولا يدري هل هو من أمر الحياة أو لا. إلى أن تأتي عليه مدة يستدل بما يشاهد من أحواله فيها على سلامة بنيته وصحة خلقته وأنه قابل للحياة وجعل مقدار تلك المدة أيام الأسبوع فإنه دور يومي كما أن السنة دور شهري
…
والمقصود أن هذه الأيام أول مراتب العمر فإذا استكملها انتقل إلى الثالثة وهي السنين فما نقص عن هذه الأيام
(1) سبق تخريج هذه الأحاديث.
(2)
بداية المجتهد 1/ 376، الإنصاف 4/ 111، المحلى 6/ 234، المجموع 8/ 431، المغني 9/ 461، عون المعبود 8/ 28.
فغير مستوف للخليقة وما زاد عليها فهو مكرر يعاد عند ذكره اسم ما تقدم من عدده فكانت السنة غاية لتمام الخلق وجمع في آخر اليوم السادس منها فجعلت تسمية المولود وإماطة الأذى عنه وفديته وفك رهانه في اليوم السابع]. (1)
وبعد اتفاق العلماء على أن اليوم السابع هو المستحب للعقيقة اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عق عن الحسن والحسين فيه اختلفوا في بعض فروع هذه المسألة:
أولاً: حكم ذبح العقيقة قبل اليوم السابع:
في المسألة قولان:
القول الأول: أجاز الشافعية والحنابلة ذبح العقيقة قبل اليوم السابع من الولادة ونقله ابن حزم عن محمد بن سيرين من التابعين. (2)
قال ابن القيم: [والظاهر أن التقيد بذلك - السابع - استحباب وإلا فلو ذبح عنه في الرابع أو الثامن أو العاشر أو ما بعده أجزأت]. (3)
القول الثاني: وهو للمالكية لا يجوز قبل اليوم السابع وهو قول ابن حزم الظاهري والأمير الصنعاني (4)، لأنه خلاف النص لأن قوله صلى الله عليه وسلم:(تذبح عنه يوم سابعه) فيه تحديد لوقتها فلا تشرع قبله. (5)
(1) تحفة المودود ص 75 - 76.
(2)
المجموع 8/ 431، المغني 9/ 461، المحلى 6/ 240.
(3)
تحفة المودود ص 50.
(4)
الخرشي 3/ 47، المحلى 6/ 240، المنتقى 3/ 102، سبل السلام 4/ 181.
(5)
المحلى 6/ 240، سبل السلام 4/ 181.
ثانياً: حكم ذبح العقيقة بعد اليوم السابع:
للفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يجوز ذبح العقيقة بعد اليوم السابع وهذا هو المشهور من مذهب الإمام مالك وبه قا الأمير الصنعاني وصاحب عون المعبود. (1)
ودليلهم الأحاديث السابقة حيث وقع فيها تحديد وقت ذبح العقيقة باليوم السابع.
القول الثاني: يجوز ذبح العقيقة في السابع الثاني " اليوم الرابع عشر " وفي السابع الثالث " الحادي والعشرون " ولا يجوز بعد ذلك. وهذا قول في مذهب الإمام الشافعي وهو رواية ابن حبيب عن الإمام مالك ونقل عن عائشة وإسحاق. (2) ورواية عن أحمد: [قال صالح بن أحمد: قال أبي في العقيقة تذبح يوم السابع فإن لم يفعل ففي أربعة عشر فإن لم يفعل ففي أحد وعشرين]. (3)
وقال الإمام الترمذي بعد ان ساق حديث سمرة: [والعمل على هذا عند أهل العلم يستحبون أن يذبح عن الغلام العقيقة يوم السابع فإن لم يتهيأ يوم السابع فيوم الرابع عشر فإن لم يتهيأ عق عنه يوم إحدى وعشرين]. (4)
وحجة هؤلاء ما رواه البيهقي بسنده عن إسماعيل بن مسلم عن قتادة عن عبد اله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العقيقة تذبح لسبع ولأربع شعر ولإحدى وعشرين) رواه البيهقي (5)، وذكر الحافظ ابن حجر أن الطبراني أخرجه من رواية
(1) الخرشي 3/ 47، المنتقى 3/ 101، سبل السلام 4/ 181، عون المعبود 8/ 28.
(2)
المجموع 8/ 431، المغني 9/ 461، المنتقى 3/ 101 - 102.
(3)
تحفة المودود ص 48، وانظر فتح الباري 12/ 12.
(4)
صحيح سنن الترمذي 2/ 94.
(5)
سنن البيهقي 9/ 303.
إسماعيل بن مسلم عن عبد الله بن بريدة وإسماعيل ضعيف وذكر الطبراني أنه تفرد به (1)، فالحديث ضعيف كما قال الشيخ الألباني (2)، وورد هذا الحديث موقوفاً على عائشة رواه الحاكم في المستدرك بسنده عن عطاء عن أم كرز وأبي كرز قالا:(نذرت امرأة من آل عبد الرحمن بن أبي بكر إن ولدت امرأة عبد الرحمن نحرت جزوراً. فقالت عائشة رضي الله عنها: لا بل السنة أفضل عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة تقطع جدولاً ولا يكسر لها عظم فيأكل ويطعم ويتصدق وليكن ذلك يوم السابع فإن لم يكن ففي أربعة عشر فإن لم يكن ففي إحدى وعشرين) وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
وقال الشيخ الألباني: [رجاله كلهم ثقات معروفون رجال مسلم غير إبراهيم بن عبد الله وهو السعدي النيسابوري وهو صدوق كما قال الذهبي في الميزان. وغير أبي عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني وهو حافظ كبير مصنف ويعرف بابن الأحزم توفي سنة 344 له ترجمة في التذكرة (3/ 76 - 77) قلت - الألباني -: وعلى هذا فظاهر الإسناد الصحة ولكن عندي علتان](3)، ثم ذكر أن فيه اقطاعاً وشذوذاً وإدراجاً.
وحجتهم في هذا الحديث أن هذا تقدير والظاهر أن عائشة لا تقول ذلك إلا توقيفاً. (4)
القول الثالث: تجوز العقيقة في أي وقت كان بعد اليوم السابع مع مراعاة الأسابيع على الرواية الصحيحة عند لحنابلة وبه قال ابو عبد الله البوشجي من أئمة الشافعية
(1) فتح الباري 12/ 12، وانظر مجمع الزوائد 4/ 59.
(2)
إرواء الغليل 4/ 395.
(3)
إرواء الغليل 4/ 395 - 396.
(4)
المغني 9/ 461.
وبدون ذلك عند الشافعية في المختار عندهم على أن لا يتجاوز البلوغ. وهي رواية أخرى عند الحنابلة وهو قول ابن حزم الظاهري وعلى حسب الإمكان بدون تحديد (1) وهو قول الليث بن سعد ومحمد بن سيرين. (2)
قال في كفاية الأخيار: [والمختار أن لا يتجاوز بها النفاس فإن تجاوزته فيختار أن لا يتجاوز بها الرضاع فإن تجاوز فيختار أن لا يتجاوز بها سبع سنين فإن تجوزها فيختار أن لا يتجاوز بها البلوغ]. (3)
وقال ابن حزم: [فإن لم تذبح في اليوم السابع ذبح بعد ذلك متى أمكن فرضاً]. (4)
ثالثاً: حكم العقيقة إذا مات المولود قبل اليوم السابع:
للفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: تستحب العقيقة عن المولود إذا مات قبل اليوم السابع وهذا قول الشافعية، قال النووي:[لو مات المولود قبل اليوم السابع استحب العقيقة عندنا]. (5)
القول الثاني: قال ابن حزم بوجوب العقيقة عن المولود إذا مات مطلقاً سواء قبل اليوم السابع أو بعده. (6)
(1) الإنصاف 4/ 112، الفروع 3/ 564، المحلى 6/ 234، كفاية الأخيار ص 534، المجموع 8/ 431.
(2)
تحفة المودود ص 49 - 50، المحلى 6/ 240.
(3)
كفاية الأخيار ص 534.
(4)
المحلى 6/ 234.
(5)
المجموع 8/ 448.
(6)
المحلى 6/ 234 - 235.
القول الثالث: قال الإمام مالك لا تستحب العقيقة عن المولود إذا مات قبل اليوم السابع وبه قال الحسن البصري. (1)
رابعاً: حكم العقيقة إذا مات المولود بعد اليوم السابع ولم يعق عنه في اليوم السابع فهل يعق عنه بعد موته؟
للفقهاء في هذه المسألة أقوال:
القول الأول: قال ابن حزم بوجوب العقيقة عن المولود الميت مطلقاً كما سبق. (2)
القول الثاني: يستحب أن يعق عن المولود في هذه الحالة، وهذا القول هو اصح وجهين في مذهب الشافعية ذكرهما الرافعي.
القول الثالث: تسقط العقيقة في هذه الحالة وهو وجه آخر عند الشافعية (3)، وهو مقتضى قول المالكية، والله أعلم.
خامساً: هل يحسب يوم الولادة في الأيام السبعة أم لا؟
في المسألة قولان:
القول الأول: قال الإمام مالك لا يعد اليوم الذي ولد فيه إن ولد نهاراً أي بعد الفجر وإن ولد قبل الفجر حسب ضمن الأيام السبعة وهو قول في مذهب الشافعية ورجحه
(1) المنتقى 3/ 101، المجموع 8/ 448.
(2)
المحلى 6/ 234.
(3)
المجموع 8/ 432.
الأسنوي وقال إن الفتوى عليه عند الشافعية وتبعه الحافظ العراقي في شرح الترمذي. (1)
القول الثاني: وقال الشافعية يحسب يوم الولادة من الأيام السبعة وبه قال عبد الملك بن الماجشون من المالكية. (2)
سادساً: حكم الذبح قبل الولادة:
لا يجوز الذبح قبل الولادة لأن سببها لم يوجد وهذا باتفاق الفقهاء، قال النووي:[وإن ذبحها قبل الولادة لم تجزه بلا خلاف بل تكون شاة لحم]. (3)
سابعاً: أفضل وقت للذبح نهاراً:
قال النووي: [يستحب ذبح العقيقة في صدر النهار كذا نص الشافعي عليه في البويطي وتابعه الأصحاب]. (4)
وقال بعض الشافعية يستحب ذبحها عند طلوع الشمس. (5)
وقال المرداوي من الحنابلة: [يستحب ذبح العقيقة ضحوة النهار]. (6)
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/ 112، بداية المجتهد 1/ 376، الفتح الرباني 13/ 130، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 2/ 282، كفاية الأخيار ص 534.
(2)
كفاية الأخيار ص 534، بداية المجتهد 1/ 376.
(3)
المجموع 8/ 431 وانظر الإنصاف 4/ 111، كشاف القناع 3/ 35.
(4)
المجموع 8/ 432.
(5)
كفاية الأخيار ص 535.
(6)
الإنصاف 4/ 110، وانظر كشاف القناع 3/ 25.
وقال بعض المالكية: [تذبح نهاراً من فجر السابع لغروبه قياساً على الهدي لا على الأضحية](1)، وعند المالكية اختلاف في مبدأ وقت الإجزاء. فقيل وقتها وقت الأضحية، أي ضحى. وقيل بعد الفجر قياساً على قول مالك في الهدي (2). وجعل بعض المالكية وقتها على ثلاثة أقسام:
الأول: مستحب، وهو الضحوة إلى الزوال.
الثاني: مكروه، بعد الزوال إلى الغروب وبعد الفجر إلى طلوع الشمس.
الثالث: ممنوع، وهو ذبحها ليلاً فلا تجزئ إذا ذبحت ليلاً. (3)
ثامناً: حكم ذبح العقيقة ليلاً:
يجوز ذبحها ليلاً، قال ابن رشد:[ولا شك أن من أجاز الضحايا ليلاً أجاز هذه - العقيقة - ليلاً](4)، ومنع من ذلك بعض المالكية كما سبق في الحكم الذي قبله.
الرأي المختار في وقت العقيقة والفروع المتعلقة به:
لا ريب أن أفضل وقت للعقيقة هو اليوم السابع للولادة لما جاء في الأحاديث المذكورة في أول هذه المسألة. ولو ذبح العقيقة قبله أو بعده فإن أصل السنة يحصل إن شاء
(1) الخرشي 3/ 47.
(2)
بداية المجتهد 1/ 377.
(3)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/ 112.
(4)
بداية المجتهد 1/ 377.
الله تعالى ولا بأس بذلك لأن المقصود من العقيقة يحصل فلا أظن أن التحديد بالسابع حتمي ولكنه الأفضل ولا أرى جواز تقديم العقيقة عن الولادة لأن سببها لم يقع بعد.
ولا أميل إلى العق عن المولود الميت سواءً مات قبل اليوم السابع أو بعده لأن العقيقة إشعار بالسرور بسلامة المولود ولم يسلم.
ولا بأس بذبح العقيقة في أي ساعة من ليل أو نهار حسب ظروف الشخص وأحواله. والذبح ليلاً جائز ولا شيء فيه وخاصة مع وجود وسائل الإضاءة فلا يخطئ الذابح في الذبح ومع وجود وسائل التبريد فلا يتعرض اللحم للتلف. والله أعلم.