الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس
حكم العقيقة
اختلف الفقهاء في حكم العقيقة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنها سنة مؤكدة وهذا قول جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين والفقهاء وهو قول الشافعية والمالكية والمشهور المعتمد في مذهب الحنابلة وبه قال الجمهور من العترة. (1)
ونقل هذا القول عن ابن عباس وابن عمر وعائشة وفاطمة بنت رسول الله وبريدة الأسلمي والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وعطاء والزهري وأبو الزناد وإسحاق وأبو ثور وغيرهم كثير. (2)
قال ابن القيم: [فأما أهل الحديث قاطبة وفقهاؤهم وجمهور أهل السنة، فقالوا: هي من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم). (3)
القول الثاني: إنها فرض واجب وهذا قول الظاهرية وعلى رأسهم صاحب المذهب وابن حزم ونقل عن الحسن البصري وهو راية عن الإمام أحمد اختارها جماعة من الحنابلة وهو قول الليث بن سعد. (4)
(1) مغني المحتاج 4/ 293، المجموع 8/ 429، بداية المجتهد 1/ 275، الإقناع 2/ 282، كفاية الأخيار ص 534 ،المغني 9/ 459، نيل الأوطار 5/ 150، الفروع 3/ 563، كشاف القناع 3/ 24، تحفة المودود ص 32، أحكام الذبائح ص 170، الفقه الإسلامي وأدلته 3/ 637.
(2)
المغني 9/ 459، المجموع 8/ 447.
(3)
تحفة المودود ص 32.
(4)
المحلى 6/ 234، المجموع 8/ 447، المغني 9/ 459، الإنصاف 4/ 110، زاد المعاد 2/ 326، تحفة المودود ص 43.
القول الثالث للحنفية وقد اختلفت الروايات في مذهبهم في حكم العقيقة والذي تحصل لي بعد البحث ثلاثة أقوال لهم هي:
أ. أنها تطوع من شاء فعلها ومن شاء تركها، قاله الطحاوي في مختصره وابن عابدين في العقود الدرية (1)، وهذا موافق لقول الجمهور بشكل عام.
ب. أنها مباحة قاله المنبجي ونقله ابن عابدين عن جامع المحبوبي. (2)
جـ. أنها منسوخة يكره فعلها وهو منقول عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة حيث قال: [أما العقيقة فبلغنا أنها كانت في الجاهلية وقد فعلت في أول الإسلام ثم نسخ الأضحى كل ذبح كان قبله]. (3)
وقال الخوارزمي الكرلاني: [كان في الجاهلية ذبائح يذبحونها منها العقيقة ومنها الرجيبة
…
وكلها منسوخ بالأضحية]. (4)
وأما ما نسب لأبي حنيفة من قوله أنها بدعة فهو مردود وباطل، قال العيني:[هذا افتراء فلا يجوز نسبته إلى أبي حنيفة وحاشاه أن يقول مثل هذا](5)، وقد تطاول ابن حزم على أبي حنيفة وتهجم عليه فقال:[ولم يعرف أبو حنيفة العقيقة فكان ماذا؟ ليت شعري إذا لم يعرفها أبو حنيفة ما هذا بنكرة فطالما لم يعرف السنن]. (6)
وليت ابن حزم رحمه الله التمس عذراً لأبي حنيفة رحمه الله لكان أولى من هذا اللمز.
(1) مختصر الطحاوي ص 299، العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية 2/ 212.
(2)
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب 2/ 648، حاشية ابن عابدين 6/ 336.
(3)
الموطأ برواية محمد ص 226، وانظر بدائع الصنائع 6/ 2968.
(4)
الكفاية على الهداية 8/ 428.
(5)
الفتح الرباني 13/ 124.
(6)
المحلى 6/ 241.
وأحسن الشوكاني إذ قال: [وحكى صاحب البحر عن أبي حنيفة أن العقيقة جاهلية محاها الإسلام وهذا إن صح حمل على أنها لم تبلغه الأحاديث الواردة في ذلك](1)، وهكذا ينبغي أن نحسن الظن بعلمائنا فهم أتقى وأورع من أن يتعمدوا مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أدلة الجمهور على أن العقيقة سنة:
1.
عن سلمان بن عامر الضبي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى).
2.
عن سمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى).
3.
عن أم كرز قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة).
4.
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين.
5.
عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة. (2)
وجه الاحتجاج بهذه الأحاديث:
قال الجمهور أن هذه الأحاديث تدل على أن العقيقة سنة مستحبة أكدها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، حيث أنه قد عق الحسن والحسين رضي الله عنهما.
وقالوا أيضاً أن الأمر في حديث عائشة مصروف عن الوجوب إلى الندب ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها لرغبة المسلم واختياره، وما كان سبيله كذلك لا يكون واجباً، فقد جاء في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن
(1) نيل الأوطار 5/ 150.
(2)
سبق تخريج هذه الأحاديث.
العقيقة فقال: (لا يحب الله العقوق) كأنه كره الاسم وقال: (من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فلينسك). (1)
وقالوا أيضاً أنها لو كانت واجبة لكان وجوبها معلوماً من الدين لأن ذلك مما تدعو الحاجة إليه، وتعم به البلوى فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين وجوبها للأمة بياناً عاماً كافياً تقوم به الحجة، وينقطع معه العذر. (2)
6.
واحتجوا أيضاً بالإجماع على أنها سنة قال ابن قدامة: [والإجماع، قال أبو الزناد: العقيقة من أمر الناس كانوا يكرهون تركه](3)، وقول أبي الزناد من أمر الناس تفيد أن العقيقة متروكة لرغبتهم لم يوجبها الشارع ولو كانت واجبة لما تركوها كما أن ترك الواجب يكون حراماً وليس مكروهاً فقط.
7.
وقالوا أنها ذبيحة لسرور حادث فلم تكن واجبة كالوليمة والنقيعة. (4)
8.
وقالوا أيضاً فعله صلى الله عليه وسلم لها لا يدل على الوجوب إنما يدل على الاستحباب. (5)
9.
وقالوا إنها إراقة دم من غير جناية ولا نذر فلم تجب كالأضحية. (6)
واحتج الظاهرية ومن وافقهم على أنها واجبة بما يلي:
1.
حديث سلمان بن عامر الضبي السابق وفيه: (مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً).
2.
وحديث أم كرز السابق وفيه: (وعن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة).
(1) سبق تخريجه وانظر نيل الأوطار 5/ 150.
(2)
تحفة المودود ص 47.
(3)
المغني 9/ 459، وانظر أحكام الذبائح ص 173.
(4)
المغني 9/ 459، والنقيعة هي طعام يصنع عند قدوم المسافر.
(5)
تحفة المودود ص 48، سبل السلام 4/ 180.
(6)
المهذب 8/ 426، مع المجموع.
3.
وحديث سمرة السابق وفيه: (كل غلام رهينة بعقيقته).
وقد ساق ابن حزم هذه الأحاديث بإسناده بعدة روايات ثم قال: [فهذه الأخبار نص ما قلنا وهو قول جماعة من السلف](1)، ثم ذكر آثاراً عن جماعة من السلف منهم: حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عباس، وعطاء، وابن عمر، وبريدة الأسلمي، ثم قال: [أمره عليه الصلاة والسلام بالعققة فرض كما ذكرنا لا يحل لأحد أن يحمل شيئاً من أوامره عليه الصلاة والسلام على جواز تركها إلا بنص آخر وارد بذلك وإلا فالقول بذلك كذب وقفو لما لا علم لهم به، وقد قال عليه الصلاة والسلام:(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)(2)، هذه حجج ابن حزم على الوجوب.
4.
واحتج غيره على وجوبها بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بها وعمل بها، وقال الغلام مرتهن بعقيقته ومع الغلام عقيقة. (3)
قالوا وهذا يدل على الوجوب من وجهين: أحدهما قوله مع الغلام عقيقة وهذا ليس إخباراً عن الواقع بل عن الواجب ثم أمرهم بأن يخرجوا عنه هذا الذي معه، فقال: أهريقوا عنه دماً. (4)
5.
واحتجوا أيضاً بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن: (الرسول صلى الله عليه وسلم امر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق). (5)
(1) المحلى 6/ 336.
(2)
المحلى 6/ 337، والحديث الذي ذكره ابن حزم رواه البخاري ومسلم.
(3)
انظر تحفة المودود ص 43.
(4)
المصدر السابق ص 46.
(5)
سبق تخريجه.
6.
واحتجوا بحديث يوسف بن ماهك وفيه ان عائشة أخبرتهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم: (أمرهم عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة). (1)
وجه الاستدلال بهذين الحديثين أن فيهما الأمر النبوي بالعقيقة والأصل في الأمر أن يحمل على الوجوب.
7.
واحتجوا أيضاً بحديث يزيد ب عبد المزني عن أبيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يعق عن الغلام ولايمس رأسه بدم)(2)، وقالوا هذا خبر بمعنى الأمر. (3)
واحتج الحنفية بما يلي:
أولاً: بالنسبة للقول الأول عند الحنفية الذي يرى أن العقيقة مستحبة فأدلتهم عليه هي أدلة الجمهور السابقة.
ثانياً: بالنسبة للقول بأنها مباحة فاحتجوا عليه بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده السابق، وفيه: (من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فلينسك
…
الخ) وهو يفيد الإباحة كما قالوا. (4)
ثالثاً: وأما قولهم بأنها منسوخة فدليلهم ما ذكره الكاساني: [ولنا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نسخت الأضحية كل دم كان قبلها، ونسخ صوم رمضان كل صوم كان قبله ونسخت الزكاة كل صدقة كانت قبلها) والعقيقة كانت قبل
(1) سبق تخريجه.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
تحفة المودود ص 47.
(4)
اللباب 2/ 648.
الأضحية فصارت منسوخة بها كالعتيرة، والعقيقة ما كانت قبلها فرضاً بل كانت فضلاً وليس بعد نسخ الفضل إلا الكراهة بخلاف صوم عاشوراء]. (1)
واحتجوا أيضاً بما رواه أبو يوسف في الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال: [كانت العقيقة في الجاهلية فلما جاء الإسلام رفضت] وبما رواه أبو يوسف أيضاً عن ابي حنيفة عن رجل عن محمد بن الحنفية: [أن العقيقة كانت في الجاهلية فلما جاء الأضحى رفضت]. (2)
واحتجوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده السابق وفيه: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة، فقال: لا يحب الله العقوق).
واحتجوا أيضاً بحديث أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لما ولدت فاطمة حسناً، قالت: ألا أعق عن ابني بدم؟ قال: لا، ولكن احلقي رأسه وتصدقي بوزن شعره فضة على المساكين والأوفاض. ففعلت ذلك فلما ولد حسيناً فعلت مثل ذلك) وفي رواية أخرى قال عليه السلام: (لا تعقي عنه) رواه الإمام أحمد وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير وهو حديث حسن. (3)
وقال الساعاتي: [وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل، فيه لين وله شواهد تعضده ولعل الحافظ الهيثمي حسن لذلك]. (4)
(1) بدائع الصنائع 6/ 2968.
(2)
كتاب الآثار ص 238.
(3)
مجمع الزوائد 4/ 57.
(4)
الفتح الرباني 13/ 126 - 127، والأوفاض أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجون كانوا في المسجد أو في الصفة. المصدر السابق.
مناقشة وترجيح:
بعد إجالة النظر والفكر في أدلة العلماء في هذه المسألة يتضح لنا رجحان قول جمهور أهل العلم بأن العقيقة سنة مؤكدة وليست فرضاً واجباً كما قال الظاهرية وليست مكروهة أو منسوخة كما قال بعض الحنفية.
ومما يؤكد لنا هذا الترجيح:
إن الأدلة التي ساقها الظاهرية ومن وافقهم على وجوب العقيقة مصروفة عن ظاهرها بالنص وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (من ولد له ولد فأحب أن يسنك عنه فلينسك) فعلق ذلك على المحبة والاختيار فهذه قرينة منصوصة صرفت الأمر من الوجوب إلى الندب، وأحاديثهم محمولة على تأكيد الاستحباب جمعاً بين الأخبار.
وأما أدلة الحنفية على كراهيتها أو نسخها فالجواب عنهما بما يأتي:
1.
إن الحديث الذي احتج به الحنفية أولاً: (نسخت الأضحية كل دم كان قبلها
…
) حديث ضعيف لا يصح الاحتجاح به، وقد روي هذا الحديث من عدة طرق ذكراها الدارقطني في سننه وبين ضعفها كما يلي:
أ. حدثنا ابي أن محمد بن حرب نا أبو كامل نا الحارث بن نبهان نا عتبة بن بقظان عن الشعبي عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (محى ذبح الأضاحي كل ذبح قبله
…
) هذا الحديث فيه عتبة بن يقظان وهو متروك كما قال الدارقطني (1)، وقال الحافظ في التقريب: ضعيف. (2)
ب. نا محمد بن يوسف بن سليمان الخلال نا الهيثم بن سهل نا المسيب بن شريك نا عبيد المكتب عن عامر عن مسروق عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نسخ
(1) سنن الدارقطني 4/ 281، التعليق المغني على الدارقطني 4/ 278.
(2)
التقريب ص 232.
الأضحى كل ذبح
…
) هذه الرواية فيها المسيب بن شريك قال فيه يحيى بن معين: [ليس بشيء. وقال أحمد: ترك الناس حديثه. وقال مسلم: متروك]. (1)
جـ. نا محمد بن عبد الله الشافعي نا محمد بن تمام بن صالح النهراني بحمص نا المسيب بن واضح نا المسيب بن شريك عن عتبة بن يقظان عن الشعبي عن مسروق عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن ونسخ صوم رمضان كل صوم ونسخ غسل الجنابة كل غسل ونسخت الأضاحي كل ذبح)(2)، وفيه أيضاً المسيب بن شريك وعتبة بن يقظان وعرفت ما قيل فيهما فلا يحتج بهما، وقال صاحب التعليق المغني على الدارقطني:[حديث علي مروي من طرق وكلها ضعاف لا يصح الاحتجاج بها](3)، وقال النووي:[اتفق الحفاظ على ضعفه]. (4)
وأجاب ابن حزم عن احتجاجهم بنسخ الأضحى كل ذبح قبله بقوله: [واحتج من لم يرها واجبة برواية واهية عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين: (نسخ الأضحى كل ذبح كان قبله) وهذا لا حجة فيه لأنه قول محمد بن علي، ولا يصح دعوى النسخ إلا بنص مسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم]. (5)
وقال الإمام أحمد في الأحاديث المعارضة لأحاديث العقيقة: [ليست بشيء ولا يعبأ بها]. (6)
(1) التعليق المغني على الدارقطني 4/ 279.
(2)
سننالدار قطي 4/ 281.
(3)
التعليق المغني على الدارقطني 4/ 278.
(4)
المجموع 8/ 386.
(5)
المحلى 6/ 241.
(6)
تحفة المودود ص 37.
وادعاء الحنفية بأن الأضحية نسخت العقيقة باطل لأن الأضحية شرعت في السنة الثانية للهجرة وعق النبي عن الحسن والحسين في السنتين الثالثة والرابعة، وحديث أم كرز في العقيقة كان عام الحديبية وهو في السنة السادسة للهجرة والعقيقة عن إبراهيم ابن رسول الله كانت سنة ثمان للهجرة، فكيف ينسخ المتقدم المتأخر وهذا باطل. (1)
وأما احتجاج الحنفية بحديث: (لا يحب الله العقوق) فلا دلالة فيه على كراهة العقيقة لأن بقية الحديث تثبتها وهي: (من ولد له فأحب أن ينسك عن ولده فلينسك).
قال البغوي: [وليس هذا الحديث عند العامة على توهين أمر العقيقة ولكنه كره تسميتها بهذا الإسم على مذهبه في تغيير الاسم القبيح إلى ما هو أحسن منه فأحب أن يسميها من نسيكة أو ذبيحة أو نحوها]. (2)
وأما الجواب عن احتجاجهم بحديث: (لا تعقي) ما قاله الحافظ العراقي في شرح الترمذي يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم كان عق عنه ثم استأذنته فاطمة أن تعق هي عنه أيضاً فمنعها.
وقال الحافظ بن حجر: [ويحتمل أن يكون منعها لضيق ما عندهم حينئذ فأرشدها إلى نوع من الصدقة أخف، ثم تيسر له عن قرب ما عق به عنه]. (3)
(1) انظر التعليق المغني على الدارقطني 4/ 279 - 280.
(2)
شرح السنة 1/ 263 - 264.
(3)
فتح الباري 12/ 13.
وقال ابن القيم: [ولو صح قوله لا تعقي عنه لم يدل ذلك على كراهية العقيقة لأنه عليه الصلاة والسلام أحب أن يتحمل عنها العقيقة فقال لها: (لا تعقي) وعق هو عليه الصلاة والسلام عنهما وكفاهما المؤنة]. (1)
وقال الشوكاني: [قوله: (لا تعقي) قيل يحمل هذا على أنه قد كان صلى الله عليه وسلم عق عنه، وهذا متعين]. (2)
هذا هو الظاهر لأن الأحاديث قد ثبتت ثبوتاً لا مجال للشك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين فحصل أصل السنة بعق الرسول عنهما ولا داع لأن تعق فاطمة عنهما مرة ثانية. والله أعلم.
(1) تحفة المودود ص 37 - 38.
(2)
نيل الأوطار 5/ 155.