الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث عشر
حكم تلطيخ رأس المولود بشيء من دم العقيقة
للعلماء في هذه المسألة قولان:
القول الأول: ذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة وأهل الحديث إلى كراهة تلطيخ رأس المولود بشيء من دم العقيقة. (1)
القول الثاني: ذهب الحسن البصري وقتادة من التابعين وابن حزم الظاهري إلى أن ذلك مستحب ونقله ابن حزم عن ابن عمر (2)، واحتج هؤلاء بما رواه همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(كل غلام رهينة بعقيقة تذبح عنه يوم السابع ويحلق ويدمى) فكان قتادة إذا سئل عن الدم كيف يصنع به قال: [إذا ذبحت العقيقة أخذت منها صوفة واستقبلت بها أوداجها ثم توضع على يافوخ الصبي حتى يسيل على رأسه مثل الخيط ثم يغسل رأسه بعده ويحلق]. (3)
وروى ابن حزم بسنده عن ابن عمر قال: [يحلق رأسه ويلطخه بالدم]. (4)
وقد أجاب الجمهور على هذا الاستدلال وبينوا أن هذا القول شاذ وأن الرواية المحفوظة لحديث سمرة (يسمى) وليس (يدمى) وهذا بيان ما قالوه:
1.
قال أبو داود صاحب السنن بعد روايته للحديث المذكور: [هذا وهم من همام ويدمى]. قال أبو داود: [خولف همام في هذا الكلام وهو وهم من همام وإنما قالوا
(1) المجموع 8/ 432، المغني 9/ 462، عون المعبود 8/ 28، الخرشي 3/ 48، بداية المجتهد 1/ 377، الإنصاف 4/ 112.
(2)
المحلى 6/ 234، المجموع 8/ 432، المغني 9/ 462.
(3)
عون المعبود 8/ 27.
(4)
المحلى 6/ 436.
يسمى. فقال: همام: يدمى. قال أبو داود وليس يؤخذ بهذا]. (1)
2.
وقال أبو داود بعد أن ساق الرواية الثانية لحديث سمرة وفيها: (يسمى)، قال أبو داود:[ويسمى أصح، كذا قال سلام بن أبي مطيع وإياس بن دغفل وأشعث عن الحسن. قال: ويسمى، ورواه أشعث عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ويسمى](2)
3.
نقل الخلال عن الإمام أحمد أنه سئل: [فيحلق رأسه؟ قال: نعم. قلت: فيدمى؟ قال: لا هذا من فعل الجاهلية. قلت: فحديث قتادة عن الحسن كيف ويدمى؟ فقال: أما همام فيقول: ويدمى وأما سعيد فيقول ويسمَّى].
وقال في رواية الأثرم: [قال ابن عروبة: يسمى، وقال همام: يدمى. وما أراه إلا خطأ]. (3)
4.
ويرى الشيخ ناصر الدين الألباني أن رواية الحديث بلفظ: (ويسمى) هي التي ينشرح لها الصدر لاتفاق الأكثر عليها ولا سيما أن لها متابعات وشواهد بخلاف رواية (ويدمى) فهي غريبة وأكد كلام أبي داود في تخطئة همام في قوله (ويدمى) وإن كان ثقة فقال: [وهذا وإن كان بعيداً بالنسبة للثقة فلا بد من ذلك حتى يسلم لنا حفظ الجماعة فإنه إذا كان صعباً تخطئة الثقة الذي زاد على الجماعة فتخطئة هؤلاء ونسبتهم إلى عدم الحفظ أصعب]. (4)
5.
وأكد الجمهور قولهم بأن التدمية كانت من أمر الجاهلية فلما جاء الإسلام أبطلها ويدل على نسخها وإبطالها ما يلي:
(1) عون المعبود 8/ 27 - 28.
(2)
عون المعبود 8/ 29.
(3)
تحفة المودود ص 35 - 36.
(4)
إرواء الغليل 4/ 387 - 388.
أ. حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: سمعت أبي بريدة يقول: (كنا في الجاهلية إذا ولد لأحد غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها، فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران). (1)
ب. عن عائشة رضي الله عنها في حديث العقيقة قالت: (وكان أهل الجاهلية يجعلون قطنة في دم العقيقة ويجعلونه على رأس الصبي فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل مكان الدم خلوفاً) رواه البيهقي وهذا لفظه (2)، وقال النووي بإسناده صحيح. (3)
وقال الألباني: [بإسناد رجاله ثقات لكن فيه عنعنة ابن جريج لكن قد صرح بالتحديث عند ابن حبان فصح الحديث والحمد لله](4)، ورواه ابن حبان وقال المحقق: إسناده صحيح (5).
والخلوف: بفتح الخاء هو طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة، قاله الإمام النووي. (6)
ج. عن يزيد بن عبد المزني عن أبيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم). (7)
(1) سبق تخريجه.
(2)
سنن البيهقي 9/ 303.
(3)
المجموع 8/ 428.
(4)
إرواء الغليل 4/ 389.
(5)
الإحسان 12/ 124.
(6)
المجموع 8/ 429.
(7)
سبق تخريجه.
فهذه الأحاديث تدل على نسخ التدمية وأنها كانت من أمر الجاهلية، قال ابن رشد: [وجميع العلماء على أنه كان يدمى رأس الطفل في الجاهلية بدمها وأنه نسخ في الإسلام بحديث بريدة
…
]. (1)
6.
قالوا لقد ورد في حديث سلمان بن عامر الضبي: (
…
وأميطوا عنه الأذى) وهذا يفسر بترك ما كانت الجاهلية تفعله في تلطيخ رأس المولود بدم العقيقة (2).
وقالوا أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أميطوا عنه الأذى) والدم أذى فيكف يؤمر بأن يصاب بالأذى ويلطخ به؟ (3)
7.
وقالوا: أن الدم نجس فلا يشرع إصابة الصبي به كسائر النجاسات. (4)
بعد هذا الاستعراض لحجج الفريقين نرى أن قول الجمهور هو الأصح وأن التدمية غير جائزة وأن تدمية رأس المولود كانت من أمر الجاهلية ونسخها الإسلام. قال ابن القيم: [ولما أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم العقيقة في الإسلام وأكد أمرها وأخبر أن الغلام مرتهن بها. نهاهم أن يجعلوا على رأس الصبي من الدم شيئاً وسن لهم أن يجعلوا عليه شيئاً من الزعفران لأنهم في الجاهلية إنما كانوا يلطخون رأس المولود بدم العقيقة تبركاً به فإن دم الذبيحة كان مباركاً عندهم حتى كانوا يلطخون منه آلهتهم تعظيماً لها أنفع للأبوين وللمولود وللمساكين وهو حلق الرأس بالزعفران الطيب الرائحة الحسن اللون بدلاً عن الدم الخبيث الرائحة النجس العين، والزعفران من أطيب الطيب وألطفه وأحسنه لوناً]. (5)
(1) بداية المجتهد 1/ 377.
(2)
الخرشي 3/ 48.
(3)
تحفة المودود ص 36.
(4)
عون المعبود 8/ 29.
(5)
تحفة المودود ص 56.