المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أسئلة من الهند - مجلة المنار - جـ ١٤

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (14)

- ‌المحرم - 1329ه

- ‌فاتحة المجلد الرابع عشر

- ‌الاشتراك في المنار

- ‌فتاوى المنار

- ‌جمعية الدعوة والإرشاد

- ‌المقالة الأولى لجريدة العلم

- ‌المقالة الأولى التي كتبتردًّا على جريدة العلم

- ‌نهضة التعليم الإسلامي في سملك دابل

- ‌أعظم رجل في العالم

- ‌اعتصام الفئتين الكبريين من المسلمين

- ‌البابية البهائية

- ‌الماسون في الدولة العثمانية

- ‌صفر - 1329ه

- ‌الذكر بالأسماء المفردة

- ‌أسئلة من الهند

- ‌جماعة الدعوة والإرشاد

- ‌أقوال الجرائد

- ‌حال المسلمين والمصلحين

- ‌الباطنية وآخر فرقهم البابية البهائية [

- ‌تقرير مرفوع إلى جناب صاحب الدولةالأمير أحمد باشا فؤاد حضرتلري

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌الأخبار والآراء

- ‌ربيع أول - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌جماعة الدعوة والإرشاد

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌الأخبار والآراء

- ‌ربيع الآخر - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌أمير الألاي صادق بك

- ‌المسلمون والقبط(النبذة السادسة)

- ‌اقتراح صاحب المنار على المؤتمر المصري

- ‌كيف خلق الإنسان [*]

- ‌النسائيات [*]

- ‌مذكرة عن أعمالالمبشرين المسيحيين

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌جماعة الدعوة والإرشاد

- ‌مقدمة مقالات المسلمون والقبط

- ‌جمادى الأولى - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌العالم الإسلاميوالاستعمار الأوربي(1)

- ‌آراء أديسونفي مستقبل البشر

- ‌بيان أمير الألاي صادق بك

- ‌شيء من مناقب صادق بك

- ‌بيان هادي باشا الفاروقي

- ‌ألمانيا والعالم الإسلامي

- ‌(المؤتمر المصري)

- ‌اتفاق الدولوالمانع لها من قبول دولتنا فيه

- ‌احتلال فرنسة لمملكة المغرب الأقصى

- ‌جمادى الآخرة - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌العالم الإسلاميوالاستعمار الأوربي(2)

- ‌عليكم باللغة العربيةسيدة اللغات

- ‌المؤتمر المصري [*]

- ‌ملكة بهوبال الهندية في إنكلترة [

- ‌بلاغ محمود شوكت باشا

- ‌رأي الأمير صباح الدين

- ‌سياحة السلطانوالاستفادة من منصبه الديني

- ‌جماعة الدعوة والإرشاد

- ‌رجب - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌بحث الاجتهاد والتقليد

- ‌كلمة في السياحة المفيدة

- ‌قانون الجامع الأزهروالمعاهد الدينية العلمية الإسلامية

- ‌هل للقول من مستمع؟وهل للداعي من مجيب

- ‌ حضرموت

- ‌الدعاء للسلاطينفي الخطب وحكمه شرعًا

- ‌الإلحاد في المدارس العلمانية [*]

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌فقيد مصرمصطفى رياض باشا(2)

- ‌جمعية الاتحادومشروع العلم والإرشاد

- ‌شعبان - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌علم الفلك والقرآن

- ‌فصل في بيان دقائقالمسائل العلمية الفلكية

- ‌كلمات علمية عربيةأسوقها إلى المترجمين والمعربين [1]

- ‌الانتقاد على المنار

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌فقيد مصرمصطفى رياض باشا(3)

- ‌مشروع المنتدى الأدبي في التعليم العربي

- ‌الحريق في الآستانة

- ‌استدراك [

- ‌مخاطبات المنار

- ‌رمضان - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌كلمات علمية عربيةأسوقها إلى المترجمين والمعربين [*](2)

- ‌ملحق بقانون الجامع الأزهروالمعاهد الدينية العلمية الإسلامية

- ‌الكوليرا [*]

- ‌الإسعافات الطبية الوقتيةللمصابين بالكوليرا

- ‌أرباب الأقلام في بلاد الشامومشروع الأصفر

- ‌شوال - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌بحث الاجتهاد والتقليد

- ‌المسألة الشرقية [*]

- ‌حالة المسلمين في جاوه والإصلاح

- ‌الانتقاد على المنار

- ‌رد المنار

- ‌نظام مدرسة دار الدعوة والإرشاد

- ‌ذو القعدة - 1329ه

- ‌العلوم والفنونالتي تدرس في دار الدعوة والإرشاد

- ‌فتاوى المنار

- ‌المسألة الشرقية

- ‌مقدمات الحربفي طرابلس الغرب

- ‌عِبَرُ الحرب في طرابلس الغرب

- ‌ذو الحجة - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌مناظرة عالم مسلملدعاة البروتستانت في بغداد

- ‌المسألة الشرقية

- ‌منشورات إيطالية الخداعية

- ‌إعانة أمير أفغانستان وكبراء قومهلأهل طرابلس الغرب

- ‌عريضة الشكرمن العثمانيين المستخدمين في أفغانستان إلى أميرها

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌كتابٌ رصيفٌ ورأيٌ حصيفٌفي المساعدة على الحرب بطرابلس الغرب

- ‌الخطر الأكبر على بلاد العربوالرأي في تلافيه

- ‌الانتقاد على المنار

الفصل: ‌أسئلة من الهند

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌أسئلة من الهند

(س5 11) من صاحب الإمضاء:

سيدي رأيت في حاشية كتاب العلو لابن قدامة المطبوع في مطبعة المنارالأغر

على القصة المروية عن عبد الله بن رواحة مع امرأته رضي الله عنها حيث رأته

مع جارية له قد نال منها، فلامته فجحدها، فقالت له: إن كنت صادقًا فاقرأ القرآن،

فإن الجنب لا يقرأ القرآن، فقال: شهدت

الأبيات، فقالت: آمنت بالله وكذبت

بصري، وكانت لا تحفظ القرآن. كلامًا ما نصه: لا شك عندي في أن الرواية في

هذه المسألة موضوعة

إلخ. مع أن الحافظ ابن عبد البر قال في الاستيعاب (كما

ذكر ذلك ابن القيم في الجيوش الإسلامية وأقره) : رويناها (يعني القصة) من

وجوه صحاح، فالمسئول إيضاح الصواب.

قوله صلى الله عليه وسلم كل قرض جر نفعًا هو ربا ما هو تفصيل هذا النفع،

ويفعل الغواصون عندنا أمرًا هو أن صحاب السفينة يقرض الذين يغوصون معه

في سفينته؛ بشرط أن لا يغوصوا مع غيره، وأمرين آخرين (وهما وإن لم يكونا

من باب القرض، لكن نحتاج إلى بيان الحكم فيهما) الأول: أن يبيع صاحب

السفينة من أحد رفقائه سلعة بثمن إلى أجل، على أن يغوص معه في سفينته،

والثاني: هو أن يبيع رجل من آخر صاحب سفينة سلعة بثمن إلى أجل، على أن

يأتي إليه بلؤلؤ ليشتريه، فإذا جاء إليه به (بعد الغوص) فهو بالخيار، إن

تراضيا على ثمن حينئذ باعه منه وإن لم يتراضيا باعه صاحبه حيث شاء، وأدى

ذلك الطلب الذي عليه إلى المذكور، فهل هذه الصورة من صور الرهن؟ وهل

يحرم شيء من ذلك؟ .

ما هي ضربة الغائص المحرمة شرعًا، هل هي كل غوصه، ويفعل

الغواصون عندنا أمرًا؛ هو أن صاحب السفينة يستأجر من يغوص له مدة معلومة (

لا مرات معلومة) بأجرة معلومة، فهل ذلك جائز أم لا، وما العلة في تحريم

ضربة الغائص، هل هي جهالة اللؤلؤ الذي في الصدف أم ما هي أرجوك الجواب

بما يبين به الصواب، وبيان الدليل بما يشفي العليل، أثابكم الله، داعيكم حرر هذه

السطور بطريق الاستعجال، فأرجوكم السماح وغض الطرف، وعلى كل حال

فلسيدي إصلاح ما وقع من خطأ إن كان. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

...

...

...

...

... داعيكم

...

...

...

...

عبد الصمد الوهبي

* * *

(قصة عبد الله بن رواحة مع امرأته)

(ج5) إن العبارة التي قلتها ظاهرة في أنها إبداء رأي مني لا نقل عن

المحدثين، وقد بنيت هذا النقل على أصول الدراية، لا على نقد أسانيد تلك الرواية،

فإنني لم أطلع على إسناد ابن عبد البر لهذه القصة، وقد رأيت ما نقله ابن القيم

عن الاستيعاب في الاستيعاب نفسه، ولم يغير رأيي في القصة، وإنني أعلم أنه

ليس كل ما صحح بعض المحدثين سنده يكون صحيحًا في نفسه أو متفقًا على تعديل

رجاله، فكأين من رواية صحح بعضهم سندها، وقال بعضهم بوضعها لعلّة في

متنها أو في سندها، والجرح مقدم على التعديل بشرطه، وقد ذكروا من علامات

الوضع ما ردوا به بعض الروايات الصحيحة الإسناد؛ كرواية مسلم في صلاة

الكسوف بثلاث ركوعات وثلاث سجودات، وروايته في حديث (خلق الله التربة يوم

السبت) ؛ لأن الأولى مخالفة للروايات الصحيحة التي جرى عليها العمل، والثانية

مخالفة للقرآن.

من العبرة في هذا الباب حديث علي كرم الله وجهه في كون النبي صلى الله

عليه وسلم ما كان يقرأ القرآن جنبًا، صححه الترمذي وابن حبان وابن السكن

والبغوي وغيرهم، وقال الشافعي: أهل الحديث لا يثبتونه، وقال الخطابي: كان

أحمد يوهن هذا الحديث، وقال النووي: خالف الترمذي، أما الأكثرون فضعفوا

هذا الحديث، وعلته من عبد الله بن سلمة راويه، حكى البخاري عن عمرو بن مرة

الراوي له عنه أنه قال: كان عبد الله بن سلمة يحدثنا فنعرف وننكر، وقال البيهقي

في قول الشافعي الذي ذكرناه آنفًا: إنما قال ذلك لأن عبد الله بن سلمة راويه

كان قد تغير، وإنما روى هذا الحديث بعدما كبر، قاله شعبة.

ومما يدلك على أن تصحيح ابن عبد البر لتلك القصة لم يعتد به جماهير

العلماء؛ عدم ذكرهم إياه في بحث تحريم القراءة على الجنب، حتى صرح بعض

المحدثين والفقهاء بأن أقوى ما روي في هذا الباب حديث علي الذي أشرنا إليه آنفًا،

والقصة تدل على أن هذا كان معروفًا مستفيضًا بين الصحابة، يعرفه النساء

والرجال، وما كان كذلك تكثر الروايات الصحيحة فيه. والمعروف الذي تداولوه

وبحثوا فيه حديث علي وقد علمت ما فيه، وحديث ابن عمر مرفوعًا: (لا يقرأ

الجنب ولا الحائض شيئًا من القرآن) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وهو ضعيف

، وفي المعنى حديث جابر مرفوعا:(لا يقرأ الحائض ولا النفساء من القرآن شيئًا)

، رواه الدارقطني وهو واهٍ أو موضوع، وأقوى ما في الباب من الآثار ما صح

عن عمر بن الخطاب أنه كان يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب.

لم يذكر الحافظ ابن حجر قصة عبد الله بن رواحة في ترجمته من كتابه

(الإصابة) ، وهي في كنز العمال تختلف عما في الاستيعاب، فقد عزاها إلى ابن

عساكر من رواية عكرمة مولى ابن عباس؛ وفيه أن امرأة عبد الله لما رأته مع

الجارية رجعت، وأخذت الشفرة فلقيها، فقالت: لو وجدتك حيث كنت لوجأتك بها (

أي بالشفرة) فأنكر أنه كان مع الجارية، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه

وسلم نهى أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب، فقالت: اقرأه، فقال:

أتانا رسول الله يتلو كتابه

كما لاح مشهور من الصبح ساطع

أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا

به موقنات أن ما قال واقع

يبيت يجافي جنبه عن فراشه

إذا اشتغلت بالكافرين المضاجع

قالت: آمنت بالله وكذبت بصري، قال عبد الله بن رواحة: فغدوت على

النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فضحك، حتى بدت نواجذه، وكأن السيوطي

رجح هذه الرواية على اعترافه بضعفها على رواية ابن عبد البر فاقتصر عليها،

ويعلم السائل أن ابن قدامة أورد رواية أخرى في المسألة، وفيها أنه لما أنكر على

امرأته، قالت له: اقرأ القرآن؛ فأنشد:

شهدت بإذن الله أن محمدًا

رسول الذي فوق السماوات من عل

وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما

له عمل من ربه متقبل

وقد روى هذه الرواية من طريق أبي بكر بن شيبة عن أسامة عن نافع، وسنده

إليه ضعيف، فقد طعنوا في عبد العزيز الكناني وشيخه عبد الرحمن بن عثمان

وقالوا في شيخه عمه محمد بن القاسم: إنه قد اتهم في إكثاره عن أبي بكر أحمد بن

علي، فهذه ثلاث روايات في الشعر الذي قيل: إن عبد الله بن رواحة أنشده،

الثالثة منها ما أورده ابن عبد البر وهي:

شهدت بأن وعد الله حق

وإن النار مسرى الكافرينا

وأن العرش فوق الماء طاف

وفوق العرش رب العالمينا

ولم يستدل الفقهاء بشيء منها على تحريم التلاوة على الجنب على أنها

أصرح شيء فيه، وما ذلك إلا لعدم اعتمادها أو وضعها.

أما وجه حكمي بوضعها فهو ما فيها من نسبة تعمد الكذب من صحابي من

الأنصار الأولين الصادقين الصالحين، وتسميته الشعر قرآنًا أي نسبته إلى الله عز

وجل القائل فيه: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِر} (الحاقة: 41) وإقرار النبي صلى

الله عليه وسلم له على ذلك بالضحك الدال على الاستحسان، كما صرح به في

بعض الروايات، وقد صرح العلماء بأن من نسب إلى القرآن ما ليس منه كان

مرتدًّا.

* * *

(حديث كل قرض جر نفعًا)

(ج6)(حديث كل قرض جر نفعًا فهو ربا) ضعيف، بل قال الفيروزآبادي:

إنه موضوع ولا عبرة بأخذ كثير من الفقهاء به، كما قال المحدثون وهم أهل هذا

الشأن، وقد بينا ذلك في ص362 وما بعدها من مجلد المنار العاشر في سياق

الفتوى في أمانات المصارف (البنوك) ، والنفع عندهم عام يشمل العين والمنفعة،

ولا يحرم إلا إذا اشترط في العقد، وقد بينا هناك في المنار جواز أن يؤدي المدين

أفضل مما أخذ.

* * *

(القرض بالشرط الفاسد)

(ج7) من أقرض الغواصين بشرط أن لا يغوصوا مع غيره، كان هذا

الشرط فاسدًا، فإنهم إذا لم يغوصوا معه لا يلزمهم إلا وفاء الدين، بل الظاهر أن

هذا وعد لا شرط، والوعد يجب الوفاء به ديانة لا قضاء عند جماهير الفقهاء، أي أن

الحاكم لا يجبر الواعد أن يفي بوعده، ولا يحكم للموعود بأن الموعود به حق له.

* * *

(البيع بشرط عمل أجنبي عن العقد)

(ج8) إذا باع صاحب السفينة للغواص سلعة بثمن مؤجل بشرط أن يغوص

معه فجماهير الفقهاء لا يعتدون بهذا الشرط، والقول فيه كالقول في مثله في المسألة

السابقة أي أن قبول المشتري له عبارة عن وعد منه، وهو لا يجب عليه للبائع

غير الثمن المسمى غاص مع غيره أم لا، نعم.. إنه يجب عليه الوفاء بالوعد ولا

سيما لمن تمتع بماله بهذا القصد.

(ج9) ومثل هذه المسألة ما بعدها؛ وهو أن يبيعه سلعة بثمن إلى أجل

على أن يأتيه بلؤلؤ ليشتريه منه بالتراضي، فإن لم يتراضوا باع لؤلؤه حيث شاء،

وأدى الثمن، وليس هذا من الرهن في شيء، فللمشتري أن يتصرف في السلعة

ويستهلكها، وليس عليه غير ثمنها إلا الوفاء بوعده ديانة.

* * *

(ضربة الغائص)

(ج10) ضربة الغائص التي ورد النهي عنها؛ هي أن يقول الغائص

للتاجر مثلاً: أغوص لك في البحر غوصة، فما أخرجته فهو لك بكذا، قالوا وقد

نهي عنه لما فيه من الغرر؛ ولأنه من بيع المجهول وهو يشبه القمار وهو غير

جائز، ومثله ضربة القانص - أي الصائد - يرمي شبكته في البحر مرة بكذا درهمًا،

والحديث في النهي عن ضربة الغائص ضعيف، رواه أحمد وابن ماجه والبزار

والدارقطني عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد قال: (نهى النبي صلى الله عليه

وسلم عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعن بيع ما في ضروعها إلا

بكيل، وعن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء المغانم حتى تقسم، وعن شراء

الصدقات حتى تقبض، وعن ضربة الغائص) ؛ وشهر بن حوشب مختلف فيه،

حسن البخاري حديثه، وقال ابن عدي: شهر ممن لا يحتج به ولا يتدين بحديثه.

وقد صرح الحافظ ابن حجر بضعف سند الحديث، ولكنهم قووا متنه بالأحاديث

الصحيحة في النهي عن بيع الغرر.

* * *

(استئجار الغواصين)

(ج11) استئجار الغواص للغوص مدة معلومة أو مرات معدودة جائز؛ لأن

كلا منهما استئجار لعمل معين بأجرة معلومة، والفرق بين ضربة الغائص

والاستئجار للغوص، أن الغواص في الحالة الأولى يبيع شيئًا مجهولاً لا يملكه،

وفي الحالة الثانية يعمل عملاً بأجرة، وليست الأجرة للغوص عدة مرات جائزة

لأجل تعدد المرات، ولا ضربة الغائص ممنوعة لأنها مرة واحدة، بل لما ذكرنا

من الفرق فالضربة والضربات سواء في ذلك البيع وفي هذه الإجارة، والأجير

يستحق الأجرة بمجرد العقد كما صرح به الحنابلة، ويجوز تأخيره بالتراضي،

ولأصحاب الأموال وأصحاب السفن الذين يقرضون الغواصين بتلك الشروط التي لا

علاقة لها بالقرض، ولا تقيم المحاكم لها وزنًا أن يستأجروهم للغوص قبل وقته،

ويعطوهم الأجرة كلها أو بعضها عند العقد أو بعده وقبل زمن الغوص بحسب

الحاجة، فهذه أمثل الطرق إن كانوا يخافون غدرهم وعدم وفائهم. وأما الذين

يقرضون المال لأجل أن يشتروا اللؤلؤ في موسمه، فخير لهم أن يطبقوا معاملتهم

على قواعد السلم إن أمكن.

هذا ما ظهر لنا في أجوبة هذه المسائل بناء على قواعد الفقه المشهورة المبنية

على المعاملات القضائية، وأشرنا إلى أن المتدينين يتعاملون فيما بينهم بالصدق

والوفاء بالوعود، فهم لا يختلفون إذا كان ما تعاقدوا أو تعاهدوا عليه صريحًا

مرضيًّا بينهم، وقد ثبت في الكتاب والسنة وجوب الوفاء بالعقود التي يتعاقد الناس

عليها برضاهم، وعمل المسلمين بشروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالاً،

والمحرم في العقود هو الغش والخداع والغرر وكل حيلة يأكل بها الإنسان مال

الآخر بالباطل، وقد شدد بعض الفقهاء كالحنفية في العقود والشروط، ووسع فيها

بعض الحنابلة وفقهاء الحديث، والذي حققه ابن تيمية بالدلائل القوية هو أن كل

عقد وكل شرط لا يخالف كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو

جائز، والوفاء به واجب سواء اقتضاه العقد أم لا، وهذا ما نراه ولا نحب أن نطيل

في المنار في مسائل المعاملات الفقهية؛ لأن غرضنا مما ننشره من الأحكام العلمية

في باب الفتاوى وغيره، هو بيان عدل شريعتنا وموافقتها لمصالح الناس في كل

زمان ومكان للرد على الطاعنين فيها وتمكين عقائد الجاهلين من أهلها، وبيان

المسائل الدينية المحضة وحكمها للعلة المذكورة آنفًا.

_________

ص: 103

الكاتب: محمد رشيد رضا

المسلمون والقبط

(1)

إنما بقاء الأمم والملل بمقوماتها التي تمتاز بها عن غيرها، فإذا قصر أفرادها

في التماسك والاعتصام بالمحافظة على تلك المقومات وما يتبعها من المشخصات،

زالت الأمة أو الملة بانقراض أهلها أو اندغامهم في أمة أخرى.

مضت سنة الله في البشر بمحافظة كل قوم على مقوماتهم ومشخصاتهم

وحرصهم عليها بقدر ارتقائهم في حياتهم الاجتماعية، فالأمة الحية المستقلة لا تتبع

أمة أخرى، ولا تقلدها في دينها ولا عاداتها ولا تقاليدها، ومثلها في ذلك كمثل

الأفراد، فالعالم المستقل لا يتقلد رأي غيره وإن كان مثله أو أعلم منه، وإنما يعمل

بما يظهر له أنه الصواب لا بما يظهر لغيره.

يتعصب بعض الشعوب لما هم عليه، وإن ثبت لهم أن المخالف لهم فيه أولى

بالصواب وأجدر بالاتباع، كما يتعصب الإنكليز لمقاييسهم ويأبون اتباع الفرنسيين

وغيرهم في المقاييس العشرية التي هي خير منها، فإذا ثبت لهم أن ما هم عليه

ضار بهم أو مقدم لغيرهم عليهم، تبدلوا به غيره بالتدريج البطيء لكيلا تتزلزل

مقومات الأمة أو مشخصاتها، فيضعف تماسكها وتشعر بعلو غيرها عليها.

كان المكونون للأمم يراعون هذه السنن فيها، حتى إن رؤساء النصارى لما

أرادوا فصل أتباع المصلح العظيم لليهودية (عيسى عليه السلام من قومه اليهود،

تركوا من تعاليم الناموس (التوراة) ما أقره المسيح، ولم ينقضه كالراحة في يوم

السبت والامتناع عن عمل الدنيا فيه، واستبدلوا به يوم الأحد بغير أمر من المسيح

ولا من حواريه، ووضعوا لهم غير ذلك من العبادات والأعياد، حتى صارت ملتهم

من أبعد الملل عن اليهودية، كذلك فعل المصلح الأعظم خاتم النبيين (صلى الله

عليه وعليهم أجمعين) بما كان يأمر به من مخالفة أهل الكتاب وغيرهم في عاداتهم

وتقاليدهم زائدًا ذلك عما جاء به الوحي من الإصلاح في أصول دين الله وفروعه،

والحكمة في ذلك تكون الأمة وامتيازها بما تكون به قدوة لغيرها لا تابعة مقلدة.

كذلك مضت سنة الله في البشر بتقليد الضعيف للقوي وتشبهه به فيما يسهل

التقليد، والتشبه فيه سواء ذلك في الأفراد والأمم، وإنما السنة فيه أن يكون

بالتدريج والانتقال من محقرات الأمور كالأزياء والعادات إلى ما فوقها، حتى ينتهي

بأعظم المقومات التي بها التمايز كاللغات والمذاهب والأديان، ولولا التعارض بين

داعيتي التقليد والاستقلال، لكان أمر البشر على غير ما نعهد الآن، فإما أن يكون

كل منهم مقلدًا لمن قبله فيكونون كالأنعام، وإما أن يكون كل منهم مستقلاً في كل

شيء، فلا يكادون يشتركون في شيء يجمع بينهم، ويرى بعض الحكماء أنه يجب

التأليف بين جميع البشر واتحادهم، وما هذا بالذي يتم، وغاية ما يرجى من الكمال

أن يتعارفوا ولا يتناكروا في اختلافهم كما أرشد القرآن.

كان أمر الناس في الزمان الماضي متروكًا إلى طبيعة الاجتماع، تعمل عملها

بسنن الله تعالى فيهم، وهم لا يشعرون بسيرها، فيساعدوها عليه أو يقاوموها فيه

بالطرق العلمية إلا ما كان من الحروب التي توقد نيرانها مطامع الأقوياء، وقد

اتسع نطاق علم الاجتماع في هذا العصر، فصارت الأمم العالمة المتحدة تفضل قوة

العلم على قوة السلاح في محاربة الأمم الجاهلة المتخاذلة، فتسطو على مقوماتها

ومشخصاتها من الدين واللغة والتقاليد والعادات فتزلزلها، وتزيل ثقتها بها بالتدريج،

وتزين لها أن تتبدل بها ما تخيل إليها أنه خير منه، فتزيدها بذلك ضعفًا ومرضًا

حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين، إما بالاستبعاد وذهاب الاستقلال، وإما

بالاندغام والاضحلال.

هذا هو السبب في بث الإفرنج دعاة دينهم، وفي بنائهم المدارس في البلاد

الإسلامية وغيرها، وفي اتخاذهم الوسائل إلى بث لغاتهم وآرائهم وعاداتهم في

مدارسنا، حتى صارت نفوس نابتتنا في البلاد المقلدة لمدينتهم في تصرف الأساتذة

من الافرنج والمتفرنجين، ينقشون فيها من الأفكار، ويطبعون فيها من الملكات ما

يغير نظام الاجتماع في بلادنا، ويجذب أموالها وميولها إليهم حتى يكون أهلها عالة

عليهم أو خدمًا لهم في كل شيء، إلى أن تصير ملكًا خالصًا لهم في الحقيقة دون

الاسم أو في الأمرين معًا، وقد صرح لورد كرومر في بعض تقاريره عن مصر

بأن الغرض من مدارس الحكومة فيها فرنجة المصريين، فهل اعتبر بهذا القول أحد

من القارئين، أو نبه عليه أحد من السياسيين؟ وهو الذي ترتب عليه تقليد

حكوماتنا لأوربا بغير اجتهاد ولا استقلال.

لا أقول ما قلته ذمًا في الافرنج بل مدحًا لهم؛ فإن هذه الطريقة هي أرقى ما

وصل إليه البشر في الفتح والاستعمار، واستيلاء الأقوياء على الضعفاء الذي هو

من سنن الاجتماع، فلهم في شرع العمران والفلسفة أن يجدوا ويجتهدوا في جذب

جميع الأمم إلي دينهم ولغاتهم وعاداتهم، وفي تسخيرها لخدمتهم ومنافعهم، وإنما

يمكن أن تلومهم الفلسفة أنهم لا يرضون أن يساووا هؤلاء المجذوبين بأنفسهم، ولا

أن يرقوهم إلى درجتهم، فالشرقي عندهم لا يمكن أن يساوي الغربي وإن اتبعه هذا

في دينه ولغته وعاداته، والإسلام يفضلهم في هذه المسالة، فهو قد سبقهم إلى تلك

الطريقة السلمية في جذب الناس إليه مع تقرير المساواة التامة بين المنجذبين إليه

الداخلين فيه، لا فرق بين الملك العظيم كجبلة بن الأيهم والصعلوك الفقير. ولا

بين السيد الشريف الفاتح كخالد بن الوليد وبين العتيق الأسود كبلال الحبشي، بل

الإسلام يساوي بين المسلم وغير المسلم في الحقوق، كما ساوى أعدل أمرائه عمر

بن الخطاب بين أكبر سيد فيه علي بن أبي طالب وبين رجل من آحاد اليهود،

والانكليزي لا يساوي الهندي بنفسه، ولا الفرنسي يساوي الجزائري بنفسه، بل

ميزوا أنفسهم علينا في عقر ديارنا وأرقى حكومتنا.

الإفرنج أرقى منا في العلم والمدنية، فنحن في حاجة إلي أخذ الفنون

والصناعات منهم بالاجتهاد والاستقلال، مع المحافظة على مقوماتنا الملية والقومية

التي تحول دون فنائنا فيهم. ولكننا لم نأخذ منهم شيئًا مما نحتاج إليه بالشرط الذي

بيناه، وإنما سرى إلينا ما سرى منهم بالتقليد لا بالاستقلال؛ لذلك كان سببًا لضعف

استقلالنا أو ذهابه لا لرسوخه وثباته، اللهم إلا ما اقتبسته دولتنا العثمانية من فنون

الحرب، فلها استقلال واجتهاد ما فيه، لعلمها بتوقف حياتها عليه، ولم يكن استقلالها

فيه تامًّا؛ لأنها لا تزال عالة عليهم حتى في تعليم الجند، فما بالك بصنع الأسلحة

والآلات والبوارج والمدرعات، ولو تواطأت دول أوربا على منع بيع

السلاح وآلات الحرب للدولة لقضين على قوتها بغير مقارعة ولا مكافحة.

من آية استقلال الأمة فيما تأخذه عن غيرها، وما تدعه من عاداتها التي هي

عرضه لها، أن يكون ذلك رأي زعمائها وعمل جمعياتها، باسم الأمة ولمصلحتها

العامة، ولسنا معاشر المسلمين على شيء من هذا الاستقلال، بل نحن مقلدون

للأفرنج حتى فيما نحسب أننا نهرب به من سيطرتهم؛ كالدعوة الوطنية التي كان

الخسار فيها علينا والربح لغيرنا، ومن الشواهد المحسوسه على ما ذكرنا من

المقدمات ما يسمونه اليوم بالمسألة القبطية في مصر.

***

سكان القطر المصري اثنا عشر مليونًا منهم أحد عشر مليونًا ونيف من

المسلمين، ويزيد عدد القبط فيه عن نصف مليون والباقي من سائر الشعوب والملل،

ودخل بعض القبط في حماية الدول الأجنبية، فلم يعد لهم من الحقوق ولا عليهم

من التكاليف مثل ما للوطنيين وعليهم، والمشهور أن نسبة القبط إلى المسلمين في

هذا القطر هي نسبة ستة إلى مئة.

في هذه الفئة القليلة من الحياة الملية ما ليس في تلك الفئة الكثير العدد،

صاحبة الحق في الملك والسؤدد؛ لأن الحاكم العام منهم، وهو صاحب التصرف

المطلق في إدارة بلادهم التابعة في السياسة والسلطة لخليفتهم، ولغة الحكومة والأمة

هي لغة دينهم، ولم تغن عنها كثرتهم، ولا سلطتهم، ولا شكل حكومتهم، ولا

تبعيتهم لخليفتهم من شيء لما قامت القبط تنازعهم ما في أيديهم، فتنزعه شيئًا بعد

شيء على سنة الكون ونظام الاجتماع، فما أجدر القبط في سيرتهم هذه بالفخر

والإعجاب.

ليس لمسلمي مصر جمعيات دينية محضة ولا مجلس ملي إسلامي كما للقبط

وغيرهم، ليس لهم أندية إسلامية خاصة بهم من حيث هم مسلمون، ليس لهم

جرائد ولا مجلات دينية محضة كجرائد غيرهم ومجلاتهم، لا يوجد فيهم أفراد ولا

جماعات ينظرون في أمورهم الاجتماعية ونسبتهم فيها إلى غيرهم، ويعملون عملاً

ما لمسابقة غيرهم أو مزاحمته في أعمال الحكومة أو الأعمال المالية أو الأدبية،

الجرائد السياسية لغير المسلمين تروج عند المسلمين، وجرائد المسلمين لا تروج

عند القبط. والمسلمون يعلمون ذلك ولا تحركهم نعرة عصبية، ولا غيرة ملية،

وما ذلك إلا من بقايا ما ورثوا من أخلاق دينهم من صفاء القلب والتساهل.

أما القبط فإنهم يعملون كل شيء للقبط باسم القبط، ويعبرون عن أنفسهم بالأمة

القبطية، ويسمون البلاد المصرية بلادهم وبلاد آبائهم وأجدادهم، ولهم مجلس ملي

وجمعيات وأندية وجرائد ومجلات قبطية محضة، ويطلبون ما يطلبون من

المناصب والأعمال في الحكومة للقبط باسم القبط على أنها حق للقبط من حيث إنهم

قبط، ويتعاونون في جميع مصالح الحكومة، فيفضل القبطي أخاه القبطي على

غيره، لا تأخذه في ذلك لومة لائم، ولا شيء عند المسلمين من هذا التعاون

والتكافل، على أن البلاد بلادهم وليس للقبط فيها مزية على غيرهم من النصارى

واليهود إلا بتمييز المسلمين لهم، ثم إنهم يتهمون المسلمين بالتعصب الذميم

والتحامل وهضم حقوقهم، فمرحى للقبط المتعاونين، ويا حسرة على المسلمين

المتخاذلين.

إن معظم أعمال الحكومة المصرية ومصالحها في أيدي القبط، ولا يمتاز

المسلمون عليهم إلا بقليل من المناصب الرئيسية التي لا حظ لهم منها غير الفخفخة

والتحلي بكساوى التشريف والأوسمة، فالمديرون على قلتهم من المسلمين وكثيرًا ما

يكونون من غير الأكفاء المختبرين، وينقلون من مديرية إلى أخرى، ورؤساء

الكتاب وأكثر العمال الذين تحت أيديهم من القبط ثابتون في أعمالهم عارفون

بقوادمها وخوافيها، متكافلون في الاستئثار بها؛ ولذلك يكون أكثر المديرين آلات

في أيديهم لا يقدر أعلاهم كفاءة أن يخالف رئيس الكتاب القبطي في شيء يريده؛

لأن العمال في المديرية وأكثرهم من القبط يتعصبون حينئذ على المدير، ويعرقلون

أعماله ويوقعونه في المشكلات مع نظارة الداخلية أو نظارة المالية، وينصرهم

إخوانهم في النظارة عليه؛ لأنهم كلهم يد على من عداهم، وعلى هذا القياس

تناصرهم في القضاء وسائر المصالح، ثم إنهم يزعمون مع هذا كله أنهم مظلومون

مهضومون، وأن المسلمين هم المتعصبون الظالمون، فمرحى للقبط المتحدين، ويا

حسرة على المسلمين المتفرقين.

هذا ما كانت عليه الفئة الكثيرة بالعدد القليلة بالتخاذل والغفلة، والفئة القليلة

الكثيرة بالتعاون والوحدة، وهذا هو الذي أطمع القبط في جعل حكومة مصر قبطية

محضة في يوم من الايام، وكان من حسن حظهم أن فتن الباحثون في الأمور العامة

من المسلمين بالسياسة، وجعلوا هجيراهم فيهم دعوة الوطنية، وصاروا يلهجون بهذه

الكلمات: إخواننا القبط، إخواننا القبط، نحن مصريون قبل كل شيء، لا دين في

الوطنية، إنما الدين في المساجد والكنائس، وبلغ من لهجم بالوطنية وإخلاصهم فيها

أن صار بعضهم يقول: لا فرق عندي بين أن يكون الخديوي مسلمًا أو قبطيًا،

وإنما المهم عندي أن يكون مصريًا، وقد سمعت مثل هذه الكلمة من بعض

المدرسين في مدارس الحكومة العالية، فقلت له: وهل تظن فيمن سمحت لهم

عاطفتك الوطنية بعرش الإمارة أن يسمحوا لك بوظيفة (قومسير) في مصلحة سكة

الحديد؟ ؟ أما وسر العقل والبصيرة إنهم لا يسمحون بذلك مختارين، وما هم على

ذلك عندي بملومين، فمرحى للقبط المتعصبين، ويا حسرة على المسلمين

المتساهلين.

***

سبق لي مدح القبط في المنار غير مرة، وتفضيلهم على المسلمين بالتعاون

والتناصر والرابطة الملية، وإن كانوا دون المسلمين في الكفاءة الشخصية إلا التملق

الذي يستميلون به الرؤساء، واتباعهم في ذلك طريق العقل والحزم وسنن الاجتماع

التي أشرنا إليها في فاتحة القول بترك المسلمين بين عامل خامل، وذكي يائس،

ونشيط مغرور شغله الكلام في مقاومة الاحتلال عن كل عمل تقوى به الأمة في

وجه الاحتلال (وهو عندي محصور في التربية الملية والأعمال الاقتصادية، كما

بينت ذلك مرارًا) وتوجيه همتهم في هذه الفرصة إلى التربية القبطية والتعليم،

وتنمية الثروة، والتغلغل في أعمال الحكومة، ولكنني أنكرت عليهم في هاتين

السنتين سيرتهم فرأيتهم قد تركوا ما عهدت فيهم من الهدوء والسكينة، واللين التملق،

وطفقوا يطعنون في جرائدهم طعنًا صريحًا في سلف المسلمين وخلفهم، ودينهم

وآدابهم ولغتهم، فعجبت من هذه الطريقة الجديدة، التي يخشى أن تعلم المسلمين

التعصب والمقاومة، فتكون كرة القبط هي الخاسرة، وصرت أقول في نفسي: ما

عدا مما بدا، وأقدح زناد الفكر لعلي أجد على النار هدى.

ولو صبروا على جدهم وتعاونهم، وتركوا المسلمين في غفلتهم وتخاذلهم،

لنالوا كل ما أملوا، ولساعدوهم باسم الوطنية على ما أرادوا، يريدون أن يثبوا

على الوظائف الإدارية العالية، كما وثبوا في القضاء، يريدون أن تترك الحكومة

العمل في يوم الأحد، يريدون أن تدرس الديانة المسيحية في الكتاتيب والمدارس

كلها، يريدون أن لا يكون للمسلمين في هذه الحكومة مزية ما، كل هذا كان سهلاً

إذا رضوا بسنة التدريج، والمسلمون أنفسهم يساعدونهم على كل ذلك؛ حتى إذا

نالوه سهل عليهم أن يجعلوا الحكومة وقفًا عليهم، ويمنعوا المسلمين منها ألبتة.

أليس بعض كتاب المسلمين يهينون في جرائد الأحزاب القوية كل من يرتقي

من المسلمين إلى منصب عال في الحكومة، ويعدونه خائنًا لوطنه، مشايعًا للإنكليز

فيه، بقدر ما يعظم القبط كبار الموظفين منهم، ويستعينون بهم على سعة نفوذهم في

الحكومة؟

أليس هذا تمهيدًا لنيل القبط هذه البقية القليلة من الوظائف؟ ألم يساعدهم

الوزراء المسلمون على ما طلبوا من تعليم دينهم في مدارس الحكومة (وهو ما لا

نظير له في حكومات الأرض) ؟ بلى، وكذلك يساعدهم المسلمون في فرصة

أخرى على كل ما يطلبون، وإذا هم نالوا بقية الوظائف الرئيسة وتمكنوا بها من

جعل تسعة أعشار الموظفين منهم، يكون لهم الوجه الوجيه في طلب إبطال الأعمال

يوم الأحد دون يوم الجعة، ولا يتجرأ مسلم يومئذ أن يفتح فمًا، أو يحرك قلمًا؛

خوفًا من تهمة التعصب الديني من جهة، ومن تحامل الحكومة القبطية عليه من

جهة أخرى.

هذا ما أقوله معتقدًا له ولا شك فيه عندي، ولذلك عجبت كيف خانهم الصبر،

وفاتهم إدراك هذا الأمر، وحرت في تعليل هذا المسلك الجديد، حتى كان مما خطر

في بالي أنهم ربما كانوا يريدون إحراج المسلمين لإحداث فتنة في البلاد، تكون

وسيلة لإعلان إنكلترا الحماية عليها أو ضمها إلى مستعمراتها، ولم أصدق ما يقوله

بعض الناس من أنهم أحسوا من المسلمين ضعفًا، ووجدوا فرصة لإخراج

أضغانهم، وشفاء غليل حقدهم، ففعلوا ذلك لمجرد اللذة بإيذاء من كان يستثقلون

اسم سيادتهم عليهم، لا أرى هذا القول ولا ذلك الخاطر بالمعقول، وإنما هناك سبب

آخر نشرحه في النبذة التالية، ثم نبين شكل هذه الحكومة الرسمي، وهل للقبط حق

فيها أم لا؟ ثم مسألة يوم الراحة الأسبوعية في الأديان الثلاثة، وما ينبغي أن يكون

عليه الحال في مصر.

(للمقال بقية)

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

ص: 108