المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كيف خلق الإنسان [*] - مجلة المنار - جـ ١٤

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (14)

- ‌المحرم - 1329ه

- ‌فاتحة المجلد الرابع عشر

- ‌الاشتراك في المنار

- ‌فتاوى المنار

- ‌جمعية الدعوة والإرشاد

- ‌المقالة الأولى لجريدة العلم

- ‌المقالة الأولى التي كتبتردًّا على جريدة العلم

- ‌نهضة التعليم الإسلامي في سملك دابل

- ‌أعظم رجل في العالم

- ‌اعتصام الفئتين الكبريين من المسلمين

- ‌البابية البهائية

- ‌الماسون في الدولة العثمانية

- ‌صفر - 1329ه

- ‌الذكر بالأسماء المفردة

- ‌أسئلة من الهند

- ‌جماعة الدعوة والإرشاد

- ‌أقوال الجرائد

- ‌حال المسلمين والمصلحين

- ‌الباطنية وآخر فرقهم البابية البهائية [

- ‌تقرير مرفوع إلى جناب صاحب الدولةالأمير أحمد باشا فؤاد حضرتلري

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌الأخبار والآراء

- ‌ربيع أول - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌جماعة الدعوة والإرشاد

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌الأخبار والآراء

- ‌ربيع الآخر - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌أمير الألاي صادق بك

- ‌المسلمون والقبط(النبذة السادسة)

- ‌اقتراح صاحب المنار على المؤتمر المصري

- ‌كيف خلق الإنسان [*]

- ‌النسائيات [*]

- ‌مذكرة عن أعمالالمبشرين المسيحيين

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌جماعة الدعوة والإرشاد

- ‌مقدمة مقالات المسلمون والقبط

- ‌جمادى الأولى - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌العالم الإسلاميوالاستعمار الأوربي(1)

- ‌آراء أديسونفي مستقبل البشر

- ‌بيان أمير الألاي صادق بك

- ‌شيء من مناقب صادق بك

- ‌بيان هادي باشا الفاروقي

- ‌ألمانيا والعالم الإسلامي

- ‌(المؤتمر المصري)

- ‌اتفاق الدولوالمانع لها من قبول دولتنا فيه

- ‌احتلال فرنسة لمملكة المغرب الأقصى

- ‌جمادى الآخرة - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌العالم الإسلاميوالاستعمار الأوربي(2)

- ‌عليكم باللغة العربيةسيدة اللغات

- ‌المؤتمر المصري [*]

- ‌ملكة بهوبال الهندية في إنكلترة [

- ‌بلاغ محمود شوكت باشا

- ‌رأي الأمير صباح الدين

- ‌سياحة السلطانوالاستفادة من منصبه الديني

- ‌جماعة الدعوة والإرشاد

- ‌رجب - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌بحث الاجتهاد والتقليد

- ‌كلمة في السياحة المفيدة

- ‌قانون الجامع الأزهروالمعاهد الدينية العلمية الإسلامية

- ‌هل للقول من مستمع؟وهل للداعي من مجيب

- ‌ حضرموت

- ‌الدعاء للسلاطينفي الخطب وحكمه شرعًا

- ‌الإلحاد في المدارس العلمانية [*]

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌فقيد مصرمصطفى رياض باشا(2)

- ‌جمعية الاتحادومشروع العلم والإرشاد

- ‌شعبان - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌علم الفلك والقرآن

- ‌فصل في بيان دقائقالمسائل العلمية الفلكية

- ‌كلمات علمية عربيةأسوقها إلى المترجمين والمعربين [1]

- ‌الانتقاد على المنار

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌فقيد مصرمصطفى رياض باشا(3)

- ‌مشروع المنتدى الأدبي في التعليم العربي

- ‌الحريق في الآستانة

- ‌استدراك [

- ‌مخاطبات المنار

- ‌رمضان - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌كلمات علمية عربيةأسوقها إلى المترجمين والمعربين [*](2)

- ‌ملحق بقانون الجامع الأزهروالمعاهد الدينية العلمية الإسلامية

- ‌الكوليرا [*]

- ‌الإسعافات الطبية الوقتيةللمصابين بالكوليرا

- ‌أرباب الأقلام في بلاد الشامومشروع الأصفر

- ‌شوال - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌بحث الاجتهاد والتقليد

- ‌المسألة الشرقية [*]

- ‌حالة المسلمين في جاوه والإصلاح

- ‌الانتقاد على المنار

- ‌رد المنار

- ‌نظام مدرسة دار الدعوة والإرشاد

- ‌ذو القعدة - 1329ه

- ‌العلوم والفنونالتي تدرس في دار الدعوة والإرشاد

- ‌فتاوى المنار

- ‌المسألة الشرقية

- ‌مقدمات الحربفي طرابلس الغرب

- ‌عِبَرُ الحرب في طرابلس الغرب

- ‌ذو الحجة - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌مناظرة عالم مسلملدعاة البروتستانت في بغداد

- ‌المسألة الشرقية

- ‌منشورات إيطالية الخداعية

- ‌إعانة أمير أفغانستان وكبراء قومهلأهل طرابلس الغرب

- ‌عريضة الشكرمن العثمانيين المستخدمين في أفغانستان إلى أميرها

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌كتابٌ رصيفٌ ورأيٌ حصيفٌفي المساعدة على الحرب بطرابلس الغرب

- ‌الخطر الأكبر على بلاد العربوالرأي في تلافيه

- ‌الانتقاد على المنار

الفصل: ‌كيف خلق الإنسان [*]

الكاتب: محمد توفيق صدقي

‌كيف خلق الإنسان [*]

بينا في بعض مقالات نشرت في الصحف اليومية أن مذهب داروين؛ وإن

كان من أحسن المذاهب العلمية الآن لتفسير المسائل الطبيعية، إلا أنه لم يبلغ درجة

اليقين، فهو لا يزال ظنيًّا لا قطعيًّا، ويجب على أتباعه أن يعرفوا عنه هذه الحقيقة،

وقد أوردنا عليه فيما نشر بعض احتمالات تقوض أهم أركانه، وتدك أكبر أسس

بنيانه، حتى إن كبيرًا من أعظم أنصاره في الشرق لم يقدر على الرد علينا. وقد

سألني بعض الإخوان قائلاً: إذا كنت تشك في صحة مذهب داروين، فكيف تفسر

لنا علميًّا خلق الإنسان أولاً من طين؟ فأردت أن أجيبه في هذه المقالة على هذا

السؤال. وقد رأيت أن أبدأ بسرد تلك الاحتمالات التي أوردتها على هذا المذهب،

ثم أتبعها بالجواب، فأقول:

أما الاحتمالات فهي:

(1)

إذا قلنا: إن بعض الأعضاء الأثرية في نوع ما من الأنواع كان

مستعملاً في هذا النوع بعينه من قديم الأزمان، ولاختلاف الظروف والأحوال التي

أدت إلى إهمال هذا الاستعمال فيما مضى من الأجيال، ضمرت هذه الأعضاء

وصارت آثارًا للدلالة على أصولها في نفس هذا النوع لا على أنها كانت أعضاء

في نوع غيره، فبماذا يا أنصار هذا المذهب تثبتون تغير الأنواع وانتقالها من نوع

إلى آخر؟ ؟

مثال ذلك عضلات الأذن الظاهرة للإنسان والجسم الصنوبري

(Body Pineal) الذي في مخه، وتقولون عنه: إنه كان عينًا ثالثة في

الحيوانات التي ارتقى عنها الإنسان. فلماذا لا نقول: إن هذه العضلات وتلك

العين الثالثة كانت للإنسان نفسه في أول الأول، خلقت ابتداءً معه لمنفعة لها إذ ذاك،

ولتغير الظروف والأحوال فيما بعد أهمل استعمالها لتلك الأسباب التي تزعمونها،

فضمرت حتى صارت آثارًا دلت على ما كان له في قديم الزمان لا على أنه انتقل من

نوع إلى نوع؟ ومثل ذلك يقال في سائر الحيوانات التي توجد فيها مثل

هذه الأعضاء الضامرة؛ أي أن كثيرًا من الحيوانات كانت لها هذه العين الثالثة ثم

زالت أو ضمرت؛ لعدم الاحتياج إليها وإهمال استعمالها، وكذلك تجدها في

الحيوان المسمى بالإفرنجية هاتريا (Hatteria) ؛ وهو نوع مخصوص من

الأورال (جمع ورل)(Lizards) كانت له هذه العين فأهمل استعمالها، فضمرت

فيه وبقيت إلى الآن مغطاة بالجلد، وبمثل هذا التعليل يمكننا أن نعلل ضمور

الحوض والطرفين السفليين في الحيات؛ أي أن بعض هذه الأعضاء الأثرية

المشاهدة الآن في أنواع الحيوانات كانت في قديم الزمان أعضاء نامية في نفس هذه

الأنواع لا في أنواع غيرها، كانت موجودة قبلها، أما باقي الأعضاء الأخرى

الأثرية فيمكن تعليلها بعلل أخرى كما سيأتي:

(2)

إذا سلمنا أن بعض الأنواع ارتقى عن البعض الآخر، واستدللنا على

ذلك بمثل الأسنان التي تظهر في الفك الأعلى لأجنة الحيتان والحيوانات المجترة،

ثم تذهب وتزول قبل أن تولد، وقلنا: إن ذلك دليل على ارتقائها من نوع غير

نوعها، فبماذا نثبت ارتقاء جميع الأنواع بعضها من بعض؟ مع أن مثل هذا

البرهان لا يوجد إلا في بعض الأنواع دون البعض الآخر؛ أي أننا إذا سلمنا أن

الأنواع كانت أقل مما هي عليه الآن بقليل، فلا يمكننا أن نسلم أنها جميعًا كانت

قليلة جدًّا (أي نحو أربعة أو خمسة مثلاً) كما ذهب إليه داروين أو واحدًا فقط كما

ذهب إليه غيره ممن اتبعه، فإذا سلمنا أن الحمار والحصان من أصل واحد، فلا

نسلم أن الكلب والإنسان كذلك.

ومثال ذلك في اللغات: أننا إذا قلنا: إن بعض الكلمات في بعض اللغات مشتق

من اللغات الأخرى؛ لوجود تشابه في حروفها ومخارجها، فلا يمكننا أن نقول: إن

كل كلمة في أي لغة مشتقة من كلمة أخرى في لغة أخرى قبلها، بل إن كثيرًا من

الكلمات قد وضع في اللغات وضعًا وخلق خلقًا، ولم يكن له سابق في لغة قبله، فكيف

إذًا نثبت أن الإنسان - أو غيره من بعض الأنواع الأخرى - لم يخلق نوعًا مستقلاًّ

عن غيره من الأنواع، وأي برهان صحيح نقيمه على ذلك سوى الظنون والأوهام،

مع ملاحظة أن مثل البرهان السابق (أي ظهور الأسنان بعض أجنة الحيوانات ثم

زوالها) إن صح في بعض الأنواع فلا يصح في نوع الإنسان، ولا في

أكثر الأنواع الأخرى. وإلا فما هي الأعضاء الأثرية التي تثبت ذلك فيه؟ ؟

(3)

لنا أن نقول: إن سنة الله في الخلق هي أن يخلق أجنة الحيوانات

المتماثلة على طريقة واحدة، ثم ينوعها بحسب أنواعها المختلفة؛ أي أن أجنة

بعض الحيوانات المختلفة في نوعها تكون في مبدأ الأمر متشابهة كل الشبه، ثم

تتنوع شيئًا فشيئًا، حتى يختلف بعضها عن بعض، فكما أن جنين الذكر والأنثى

هو في الأصل واحد، ومنه يشتق الذكر والأنثى، فكذلك أجنة كثير من الحيوانات

هي في الأصل واحدة؛ لأنها خلقت في مبدأ الخلق من شيء واحد كما سيأتي

بيانه، ثم اشتقت منها الحيوانات المختلفة. وكما أنه لا يصح أن يقال: إن الذكر

كان أنثى وارتقى لوجود آثار الأنثى فيه، وبالعكس كذلك لا يصح أن يقال: إن

الإنسان كان حيوانًا آخر وارتقى؛ لوجود آثار من الحيوانات الأخرى فيه؛ كالزائدة

الدودية التي هي عبارة عن أعور طويل في الحيوانات الأخرى ذوات الثدي،

وكالأقواس الخيشومية (arches Branchial) في جنين الإنسان التي تقابل

خياشيم الأسماك، فإن هذه الأشياء الأثرية وجدت في الإنسان، كما وجدت آثار الأنثى

في الذكر، وبالعكس لأن الجنين لكل من هذه الحيوانات المختلفة كان أصله واحدًا في

شكله ومادته وخواصه، ثم تنوع فوجدت آثار بعض الحيوانات في البعض الآخر؛

لتشابه أجنتها في مبدأ الأمر ولتكونها على طريقة واحدة ومن مادة واحدة. ومثل ذلك

أيضًا الجلد والعضل والعصب والعظم، فإنها خلقت جميعها من خلايا (بروتوبلاسمية)

واحدة في أصلها وشكلها، ثم تنوعت أثناء نشوئها، وحافظت خلاياها على خواص

الخلايا (البرتوبلاسمية) الأولى وصفاتها بدرجات متفاوتة، بحيث صار بعض هذه

الخواص في بعض هذه الخلايا أصليًّا، وفي البعض الآخر أثريًّا مثل خاصية

الانقباض التي توجد في الخلايا العضلية ظاهرة واضحة وفي غيرها طفيفة غير

خافية، وإن كانت في الخلايا الأصلية متساوية.

ويلحق بهذا الوجه وجه رابع وهو أن تقول:

(4)

إن بعض هذه الآثار يمكن تعليله بأنه من بقايا التكون التدريجي؛ أي

مما يتخلف عنه، وذلك أننا أثناء تكون الجنين نشاهد بعض أشياء توجد ثم تزول أو

تبقى آثارها، ولا فائدة منها بحسب علمنا، ولا يمكن تعليلها بما يعللون به

الأعضاء الأثرية الأخرى. مثال ذلك:

(1)

غشاء الحدقة (membrane Pupillary) فإنه يظهر في الجنين

طامسًا العين ثم يزول قبل أن يولد ببعض شهور، ولا يمكن أن يقال: إنه كان

مستعملاً في حيوانات سابقة، وإلا لكانت عمياء وضاعت فائدة أعينها بوجوده.

(2)

غشاء البكارة؛ فإنه بقية من بقايا التكون التدريجي، وهو منتهى ما

يقولونه عنه. وكذلك.

(3)

الحاجز المهبلي الذي يوجد في بعض النساء، وهو ينشأ من اتحاد

إحدى أنبوبتي ملر (Ducts Mullerian) بالأخرى.

(4)

جفون العينين؛ فإنها تتكون ثم تلتحم ثم تتفتح في الجنين، ولا يعلم

أحد حكمة هذه التقلبات، فكذلك يمكن أن يقال: إن ظهور الشعر في جميع جسم

الجنين الإنساني مثلاً ثم ضموره من أغلبه بالتدريج، هو من هذا القبيل؛ أي أنه لا

يدل على أن الإنسان كان أولاً حيوانًا ذا شعر طويل كغيره من الحيوانات، ولما

ارتقى ضمر شعره.

وما يقوله أنصار داروين في تعليل هذه المسائل الأربعة المذكورة هنا، نقوله

نحن في تعليل وجود الأعضاء المتخلفة عن التكون التدريجي، وهذا أيضًا وجه

آخر في تعليل مثل الزائدة الدودية في الإنسان. وإن اعترفوا بالعجز عن تعليل

بعض هذه المسائل، وأقروا بجهلهم حكم كثير من أعضاء الجسم: كالثيموس

(Thymus) والجسم السباتي (Carotid) والجسم العصعصي (Coccygeal

Body) وغيره، اعترفنا نحن أيضًا بجهلنا حكمة بعض الأعضاء الأثرية، وحينئذ

فلا فرق بين مذهبنا ومذهبهم سوى أنهم أكثر جرأة منا على التهجم على دعوى معرفة

أسرار الكون والاغترار بما عرفوه، وإن كان كل يوم يظهر أنهم فيما يزعمون كاذبون

عاجزون.

وأما كيفية خلق الإنسان؛ فالجواب القطعي عنها لا يعلمه إلا الله. وأما الظني

فيمكننا أن نقول: لا يخفى أن أجنة الحيوانات بعضها يتكون في الرحم والبعض

الآخر خارج الرحم؛ كالتي تتكون في التجويف البطني في الإنسان وغيره، وفي

بيض الطيور وفي مياه البحار: كالقنافذ (hedgehogs or Seaturchins) وغير

ذلك. والذي يظهر فيها كلها أن اللازم للتكوين هو حيوان منوي غالبًا [1] وبويضة

ووسط مغذ، سواء كان ذلك الوسط جدر الرحم، أو غشاء البريتون، أو زلال

البيض، أو مياه البحار، أو غير ذلك.

وعليه فيحتمل أن الله تعالى خلق أولاً حيوانات منوية وبويضات من مادة

واحدة [2] وهما خلايا حيوانية كما خلق الأميبا (Amoeba) وغيرها من الحيوانات

ذات الخلية الواحدة، ولاختلاف الوسط والظروف صارت هذه الحيوانات

المنوية والبويضات مختلفة متنوعة، فمن بعضها خلق الإنسان الأول (آدم وحواء)

ومن البعض الآخر خلقت الحيوانات الأخرى.

وذلك بأن تلقحت البويضة بالحيوان المنوي، ثم التصقت ببعض المواد

البروتوبلاسمية الأولى التي كانت توجد في البحار وعلى شواطئها، ومن هذه المادة

البروتوبلاسمية صارت البويضة تمتص غذاءها كما تمتصه أحيانًا من البريتون في

الحمل خارج الرحم، وصارت تنمو وتكبر الآن في بطون الأمهات، ولما تم نموها

انفجرت وخرج منها الإنسان كما يخرج من الكيس الأمنيوسي. ولعل الله تعالى

ساق له إذ ذاك بعض الحيوانات الأخرى؛ كالدببة المشهورة بهذا الأمر فأرضعته،

أو كان يوجد مواد زلالية مغذية في البحار فصار يشرب منها، أو كان يمتص

عصيرًا يسيل من بعض أشجار قريبه كان عصيرها مغذيًا، أو كان يشرب ماء فيه

حيوانات دقيقة جدًّا فيتغذى بها. وما يقال فيه يقال في الحيوانات الأخرى الشبيهه

به التي يجوز أن يقال في كيفية تغذيتها الأولى أيضًا: إنها وجدت بعض نباتات

طرية هلامية مغذية. فازدردتها في مبدأ نشأتها، حتى كبرت وصار يمكنها أن

تأكل غيرها من النباتات أو الحيوانات الأخرى.

فإن قيل: وكيف يوجد ذكر واحد وأنثى واحدة، مع أنه يحتمل أن الحيوانات

المنوية والبويضات كانت كثيرة. قلت: ذلك هو عين ما يحصل الآن في الإنسان

وغيره، فمع وجود حيوانات منوية تعد بالملايين، وكذلك بويضات في كل جماع،

فلا يتكون منها غالبًا إلا ولد واحد.

وإن قيل: لم لم يخلق الآن حيوانات بهذه الطريقة من جديد، قلت: ولم لم

يتولد الآن من الجمادات أحياء جديدة؟ أليس ذلك لاختلاف حال الزمان وطبيعة

الأرض الآن عما كانت عليه في مبدأ الخليقة؟ أما إذا وجدت تلك الأحوال الأولى،

فلا يبعد أن يتكون فيها حيوانات جديدة، كما لا يبعد أن يتكون فيها أيضًا بطريق

التولد الذاتي خلايا بروتوبلاسمية جديدة.

أما مسألة التذكير والتأنيث، فما يقال فيها الآن يقال نحوه أو ما يقرب منه في

الخلايا البروتوبلاسمية الأولى التي صار بعضها حيوانات منوية ملقِّحة (بالكسر) ،

والبعض الآخر بويضات ملقَّحة (بالفتح) . والله تعالى أعلم بأسراره في خلقه.

_________

(*) للدكتور محمد توفيق أفندي صدقي.

(1)

حاشية للكاتب - تكون المسيح بدون أب؛ أي بدون حيوان منوي له نظير في عالم الحيوانات الصغيرة ولا نعلمه الآن بالتحقيق في الحيوانات الكبيرة كما يزعم بعضهم ففي بعض الحيوانات الصغيرة يوجد ما يسمى بالتولد البكري (prathenogenesis) أي إن الأنثى بعد أن يلحقها الذكر مرة تلد عدة أجيال (generations) بدون احتياج للذكر فابنتها أو ابنة ابنتها تحبل وتلد بدون أن يمسها ذكر ومن ذلك قمل النبات. ومن المعلوم أن ما يحصل في بعض الحيوانات على سبيل القاعدة قد يحصل مثله على سبيل الشذوذ في الحيوانات الأخرى فالقاعدة في الأرانب مثلاً أن تلد كثيرًا وقد وجد في النساء من ولدت ستة أولاد ولا ينافي ذلك كون مريم وابنها آية للعالمين فإن في كل ما خلق الله آية للعالمين {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (الجاثية: 4) .

(2)

المنار: أي خلق ذلك في الطين اللازب من الحمأ المسنون.

ص: 303