المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإسعافات الطبية الوقتيةللمصابين بالكوليرا - مجلة المنار - جـ ١٤

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (14)

- ‌المحرم - 1329ه

- ‌فاتحة المجلد الرابع عشر

- ‌الاشتراك في المنار

- ‌فتاوى المنار

- ‌جمعية الدعوة والإرشاد

- ‌المقالة الأولى لجريدة العلم

- ‌المقالة الأولى التي كتبتردًّا على جريدة العلم

- ‌نهضة التعليم الإسلامي في سملك دابل

- ‌أعظم رجل في العالم

- ‌اعتصام الفئتين الكبريين من المسلمين

- ‌البابية البهائية

- ‌الماسون في الدولة العثمانية

- ‌صفر - 1329ه

- ‌الذكر بالأسماء المفردة

- ‌أسئلة من الهند

- ‌جماعة الدعوة والإرشاد

- ‌أقوال الجرائد

- ‌حال المسلمين والمصلحين

- ‌الباطنية وآخر فرقهم البابية البهائية [

- ‌تقرير مرفوع إلى جناب صاحب الدولةالأمير أحمد باشا فؤاد حضرتلري

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌الأخبار والآراء

- ‌ربيع أول - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌جماعة الدعوة والإرشاد

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌الأخبار والآراء

- ‌ربيع الآخر - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌أمير الألاي صادق بك

- ‌المسلمون والقبط(النبذة السادسة)

- ‌اقتراح صاحب المنار على المؤتمر المصري

- ‌كيف خلق الإنسان [*]

- ‌النسائيات [*]

- ‌مذكرة عن أعمالالمبشرين المسيحيين

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌جماعة الدعوة والإرشاد

- ‌مقدمة مقالات المسلمون والقبط

- ‌جمادى الأولى - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌العالم الإسلاميوالاستعمار الأوربي(1)

- ‌آراء أديسونفي مستقبل البشر

- ‌بيان أمير الألاي صادق بك

- ‌شيء من مناقب صادق بك

- ‌بيان هادي باشا الفاروقي

- ‌ألمانيا والعالم الإسلامي

- ‌(المؤتمر المصري)

- ‌اتفاق الدولوالمانع لها من قبول دولتنا فيه

- ‌احتلال فرنسة لمملكة المغرب الأقصى

- ‌جمادى الآخرة - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌العالم الإسلاميوالاستعمار الأوربي(2)

- ‌عليكم باللغة العربيةسيدة اللغات

- ‌المؤتمر المصري [*]

- ‌ملكة بهوبال الهندية في إنكلترة [

- ‌بلاغ محمود شوكت باشا

- ‌رأي الأمير صباح الدين

- ‌سياحة السلطانوالاستفادة من منصبه الديني

- ‌جماعة الدعوة والإرشاد

- ‌رجب - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌بحث الاجتهاد والتقليد

- ‌كلمة في السياحة المفيدة

- ‌قانون الجامع الأزهروالمعاهد الدينية العلمية الإسلامية

- ‌هل للقول من مستمع؟وهل للداعي من مجيب

- ‌ حضرموت

- ‌الدعاء للسلاطينفي الخطب وحكمه شرعًا

- ‌الإلحاد في المدارس العلمانية [*]

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌فقيد مصرمصطفى رياض باشا(2)

- ‌جمعية الاتحادومشروع العلم والإرشاد

- ‌شعبان - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌علم الفلك والقرآن

- ‌فصل في بيان دقائقالمسائل العلمية الفلكية

- ‌كلمات علمية عربيةأسوقها إلى المترجمين والمعربين [1]

- ‌الانتقاد على المنار

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌فقيد مصرمصطفى رياض باشا(3)

- ‌مشروع المنتدى الأدبي في التعليم العربي

- ‌الحريق في الآستانة

- ‌استدراك [

- ‌مخاطبات المنار

- ‌رمضان - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌كلمات علمية عربيةأسوقها إلى المترجمين والمعربين [*](2)

- ‌ملحق بقانون الجامع الأزهروالمعاهد الدينية العلمية الإسلامية

- ‌الكوليرا [*]

- ‌الإسعافات الطبية الوقتيةللمصابين بالكوليرا

- ‌أرباب الأقلام في بلاد الشامومشروع الأصفر

- ‌شوال - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌بحث الاجتهاد والتقليد

- ‌المسألة الشرقية [*]

- ‌حالة المسلمين في جاوه والإصلاح

- ‌الانتقاد على المنار

- ‌رد المنار

- ‌نظام مدرسة دار الدعوة والإرشاد

- ‌ذو القعدة - 1329ه

- ‌العلوم والفنونالتي تدرس في دار الدعوة والإرشاد

- ‌فتاوى المنار

- ‌المسألة الشرقية

- ‌مقدمات الحربفي طرابلس الغرب

- ‌عِبَرُ الحرب في طرابلس الغرب

- ‌ذو الحجة - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌مناظرة عالم مسلملدعاة البروتستانت في بغداد

- ‌المسألة الشرقية

- ‌منشورات إيطالية الخداعية

- ‌إعانة أمير أفغانستان وكبراء قومهلأهل طرابلس الغرب

- ‌عريضة الشكرمن العثمانيين المستخدمين في أفغانستان إلى أميرها

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌كتابٌ رصيفٌ ورأيٌ حصيفٌفي المساعدة على الحرب بطرابلس الغرب

- ‌الخطر الأكبر على بلاد العربوالرأي في تلافيه

- ‌الانتقاد على المنار

الفصل: ‌الإسعافات الطبية الوقتيةللمصابين بالكوليرا

الكاتب: محمد بك رشدي

‌الإسعافات الطبية الوقتية

للمصابين بالكوليرا

للدكتور محمد بك رشدي حكيمباشي محافظة مصر

الكوليرا مرض وبائي، يصل مكروبه للجسم بواسطة المياه والمأكولات

ولا تحصل العدوى به بواسطة الهواء، وعدواه من براز المصابين أشد،

وميكروبه ينمو ويتضاعف في الأقمشة المبلولة، وهذا يفسر شدة العدوى

بالملابس الملوثة بالمواد البرازية للمصابين وانتقالها بها.

ويتضاعف أيضًا وينمو في المأكولات: كاللبن والبيض والمرق والبطاطس

المسلوق والخبز واللحوم وكافة الخضر والشكولاتة والأشربة المسكرة والمربات،

وعلى سطح الأرض الرطبة، ويعيش حيًّا في البراز مدة 24 ساعة من التبرز،

ويعيش (في البرد) لغاية درجة تحت الصفر، إنما يكون بدون حركة ثم ينمو

بارتفاع الحرارة، وعلى ذلك فالبرد يضعفه والحرارة تقويه كسائر

المخلوقات الحيوانية والنباتية.

فمتى دخل ميكروب هذا المرض في البنية بواسطة الماء أو المأكولات،

تمضي مدة من الزمن قبل ظهور أعراضه المرجفة، ويسمى هذا الزمن بدور

التفريخ، ويختلف من ثلاثة إلى خمسة أيام، وهذا في الزمن لا يحس المصاب

بشيء، ثم بعده تظهر الأعراض المرضية، وتحصل منه العدوى ببرازه.

الأعراض:

يعرف هذا المرض في مدة انتشاره بتبرز وقيء متكررين، وظمأ شديد

وتناقص في البول أو فقده، وانطفاء الصوت، وآلام شديدة بسمانة الساقين،

وبتلون الجسم بلون أزرق خصوصًا الأظافر وغور الأعين، وانحطاط شديد

في القوى، وبرودة وقشعريرة، وتكون مواد البراز سائلة شبيهة بسائل غسيل

الأرز.

الأسباب:

من ضمن الأسباب التي تساعد على حصول هذا المرض؛ الاستعداد

الشخصي والتعب والحرمان وعدم النظافة وعسر الهضم.

ثم إن تركيب طبيعة الأرض له دخل في شدة انتشاره، فكلما كانت

الطبقات السطحية للأرض ذات مسام كثيرة كان الوباء أكثر شدة وبالعكس.

وعند حصول الإصابة، توجد جواهر دوائية توقف نمو ميكروبه وتميته

كمحلول الشب واحد على مائة، وعطر النعناع الفلفل واحد على مائتين، أو

حمض اللبنيك واحد على ثلاث مئة، أو حمض الليمون واحد على مائتين،

والحرارة تميته، فالملابس الملوثة بالماء المحتوي على ميكروب هذا المرض

إذا جففت في الحرارة الكافية للتجفيف، وبحثت فيما بعد بحثًا ميكروسكوبيًّا،

لا يوجد بها أثر ميكروب هذا المرض.

الوسائط الوقتية:

يجب على كل إنسان ظهرت الإصابة في جواره أن يتحاشى مخالطة

المصاب، ويسارع إلى استدعاء الطبيب من فوره؛ ليرشده إلى ما يلزم اتخاذه

من الوسائل لنجاة المريض وسلامة غيره من عدوى هذا الوباء.

ومن المعين الاستحمام يوميًا بماء طاهر أي: مرشح مغلي (بعد تبريده)

مع تجنب الاستحمام والوضوء والشرب من ماء النيل العكر؛ لما عسى أن

يكون فيه من ميكروب الداء، وتقصير الثياب بحيث لا تصل سطح الأرض؛

اتقاء لما يمكن أن يعلق بها من الميكروبات. ومن الملاحظات الجديرة بالعناية

وجوب خلع النعال وعدم الدخول بها في محالّ الجلوس أو الاستقبال، والامتناع

عن شرب الخمر من أي نوع كان؛ لأن شرب الخمر يعين على إضعاف

المعدة.

ويجتنب السهر الطويل والتعرض للبرد والاعتدال في الأكل وعدم

الإفراط فيه، ويحسن اجتناب المصافحة باليد مع غسل اليدين قبل الطعام

وبعده وقص الأظافر، ويتعين الامتناع عن أكل الخضر غير المطبوخة؛

كالجرجير والفجل والأسماك البحرية كأم الخلول والجنبري ونحوها، ويجتنب

أكل الفواكه غير الناضجة ، وتطهر أطباق الأكل بوضع قليل من السبرتو النقي

بها وإشعالها إن لم يغسل بماء مغلي، ومراقبة الطهارة لعدم مسح الأطباق

بمناشفها القذرة. ويحسن أن لا يؤكل الخبز إلا بعد تجميره على النار أو على

لهب اسبيرتو، والامتناع من التدخين أو التقليل منه؛ لأنه يضعف المعدة

والقلب، ويجب غلي مياه الشرب طول مدة الوباء.

الإسعافات الأولية:

تنحصر تلك الإسعافات في مقاومة ثلاثة أعراض مهمة وهي: القيء

والإسهال وبرودة الجسم.

القيء: يقاوم القيء بتعاطي شراب الليمون المثلج أو منقوع النعناع

المثلج المحلى بالسكر أو شراب حمض اللبنيك.

كالمشروب الآتي:

حمض اللبنيك من 10 إلى 15 جرام، شراب السكر 90 جرام كؤلات

الليمون والنعناع 2 جرام ، ماء مغلي 1000 جرام.

يؤخذ كل ساعة كأس.

الإسهال: يستعمل حقن شرجية من محلول الشب من 10 إلى 15 جرام

في الألف، تذاب في ماء مغلي، وتعمل الحقنة 3 مرات في اليوم.

برودة الجسم: الدلك بقطع من الصوف بعموم الجسم بعد غمسها بروح

الكافور، ووضع جملة زجاجات مملوءة بماء سخن حول الجسم بعد لفها

بالقماش، وتثبيت سدادتها جيدًا.

ثم يستدعى الطبيب في الحال لإجراء الوسائط الصحية اللازمة، وتتميم

العلاج بحسب حالة الأعراض.

فهذا ما كنا نشير باستعماله من الإسعافات الوقتية الأولية سنة 1896،

حينما كنت حكيمباشي باستبالية مديرية الفيوم، وظهرت فوائدها كما يثبت

الإحصاء ذلك، وقد رأيت أن أكتفي بذكر ما يمكن لغير الأطباء استعماله في

الإسعافات الوقتية لهذا المرض الوبيل، وقى الله البلاد شره إنه سميع مجيب.

_________

ص: 705

الكاتب: هبة الدين الشهرستاني

ميرزا علي محمد الباب

وادعاؤه النبوة

وردت من أحد المأمورين بشيراز رسالة تحاول إثبات المهدوية لميرزا

علي محمد بن أقارضا البزاز الشيرازي (مدعي البابية ومؤسس طريقتها)

وما اضطررت إلى الجواب عنها إلا من شدة إصرار مرسلها ، ومن اقتحام

بعض الصحف المصرية في أمرهم على العمياء، وتوصيفهم عن غير دراية،

وتقريب العقول الناقصة من شبايك كيدهم.

إني لم أر بعد النظر في أدلة تلك الرسالة دليلاً يكتسب من الأنظار أدنى

أهمية، ولا وجدت قياسًا في كتابه روعيت فيه أصول الاحتجاج غير حجة

واحدة، سنجعلها مدار البحث ومحوره، حيث تناسب أبحاثنا في النبوة

بيد

أن الكاتب من لباقته وشطارته أبرز تلك الحجة الواحدة في كسوة الحجج

المتعددة.

(وخلاصة تلك الحجة)

أن (علي محمد الشيرازي) تحدى كالأنبياء لدعواه ، وأخرج للناس كتابًا

يصدق ما ادعاه ، فلو لم يكن نبيًّا صادقًا ناطقًا بالحق، لوجب على الله

(سبحانه) أن يفضحه ويظهر كذبه ، ويجازيه أسوأ الجزاء على افترائه وبهتانه

على مولاه وجوبًا عقليًّا (تقتضيه قاعدة اللطف) ونقليًّا دلت عليه آيات الكتاب

وبينات السنة اهـ.

(وهاك جوابي عن هذه الشبهة)

ينبغي لنا في هذا المبحث أن ننظر أولاً في أنه كيف يجب أن يفتضح

المتحدي الكاذب.. ثم ننظر في حقيقة اللطف الواجب.. كل ذلك على وجه

العموم.. ثم نتكلم في افتضاح (علي محمد) وظهور كذبه لدى العقلاء بأجلى

وجوه الفضيحة.

ولا ينقضي عجبي منكم أيتها الفرقة الـ

تدعون المهدوية لصاحبكم

وهي فرع من الفروع الاعتقادية في دين الإسلام ثم تستدلون على مقصدكم

بدلائل النبوة وتنسبون لصاحبكم تحدي الرسالة، وأنه أظهر كتابًا أكبر من

كتاب محمد صلى الله عليه وسلم وتتشبثون لمطلوبكم بشبهات النصارى على

الإسلام: فأدلتكم ترمي إلى شيء ودعواكم ترمي إلى آخر يخالفه تمام

الاختلاف فعرفونا وجه التوفيق ومنزع الاحتجاج ومحجة النزاع.

نجعل وجدانكم الصادق أيها المنصف بيننا حكمًا فاصلاً ثم ننشدك نشيدة

الباحث عن حقيقة (ونقول) هل الواجب على المولى (سبحانه) أن يفضح

المتنبي الكاذب بعلامات محسوسة.. مثل أن يكتب على وجنته أو جبهته (هذا

نبي كاذب) ..؟ أو يوكل عليه ملكًا يهتف أمامه بذاك النداء مدى الدهر

فتقصر الحجة في الكتابة على خط واحد بالضرورة ، وتقتصر في النداء على

لغة واحدة فلا تتم الحجة على أكثر البشر ولا تبلغهم حقيقة الأمر قطعيًّا مع

اشتراكهم وتساويهم في التكليف ويفوت الشارع بناء عليه مقصده السني من

تشريع السبل ، وبعث الرسل ، وهل عهدت يا صاح في إحدى الشرائع من إلهك

الحكيم استعمال العلامات الشخصية والصور الحسية في فضيحة متنبئ أو

متحدّ كاذب..؟ كلا ثم إن الصور المحسوسة لا تعم الأعصار والأمصار ، كما

أن الخط واللغة لا يعرفان الأقوام المختلفة حقيقة الأمر ، فلا محيص من تصديق سنة

الله تعالى والاعتراف بصحة سيرته مع أدعياء النبوة حيث يميز كاذبهم عن

صادقهم بوجه علمي وصورة عقلية ، يفتضح بها الكاذب بين الناس أجمعين ، على

اختلاف ألسنتهم وألوانهم ، فتحصل الغاية المقدسة وتتم الحجة على كل مكلف

بأبلغ منهج وأتم صورة.

حيث إن الوجوه العقلية لا تختص بقوم دون قوم ولا بأبناء لهجة دون

آخرين ولا تختص بعصر ولا بمصر بل تعم ذوي العقول قاطبة في جميع

الظروف والأحوال (العقل دليل في كل سبيل) .

وإتمام الحجة في فضيحة المتنبئ الكاذب مما يجب أن يظهر لجميع

العقلاء والعلماء الذين أضحت عقائد العامة تتبع آراءهم ، وأفعالها تناط بأقوالهم {ليَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} (الأنفال: 42) .

إذن فالحري بنا أن ننظر في أمر هذا المدعي بالنظر العقلي ، والطريق

العلمي ، الذي به يظهر المولى (سبحانه) كذبه إن كان مفتريًا عليه.

(الحقيقة تكفينا فضيحة المتنبي)

(وفي ذلك معنى قاعدة اللطف)

قالت العدلية من المسلمين (يجب على الله سبحانه وتعالى أن يفضح

المتنبي والمتحدي الكاذب بقاعدة اللطف) وخاضوا في عباب اللطف كل

مخاض ، لكن لي في المقام رأيًا متوسطًا أظن إصابة الحق فيه.

وموجزه أن المتحدي بالنبوة يدعي لنفسه العصمة بالضرورة.. والحقائق

لا تمهله دون أن تظهر كذبه: حيث إن الفاقد لفضيلة العصمة ، لا ينفك (حسب

المفروض) عن سهو أو نسيان ، فيبدو منه خلال أعماله وأشغاله سهو في

فعل ، أو نسيان عن قول ، سيما عندما تتراكم الأشغال عليه ، ويحاط في المجامع

العمومية بالشواغل القلبية ، وتآثير الظواهر في مشاعره ونفسه الضعيفة ، ومتى

ما سها في شيء أو نسي تبين كذبه وافتضح.

إن من يدعي بما ليس في

كذبته شواهد الامتحان

فيحصل المطلوب بتأثير أودعه الله في مظاهر الحقيقة (وهو أمر طبيعي)

في العوالم الأدبية لا بد منه ولا محيص.

وإذا تبينت محافظته على الحقائق ، لم يظهر منه خطأ أو زلة في أعماله

وأقواله ، ولا عدول عن غايته، ولاتغيير فى مسلكه طول عمره، فذلك

الصديق الذى يجب تصديقه والإيمان بما يدعيه، وهو العاصم المعصوم ولا

ريب فيه.

(افتضاح علي محمد عندنا)

ذكر الناس في ظهور خداعه وكذبه، مظاهر وأشياء، ونشروا كثيرًا

مما يزري بشأنه ويكذب دعواه، وأعلنوا خذلانه في مجالس العلماء بأصفهان

وتبريز وشيزار وغيرها. واستبان انحطاطه وقصوره عن المباحث العلمية

والأدبية والاعتقادية لكنني أعتمد في انجلاء حاله وتكذيبه على منهجين أرى

لهما مقامًا ساميًا كثير الأهمية في عالم البحث الفلسفي عن الأديان والنبوات ،

وعن تعيين الأنبياء والصادقين من المصلحين.

(المنهج الأول) : ظهور خطأ منه في سياسة أمره يمنعه من نجاحه

بحيث يمسي المدعي للنبوة غرضًا لأسهم الملازمة من جمهور العقلاء فإن

ذلك وشبهه من جملة الأمور الفاضحة ، وشواهد كذبه الواضحة ، يتم الحق

بأمثالها حجته على رائديه.

ولا يبرح عن اعتقادي أن العاقل المنصف إذا تأمل في كلمات (علي

محمد) وبيانه الذي زعم معارضة القرآن به وعرف أغلاطه اللفظية ، التي لا

تقبل وجهًا ولا علاجًا في فنون العربية ،.... يجزم بخطأه في عالم السياسة

فمجرد تصديه لمعارضة القرآن العظيم في العربية والبلاغة وهو عاجز عن

التكلم بها غير محيط بأصولها وفنونها يكفينا فضيحته ولا ينفك لوم العقلاء منه

على هذه الفلتة الكبيرة يلومونه من جهات متعددة:

(1)

لماذا يا مسكين لم تقنع بدعوى كونك إمامًا أو بابًا إليه كما كنت

عليه في مبدأ أمرك حتى ادعيت النبوة واحتجت إلى إظهار الآيات والمعاجز

وعرضت بنفسك للفضحية.

(2)

لماذا اخترت يا مسكين من بين المعجزات معارضة القرآن الذي

أعجز أساطين الفصاحة.

(3)

إن لم تطاوعك النفس إلا في معارضة القرآن فلماذا عارضته

بالعربية حتى يصبح أمرها عليك من كل باب تأتيه من حيث أنك أجنبي عنها

نشأت على اللغة الفارسية في إيران وما سبرت أفانين العربية وآدابها

تعجز

عن أداء جملة لا تلحن فيها ، وتعارض قرآنًا خرت لبلاغته الأدباء سجدًا إلى

الأذقان ، وخضعت دونه رجال الإصلاح والسياسة وعلماء البيان ، تعارضه ببيانك

المشتمل على أغلاط بعيدة الإحصاء في فنون العربية من تصريفها والأعاريب

والبلاغة في التركيب خاليًا عن طريف معنى ولطيف حكمة.

ولو أنك يا مسكين لفقت كتابك من فقرات وجمل بلغتك الفارسية لصنته

من قدح العلماء في ألفاظه وتراكيبه ، وانحصرت دوائر اللوم في أغلاطك

المعنوية خاصة ، وكان لك في ذلك ولصحبك مندوحة وتخفيف مشقة ، وكنت

في راحة من جانب ألفاظه لا تلجأ إلى مضيق الاعتذار (ورب عذر أقبح من

ذنب) عن ألحانك (بأن الألفاظ كانت أسيرة الإعراب فأطلقها) ولا يلتجئ زعيم قومك

اليوم تصحيحًا لأغلاطك إلى قوله: (إن ولي الله لا يكون أسيرًا لأصول اللغات

وإعراب الكلمات) اعتذر به (ميرزا أبو الفضل) الكلبايكاني في كتابه بعد اعتراض

شيخ الإسلام التفليسي عليه بأغلاط البيان وألحانه:

وإنني لا أعدوه وسألتك يا صاحبي ولا أحتطب لك من كلماته في هذه

الوجيزة من هنا ومن هناك وإنما أذكرك ببعضب كلماته التي انتخبتها أنت لنا

وأتحفتنا بها في رسالتك إلينا فمن ذلك قوله: (تالله قد كنت راقدًا هزتني

نفحات الوحي وكنت صامتًا أنطقني ربك المقتدر القدير لولا أمره ما أظهرت

نفسي قد أحاطت مشيأته مشيأتي وأقامني على أمر به ورد على سهام

المشركين امرءًا قرأ ما نزلناه للملوك لتوقن بأن الملوك ينطق بما أمر من لدن

عليم خبير) .

ومن ذلك قوله: (كنت نائمًا على مضجعي مرت علي نفحات ربي الرحمن

ويقضتني من النوم وأمرني بالنداء بين الأرض والسماء ليس هذا من عندي بل

من عنده يشهد بذلك سكان جبروته وأهل مدائن عزه فوا نفسه الحق لا أجزع من

البلايا في سبيله ولا عن الرزايا في حبه ورضائه قد جعله الله البلاء غاديه لهذه

الدسكرة الخضراء) .

وبالإجمال فإنها فلتة عظيمة سياسية وحقيقية؛ صدرت منه بمشيئة الله تعالى

رغمًا على مشيئته ليصبح الحق أبلج ، ويمسي الباطل لجلج ، وما صرعه الحق

هذه الصرعة الفاضحة ولا أكبه بعثرته الواضحة ، إلا من جنايته العظمى

على الحقيقة المقدسة ، وهتك حرمة الإسلام وما أبدى فيه من....

(المنهج الثاني) ثبات المدعي واستقامته في مسلكه الخاص الذي دعاه

الناس إليه من مبدأ أمره إلى منتهاه لا يحول عنه ولا يزول في حال ضعفه

وقوته سالكًا فيه بقوله وفعله عن شجاعة أدبية (كيف يميل عن الحقيقة من

نالها أو يعدو الحق صاحبه وما وراء عبادان قرية) .

فهذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم جرى على سنة الأنبياء من قبله ،

فادعى الرسالة من ربه في مبدأ أمره ، واستقام عليها حتى فارق صحبه ، فكانت

الرسالة لا غيرها دعواه وخطته من قبل أن يبلغ المسلمون عدد الأصابع

ثم

اتسعت بلاده وعلت كلمته وفاق المؤمنون به عشرات الألوف وصارت

الأموال والكنوز تجبى إليه من أقطار الأرض: ولم تكن مع ذلك دعواه إلا

الرسالة التي كان يدعيها في أول أمره. وما أورثه ارتقاء شأنه ونفوذ سلطانه ،

فرقًا في أخلاقه ودعاويه ، ولا في معيشته وسيرته ، ولقد كان يروج منه (ولا

ريب) أن يدعو الناس بعد ذلك إلى تقديسه والاعتراف بألوهيته (والعياذ بالله)

أو يأكل أطيب المأكول ويتخذ لنفسه أجمل وسائل العيش والتنعم من اتساع

سلطته ونفوذ كلمته وتملكه القلوب والمشاعر.

لكنه صلى الله عليه وسلم كان يزداد تواضعًا وزهدًا كلما ازداد قدرة لئلا

يهابه الناس فيقدسوه تقديس الرعية لسلطانها المستبد.

وأمّا (علي محمد) فلا يجد المرء بعد الفحص أقل ثباتًا منه في مسلكه

ودعواه ، فإنه ادعى البابية في مبدأ أمره ويعني من البابية أنه الباب بين الشيعة

وبين إمامهم (المهدي المنتظر)(عج) يبلغهم أحكام الشريعة عنه (ع) كما

كان نواب المهدي (عج) في القرن الثالث يعرفون بهذا الاسم والصفة وكانوا

هم الأبواب إليه والنواب عنه، فكانت البابية أو دعوى (علي محمد) ولأجل

ذلك عرف أصحابه بهذا الاسم والعنوان من مبدأ أمرهم إلى الآن.

ثمّ عظمت وطأته ، وانتشرت دعوته ، وشاهد ازدحام الناس على نفسه ،

فادعى الإمامة والمهدوية لنفسه ، وإنه هو الإمام المنتظر عند الشيعة بعينه ، ولا

يخفى عليك اختلاف المسلكين وتفاوت الرتبتين.

ثم ارتقت كلمته وكثر أتباعه لأمور اتفاقية لا يسع المقام ذكرها، واستشعر

من تابعيه ، قبول كل ما يدعيه ، فادعى النبوة وأظهر كتابًا زعم نسخ القرآن به

والمعارضة معه

ويحكى عنه الربوبية أيضًا مستدلاً بتوافق اسمه في العدد

أعني (علي محمد) لاسم (رب) فإن كلاً منهما 202 في حساب (أبجد)

الجملي.... ولم يثبت بعد ذلك حتى قتله (ناصر الدين) شاه إيران بعدما عقد

المؤتمرات لأجله ، أظهر العلماء كذبه وعجزه في الأبحاث العلمية. ومن طلب

تاريخه فليراجع كتاب (باب الأبواب) أو مفتاحه لمنشئ جريدة (حكمت)

الفارسية المصرية.

وليت شعري ما كان يدعي بعد هذه الدعاوى لو أمهله الدهر وساعدته

العامة؟ (نعم) لا يستقيم سويًّا على صراط مستقيم من حاد عن الحق *

ويضطرب الرأي ممن لم يفز بحقيقة * ولا يثابر على خطة من لم يكن على

يقين *

فهلا يكفيك اضطراب رأيه الظاهر من تلوناته وتقلباته في خطته شاهدًا

على خطأه وزلَله ، أم نسيت ما قدّمناه في صدر البحث تمهيدًا لخواتيمه ، والسلام على من اتبع الهدى.

...

...

...

... من نجف بالعراق

...

...

...

هبة الدين الشهرستاني

...

...

...

... منشئ مجلة العلم

_________

ص: 707