المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌علم الفلك والقرآن - مجلة المنار - جـ ١٤

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (14)

- ‌المحرم - 1329ه

- ‌فاتحة المجلد الرابع عشر

- ‌الاشتراك في المنار

- ‌فتاوى المنار

- ‌جمعية الدعوة والإرشاد

- ‌المقالة الأولى لجريدة العلم

- ‌المقالة الأولى التي كتبتردًّا على جريدة العلم

- ‌نهضة التعليم الإسلامي في سملك دابل

- ‌أعظم رجل في العالم

- ‌اعتصام الفئتين الكبريين من المسلمين

- ‌البابية البهائية

- ‌الماسون في الدولة العثمانية

- ‌صفر - 1329ه

- ‌الذكر بالأسماء المفردة

- ‌أسئلة من الهند

- ‌جماعة الدعوة والإرشاد

- ‌أقوال الجرائد

- ‌حال المسلمين والمصلحين

- ‌الباطنية وآخر فرقهم البابية البهائية [

- ‌تقرير مرفوع إلى جناب صاحب الدولةالأمير أحمد باشا فؤاد حضرتلري

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌الأخبار والآراء

- ‌ربيع أول - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌جماعة الدعوة والإرشاد

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌الأخبار والآراء

- ‌ربيع الآخر - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌أمير الألاي صادق بك

- ‌المسلمون والقبط(النبذة السادسة)

- ‌اقتراح صاحب المنار على المؤتمر المصري

- ‌كيف خلق الإنسان [*]

- ‌النسائيات [*]

- ‌مذكرة عن أعمالالمبشرين المسيحيين

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌جماعة الدعوة والإرشاد

- ‌مقدمة مقالات المسلمون والقبط

- ‌جمادى الأولى - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌العالم الإسلاميوالاستعمار الأوربي(1)

- ‌آراء أديسونفي مستقبل البشر

- ‌بيان أمير الألاي صادق بك

- ‌شيء من مناقب صادق بك

- ‌بيان هادي باشا الفاروقي

- ‌ألمانيا والعالم الإسلامي

- ‌(المؤتمر المصري)

- ‌اتفاق الدولوالمانع لها من قبول دولتنا فيه

- ‌احتلال فرنسة لمملكة المغرب الأقصى

- ‌جمادى الآخرة - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌العالم الإسلاميوالاستعمار الأوربي(2)

- ‌عليكم باللغة العربيةسيدة اللغات

- ‌المؤتمر المصري [*]

- ‌ملكة بهوبال الهندية في إنكلترة [

- ‌بلاغ محمود شوكت باشا

- ‌رأي الأمير صباح الدين

- ‌سياحة السلطانوالاستفادة من منصبه الديني

- ‌جماعة الدعوة والإرشاد

- ‌رجب - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌بحث الاجتهاد والتقليد

- ‌كلمة في السياحة المفيدة

- ‌قانون الجامع الأزهروالمعاهد الدينية العلمية الإسلامية

- ‌هل للقول من مستمع؟وهل للداعي من مجيب

- ‌ حضرموت

- ‌الدعاء للسلاطينفي الخطب وحكمه شرعًا

- ‌الإلحاد في المدارس العلمانية [*]

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌فقيد مصرمصطفى رياض باشا(2)

- ‌جمعية الاتحادومشروع العلم والإرشاد

- ‌شعبان - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌علم الفلك والقرآن

- ‌فصل في بيان دقائقالمسائل العلمية الفلكية

- ‌كلمات علمية عربيةأسوقها إلى المترجمين والمعربين [1]

- ‌الانتقاد على المنار

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌فقيد مصرمصطفى رياض باشا(3)

- ‌مشروع المنتدى الأدبي في التعليم العربي

- ‌الحريق في الآستانة

- ‌استدراك [

- ‌مخاطبات المنار

- ‌رمضان - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌كلمات علمية عربيةأسوقها إلى المترجمين والمعربين [*](2)

- ‌ملحق بقانون الجامع الأزهروالمعاهد الدينية العلمية الإسلامية

- ‌الكوليرا [*]

- ‌الإسعافات الطبية الوقتيةللمصابين بالكوليرا

- ‌أرباب الأقلام في بلاد الشامومشروع الأصفر

- ‌شوال - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌بحث الاجتهاد والتقليد

- ‌المسألة الشرقية [*]

- ‌حالة المسلمين في جاوه والإصلاح

- ‌الانتقاد على المنار

- ‌رد المنار

- ‌نظام مدرسة دار الدعوة والإرشاد

- ‌ذو القعدة - 1329ه

- ‌العلوم والفنونالتي تدرس في دار الدعوة والإرشاد

- ‌فتاوى المنار

- ‌المسألة الشرقية

- ‌مقدمات الحربفي طرابلس الغرب

- ‌عِبَرُ الحرب في طرابلس الغرب

- ‌ذو الحجة - 1329ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌مناظرة عالم مسلملدعاة البروتستانت في بغداد

- ‌المسألة الشرقية

- ‌منشورات إيطالية الخداعية

- ‌إعانة أمير أفغانستان وكبراء قومهلأهل طرابلس الغرب

- ‌عريضة الشكرمن العثمانيين المستخدمين في أفغانستان إلى أميرها

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌كتابٌ رصيفٌ ورأيٌ حصيفٌفي المساعدة على الحرب بطرابلس الغرب

- ‌الخطر الأكبر على بلاد العربوالرأي في تلافيه

- ‌الانتقاد على المنار

الفصل: ‌علم الفلك والقرآن

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌علم الفلك والقرآن

نظرة في السماوات والأرض

نشرت هذه المقالة في مجلة الطلبة المصريين، ثم زاد الكاتب فيها بعض

زيادات وحَواشٍ.

{قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَاّ

يُؤْمِنُونَ *} (يونس: 101-102) {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ

النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (غافر: 57)

...

...

...

... قرآن شريف

فهرس المقالة

تعريف الأرض - السيارات والأفلاك - أسماؤها وعددها - الثوابت -

الجذب العام - الكون كالجسم الواحد - الأقمار - مركز السيارات - ذوات الأذناب

- البروج - مجاميع الثوابت - الصور السماوية - سدرة المنتهى- رؤية النبي

لجبريل - الجنة والنار - السماء - السماوات السبع والإسراء والمعراج - خطأ

القدماء في اعتبار الأرض مركزًا للعالم - احتمال أن السماوات أكثر من سبع وأن

العدد لا مفهوم له - نص القرآن على الحركة الذاتية للسيارات وغيرها - سكنى

السيارات بالحيوانات - الدابة في يوم القيامة - الأرض ليست سبعًا - تفسير الآية

الواردة في ذلك - العوالم متعددة العرش أو الكرسي - الملائكة والشياطين - رجم

الشياطين بالشهب - العوالم لم تخلق لأجل الإنسان وليس الإنسان أشرف جميع

الموجودات - فصل في دقائق المسائل العلمية الفلكية الواردة في القرآن - المحكم

والمتشابه - الخاتمة في بيان الغاية من هذا الوجود.

* * *

ما هي هذه الأرض التي نعيش عليها؟

هي كوكب من الكواكب التي تدور حول الشمس، وتسمى بالسيارات،

ومجموع الشمس مع هذه السيارات يسمى بالمجموعة [1] أو المنظومة الشمسية

فالشمس مركز بالنسبة لها وهي مضيئة لذاتها، ومنها تستمد هذه السيارات النور

والحرارة. ولا ينبغي أن يفهم القارئ من تسميتنا الشمس بالمركز؛ أن مدارات هذه

السيارات هي دوائر، بل هي بيضاوية الشكل، وليست في الوسط تمامًا، بل هي

مائلة إلى أحد الجوانب.

ومدارات هذه السيارات تسمى بالأفلاك، فهي الأشكال البيضاوية التي ترسمها

السيارات في مسيرها حول الشمس.

وأكبر هذه السيارات ثمان: الأرض إحداها واثنان منها في داخل مدار

الأرض، وخمس منها في خارجه، وهذه المدارات أو الأفلاك ليست في مستوى

واحد، بل هي في مستويات مختلفة، فمن المدارات ما هو أفقي ومنها ما هو رأسي،

وفيها ما هو مائل إلى اليمين أو إلى الشمال.

أما السياران اللذان في داخل فلك الأرض فهما عطارد (Mercury)

والزهرة (Venus) ، ويسميهما الفلكيون السيارين الداخلين. أما السيارات الخمس

الباقية فهي المريخ (Mars) والمشتري (Gupiter) وزحل (Satun)

وأورانوس (Uranus) ونبتون (Xeptume) ، وتسمى السيارات الخارجة.

وكلما كان فلك الكوكب أو السيار صغيرًا كانت سنته صغيرة.

وكلما كان كبيرًا كانت سنته كبيرة، فسنة عطارد وهو أصغرها فلكًا هي 88

يومًا من أيامنا هذه، وسنة نبتون وهو أكبرها فلكًا هي 60176 يومًا أي 164 سنة

و8 شهور من سنيننا وشهورنا، أي أنه يدور حول الشمس في المدة المذكورة.

ويوجد بين المريخ والمشتري عدة سيارات صغيرة تسمَّى نجيمات، اكتشف

منها إلى الآن أكثر من 121 نجيمًا (تصغير نجم) ، وأكبر هذه النجيمات هي فستا

(Vesta) أي إلهة النار، ويونو (Gumo) وسيرس (Geres) وبالاس (Pall

as) وهي أسماء وثنية، وجميع هذه السيارات كبيرة كانت أو صغيرة هي أجرام

مظلمة كأرضنا هذه سواء بسواء، ولا يضيئها إلا انعكاس أشعة الشمس عليها.

أما النجوم الثوابت فهي شموس كشمسنا هذه مضيئة بذاتها، وسميت ثوابت [2]

لأنها لا يتغير وضعها بالنسبة لأخواتها، وهي مراكز لسيارات أخرى تدور حولها

كما أن شمسنا مركز للسيارات الثمانية المعروفة، ولكن نظرًا لبعدها العظيم عنا

ترى كأنها نجوم صغيرة، والحقيقة أنها شموس كبيرة وأقرب هذه الثوابت إلينا يبعد

عن الأرض بمقدار 19.131.030.000.000 ميلاً، والنور الذي ينبعث منه يصل

إلينا في ثلاث سنوات وربع [3] ويمكننا تمييز السيارات عن الثوابت بأن السيارات

تغير وضعها بالنسبة للثوابت، وبأن نورها أسطع وهو ثابت لا يتلألأ؛

وذلك لقربها منا. أما نور الثوابت فإنه يرتعش ويتلألأ لشدة بعدها عنا.

والسبب الذي يمسك السيارات في أفلاكها، ويحفظ نظامها في مداراتها؛ هو

جذب الشمس لها، فلولاه لسارت في طريق مستقيم إلى حيث لا يعلم إلا الله،

وكذلك جميع الكواكب يجذب بعضها بعضًا {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} (النازعات: 27){وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الحُبُكِ} (الذاريات: 7)[4] فإذا جاء الوقت

الذي يفسد فيه نظام هذا الكون اختل التوازن وزال التجاذب، وتناثرت الكواكب،

واصطدم بعضها ببعض، وانشق عن البعض الآخر وانفصل عنه وتفرق {إِذَا

السَّمَاءُ انفَطَرَتْ * وَإِذَا الكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ} (الانفطار: 1-2) ، {إِذَا السَّمَاءُ

انشَقَّتْ} (الانشقاق: 1) الآيات.

أما الآن فجميع الكواكب متجاذبة مرتبط بعضها ببعض من كل جهة، ولا

يوجد فيها ما هو منشق عن بقيتها، منفك عنها، لا ارتباط له بها بل كلها متماسكة

كالبنيان أو كأجزاء الجسم الواحد {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا

وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} (ق: 6) أي ليس لها شقوق تذهب باتصالات الكواكب

فتفرقها وتقطع علاقاتها وأحبال تجاذبها، بحيث يكون بعض الكواكب غير متماسك

بالبعض الآخر ومنفصلاً عنه في ناحية من السماء لا ارتباط له به {فَارْجِعِ البَصَرَ

هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ} (الملك: 3) أي انشقاق وانقطاع. أما ما بين الكواكب من

المسافات فهي وإن كانت كبيرة؛ إلا أنها بالنسبة لمجموعها وكثرتها وعظمها

كالمسام بالنسبة لأجزاء الجسم الواحد، وكما أن الكواكب تتحرك في هذه المسافات،

كذلك ذرات الجسم تتحرك فيما بينها من المسافات. والأثير (مادة العالم الأصلية)

يملأ هذه كما يملأ تلك، فالكون كله أو السماء كلها جسم واحد لا انشقاق فيه الآن،

ومجموعتنا الشمسية هذه هي جزء من أجزاء هذا الجسم العظيم أو ذرة من ذراته،

فهذه المسافات التي بين الكواكب ليست هي الشقوق أو الفروج المراد نفيها، بل

الفروج المنفية هي كما قلنا التي تباعد ما بين مجاميع الكواكب، حتى تقطع

اتصالاتها وتشتتها وتذهبها مبددة في الفضاء بلا نظام ولا اتصال، وتجعل كل عالم

مستقلاً بذاته منقطعًا عن غيره خارجًا عن دائرة الجذب العام، فانشقاق السماء

وانفطارها الذي سيحصل يوم القيامة هو تبديد عوالمها وتشتيتها وانتثار كواكبها.

هذا واعلم أن أكثر السيارات لها توابع تدور أيضًا حولها، وهي الأقمار

فتعكس النور من الشمس إليها وتضيئها ليلاً] وَجَعَلَ القَمَر [5 {َ فِيهِنَّ نُوراً} (نوح: 16) وسميت توابع؛ لأنها تتبعها في مسيرها حول الشمس، كما يتبع

الخادم سيده. فللأرض قمر واحد، وللمريخ اثنان، وللمشتري أربعة، ولزحل

ثمانية، ولأورانوس ستة، ولنبتون واحد فقط كالأرض، وليس لعطارد ولا للزهرة

أقمار.

أما حجم هذه الأرض بالنسبة للسيارات الأخرى، فيعتبر خامسها في الكبر،

والسيارات التي هي أكبر من أرضنا هذه هي المشتري وزحل وأورانوس ونبتون.

أما عطارد فهو أصغر الثمان، وهو أكبر من قمر الأرض بقليل، ولكنه

أقرب السيارات إلى الشمس، ويمكن رؤيته بعد الغروب بقليل أو قبل الشروق

كذلك.

وأما الزهرة فحجمها تقريبًا قدر حجم الأرض، ولقربها منا ترى أنها أشد

الكواكب نورًا بعد الشمس والقمر، وتشاهد بعد الغروب وقبل الشروق مثل عطارد،

ولكن مدتها أطول وتسمى عقب الغروب (كوكب المساء) ، وقبل الشروق

(كوكب الصبح) .

وأما المريخ فهو أقرب السيارات الخارجية إلى الأرض وحجمه ثمن حجمها،

وتشاهد في قطبية بالتلسكوب نقطًا بيضاء، يقال: إنها ثلج.

وأما المشتري فهو أكبر السيارات على الإطلاق وأشدها نورًا بعد الزهرة

بالنسبة لنا، وتحيط به منطقة من السحب ودورته حول محوره هي عشر ساعات

فقط، فهو أسرع دورة من الأرض، ولكبر حجمه يقال: إن قشرته لم تبرد تمامًا

إلى الآن.

وأما زحل فأغرب شيء يشاهد فيه هو وجود ثلاث مناطق عريضة تحيط به

بعضها خارج بعض، ويقال: إنها مكونة من ملايين من التوابع الصغيرة، وأمرها

في الحقيقة مجهول. وأما أورانوس ونبتون فهما أبعد السيارات في المنظومة

الشمسية وآخرها على ما نعلم.

وهذان السياران لم يكونا معروفين للقدماء؛ لأنه لا يمكن رؤيتهما بالعين

المجردة. وأما باقي السيارات فهي معروفة من قديم الأزمان وعند جميع الأمم؛

لأنها ترى جميعًا بالعين المجردة، وقد كان القدماء يعدون السيارات سبعًا غير

الأرض، مع أنهم ما كانوا يعرفون منها غير الخمس المسماة بالدراري وهي

(عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل) لأنهم كانوا يحسبون الشمس والقمر

من ضمنها، والحقيقة أنهما ليسا منها في شيء، فإن الشمس من الثوابت، وهي

مركز العالم الشمسي الذي نحن فيه. والقمر تابع للأرض كباقي التوابع المذكورة

آنفًا {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ

فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (العنكبوت: 61) .

أما ذوات الأذناب (Comets) فهي أيضًا سيارات غازية، ولكنها تدور

حول الشمس على أبعاد شاسعة جدًّا، فأفلاكها متسعة اتساعًا عظيمًا، وهي في

بعض الأحيان تقترب من الشمس، حتى تختفي في ضوئها، ثم تبتعد حتى يخيل

لنا أنها خرجت عن المنظومة الشمسية؛ وذلك لأن الشمس كما قلنا: ليست في

وسط الأفلاك بل مائلة إلى بعض جوانبها، وأكثر هذه المذنبات يخرج فعلاً عن

منظومتنا هذه الشمسية، ويذهب إلى منظومات أخرى، والمذنبات تعد بالمئات وإن

كنا لا نرى بالعين المجردة إلا القليل منها لصغرها ومتى ابتعدت عن الشمس،

عادت إليها أذنابها؛ لأن هذه الأذناب عبارة عن أجزاء من أجرامها الغازية، تجذبها

الشمس إليها وتشدها، والصغير منها لا ذنب له مهما اقترب من الشمس.

والخلاصة أن بعض هذه النجوم الغازية لها أفلاك معروفة، والبعض الآخر

وهو الكثير لا تعرف له أفلاك. والظاهر أنها ضالة في الفراغ بين العوالم

العديدة، وأصلها نجوم انحلت وبانحلالها هي تنشأ الشهب.

وأشهر هذه المذنبات التي ظهرت في القرن التاسع عشر مذنب ظهر سنة

1811، وكان طول ذنبه 112مليونًا من الأميال، ومذنب هالي الذي ظهر في سنة

1843 وفي 1880 و1882، وقد ظهر في سنة 1861و1862 مذنبان كانا غاية

في البهاء والجمال، وأخيرًا ظهر واحد شاهدناه في السنة الماضية (1910) .

أما البروج فهي صور وهمية تنشأ من اجتماع الثوابت بعضها بجانب بعض

بحسب ما يتخيل لنا، وهي اثنا عشر برجًا معروفة، نرى أن الشمس تتنقل من

واحد منها إلى الآخر بحسب الظاهر، وباجتماع الثوابت بعضها ببعض تنشأ صور

أخرى غير البروج؛ كصورة الدبين والثريا والجاثي على ركبتيه والنسر الطائر

وغير ذلك، ولعل سدرة المنتهى المذكورة في القرآن الشريف هي صورة كهذه

الصورة [6] فيكون النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل من الأرض بعينيه على

صورته الحقيقية الأصلية مرتين: مرة في الأفق ومرة عند سدرة المنتهى [7] وهو

نازل من الملأ الأعلى فلا يبعد أن تكون هذه السدرة [8] صورة تشبه شجرة النبق،

ناشئة من اجتماع عدة ثوابت بعضها مع بعض (راجع سورة النجم والتكوير) ،

وشبهت بذلك كما شبه غيرها بصورة النسر الطائر مثلاً.

وقوله تعالى: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} (النجم: 16) معناه أنه رأى

جبريل عليه السلام عند سدرة المنتهى، حينما كانت الأرواح والملائكة تغشاها

وتهبط عليها وتحف من حولها، وذلك بأن كشف الله عن بصره وبصيرته

وأنارهما، فرأى ما رأى {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى} (النجم: 18) فكانت هذه

الرؤية للأرواح والملائكة رؤية حقيقية عيانية؛ كرؤية جبريل في الأفق والنبي صلى

الله عليه وسلم لم ينتقل من الأرض {مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى} (النجم: 17) ،

{أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} (النجم: 12) . أما رؤية هذه السدرة المذكورة في

حديث المعراج فكانت في مرة أخرى غير هذه وكانت منامية (أي رؤيا) كما

سيأتي في الحاشية، ولا علاقة لها بما ذكر في سورة النجم، فإنه كان يقظة؛

ولذلك خيل له فيها أن للسدرة نبقًا كقلال هجر [9] وأن أربعة أنهار (منها النيل

والفرات) تخرج منها. هذا إذا لم تكن هذه العبارات زيادات من بعض الرواة؛ فإنها

تشبه الإسرائيليات، وتقرب مما جاء في أوائل سفر التكوين في وصف جنة آدم، وإلا

فإن هذه السدرة لا نبق لها، فإنها مجموعة كواكب على ما نعتقد، والنيل والفرات

لا يخرجان منها ولا ماء السحاب أيضًا. فإن السحاب الذي ينزل منه المطر إلى

الأرض وتتكون منه الأنهار؛ كنص القرآن في عدة مواضع أصله بخار تصاعد

من بحار الأرض؛ ولذلك قال الله تعالى: {أَخْرَجَ مِنْهَا} (النازعات: 31) أي من

الأرض {مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} (النازعات: 31) وقال: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ

يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} (الزمر: 21) وقال: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ

بِقَدَرِهَا} (الرعد: 17) فكأنه قال: إن ماء الأنهار والينابيع هو من السماء أي

: السحاب بدليل قوله: {أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ

الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} (فاطر: 9) وقوله في السحاب: {فَتَرَى الوَدْقَ} (النور:

43) المطر {يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} (النور: 43) والسحاب أخرجه الله تعالى من

الأرض لا من الجنة بدليل الآية المتقدمة، فكيف إذًا يكون النيل والفرات آتيين من

الجنة، وهما يتكونان بشهادة الحس والقرآن من ماء المطر الخارج من نفس

الأرض؟!

كذلك ما ورد في حديث المعراج من شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم،

واستخراج قلبه وغسله بالماء في طست من الذهب إلى غير ذلك مما جاء فيه،

فالأقرب إلى العقل والعلم أن ذلك كله كان رؤيا، يراد بها أن الله تعالى طهر قلب النبي

ونفسه صلى الله عليه وسلم، وملأهما علمًا وحكمة، وأطلعه على كثير من غيبه.

ولنرجع إلى ما كنا فيه فنقول:

اعلم أن لفظ السماء يطلق لغة على كل ما علا الإنسان، فإنه من السمو أي

العلو، فسقف البيت سماء، ومنه قوله تعالى:{فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ} (الحج: 15) أي فليمدد بحبل إلى سقف بيته، وهذا الفضاء اللانهائي سماء،

ومنه قوله تعالى: {وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} (البقرة: 22) والكواكب سماوات.

فالسماوات السبع المذكورة كثيرًا في القرآن الشريف هي هذه السيارات السبع [10]

وهي طباق أي أن بعضها فوق بعض؛ لأن فلك كل منها فوق فلك غيره كما تقدم،

والشمس مركز لهذه الأفلاك السبعة، ومنها تستمد هذه السيارات النور والحرارة،

فهي سراج وهاج، ونورها كنور السراج غير مستمد من غيره؛ بل ناشئ عن

احتراق موادها كما سبق. وأما الأقمار فهي كالمرآة تعكس نور الشمس على

الكواكب التابعة لها؛ فلذا لم تسم في القرآن بالسُّرج، فإنها لا نور لها من ذاتها،

قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً * وَجَعَلَ القَمَرَ} (نوح: 15-16) أي جنس القمر {ِفيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً} (نوح:

16) أي لهم جميعًا، وفي هذه الآية إشارة إلى أن الشمس والقمر ليست من

السموات السبع المرادة في القرآن، وإن كان يصح أن تسمى بالسموات لغة، ولكنه

يريد بالسموات غيرها، وقد كان القدماء يعدونها من السموات السبع قبل اكتشاف

(نبتون وأورانوس) ويعتبرون الأرض مركزًا للعالم، ولكن القرآن الشريف لم

يجارهم في هذا الخطأ، وبين بهذه الآية وغيرها أن السموات شيء والشمس والقمر

شيء آخر، وأن الأقمار نور في السموات حينما كان الناس يظنون أن لا قمر إلا

للأرض فقط، فانظر إلى هذه الآيات البينات الدالة على صحة القرآن وعلى صدق

النبي الأمي في الوحي، فلو كان القرآن من عند غير الله لوجد فيه مئات الألوف

من الأوهام والغلطات الفاشية في زمنه، كما وجد ذلك في كتب الأولين والآخرين،

فما بالك بهذا النبي الأمي الذي نشأ في زمن الجهل، وبعيدًا عن العلم وعن مجالس

العلماء صلى الله عليه وسلم؟

فإن قيل: إذا كان القدماء لم يروا من السيارات إلا خمسًا، فكيف قال: {أَلَمْ

تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً} (نوح: 15) قلت: إن الرؤية هنا علمية

لا بصرية، والاستفهام إنكاري، فالمعنى ألم تعلموا أن الله خلق سبع سماوات..

إلخ، فهي على حد قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ

بِأَصْحَابِ الفِيلِ} (الفيل: 1) مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشاهد هذه

الحادثة بل ولد بعدها، وإنما سمعها من الناس، فكذلك القدماء وإن كانوا لم يشاهدوا

من السيارات إلا خمسًا، فإن ما جهلوه منها هو مثل ما علموه سواء بسواء لا فرق

بينهما، وقد أخبرهم الأنبياء بأنها سبع، فيسهل عليهم تصديقهم في ذلك، إنما خص

الله تعالى هذه السبع بالذكر، مع أن القرآن الشريف لم يذكرها في موضع واحد

على سبيل الحصر، فلا ينافي ذلك أنها أكثر من سبع، قال تعالى: {رَبُّ

السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} (مريم: 65) أي من التوابع والنجيمات والسحب

وغير ذلك {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِياًّ} (مريم: 65) هذا وقد قال

بعض العلماء باللغة العربية: إن العرب تستعمل لفظ سبع وسبعين وسبع مئة

للمبالغة في الكثرة، فالعدد إذًا غير مراد، ومن ذلك قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ

يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ

وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 261) وقوله: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ

لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} (الحجر: 43-44) وقوله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي

الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} (لقمان: 27) .

هذا، وقد أشار القرآن الشريف إلى حركة هذه الكواكب بقوله تعالى: {فَلَا

أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الجَوَارِ الكُنَّسِ} (التكوير: 15-16) وقوله: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ

يَسْبَحُونَ} (يس: 40) وهما يدلان أن حركتها ذاتية، لا كما كان يقول القدماء من

أن الكواكب مركوزة في أفلاكها التي تدور بها وبدورانها تتحرك الكواكب.

أما الأرض فهي كما سبق إحدى هذه السيارات، ولم تعتبر سماء بالنسبة

للإنسان؛ لأنه يعيش عليها، فالسيارات الكبيرة وإن كانت ثماني إلا أن سبعًا منها

فقط هي التي تعلو الإنسان فهي السموات بالنسبة له، ويقول العلماء: إنه من

المحقق أن هذه السيارات مسكونة بحيوانات تشبه الحيوانات التي على أرضنا هذه،

ويكون كل كوكب منها أرضًا بالنسبة لحيواناته، وباقي الكواكب سماوات بالنسبة

لها. والظاهر أن القول بوجود الحيوانات في هذه الكواكب صحيح؛ لأن الله تعالى

يقول في كتابه: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ

عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} (الشورى: 29) ويقول: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ

وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (الرحمن: 29) .

أما كون الأرضين سبعًا كالسموات، فهو أمر نجهله ولا نفهمه إلا إذا أريد به

أن للأرض سبع طبقات، والحق يقال: إن كون الأرضين سبعًا هو كما يظهر لنا

وهم من أوهام القدماء؛ ولذلك لم يرد في القرآن الشريف لفظ الأرض مجموعًا

(أي أرضين) ، ولم يرد فيه مطلقا أن الأرضين سبع، مع أنه ذكر أن السماوات

سبع مرارًا عديدة، وفي كل مرة يذكر معها الأرض بالإفراد.

نعم.. ورد في قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ

مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} (الطلاق: 12) وهي الآية الوحيدة التي فهموا منها أن

الأرضين سبع، وهي كما لا يخفى لا تفيد ذلك مطلقًا، ولنا في تفسيرها وجهان:

إما أن تكون (من) في قوله تعالى: {وَمِنَ الأَرْضِ} (الطلاق: 12) زائدة [11]

وإما أن تكون غير زائدة، أما على الوجه الأول فتقدير الآية هكذا: {اللَّهُ الَّذِي

خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} (الطلاق: 12) وعلى تفسيرنا هذا

تكون هذه الآية دالة على أن الأرض خلقت كباقي الكواكب السيارة من كل وجه أي:

أنها إحدى هذه السيارات، وهو أمر ما كان معروفًا في زمن النبي صلى الله عليه

وسلم، وما كان يخطر ببال أحد من العرب، وذلك من دلائل صدق القرآن،

والأرض مثل السيارات الأخرى في المادة، وكيفية خلقها، وكونها تسير حول

الشمس وتستمد النور والحرارة منها، وكونها مسكونة بحيوانات كالكواكب الأخرى،

وكونها كروية الشكل. فالسيارات أو السماوات هي متماثلة من جميع الوجوه

وكلها مخلوقة من مادة واحدة وهي مادة الشمس، وعلى طريقة واحدة، قال الله

تعالى: {أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً} (الأنبياء: 30)

أي السموات تمامًا {فَفَتَقْنَاهُمَا} (الأنبياء: 30) أي فصلنا بعضها عن بعض،

فالأرض خلقها الله تعالى مثل السموات تمامًا {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ} (الملك: 3) .

وأما على الوجه الثاني وهو أن (من) غير زائدة، فتقدير الآية هكذا:

(والله الذي خلق سبع سماوات وخلق من الأرض أرضًا مثلهن) فالآية واردة على

طريقة التجريد كقولك: (اتخذت لي سبعة أصدقاء، ولي من فلان صديق مثلهم)

أي مثلهم في الصداقة أو التقدير، وبعض الأرض مثلهن في مادتها وعناصرها.

وعليه فليس في القرآن الشريف أدنى دليل على أن الأرضين سبع كما

يزعمون.

هذا، واعلم أن المجموعة الشمسية يوجد في العالم مثلها كثير [12] كما بينا

ومن المعلوم أن الشمس وما حولها من السيارات تدور في الفضاء حول نجم آخر،

يعتبر مركزًا لها، ولا يعرف بالتحقيق ما هو هذا النجم، ويقال: إنه هو نجم من

نجوم الثريا أو من صورة النسر الطائر أو الجاثي على ركبتيه، وإذا كان هذا هو

حال مجموعتنا الشمسية، فالظاهر أن المجاميع قاطبة تدور حول مركزها من

النجوم الثابتة، كما يشاهد ذلك في المجاميع الشمالية، فإنها تدور حول القطب

الشمالي (النجم المعروف) وإذًا فلا يبعد أن جميع هذه المجاميع قاطبة تدور حول

مركز واحد عام لها، وهذا المركز يجذبها جميعًا إليه، ويحفظ كيانها ونظامها،

وربما كانت جميعًا مخلوقة من مادته، وله فيها تأثيرات كالكهربائية والمغناطيسية

وغيرهما مما لا نعلمه، وعليه فيكون هذا المركز أو النجم هو كالعاصمة للعالم كله

بسائر مجاميعه، فهو مركز الجذب والتأثير والتدبير والنظام، و (تخت) العالم أو

كرسيه أو عرشه، والغالب أن ما يريده القرآن بلفظ العرش هو هذا المركز العام

للعالم كله، فهو عرش الله [13] وعرش الرحمن كما يقول القرآن {قُلْ مَن رَّبُّ

السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (المؤمنون:

86-

87) وقد اقتبست ما ذكرت في العرش من مذاكرة لي مع السيد صاحب المنار،

ولقائل أن يقول: إذا كانت الشموس أو مراكز هذه المجاميع تسير بمجاميعها حول

هذا المركز العام الذي تقول: إنه هو العرش، فهل هذا العرش يسير أيضًا بها في

الفضاء أم هو ثابت؟ فإن كان ثابتًا فماذا يثبته؟ أما الجاذبية فلا يصح أنها تثبته

في نقطة واحدة من الفضاء، كما أنها لا تثبت الشمس، وإن كانت تحفظ النسبة بين

العرش وبين جميع العوالم (المجاميع) إلا أنها لا تثبته بمعنى أنها لا تمنعه من

أن يسير بها جميعًا في الفضاء، وعليه فإذا قلت: إن العرش ثابت فما هذا الشيء

الذي يثبته؟؟

والجواب أن الله تعالى وكَّل به قوى مخصوصة لا نعلم كنيتها ولا حقيقتها،

وهذه القوى تمنعه من جميع الجهات أن يسير بالمجاميع في الفضاء، وهذه القوى

المجهولة لنا تسمى (حملة العرش) وهي أشياء روحانية لا يمكننا أن ندرك ماهيتها،

كما أننا لا ندرك ماهية المغناطيس أو الكهرباء أو سائر القوى الجاذبة، ومن

ادعى إدراك هذه الأشياء، فليخبرني أي شيء ينبعث من الجسم الجاذب إلى الجسم

المجذوب فيجذبه، وما كُنه هذا الشيء وكيف نتصوره؟؟ قال الله تعالى: {الَّذِينَ

يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} (غافر: 7) وقال

أيضًا: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (الحاقة: 17) أي ثمانية أصناف

من هذه القوى الروحانية أو ثمان قوى وهي المسماة بالملائكة {وَتَرَى المَلائِكَةَ

حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} (الزمر: 75) .

وكما أن العرش [14] تحفه الأرواح الغيبية، فكذلك الكواكب الأخرى مسكونة

مع الحيوانات والدواب بأرواح منها الصالح (ملك) ومنها الطالح

(شيطان) وكذلك أرضنا هذه ففيها من الملائكة ومن الشياطين ما لا نبصره

{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} (الأعراف: 27) ولا يخفى أن عدم

الوجدان لا يدل على عدم الوجود، فعدم إدراكنا لهذه الأرواح لا يدل على عدم

وجودها، كما أن عدم معرفة القدماء للميكروبات والكهرباء التي تشاهد الآن

آثارها العظيمة، لم يكن يدل على عدم وجودها إذ ذاك في العالم، فمن الجهل

الفاضح إنكار الشيء لعدم معرفته أو العثور عليه، على أن لنا الآن من مسألة

استحضار الأرواح أكبر دليل على وجود أرواح في هذه الأرض لا نبصرها ولا

نشعر بها.

وقد قدر الله تعالى أن الحيوانات في هذه الأرض إذا خرجت عنها إلى حيث

ينقطع الهواء ويبطل التنفس تموت في الحال، وكذلك قدر أن الأرواح الطالحة التي

في أرضنا هذه، إذا أرادت الصعود إلى السماء والاختلاط بالأرواح التي في

الكواكب الأخرى، انقض عليها قبل أن تخرج من جو الأرض شهاب من هذه

الكواكب أو من غيرها [15] فأحرقها وأهلكها بإفساد تركيبها ومادتها، حتى لا يحصل

اتصال بين هذه وتلك، ولا تطلع على أسرار العوالم الأخرى، وهذه الشهب التي

تنقض إن كانت صادرة من أجرام ملتهبة كانت ملتهبة، وإن كانت صادرة من

أجرام غير ملتهبة التهبت فيما بعد لشدة سرعتها واحتكاكها بالغازات التي تمر فيها

في جونا هذا، ولعل في مادة الشياطين ما يجتذب إليه هذه الشهب ويتحد بها؛ كما

تنجذب العناصر الكيماوية بعضها بعضًا: (مثال ذلك عنصر الصوديوم فإنه

يجتذب إليه الأكسجين من الماء فيحلله) . ولا نقول: إن جميع الشهب تنقض لهذا

السبب، بل منها ما ينقض لأسباب أخرى كاجتذاب بعض الأجرام السماوية له،

ومنها ما ينقض لإهلاك الشياطين كما بينا هنا، والشياطين مخلوقة من مواد غازية

كانت ملتهبة {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ} (الحجر: 27) وهذه

المسائل لا يوجد في العلم الطبيعي الآن ما يثبتها، كما أنه لا يوجد فيه ما ينفيها،

وإنما نحن نصدقها؛ لأن القرآن الذي ثبتت صحته عندنا جاءنا بها، قال الله تعالى:

{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الكَوَاكِبِ * وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ * لَا

يَسَّمَّعُونَ إِلَى المَلأِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ *

إِلَاّ مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} (الصافات: 6-10) والمراد بالسماء

الدنيا هنا الفضاء المحيط بنا القريب منا أي: هذا الجو الذي نشاهده وفيه العوالم

كلها. أما ما وراءه من الجواء البعيدة عنا التي لا يمكن أن نصل إليها بأعيننا ولا

بمناظيرنا (Telescopse) فهو فضاء محض لا شيء فيه، فلفظ السماء كما قلنا

له معان كثيرة كلها ترجع إلى معنى السمو، وتفسر في كل مقام بحسبه، وكذلك هو

في اللغات الأجنبية: فمثلاً في الإنكليزية لفظ (Lleaven) قد يراد به الجو أو

الجنة أو الذات الإلهية.

فكل مسألة جاء بها القرآن حق لا يوجد في العلم الطبيعي ما يكذبها؛لأنه وحي

الله حقًّا، والحق لا يناقضه الحق {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ

لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت: 53) .

ومما تقدم، تعلم أن العوالم متعددة؛ ولذلك يقول القرآن الشريف في كثير من

المواضع الحمد لله رب العالمين [16] وهذا أيضًا يخالف ما كان عليه القدماء، فإنهم

كانوا يزعمون أن العالم واحد، وأن الإنسان أشرف الموجودات، وأن الكواكب كلها

أجرام فارغة خلقت ليتلذذ بمنظرها الإنسان [17] مع أن القرآن يقول منذ مئات من

السنين: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} (الأنبياء: 16) وقال:

{وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ} (آل

عمران: 191) وقال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم

مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء: 70) ولم يقل

وفضلناهم على جميع الموجودات، وقال أيضًا: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ

مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (غافر: 57) فالقرآن ينطبق على

العلوم الحالية أتم الانطباق، ولا يوجد كتاب آخر ديني يدانيه في شيء من ذلك

{وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} (الشعراء: 192-193)

{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} (ص: 88) ولذلك لا تجد علمًا في العلوم الصحيحة، ولا

اكتشافًا من الاكتشافات الحديثة، ولا مبدأ قويمًا إلا ويؤيد الإسلام بقدر ما يزعزع

غيره من الأديان الأخرى.

_________

(1)

يطلق لفظ مجموعة في هذه المقالة على معنيين مختلفين: 1- على المنظومة المكونة من شمس وسيارات حولها كمنظومتنا الشمسية (system) 2- وعلى مجموعة الكواكب الثابتة كالدب الأكبر المركب من عدة شموس (constelllation) ، والمجموعة بالمعنى الثاني مركبة من عدة مجاميع بالمعنى الأول، والسياق هو الذي يعين أحد المعنيين فيما يأتي.

(2)

ثبوت هذه الكواكب أو الشموس هو أمر اعتباري فقط، وإلا فالحقيقة أن جميع الكواكب متحركة سواء سميت ثوابت أو سيارات، كما سيأتي قال تعالى:[وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ القَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ القَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ](يس: 38-40) .

(3)

تذكر قوله تعالى: [وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ](الحج: 47)، وقوله:[تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ](المعارج: 4) وقوله: [ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ] . (السجدة: 5) .

(4)

الحبك: جمع حبيكة كطريقة وطرق، وحبيكة بمعنى محبوكة أي مربوطة فقوله تعالى:[وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الحُبُكِ](الذاريات: 7) معناه ذات المجاميع من الكواكب المربوط بعضها ببعض بحبال من الجاذبية، فإن كل حبيكة مجموعة من الكواكب المتجاذبة، فالآية الشريفة نص على تعدد المجاميع وعلى الجاذبية التي يقول الإفرنج: إنهم مكتشفوها، وعليه فهي إحدى معجزات القرآن العملية، وسيأتي بيان بعضها.

(5)

الألف واللام هنا للجنس لا للعهد، كما في قوله تعالى:[لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ](التين: 4) .

(6)

لا يظن القارئ أن المشابهة تامة بين هذه الصور (المجاميع) وبين ما شبهت به، كما لا يخفى على الفلكيين، بل الحقيقة أن هذه المشابهة تكاد تكون مفقودة ولا وجود لها إلا في نظر التخيل والوهم، فلا عجب إذًا إذا شبهت إحدى هذه المجاميع بشجرة النبق، فإنه يوجد بين الأسماء التي اصطلحوا عليها ما هو أبعد وأعجب، ولا نسبة هناك بين المشبه والمشبه به.

(7)

المنتهى: أي الغاية التي تنتهي إليها جميع الخلائق بعد الحساب يوم القيامة [وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ المُنتَهَى](النجم: 42)، فمن كان منهم سعيدًا أدخل في جناتها التي توجد في كواكبها السيارة؛ ولذلك قال تعالى:[عِندَهَا جَنَّةُ المَأْوَى](النجم: 15) وكون عرض الجنة كعرض السموات والأرض لا غرابة فيه، فإن من الكواكب الأخرى ما هو أكبر من مجموع هذه الأرض وباقي السيارات التي حول شمسنا هذه، وهي المسماة في القرآن بالسموات ومن كان منهم شقيًّا أدخل في نيرانها المتأججة المستعرة التي توجد في شموس هذه المجموعة، فهي تسع جميع سكان السموات والأرض وباقي سكان المجاميع الأخرى، وإليها ينتهون وقيل سميت بسدرة المنتهى؛ لأنها أقرب المجاميع إلى العرش أي أنها توجد بعد جميع المجاميع وفي نهايتها، وسيأتي ما يفهمك معنى ذلك ومعنى لفظ العرش.

(8)

ويحتمل أن كلمة (سدرة) هنا معربة من كلمة لاتينية (sideris) بمعنى الكوكب أو النجم، وعليه فمعنى (سدرة المنتهى) كوكب الانتهاء، وهذه الكلمة اللاتينية أخذت بهذا المعنى في كثير من اللغات الأجنبية، ولعل العرب نقلتها إلى لغتها من بلاد الروم أو غيرهم مما كانوا يخالطونهم ويكون هذا المعنى مما نسيه الناس كما نسوا غيره من الكلمات الأصلية والمعربة أو من معانيها ولا يخفى أن المفرد المضاف (يعم)، كقوله تعالى:[أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ](البقرة: 187) ، أي ليالي الصيام، فكذلك هنا يصح أن يراد (بسدرة المنتهى) سدرات أي عدة كواكب لا كوكبًا واحدًا.

(9)

كما خيل ليوسف أن إخوته كواكب ساجدة له، وكما خيل للعزيز أن سني الخصب والجدب سبع بقرات سمان وسبع عجاف.

(10)

أما ما ورد في حديث المعراج من وجود الأنبياء في السموات، فالأرجح عندي أن المعراج كان رؤيا منامية روحانية كما قلنا، وفي هذه الرؤيا فرضت الصلوات الخمس؛ لأن رؤيا الأنبياء من الوحي كرؤيا إبراهيم أنه يذبح ولده والمعراج لم يرد له ذكر في القرآن مطلقًا، وأما ما ورد في سورة النجم والتكوير فلا علاقة له بالمعراج، وإنما هي رؤية النبي لجبريل من الأرض على صورته الحقيقية كما سبق أما الإسراء إلى بيت المقدس وهو الذي ذكر في القرآن الشريف؛ فالأرجح أنه كان جسدانيًّا كما هو ظاهر القرآن؛ ولذلك اقتصر عليه، ولم يذكر شيئًا عن المعراج، ولو كان حصل ليلة الإسراء وكان جسدانيا مثله لذكر معه في سورته، فإنه أعجب وأغرب وأدل على القدرة الإلهية من الإسراء، وهذه السرعة العجيبة في الإسراء يقربها إلى عقولنا ما نراه في حركات الكواكب، وما نشاهده من المخترعات البشرية البخارية والكهربائية وقد قال بما قلت هنا كثير من المسلمين، حتى من أزواج النبي والصحابة والتابعين فهو ليس ابتداعًا في الدين؛ فالإسراء إلى البيت المقدس ورؤية جبريل والملائكة كانا في اليقظة، والمعراج إلى السماء كان في المنام وكلها كانت في أوقات مختلفة ولذلك لم يذكر في حديث المعراج (بحسب رواية البخاري التي هي أصح الروايات بالإجماع) أن النبي صلى الله عليه وسلم سار أولاً إلى بيت المقدس، بل المذكور فيه أنه سار مباشرة من مكة إلى السماء الأولى، وكذلك لم يذكر فيه أن جبريل فارقه، ثم ظهر له عند سدرة المنتهى بصورته الحقيقية بل المذكور أنه كان مصاحبًا له من أول المعراج إلى آخره على صورة واحدة، وذلك يدل على أن ما ذكر في القرآن مما وقع يقظة هو غير ما ذكر في الحديث مما وقع منامًا في وقت آخر، وإلا لذكرا معًا في سياق واحد: إما في القرآن وإما في أصح الأحاديث، وهو الأمر الذي لم يحصل إلا في بعض روايات لا يعول عليها، وهي من خلط بعض الرواة الحوادث بعضها ببعض.

(11)

الدابة كل حيوان يدب أي يمشي، ومنه قوله تعالى:[وَإِذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ](النمل: 82) ، والمعنى إذا قامت القيامة بعث الله نوعًا مخصوصًا من دواب هذه الأرض، كما يبعث غيره من أنواع الدواب الأخرى ينطقه فيوبخ الإنسان على كفره، كما ينطق أعضاءه في ذلك اليوم أيضًا، فليس المراد من قوله:(دابة) الفرد بل النوع كما في قولك: (أرسل الله عليهم دودة أتلفت زرعهم) ، أي ديدانًا كثيرة من نوع واحد مخصوص، وربما كانت هي الفرس، فإن الدابة بحسب عرف العرب مختصة بالفرس.

(*) زيادة (من) الداخلة على المعرفة في سياق الإثبات غير جائز.

(12)

هذه الحقيقة تطابق القرآن الشريف من جميع الوجوه، فهو القائل:[فَلِلَّهِ الحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ العَالَمِينَ * وَلَهُ الكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ](الجاثية: 36-37) ، فانظر الفرق بين هذا الدين وبين غيره الذي يجعل بني آدم هم كل شيء في هذا الوجود، حتى إن الله الذي وسع كرسيه السموات والأرض لا شأن له إلا التفرغ لهم بنزوله إلى الأرض بنفسه، والمعيشة بينهم وتخليصهم بطريقة لا مناص له منها ولم يجد سواها، وهي أن يتحمل الإهانة والقتل والصلب بدلاً عنهم ثم الموت والدفن والصعود إلى السماء بهذا الجسد الحيواني، والبقاء إلى الأبد كل ذلك لأجل مرضاة جزء صغير حقير من عبيده لا يبلغون عشر معشار ما له من المخلوقات العظيمة الكثيرة في العوالم الأخرى العديدة [وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَاّ هُوَ] (المدثر: 31) ، [قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] (المائدة: 17) ، [سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُواًّ كَبِيراً * تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَاّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً] (الإسراء: 43-44) .

(13)

أما قوله تعالى: [وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ](هود: 7) أي قبل خلق السموات والأرض، فالظاهر منه أن الله تعالى خلق أولاً المادة وكانت غازية ثم تكاثفت، حتى صارت سائلاً (وهو الماء) ، ثم تكاثف الماء فظهر في جرم العرش، ثم تكونت بعده الأجرام الأخرى شيئًا فشيئًا، ثم التهبت جميعها لأسباب يذكرها علماء المادة، فكانت هي الشموس، وتحول ما بقي من السوائل حولها إلى غازات، كما كان أولاً (وهو الأثير الآن) ثم انفصلت السيارات من الشموس، فتكونت المنظومات العديدة ومنها منظومتنا هذه التي نحن فيها.

(14)

الراجح أن جرم العرش منطفئ ولا نار فيه لشدة قدمه، فإنه أقدم سائر الأجرام، كما انطفأ كثير من الشموس الأخرى القديمة، على ما حققه علماء الفلك، ولذلك لا يمكن أن نبصره لانطفائه،ولا يحترق ما فيه من الموجودات.

(15)

يعتقد الآن علماء الفلك أن أكثر الشهب تنشأ من ذوات الأذناب، ويحتمل أن بعضها ناشئ، من بعض الشموس المنحلة أو الباقية الملتهبة أو من براكين بعض السيارات، أو مما لم ينطفئ من السيارات للآن ومتى علمنا أن ذوات الأذناب والسيارات جميعًا مشتقة من الشموس، كان مصدر جميع الشهب هي الشموس أو النجوم، وهذا يفهمنا معنى قوله تعالى:[وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ](الملك: 5) .

(16)

يطلق لفظ العالمين أيضًا على أمم الأرض المختلفة من الجن والإنس، كما في قوله:[الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ](الأنبياء: 71)، وقوله:[وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ] . (الأنبياء: 107) أي في هذه الأرض.

(17)

المراد بالإنسان هنا الإنسان الأرضي، وإلا فإن هذا اللفظ يطلق على كافة أفراد هذا النوع العاقل من الحيوانات، سواء كانوا في الأرض أو السيارات الأخرى (السموات)، وعلى هذا المعنى العام يحمل قوله تعالى:[إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ](الأحزاب: 72) - إلى قوله -[وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ](الأحزاب: 72) الآية وسجود الملائكة لآدم لا يدل على أن نسله أشرف هذا النوع كله، فقد يجوز أن الله خص الآخرين بما هو أعلى وأعظم من ذلك، ولو كان هذا السجود يدل على التفضيل لكان آدم نفسه أفضل جميع الأنبياء من باب أولى وهو مما لم يقل به أحد.

ص: 577