الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
س 1202: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول: من الله عليّ وأديت فريضة الحج، وعندما تحللت من إحرامي في اليوم العاشر من ذي الحجة بعد رمي الجمرة الكبرى قصرت بعض الشعر
ولم أكن أعلم بأن المقصود هو تقصير كلل الشعر. وفي اليوم الحادي عشر وبعد رمي الجمرات الثلاث أرهقت إرهاقاً شديداً، لا أستطيع معه السير، وخاصة لأن صحتي ضعيفة، لست مريضاً، ولم أكن أستطع السير على الأقدام إلا بوضع الثلج فوق رأصي، وفي اليوم الثاني عشر وهو اليوم الثاني لرمي الجمرات الثلاث، أفادتي أصحاب بأنني لا أستطيع رمي الجمرات لشدة الزحام والحر، وهذا فيه مشقة كبيرة عليّ، خوفاً من أن يحدث لي مثل ما حدث في الأمس، فوكلت
أحد أصحاب برمي الجمار نيابة عني، وبعدها ذهبت لطواف الإفاضة ثم إلى المدينة المنورة لزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسؤال هل حجي صحيح يا فضيلة الشيخ؟ وهل يجب علي هدي لعدم تقصير الشعر علماً بأنني كما ذكرت لم أعلم وقتها بأن المقصود بتقصير الشعر هو الشعر كله، وإذا كان هناك هدي فكيف أؤديه ومتى؟
وبالنسبة لتوكيل أحد أصحاب برمي الجمرات الثلاث في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة نظراً لما شرحته من ظروف صحتي هل هو صحيح أم ماذا أفعل أفيدوثا مأجورين؟ وإذا أخذت عمرة لأبب
المتوفى فهل أدعو لنفسي؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين، أما بعد: ما يتعلق بتقصير شعر الرأس حيث أنك لم تقصر إلا جزءً يسيراً منه
جاهلاً بذلك، ثم تحللت فإنه لا شيء عليك في هذا التحلل؛ لأنك جاهل، ولكن يبقى عليك إتمام التقصير لشعر رأسك.
وإنني بهذه المناسبة: أنصح إخواني المسلمين إذا أرادوا شيئاً من العبادات ألا يدخلوا فيها حتى يعلموا حدود الله عز وجل فيها، لئلا يتلبسوا بأمر يخل بهذه العبادة لقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وقوله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) فكونك تعبد الله عز وجل على بصيرة عالماً بحدوده في هذه العبادة، خير بكثير من كونك تعبد الله سبحانه وتعالى على
جهل، بل مجرد تقليد لقوم يعلمون أو لا يعلمون، وما أكثر ما تقع هذه المشاكل بين الحجاج، والصوام، والمصلين يعبدون الله عز وجل على جهل، ويخلون بهذه العبادات، ثم بعد هذا يأتون إلى أهل العلم ليستفتوهم فيما وقع منهم، فلو أنك تعلمت حدود الحج قبل أن تتلبس به لزال عنك إشكالات كثيرة، ونفعت غيرك أيضاً فيما علمته من حدود الله سبحانه وتعالى.
أعود فأقول بالنسبة للتقصير يمكنك الآن أن تكمل ما يجب عليك فيه؛ لأن كثيراً من أهل العلم يقولون: إن التقصير والحلق ليس له وقت محدود ولاسيما وأنت في هذه الحال جاهل، وتظن أن
ما قصرته كافٍ في أداء الواجب.
وأما بالنسبة لتوكيلك في اليوم الثاني عشر من يرمي عنك، فإذا كنت على الحال الذي وصفته في سؤالك لا تستطيع أن- ترمي بنفسك لضعفك، وعدم تحملك الشمس، ولا تستطيع أن تتأخر
حتى ترمي في الليل، وترمي في اليوم الثالث عشر، ففي هذه الحال لك أن توكل، ولا يكون عليك في ذلك شيء؛ لأن القول الصحيح أن الإنسان إذا جاز له التوكيل لعدم قدرته على الرمي بنفسه لا في النهار ولا في الليل فإنه لا شيء عليه، خلافاً لمن قال: إنه يوكل وعليه دم، لأننا إذا قلنا بجواز التوكيل صار الوكيل قائماً مقام الموكل.
أما قول السائل: (إنه بعد ذلك زار النبي صلى الله عليه وسلم) فلي على هذه الجملة ملاحظة وهي أن الزيارة تكون لقبر النبي صلى الله عليه وسلم، أما النبي عليه الصلاة والسلام فإنه بعد موته لا يُزار، وإنما يزار القبر، ثم إن الأفضل لمن قصد المدينة أن ينوي بذلك الذهاب إلى السجد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد
الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" (1) فلا ينوي قاصد المدينة السفر إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن هذا من المقصود النهي عنها، إما تحريماً وإما كراهة، ولكن ينوي بذلك زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه؛ لأن الصلاة في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام، ثم بعد ذلك يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم على أبي بكر- رضي الله عنه ثم على عمر رضي الله عنه ويزور كذلك البقيع، وفيه قبر أمير المؤمنين عثمان- رضي الله عنه -وقبور كثير من الصحابة- رضي الله عنهم، ثم كذلك يزور قبور الشهداء في أحد، وكذلك يخرج إلى مسجد قباء ويصلي، فهذه خمسة أماكن في المدينة: المسجد النبوي،
(1) أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب حج النساء (رقم 1864) ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره (رقم 827)(415) .