الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
س1453: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: شخص أخذ عمرة ونسي الوداع فماذا يلزمه
؟
فأجاب- رحمه الله بقوله: الصحيح من أقوال العلماء أن العمرة لها وداع كالحج، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت"(1) ولأن العمرة حج أصغر كما في حديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العمرة الحج الأصغر"(2) ولأن الإنسان يقدم إلى البيت بتحية وهي الطواف فلا ينبغي أن يخرج منه إلا بتحية وهي الطواف، فالصحيح أن طواف الوداع في العمرة واجب إلا من طاف وسعى وقصر ثم انصرف إلى أهله فهذا يكفيه الطواف الأول، فإذا كان هذا الذي ذكرت انصرف من حين أنهى العمرة فلا شيء عليه، أما إذا كان بقي في مكة فإنه من الاحتياط أن يذبح فدية في مكة توزع على الفقراء إن كان قادراً ومتيسراً، وإن لم يكن قادراً ومتيسراً فلا شيء عليه.
س1454: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم طواف الوداع؟ وما الجواب عن اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله أنه لا يجب طواف الوداع على غير الحاج
؟
فأجاب- رحمه الله بقوله: طواف الوداع واجب على القول الراجح على كل من أتى بنسك حج أو عمرة، ثم أراد الخروج من مكة إلى بلده " لقول ابن عباس- رضي الله عنهما (أمر الناس
(1) تقدم ص 85.
(2)
تقدم ص 363.
أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض) . رواه البخاري ومسلم، وفي لفظ لمسلم عن ابن عباس- رضي الله عنهما قال:(كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) ورواه أبو داود بلفظ: "حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت"(2) وقال الترمذي: "باب ما جاء من حج أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت") ، ثم روى من طريق الحجاج بن أرطأة، عن عبد الملك بن الغيرة، عن
عبد الرحمن بن البيلماني، عن عمرو بن أوس، عن الحارث بن عبد الله بن أوس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من حج هذا البيت، أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت"(3) قال: حديث غريب، وهكذا روى غيرُ واحد عن الحجاج بن أرطاة مثل هذا، وقد خولف الحجاج في بعض هذا الإسناد. اهـ كلامه.
وأما ما نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله من اختياره أنه لا يجب طواف الوداع على غير الحاج، فهذا هو ما نقله عنه تلميذه صاحب الفروع ص 521/ج3، ط آل ثاني، لكنه لم يصرح به بل قال: وإن خرج غير حاج فظاهر كلام شيخنا لا يودع.
اهـ. ولعل صاحب الفروع أخذ هذا من قول الشيخ في منسكه: فإن
(1) تقدم ص 80.
(2)
أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب الوداع (رقم 2002) ، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب طواف الوداع (رقم 3070) .
(3)
أخرجه الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء من حج أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت (رقم 946) وقال: حديث غريب. وقال الألباني: منكر بهذا اللفظ، وصح معناه دون قوله:"أو اعتمر".
الحج فيه ثلاثة أطوفة: طواف عند الدخول، وطواف الإفاضة، والطواف الثالث لمن أراد الخروج من مكة وهو طواف الوداع. اهـ ملخصاً، وكذلك قال حين تكلم عن تمام الحج: فلا يخرج الحاج
حتى يوح البيت فيطوف طواف الوداع. اهـ.
وهذا الذي قاله في الفروع يعارضه ما ذكره في الإقناع أثناء عد الواجبات عن الشيخ، حيث قال: وطواف الوداع ليس من الحج، وإنما هو لكل من أراد الخروج من مكة. اهـ، ولعل للشيخ
رحمه الله في ذلك قولين.
وأما ما نقل عن ظاهر كلام الشيخ أنه لا يجب بتركه دم، فقد صرح الشيخ في منسكه بأن طواف الوداع واجب عند الجمهور، وحكم الواجب معلوم عند الجمهور، أن في تركه دماً. والله أعلم.
رسالة
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم الدكتور
…
حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو الله تعالى أن تكونوا ومن تحبون بخير، ونحن كذلك ولله الحمد، رزق الله الجميع شكر نعمته وحسن عبادته.
ثم يا محب أبلغني بعض الإخوان أنه سمع لكم جواباً في (
…
) أن طواف الوداع في العمرة ليس بواجب. وأن ذلك بالإجماع.
وكونكم ترونه غير واجب لم يكن سبباً لكتابتي هذه لك؛ لأن كثيراً من أهل العلم يرونه، وكل واحد لا يكلف سوى ما أداه إليه اجتهاده، لكن السبب لكتابتي إليك هو نقل الإجماع إن صح ما
أبلغنيه الأخ، فإن الشافعية- رحمهم الله تعالى- يرون وجوبه على الحاج والمعتمر، ففي (الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ص 236 جـ1) :"وأما طواف الوداع فهو واجب مستقل ليس من الناسك على المعتمد، فيجب على غير نحو حائض كنفساء بفراق مكة ولو مكيًّا، أو غير حاج ومعتمر" أهـ. المراد منه، وفي (المجموع لشرح المهذب ص199 ج8 ط الإمام) : السادسة هل طواف الوداع من جملة المناسك أم عبادة مستقلة؟ فيه خلاف، قال إمام الحرمين والغزالي: هو من الناسك، وليس على غير الحاج والمعتمر طواف
وداع إذا خرج من مكة لخروجه. أهـ. ثم ذكر القول المقابل.
والمالكية ذكروا أن طواف الوداع كذلك، لكنهم يرونه سنة في النسكين: الحج والعمرة، المهم أنهم لم يفرقوا بين الحج والعمرة في ظاهر كلام (جواهر الإكليل ص185 جـ1) : (وندب لكل من
أراد الخروج من مكة مكيًّا، أو آفاقياً قدم بنسك أو تجارة، طواف الوداع إن خرج لميقات) . أهـ المراد منه.
وقال الحجاوي في الإقناع من كتب الحنابلة: (وهو- يعني طواف الوداع- على كل خارج من مكة، قال القاضي والأصحاب: إنما يستحق عليه عند العزم عليه، واحتج به الشيخ تقي الدين على
أنه ليس من الحج) ، ولا عد واجبات الحج ومنها طواف الوداع قال:(قال الشيخ) يعني به الشيخ تقي الدين (: طواف الوداع ليس من الحج، وإنما هو لكل من أراد الخروج من مكة) . أهـ.
لكن لعل هذا الكلام من الشيخ أعني قوله: (وإنما هو لكل من أراد الخروج من مكة) بناء على ما يقتضيه قول القاضي والأصحاب؛ لأنه قال في الفروع ص521 ج3 ط آل ثاني: (وإن خرج غير حاج فظاهر كلام شيخنا لا يودع) . اهـ. أو يكون للشيخ في ذلك قولان.
وهذا القول أعني وجوب طواف الوداع على المعتمر يعضده عموم حديث ابن عباس- رضي الله عنهما قال: (كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" (1) رواه مسلم بهذا اللفظ، وأصله في الصحيحين
(1) تقدم ص 85.
بلفظ: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض)(1) ، وهكذا رواه أبو داود (2) ، وزاد (الطواف) وعموم هذا الحديث يشمل كل منصرف من مكة، وهو وإن كان في حجة الوداع والانصراف فيها كان من الحج، فإن العمرة من الحج لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"دخلت العمرة في الحج"(3) وفي الصحيحين من حديث يعلى بن أمية، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر الخلوق فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ فأنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث، وفيه: فلما سري عنه قال: "أين السائل عن العمرة؟ " فلما أتى قال: "اخلع عنك الجبة، واغسل أثر الخلوق عنك، واصنع في عمرتك ما تصنع في حجك ". وفي لفظ: "ما أنت صانع في حجك"(4) . و (ما) في قوله: (ما تصنع) أو (ما أنت صانع) للعموم، فما يصنع في الحج يصنع في العمرة، إلا ما استثني بالنص والإجماع كالوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة ومنى ورمي الجمار.
ومن تراجم البخاري في أبواب العمرة: باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع؟ ثم ساق
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب طواف الوداع (رقم 1755) ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (رقم 1328) .
(2)
أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب الوداع (رقم 2002) .
(3)
تقدم ص 364.
(4)
أخرجه البخاري، كتاب العمرة، باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج (رقم 1789) ومسلم، كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح (رقم 1185) .
حديث عائشة- رضي الله عنها حين اعتمرت من التنعيم قال في الفتح: وكأن البخاري لما لم يكن في حديث عائشة التصريح بأنها طافت للوداع بعد طواف العمرة لم يبن الحكم في الترجمة اهـ ص
612 ج3 المطبعة السلفية.
ومن تراجم الترمذي: (باب ما جاء من حج أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت) ثم ذكر حديث الحارث بن عبد الله بن أوس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من حج هذا البيت أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت"(1) وقال: حديث غريب، وهكذا روى غير واحد عن
الحجاج بن أرطاة مثل هذا، وقد خولف الحجاج في بعض هذا الإسناد. أهـ. كلام الترمذي، ولم يذكر المخالف، ولا نوع المخالفة، والحجاج حاله معروفة.
فإن قال قائل: إنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف للوداع إذا اعتمر.
فجوابه: أن طواف الوداع إنما صار وجوبه عام حجة الوداع فليس واجباً قبلها، والنبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة دخل مكة ليلاً وخرج فلم يقم بمكة، وهكذا نقول: إن المعتمر لو طاف وسعى وحل، ثم خرج بدون إقامة فلا وداع عليه.
قال ابن بطال: لا خلاف بين العلماء أن المعتمر لو طاف فخرج إلى بلده أنه يجزئه عن طواف الوداع كما فعلت عائشة أهـ.
نقله عنه في الفتح ص612 ج3 المطبعة السلفية.
وإذا كان هذا مقتضى هذه الأخبار فإن النظر يقتضيه أيضاً،
(1) تقدم ص 375.
فإن المعتمر قدم إلى البيت بنسك حياه به، فينبغي أن يودعه بطواف كالحاج. ثم إن الطواف أحوط وأبرأ للذمة، فالطائف مثاب على عمله لاسيما إذا قصد به فعل الأحوط والاستبراء لدينه.
فنأمل منكم التأمل في هذا، والله الموفق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 11/16/1399هـ.