الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
س1076: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هي الأخطاء التي تقع في الخروج إلى عرفة والوقوف بها
؟
فأجاب- رحمه الله بقوله: الأخطاء في الذهاب إلى عرفة: أولاً: أن الحجاج يمرون بك ولا تسمعهم يلبون، فلا يجهرون بالتلبية في مسيرهم من منى إلى عرفة، ولقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة في يوم العيد (1) .
ثانياً: ومن الأخطاء العظيمة الخطيرة في الوقوف بعرفة: أن بعض الحجاج ينزلون قبل أن يصلوا إلى عرفة، ويبقون في منزلهم حتى تزول الشمس ويمكثون هناك إلى أن تغرب الشمس، ثم ينطلقون منه إلى مزدلفة، وهؤلاء الذين وقفوا هذا الموقف، ليس لهم حج؟ لقول النبي عليه الصلاة والسلام:"الحج عرفة"(2) فمن لم يقف بعرفة في المكان الذي هو منها، وفي الزمان الذي عين للوقوف بها فإن حجه لا يصح للحديث الذي أشرنا إليه، وهذا أمر خطير والحكومة- وفقها الله عز وجل جعلت علامات واضحة لحدود عرفة لا تخفى إلا على رجل مفرط متهاون، فالواجب على كل
حاج أن يتفقد الحدود، حتى يعلم أنه وقف في عرفة لا خارجها.
ثالثاً: ومن الأخطاء في الوقوف بعرفة: أن بعض الناس إذا اشتغلوا بالدعاء آخر النهار تجدهم يتجهون إلى الجبل الذي وقف عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن القبلة تكون خلف ظهورهم، أو عن
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب النزول بين عرفة وجمع (1670) . ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة (1280) .
(2)
تقدم ص 21.
أيمانهم، أو عن شمائلهم، وهذا أيضاً جهل وخطأ، فإن المشروع في الدعاء يوم عرفة أن يكون الإنسان مستقبلاً للقبلة، سواء كان الجبل أمامه، أو خلفه،- أو عن يمينه، أو عن شماله، وإنما استقبل الرسول
صلى الله عليه وسلم الجبل، لأن موقفه كان خلف الجبل فكان صلى الله عليه وسلم مستقبلاً القبلة، فإذا كان الجبل بينه وبين القبلة فإنه من الضرورة سيكون مستقبلاً له.
رابعاً: ومن الأخطاء أيضاً: أن بعضهم يظن أنه لابد أن يذهب الإنسان إلى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم الذي عند الجبل ليقف فيه، فتجدهم يتجشمون المصاعب، ويركبون المشاق، حتى يصلوا إلى ذلك المكان، وربما يكونوا مشاة جاهلين بالطرق فيعطشون ويجوعون إذا لم يجدوا ماءً وطعاماً، ويضلون ويتيهون في الأرض، ويحصل عليهم ضرر عظيم بسبب هذا الظن الخاطئ، وقد ثبث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"وقفت هنا، وعرفة كلها موقف "(1) وكأنه
صلى الله عليه وسلم يشير إلى أنه ينبغي للإنسان أن لا يتكلف ليقف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم بل يفعل ما يتيسر له، فإن عرفة كلها موقف.
خامساً: ومن الأخطاء: أن بعض الناس يعتقدون أن الأشجار في عرفة كالأشجار في منى ومزدلفة، أي أنه لا يجوز للإنسان أن يقطع منها ورقة، أو غصناً، أو ما أشبه ذلك، لأنهم يظنون أن قطع الشجر له تعلق بالإحرام كالصيد، وهذا ظن خطأ، فإن قطع الشجر لا علاقة له بالإحرام، وإنما علاقته بالمكان، فما كان داخل حدود الحرم- أي داخل الأميال- من الشجر فهو محترم، لا يعضد، ولا يقطع منه ورق ولا أغصان، وما كان خارج حدود
(1) تقدم ص 21.
الحرم فإنه لا بأس بقطعه ولو كان الإنسان محرماً، وعلى هذا فقطع الأشجار في عرفة لا بأس به، ونعني بالأشجار هنا الأشجار التي حصلت بغير فعل الحكومة، وأما الأشجار التي حصلت بفعل الحكومة فإنه لا يجوز قطعها لا لأنها محترمة احترام الشجر في داخل الحرم، ولكن لأنه اعتداء على حق الحكومة والحجاج، فإن الحكومة- وفقها الله- غرست أشجاراً في عرفة، لتلطيف الجو، وليستظل بها الناس من حر الشمس، فالاعتداء عليها اعتداء على حق الحكومة وعلى حق المسلمين عموماً.
سادساً: ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الحجاج يعتقدون أن للجبل الذي وقف عنده الرسول صلى الله عليه وسلم قدسية خاصة، ولهذا يذهبون إليه ويصعدونه، ويتبركون بأحجاره وترابه، ويعلقون على أشجاره قصاصات الخرق، وغير ذلك مما هو معروف، وهذا من البدع، فإنه لا يشرع صعودُ الجبل ولا الصلاة فيه، ولا أن تعلق قصاصات الخرق على أشجاره؛ لأن ذلك كله لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم بل فيه شيء من رائحة الوثنية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مر على شجرة للمشركين ينوطون بها أسلحتهم فقالوا: يا رسول اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر، إنها السنن، لتركبن سنن من
كان قبلكم، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهاً كلما لهم آَلهة" (1) .
وهذا الجبل ليس له قدسية خاصة، بل هو كغيره من الروابي التي في عرفة، والسهول التي فيها، ولكن الرسول عليه الصلاة
(1) أخرجه الإمام أحمد (5/218، 345) ، والترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم (رقم 2188) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
والسلام وقف هناك، فكان المشروع أن يقف الناس موقف الرسول عليه الصلاة والسلام إن تيسر له، وإلا فليس بواجب، ولا ينبغي أن يتكلف الإنسان الذهاب إليه لما سبق.
سابعاً: ومن الأخطاء في الوقوف بعرفة أيضاً: أن بعض الناس يظن أنه لابد أن يصلي الإنسان الظهر والعصر مع الإمام في المسجد، ولهذا تجدهم يذهبون إلى ذلك المكان من أماكن بعيدة، ليكونوا مع الإمام في المسجد، فيحصل عليهم من المشقة والتيه ما يجعل الحج في حقهم حرجاً وضيقاً، ويضيق بعضهم على بعض، ويؤذي بعضهم بعضاً. فالرسول عليه الصلاة والسلام قال:"وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف"(1) وكذلك أيضاً قال: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً"(2) فإذا صلى الإنسان في خيمته صلاة يطمئن فيها بدون أذى عليه ولا منة، وبدون مشقة تلحق الحج بالأمور المحرجة فإن ذلك خير له وأولى.
ثامناً: ومن الأخطاء التي يرتكبها الناس في الوقوف بعرفة: أن بعضهم يتسلل من عرفة قبل أن تغرب الشمس، فيدفع منها إلى مزدلفة، وهذا خطأ عظيم، وفيه مشابهة للمشركين الذين كانوا يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ومخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يدفع من عرفة إلا بعد أن غابت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً، كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه (3) .
(1) تقدم ص 21.
(2)
تقدم ص 33.
(3)
أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (رقم 1218) .
وعلى هذا فإنه يجب على المرء أن يبقى في عرفة داخل حدودها حتى تغرب الشمس؛ لأن هذا الوقوف مؤقت بغروب الشمس، فكما أنه لا يجوز للصائم أن يفطر قبل أن تغرب الشمس، فلا يجوز
للواقف بعرفة أن ينصرف منها قبل أن تغرب الشمس.
تاسعاً: ومن الأخطاء أيضاً: إضاعة الوقت في غير فائدة، فتجد الناس من أول النهار إلى آخره جزء منه وهم في أحاديث قد تكون بريئة سالمة من الغيبة والقدح في أعراض الناس، وقد تكون غير بريئة، مثل كونهم يخوضون في أعراض الناس، ويأكلون لحومهم، فإن كان الثاني فقد وقعوا في محظورين:
أحدهما: أكل لحوم الناس وغيبتهم، وهذا خلل حتى في الإحرام؛ لأن الله تعالى يقول:(فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) .
والثاني: إضاعة الوقت.
أما إذا كان الحديث لا يشتمل على محرم ففه إضاعة الوقت، لكن لا حرج على الإنسان أن يشغل وقته في الأحاديث المباحة فيما قبل الزوال، وأما بعد الزوال وصلاة الظهر والعصر، فإن الأولى
أن يشتغل بالدعاء، والذكر، وقراءة القرآن، وكذلك الأحاديث النافعة لإخوانه إذا مل من القراءة والذكر، فيتحدث إليهم أحاديث نافعة، في بحث العلوم الشرعية، أو نحو ذلك مما يدخل السرور عليهم، ويفتح لهم باب الأمل والرجاء لرحمة الله سبحانه وتعالى، ولكن لينتهز الفرصة في آخر ساعات النهار فيشتغل بالدعاء، ويتجه إلى الله عز وجل متضرعاً إليه مخبتاً منيباً، طامعاً
في فضله، راجياً لرحمته، ويلح في الدعاء، ويكثر من الدعاء الوارد في القرآن، وفي السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا خير الأدعية، فإن الدعاء في هذه الساعة حري بالإجابة.