المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رسالة في الرد على صاحب جريدة القبلة لأحد علماء نجد - مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (الجزء الرابع، القسم الثاني)

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين للشيخ حمد بن ناصر

- ‌رسالة تنزيه الذات والصفات من درن الإلحاد والشبهاتلبعض علماء نجد

- ‌رسالة فيما هو الميثاق الذي أخذ الله على بني آدم

- ‌مسائل وفتاوى فقهية في الطهارة والجمعة والأضحية والتغليس والوقف واللقطة والتغليس والوقف واللقطة والصّلح للشيخ حسن بن حسين

- ‌الرد على المدعو عبد المحمود البخاري فيما موّه به من أقوال الإتحادية والمشركين لأحد علماء نجد

- ‌رسالة في العهد والأمان لبعض علماء نجد

- ‌مسائل وفتاوى في الطلاق والخلع، والشهادات والعينة، وشروط الصلاة وغيرهالأحد علماء نجد

- ‌مسائل وفتاوى فقهية لبعض علماء نجد

- ‌مسائل وفتاوي أخرى لبعض علماء نجد

- ‌مسائل وفتاوى في القراءة لأحد علماء نجد

- ‌مسائل وفتاوى في الطلاق والعدة والإجارة والثمار والعاقلة والتيمم للشيخ سعيد بن حجي

- ‌رسالة في الرد على صاحب جريدة القبلة لأحد علماء نجد

- ‌الكلام المنتقى مما يتعلق بكلمة لا إله إلا الله للشيخ سعيد بن حجي

- ‌مسائل وفتاوى ويليه رسالة في دحض شبهات على التوحيد من سوء الفهم لثلاثة أحاديث

- ‌رسالة في حكم من يكفر غيره من المسلمين والكفر الذي يعذر صاحبه بالجهل للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن

- ‌فتاوى ومسائل فقهية مختلفة "لبعض علماء نجد

الفصل: ‌رسالة في الرد على صاحب جريدة القبلة لأحد علماء نجد

‌رسالة في الرد على صاحب جريدة القبلة لأحد علماء نجد

رسالة في الرد على صاحب جريدة القبلة التي كانت لسان الحسين بن علي بمكة المكرمة فيما افتراه على أهل نجد من تنقيص الرسول صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الفرى والضلال

وضعها أحد علماء نجد، لم يذكر اسمه على الأصل.

رسالة في الرد على صاحب جريدة القبلة بعثة النبي محمد وظهور نور الشريعة

بسم الله الرحمن الر حيم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، ونشهد أنه –صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وفتح الله به عيونا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد الله مخلصا له الدين حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

"أما بعد": فاعلم يا من نور الله قلبه بالإسلام أن الله سبحانه وتعالى ما أنعم على خلقه نعمة أجل وأعظم من نعمته ببعثة محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم فإن الله بعثه وأهل الأرض عربهم وعجمهم كتابيهم وأميهم، قرويهم وبدويهم، جهال ضلال على غير هدى، ولا دين يرتضى، إلا من شاء الله من غُبَّر 1 أهل الكتاب – فصدع بما أوحي إليه وأمر بتبليغه، وبلغ رسالة ربه، وأنكر ما الناس عليه من الديانات المتفرقة، والملل المتباينة المتنوعة، ودعاهم إلى صراط مستقيم، ومنهج واضح قويم، يصل بسالكه إلى جنات النعيم، ويتطهر به من كل خلق ذميم، وجاءهم من الآيات والأدلة القاطعة الدالة على صدقه وثبوت رسالته، بما أعجزهم وأفحمهم عن معارضته، ولم يبق لأحد على الله حجة.

ومع ذلك كابر من كابر وعاند من عاند، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، ورأوا أن الانقياد له صلى الله عليه وسلم وترك ما هم عليه من النحل والملل يجر عليهم من مسبة آبائهم، وتسفيه أحلامهم، أو نقص رياستهم، أو ذهاب مآكلهم، ما يحول بينهم وبين مقاصدهم ومآربهم.

فلذلك عدلوا إلى ما اختاروه من الرد والمكابرة، والتعصب على باطلهم والمثابرة، وأكثرهم

1 غبر – بضم الغين المعجمة بعدها باء موحدة. كركع: بقية أهل الكتاب.

ص: 830

يعلمون أنه محق، وأنه جاءهم بالهدى ودعا إلى الله، لكن في النفوس موانع، وهناك إرادات ومؤاخاة ورياسات لا يقوم ناموسها، ولا يحصل مقصودها إلا بمخالفته، وترك الاستجابة له وموافقته، وهذا هو المانع في كل زمان ومكان من متابعة الرسل وتقديم ما جاءوا به، ولولا ذلك ما اختلف من الناس اثنان، ولا اختصم في الإيمان بالله وإسلام الوجه له خصمان.

ثم بعد أن ظهر نور الشريعة وطبق مغارب الأرض ومشارقها، وشامها ويمنها، حدث بعد ذلك في الدين من الأغيار، ما لا يعلمه إلا العليم الغفار، وتفرق الناس في أديانهم، وتشعبت بهم الأهواء، وصاروا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون، ومن طاف البلاد وخبر أحوال الناس منذ أزمان متطاولة عرف انحرافهم عن الأصل الأصيل، وبعدهم عما جاءت به الرسل من التفريع والتأصيل.

فكل بلد وكل قطر وكل جهة فيما نعلم فيها من الآلهة التي عبدت مع الله بخالص العبادات، وقصدت من دونه في الرغبات والرهبات، ما هو معروف مشهور لا يمكن جحده ولا إنكاره، بل وصل الأمر ببعضهم إلى أن ادعوا لمعبوديهم مشاركة في الربوبية بالعطاء والمنع والتدبير، ومن أنكر ذلك عليهم فهو خارجي ينكر الكرامات، وكذلك في باب الأسماء والصفات، ورؤساؤهم وأحبارهم معطلة، وكذلك يدينون بالإلحاد والتحريفات، وهم يظنون أنهم من أهل التنزيه والمعرفة باللغات، ثم إذا نظرت إليهم وسبرتهم في باب فروع العبادات، رأيتهم قد شرعوا لأنفسهم شريعة لم تأت بها النبوات. هذا وصف من يدعي الإسلام منهم في سائر الجهات.

وأما من كذب بأصل الرسالة أو أعرض عنها ولم يرفع بذلك رأسا؛ فهؤلاء نوع آخر وجنس ثان ليسوا مما جاءت به الرسل في شيء، بل هم كما قال تعالى:{وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} 1.

1 سورة الأعراف آية: 179.

ص: 831

ملخص عقيدة الوهابية السلفية الحنبلية

فإذا تقرر هذا فاعلم أن الذي نعتقده وندين الله به هو إفراد الله سبحانه وتعالى بإخلاص العبادة له وحده لا شريك له، وترك عبادة ما سواه، فلا ندعو إلا الله وحده لا شريك له، ولا نستغيث إلا به، ولا نستعين إلا به، ولا نتوكل إلا عليه، ولا نرجو إلا إياه ولا نخاف إلا منه، ولا ننيب إلا إليه، ولا نذبح إلا له، ولا نستعيذ إلا به، ولا ننذر إلا له، ولا نرغب إلا إليه – إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي من صرفها لغير الله كان مشركا، ونقر أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق الرازق المحيي المميت النافع الضار المدبر لجميع الأمور، وأنه رب كل شيء وخالقه ومليكه – إلى غير ذلك من أفعال الربوبية التي لا يقدر أحد عليها إلا هو سبحانه.

وبالجملة فنحن على ما كان عليه السلف الصالح وأئمة الفقه والتقوى في باب معرفة الله وإثبات صفات كماله، ونعوت جلاله، التي نطق بها الكتاب العزيز، وصحت بها الأخبار النبوية وتلقاها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبول والتسليم، نثبتها ونؤمن بها، ونمرها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. ونحن في هذا على مذهب الإمام أحمد بن حنبل -رحمه تعالى- خلافا لما يزعمه أعداء الله ورسوله من أن مذهبنا مذهب خامس.

ولبسط هذه الجمل موضع آخر، مذكورة فيه بأدلتها من الكتاب والسنة ليس هذا موضع بسطها، وما ذاك إلا أنا اتبعنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقدمناهما على قول كل أحد كائنا من كان، فزعموا أن ذلك مذهب خامس، فمن أنكر شيئا مما ذكرناه وأراد المناظرة على ذلك ناظرناه، ومن سألنا عن بيان ذلك أجبناه بحول الله وقوته.

إذا تحققت هذا فاعلم أن السبب الداعي لهذا الكلام وتسطيره، والباعث على تصويره وتحريره، هو ما رأيناه في جريدة صاحب القبلة مما نسب إلينا معاشر الوهابية من الأكاذيب والأوضاع، التي تمجها النفوس وتنفر منها الطباع، وتستك عند سماعها الأسماع.

ص: 832

الرد على افترائه عليهم تفضيل العصا على المصطفى

وذلك أنه زعم أنا نقول: إن العصا أنفع من النبي صلى الله عليه وسلم.

فنقول: الله أكبر على هؤلاء الملاحدة الذين ينفرون الناس عن الدخول في دين الله، {يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} 1 {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} 2 {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} 3 {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} 4.

فمن نسب هذا إلينا، وافتراه علينا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، وفضحه على رءوس الأشهاد {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} 5.

ويا سبحان الله، كيف يتصور وقوع هذا عاقل أو جاهل أو مجنون؟ ولا يقول هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر، ويعلم أنه موقوف بين يدي الله، ومسئول عن ذلك، بل لا يقوله إلا من هو أضل من حمار أهله، نعوذ بالله من رين الذنوب، وانتكاس القلوب {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} 6.

بل نشهد الله وملائكته وجميع خلقه أنا نشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين، بعثه للإيمان مناديا، وإلى دار السلام داعيا، وللخليقة هاديا، ولكتابه تاليا، وفي مرضاته ساعيا، وبالمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا. أرسله على حين فترة من الرسل، فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل، وافترض على العباد طاعته ومحبته وتعزيره وتوقيره والقيام بحقه. وسد إلى الجنة جميع الطرق فلم يفتحها لأحد إلا من طريقه، فلو أتوا من كل طريق واستفتحوا من كل باب لما فتح لهم حتى يكونوا خلفه من الداخلين، وعلى منهاجه وطريقته من السالكين.

1 سورة الأعراف آية: 45.

2 سورة المائدة آية: 64.

3 سورة الأنعام آية: 112.

4 سورة الأنعام آية: 113.

5 سورة غافر آية: 52.

6 سورة النور آية: 16.

ص: 833

إذا تحققت ما قدمته لك فكيف يصح مع هذا أن نقول: إن العصا أنفع من النبي صلى الله عليه وسلم؟ سبحان الله ما أعظم شأنه وأعز سلطانه {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} 1.

الرد على فرية أنهم اتخذوا ملة إبراهيم وأعرضوا عن ملة محمد

وأما قوله فيما نسبه هذا المفتري إلينا: إنا اتخذنا ملة إبراهيم وأعرضنا عن سنة محمد عليه الصلاة والسلام فنقول:

وهذا أيضا من الكذب علينا والظلم والعدوان، والزور والبهتان، فإن دين محمد صلى الله عليه وسلم وما سنه هو من ملة إبراهيم عليه السلام، وملة إبراهيم هي دين محمد لا فرق في ذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 2 وقال تعالى:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 3 وقال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} 4 وقال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} 5.

فمن زعم أنا نفرق بين دين محمد وملة إبراهيم فقد كذب علينا، وافترى وأعظم الفرية على الله وعلى رسله ودينه وحسبنا الله ونعم الوكيل.

وقد قال صلى الله عليه وسلم "نحن معاشر الأنبياء أولاد علات، الأب واحد والأمهات متفرقات" فدين الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- من أولهم إلى آخرهم دين واحد وشرائعهم مختلفة كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} 6.

ومراد هؤلاء الملاحدة بهذه الأوضاع الكاذبة الخاطئة تنفير الناس عن دين الله ورسوله: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} 7.

1 سورة الروم آية: 59.

2 سورة الأنعام آية: 161.

3 سورة النحل آية: 123.

4 سورة البقرة آية: 130.

5 سورة البقرة آية: 285.

6 سورة المائدة آية: 48.

7 سورة التوبة آية: 32.

ص: 834

الرد على فرية أن الوهابية يلزمون الناس تكفير آباءهم وأجدادهم

وأما قوله: إنا نلزم الناس أن يكفروا آبائهم وأجدادهم فنقول:

وهذا أيضا من نمط ما قبله من الكذب والبهتان. والذي نقوله في ذلك: إن من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة إليه فالذي يحكم عليه إذا كان معروفا بفعل الشرك: ويدين به ومات على ذلك فهذا ظاهره أنه مات على الكفر فلا يدعى له، ولا يضحى له، ولا يتصدق عنه.

وأما حقيقة أمره فإلى الله –تعالى- فإن كان قد قامت عليه الحجة في حياته وعاند فهذا كافر في الظاهر والباطن، وإن كان لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله.

وأما من لا نعلم حاله في حال حياته ولا ندري ما مات عليه، فإنا لا نحكم بكفره وأمره إلى الله. فمن نسب إلينا غير هذا فقد كذب علينا وافترى، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ثم لو قدر أن بعض الجهال الذين لا يعلمون حدود ما أنزل الله على رسوله قال ذلك جهلا منه بحقائق الأمور ومدارك الأحكام وتفاصيلها، أفينسب إلينا ما قاله هذا الجاهل؟ نحن نبرأ إلى الله من هذه المقالة التي قالها من قالها بغير دليل ولا برهان من الكتاب والسنة.

إبطال قياس دعاء الموتى على الأسباب الطبيعية وبيان أن هناك أسبابا محرمة لا يجوز تعاطيها

وأما قوله: في اعتقادهم في الأنبياء والصالحين أنه كما يقول الرجل لابنه: رد إبلي علي، أو لجاره رد ناقتي علي.

"فالجواب" أن نقول: هذا قياس من هؤلاء الملاحدة على أن هذه الأسباب العادية

ص: 835

الطبيعية يقاس عليها دعاء الأنبياء والصالحين بمعنى أنهم أسباب ووسائط بينهم وبين الله.

فيقال لهذا الجاهل: ليس الأمر كما زعمت ولا على ما توهمت، فإن هذا القول لا ينبغي أن يؤخذ على إطلاقه؛ لأنه من المعلوم بالضرورة أن من الأسباب أسبابا محرمة لا يجوز لأحد أن يتعاطاها ويجعلها أسبابا إلى ما حرمه الله ورسوله ونحن لا ننازع في إثبات ما أثبته الله من الأسباب والحكم، لكن من هو الذي جعل الاستغاثة بالمخلوق ودعاءه سببا في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله؟.

ومن الذي قال: إنك إذا استغثت بميت أو غائب من البشر نبيا كان أو غيره كان سببا في حصول الرزق والنصر والهدى وغير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله؟ ومن الذي شرع ذلك وأمر به؟ ومن الذي فعل ذلك من الأنبياء والصحابة والتابعين لهم بإحسان؟.

فإن هذا المقام يحتاج إلى مقدمة وهي أن الأسباب المشروعة لا يحرم فعلها، فإنه ليس كل ما كان سببا كونيا يجوز تعاطيه، فإن المسافر قد يكون سفره سببا لأخذ مال وكلاهما محرم.

والدخول في دين من الأديان غير الإسلام قد يكون سببا لمال يعطونه وهو محرم، وشهادة الزور قد تكون سببا لنيل المال يؤخذ من المشهود له وهو محرم، وكثير من الفواحش والظلم قد يكون سببا لنيل مطلب وهو محرم. وكذلك الشرك كدعوة الكواكب والشياطين بل وعبادة البشر قد يكون سببا لبعض المطالب وهو محرم.

فإن الله تعالى حرم من الأسباب ما كان مفسدته راجحة على مصلحته كالخمر وإن كان يحصل به بعض الأغراض أحيانا. وهذا المقام مما يظهر به ضلال هؤلاء المشركين خلقا وأمرا، فإنهم مطالبون بالأدلة الشرعية.

ص: 836

جواز الاستعانة بالأسباب الظاهرية الحسية

وأما قوله في الأسباب العادية: مثل قول الرجل لابنه: رد إبلي علي أو لجاره رد ناقتي علي. فنقول:

لا نزاع بين العلماء في جواز الاستعانة بالأسباب العادية الطبيعية الظاهرة الحسية، كأن يستعين الرجل بأصحابه في قتال أو إدراك عدو أو سبع ونحوه من الأسباب العادية المتعلقة مسبباتها بأسبابها، فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور. وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر، وقدر خروج نفس الحيوان بذبحه، لكن هذه الأفعال العادية القائمة بفعالها تنسب إليه وتضاف إليه حقيقة، من إضافة الفعل إلى فاعله، فيقال: أكل وشرب وقام وقعد وحكى ودعا واستغاث حقيقة لا مجازاً بإجماع العقلاء، ولم يخالف في إضافة الأفعال إلى فاعلها حقيقة إلا من هو من أجهل الناس وأضلهم عن سواء السبيل.

إذا عرفت هذا؛ فالالتفات إلى الأسباب غير المشروعة شرك في التوحيد، ومحو الأسباب العادية أن تكون أسبابا نقص في العقل. والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع.

إذا تبين لك هذا فقياس الأموات من الأنبياء والصالحين في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله على الأحياء القادرين على الأسباب العادية المقدور عليها من أفسد القياس وأبطل الباطل وأمحل المحال؛ لأن الله –سبحانه وتعالى فرق بين الأحياء والأموات ولم يسو بينهما بقوله: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ} 1.

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} 2 وقال تعالي: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ

1 سورة فاطر آية: 22.

2 سورة النحل آية: 20، 21.

ص: 837

اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} 1.

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} 2.

هذا ملخص الجواب عما افتراه علينا كل آفك كذاب، ونحن نعلم أن من خالفنا في ديننا، وعاب علينا سلوك طريق نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم من السلف الصالح والصدر الأول، أن عندهم من الترهات والأكاذيب والخرافات أضعاف أضعاف ما ذكره هذا المفتري.

وجوابنا عن كل ما يفتريه علينا أعداء الله ورسوله مما خالف دين الإسلام، وما كان عليه الأئمة الأعلام من سلف هذه الأمة وأئمتها أن نقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

تم بحمد الله وحسن توفيقه، والحمد لله أولا وآخراً، وظاهراً وباطنا. وصلى الله تعالى على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

انتهى الرد على الجريدة المسماة بالقبلة"

1 سورة الأحقاف آية:5، 6.

2 سورة فاطر آية:13، 14.

ص: 838