الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم".
د - التنجيم: وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية المستقبلة.
وذلك أن المُنَجِّم يدّعي من خلال النظر في النجوم معرفة ما سيقع في الأرض من نصر لقوم، أو هزيمة لآخرين، أو خسارة لرجل، أو ربح لآخر، ونحو ذلك، وهذا لا شك من دعوى علم الغيب، فهو شرك بالله تعالى.
ومما يفعله كثير من المشعوذين والدجاجلة: أن يدعي أن لكل نجم تأثيرًا معينًا على من ولد فيه، فيقول: فلان وُلدَ في برج كذا فسيكون سعيدًا، وفلان وُلِدَ في برج كذا فستكون حياته شقاء، ونحو ذلك، وهذا كله كذب، ولا يصدقه إلا جهلة الناس وسفهاؤهم، قال الشيخ ابن عثيمين:"فهذا اتخذ تعلُّم النجوم وسيلةً لادّعاء علم الغيب، ودعوى علم الغيب كفر مخرج من الملة".
القسم الثالث: الشرك في الألوهية:
وهو: اعتقاد أن غير الله تعالى يستحق أن يعبد أو صرف شيء من العبادة لغيره.
وأنواعه ثلاثة، هي:
الأول: اعتقاد شريك لله تعالى في الألوهية.
فمن اعتقد أن غير الله تعالى يستحق العبادة مع الله، أو اعتقد أنه يستحق أن يصرف له أي نوع من أنواع العبادة فهو مشرك في الألوهية.
ويدخل في هذا النوع: من يسمي ولده أو يتسمى باسم يدل على التعبد لغير الله تعالى، كمن يتسمى بـ "عبد الرسول"، أو "عبد الحسين"، أو غير ذلك.
فمن سمى ولده أو تسمى بشيء من هذه الأسماء التي فيها التعبد للمخلوق معتقدًا أن هذا المخلوق يستحق أن يُعبَد فهو مشرك بالله تعالى الشرك الأكبر، أما إن كان مجرد تسمية تقليدًا لغيره فهو من الشرك الأصغر.
النوع الثاني: صرف شيء من العبادات المحضة لغير الله تعالى:
فالعبادات المحضة بأنواعها القلبية والقولية والعملية والمالية حق لله تعالى لا يجوز أن تصرف لغيره - كما سبق بيان ذلك عند الكلام على توحيد الألوهية - فمن صرف شيئًا منها لغير الله فقد وقع في الشرك الأكبر.
والشرك بصرف شيء من العبادة لغير الله له صور كثيرة، يمكن حصرها في الأمرين التاليين:
الأمر الأول: الشرك في دعاء المسألة:
دعاء المسألة هو أن يطلب العبد من ربه جلب مرغوب أو دفع مرهوب.
ويدخل في دعاء المسألة: الاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والاستجارة.
قال الخطابي رحمه الله تعالى: "ومعنى الدعاء: استدعاء العبد ربه عز وجل العناية، واستمداده إياه المعونة. وحقيقته: إظهار الافتقار إليه، والتبرؤ من الحول والقوة. وهو سمة العبودية، واستشعار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله عز وجل وإضافة الجود والكرم إليه".
والدعاء من أهم أنواع العبادة، فيجب صرفه لله تعالى، ولا يجوز لأحد أن
يدعو غيره كائنًا من كان، قال تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} [غافر: 60]، وقال تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} [الجن: 18]، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الدعاء هو العبادة". وقال صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله"، فمن دعا غير الله فقد وقع في الشرك الأكبر - نسأل الله السلامة والعافية -.
ومن أمثلة الشرك في دعاء المسألة ما يلي:
أ - أن يطلب من المخلوق ما لا يقدر عليه إلا الخالق، سواء أكان هذا المخلوق حيًا أم ميتًا، نبيًا أم وليًا أم ملكًا أم جنيًا أم غيرهم، كأن يطلب منه شفاء مريضه أو نصره على الأعداء، أَو كشف كربة، أو أن يغيثه، أو أن يعيذه، وغير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله، فهذا كله شرك أكبر، مخرج من الملة بإجماع المسلمين؛ لأنه دعا غير الله، واستغاث به، واستعاذ به، وهذا كله عبادة لا يجوز أن تصرف لغير الله بإجماع المسلمين، وصرفها لغيره شرك، ولأنه اعتقد في هذا المخلوق ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى.
ب - دعاء الميت.
ج - دعاء الغائب.
فمن دعا غائبًا أو دعا ميتًا وهو بعيد عن قبره، فقد وقع في الشرك الأكبر، سواء أكان هذا المدعو نبيًا أم وليًا، أم عبدًا صالحًا أم غيرهم، وسواء طلب من هذا المدعو ما لا يقدر عليه إلا الله أم طلب منه أن يدعو الله تعالى له، ويشفع له
عنده
(1)
، فهذا كله شرك، لما في ذلك من دعاء غير الله، ولما فيه من اعتقاد أن هذا المخلوق الذي دعاه يعلم الغيب، ولما فيه من اعتقاد إحاطة سمع هذا المخلوق بالأصوات، وهذا كله من صفات الله تعالى التي اختص بها، فاعتقاد وجودها في غيره شرك مخرج من الملة.
د - أن يجعل بينه وبين الله تعالى واسطة في الدعاء، ويعتقد أن الله تعالى لا يجيب دعاء من دعاه مباشرة، بل لا بد من واسطة بين الخلق وبين الله في الدعاء، فهذه شفاعة شركية مخرجة من الملة.
واتخاذ الوسائط والشفعاء هو أصل شرك العرب، فهم كانوا يزعمون أن الأصنام تماثيل لقوم صالحين، فيتقربون إليهم طالبين منهم الشفاعة، كما قال تعالى:{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3].
الأمر الثاني: الشرك في دعاء العبادة:
دعاء العبادة هو: عبادة الله تعالى بأنواع العبادات القلبية، والقولية، والفعلية كالمحبة، والخوف، والرجاء والصلاة، والصيام، والذبح، وقراءة القرآن، وذكر الله تعالى وغيرها.
وسمي هذا النوع "دعاء" باعتبار أن العابد لله بهذه العبادات طالب وسائل لله في المعنى، لأنه إنما فعل هذه العبادات رجاء لثوابه وخوفًا من عقابه، وإن لم يكن في ذلك صيغة سؤال وطلب، فهو داع لله تعالى بلسان حاله، لا
(1)
وقريب من هذا من جاء إلى القبر وطلب من صاحبه أن يدعو الله له فهذا عمل محرم، وهو بدعة باتفاق السلف. وقد نصّ جمع من أهل العلم على أنّ هذا العمل شرك أكبر.
بلسان مقاله.
ومن أمثلة الشرك في هذا النوع:
أ - الشرك في الخوف:
الخوف في أصله ينقسم إلى أربعة أقسام:
1 -
الخوف من الله تعالى: ويسمى "خوف السر"، وهو الخوف المقترن بالمحبة والتعظيم والتذلل لله تعالى، وهو خوف واجب، وأصل من أصول العبادة.
2 -
الخوف الجِبِلِّي: كالخوف من عدو، والخوف من السباع المفترسة ونحو ذلك. وهذا خوف مباح؛ إذا وجدت أسبابه، قال الله تعالى عن نبيه موسى عليه السلام:{فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} [القصص: 21].
3 -
الخوف الشركي: وهو أن يخاف من مخلوق خوفًا مقترنًا بالتعظيم والخضوع والمحبة. ومن ذلك الخوف من صنم أو من ميت خوفًا مقرونًا بتعظيم ومحبة، فيخاف أن يصيبه بمكروه بمشيئته وقدرته، كأن يحاف أن يصيبه بمرض أو بآفة في ماله، أو يخاف أن يغضب عليه؛ فيسلبه نِعَمَهُ فهذا من الشرك الأكبر، لأنه صرف عبادة الخوف والتعظيم لغير الله، ولما في ذلك من اعتقاد النفع والضر في غير الله تعالى، قال الله تعالى:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)} [التوبة: 18]، قال ابن عطية المالكي الأندلسي المولود سنة 481 هـ في تفسيره في تفسير هذه الآية:"يريد خشية التعظيم والعبادة والطاعة".
ومن الخوف الشركي: أن يخاف من مخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، كأن يخاف من مخلوق أن يصيبه بمرض بمشيئته وقدرته.
4 -
الخوف الذي يحمل على ترك واجب أو فعل محرم، وهو خوف محرم، كمن يخاف من إنسان حي أن يضره في ماله أو في بدنه، وهذا الخوف وهمي لا حقيقة له، وقد يكون هناك خوف فعلًا ولكنه يسير لا يجوز معه ترك الواجب أو فعل المحرم
(1)
. قال الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)} [آل عمران: 175]. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يمنعنَّ أحدَكم مخافةُ الناس أن يتكلم بالحق إذا رآه أو علمه".
ج - الشرك في المحبة:
المحبة في أصلها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 -
محبة واجبة: وهي محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومحبة ما يحبه الله تعالى من العبادات وغيرها.
2 -
محبة طبيعية مباحة: كمحبة الوالد لولده، والإنسان لصديقه، ولماله ونحو ذلك
ويشترط في هذه المحبة أن لا يصحبها ذل ولا خضوع ولا تعظيم، فإن صحبها ذلك فهي من القسم الثالث، ويشترط أيضًا أن لاتصل إلى درجة محبته
(1)
وهذا حال كثير من ضعفاء الإيمان تجده يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفًا من سباب العاصي أو من أذى يسير يحصل له منه، أو يفعل بعض المحرمات خوفًا من ظالم، وقد يكون هذا الخوف وهميًا لا حقيقة له، وقد يكون هناك خوف حقيقة ولكنه يسير لا يجوز ترك الواجب أو فعل المحرم من أجله.
لله ومحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن ساوتها أو زادت عليها فهي محبة محرمه، لقوله تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)} [التوبة: 24].
3 -
محبة شركية، وهي أن يحب مخلوقًا محبة مقترنة بالخضوع والتعظيم، وهذه هي محبة العبودية، التي لا يجوز صرفها لغير الله، فمن صرفها لغيره فقد وقع في الشرك الأكبر، قال الله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165].
(1)
د - الشرك في الرجاء: وهو أن يرجو من مخلوق ما لا يقدر عليه إلا الله، كمن يرجو من مخلوق أن يرزقه ولدًا، أو يرجو منه أن يشفيه بإرادته وقدرته، فهذا من الشرك الأكبر المخرج من الملة.
(1)
قال الحافظ ابن القيم في الجواب الكافي ص 300، 301 عند كلامه على العشق:"وهو أقسام: تارة يكون كفرًا، كمن اتخذ معشوقه ندًا يحبه كما يحب الله، فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه؟ فهذا عشق لا يغفره الله لصاحبه، فإنه من أعظم الشرك، وعلامة هذا العشق الشركي الكفري أن يقدم العاشق رضاء معشوقه على رضاء ربه، وكثير من العشاق يصرح بأنه لم يبق في قلبه موضع لغير معشوقه البتة، بل قد ملك معشوقه عليه قلبه كله، فصار عبدًا مخلصًا من كل وجه لمعشوقه، فقد رضي هذا من عبودية الخالق جل جلاله بعبوديته لمخلوق مثله، فإن العبودية هي كمال الحب والخضوع، وهذا قد استغرق قوة حبه وخضوعه وذلة لمعشوقه، فقد أعطاه حقيقة العبودية". وينظر التحفة العراقية (مجموع الفتاوى 10/ 68 - 71).
قلت: وقد يقع في هذا الشرك من يحب مغنيًا أو لاعبًا محبة مفرطة تجعله يعظمه، فيحمله ذلك على الخضوع لذلك المحبوب بسبب تعظيمه له.
هـ - الشرك في الصلاة والسجود والركوع:
فمن صلى لغير الله، أو سجد أو ركع أو انحنى لمخلوق محبة وخضوعًا له وتقربًا إليه، فقد وقع في الشرك الأكبر بإجماع أهل العلم، قال الله تعالى:{لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)} [فصلت: 37]، وقال سبحانه:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام: 162، 163]، وثبت عن أنس بن مالك قال: كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسنون عليه، وإن الجمل استصعب عليهم، فمنعهم ظهره، وإن الأنصار جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنه كان لنا جمل نسني عليه، وإنه استصعب علينا، ومنعنا ظهره، وقد عطش الزرع والنخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:"قوموا"، فقاموا، فدخل الحائط والجمل في ناحيته، فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، فقالت الأنصار: يا رسول الله، إنه قد صار مثل الكلب، وإنا نخاف عليك صولته، فقال:"ليس علي منه بأس". فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه، حتى خر ساجدا بين يديه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذل ما كانت قط، حتى أدخله في العمل. فقال له أصحابه: يا نبي الله، هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك ونحن نعقل، فنحن أحق أن نسجد لك، فقال:"لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، من عظم حقه عليها"، وثبت عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطا من حوائط الأنصار، فإذا فيه جملان يضربان ويرعدان، فاقترب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما، فوضعا جرانهما بالأرض، فقال من معه: نحن أحق أن نسجد لك، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد، ولو كان أحد ينبغي أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لما عظم الله عليها من حقه"، ولأنه قد صرف شيئًا من العبادة لغير الله عز وجل، وصرف العبادة لغيره شرك بإجماع أهل العلم.
و- الشرك في الذبح:
الذبح أصله ينقسم إلى أربعة أقسام:
1 -
ذبح الحيوان المأكول اللحم تقربًا إلى الله تعالى وتعظيمًا له، كالأضحية، وهدي التمتع والقران في الحج، والذبح للتصدق باللحم على الفقراء ونحو ذلك، فهذا مشروع، وهو عبادة من العبادات.
2 -
ذبح الحيوان المأكول لضيف، أو من أجل وليمة عرس ونحو ذلك، فهذا مأمور به إما وجوبًا وإما استحبابًا.
3 -
ذبح الحيوان الذي يؤكل لحمه من أجل الاتجار ببيع لحمه، أو لأكله، أو فرحًا عند سكنى بيت ونحو ذلك، فهذا الأصل أنه مباح، وقد يكون مطلوبًا فعله، أو منهيًا عنه حسبما يكون وسيلة إليه.
4 -
الذبح تقربًا إلى مخلوق وتعظيمًا له وخضوعًا له، فهذا عبادة - كما سبق - ولا يجوز التقرب به إلى غير الله، فمن ذبح تقربًا إلى مخلوق وتعظيمًا له فقد وقع في الشرك الأكبر، وذبيحته محرمة لا يجوز أكلها، سواء أكان هذا المخلوق من الإنس أم من الجن أم من الملائكة أم كان قبرًا، أم غيره، وقد حكى نظام الدين الشافعي النيسابوري المتوفى سنة 406 هـ إجماع العلماء على ذلك.
قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
(162)
لَا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام: 162، 163]
(1)
، وقال تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} [الكوثر: 2]، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من ذبح لغير الله". رواه مسلم.
ز - الشرك في النذر والزكاة والصدقة:
النذر هو: إلزام مكلف مختار نفسه عبادة لله تعالى غير واجبة عليه بأصل الشرع.
كأن يقول: لله علي نذر أن أفعل كذا، أو لله علي أن أصلي أو أصوم كذا، أو أتصدق بكذا، أو ما أشبه ذلك.
والنذر عبادة من العبادات، لا يجوز أن يصرف لغير الله تعالى، فمن نذر لمخلوق كأن يقول: لفلان علي نذر أن أصوم يومًا، أو لقبر فلان علي أن أتصدق بكذا، أو إن شفي مريضي أو جاء غائبي فللشيخ فلان على أن أتصدق بكذا، أو لقبره علي أن أتصدق بكذا، فقد أجمع أهل العلم على أن نذره محرم وباطل
(2)
، وعلى أن من فعل ذلك قد أشرك بالله تعالى الشرك الأكبر المخرج من الملة، لأنه صرف عبادة النذر لغير الله، ولأنه يعتقد أن الميت ينفع ويضر من دون الله، وهذا كله شرك.
(1)
النسك هو الذبح. وقوله (ومحياي ومماتي) أي إن جميع أعمالي لله تعالى، وهو المتصرف فيَّ في حياتي وبعد مماتي.
(2)
كشاف القناع 6/ 276. وينظر الدر المختار للحصكفي الحنفي مع حاشيته لابن عابدين آخر كتاب الصيام 2/ 128، والبحر الرائق لابن نجيم الحنفي 2/ 320 نقلًا عن الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي، ونقل حكاية هذا الإجماع أيضا جمع من علماء الحنفية، وكذلك نقل جماعة من الحنفية الإجماع على أنه لا يجوز الوفاء به. ينظر رسالة (جهود علماء الحنفية) ص 1550 - 1552.
ومثله إخراج زكاة المال وتقديم الهدايا والصدقات إلى قبر ميت تقربًا إليه، أو تقديمها إلى سدنة القبر
(1)
تقربًا إلى الميت، أو تقديمها إلى الفقراء الذين يذهبون إلى القبر، وكان يفعل ذلك تقربًا إلى الميت، فهذا كله من الشرك الأكبر أيضًا؛ لما فيه من عبادة غير الله ومن اعتقاد أن هذا الميت ينفع أو يضر من دون الله.
ح - الشرك في الصيام والحج:
الصيام والحج من العبادات التي لا يجوز صرفها لغير الله بالإجماع، فمن تعبَّد بها لغير الله فقد وقع في الشرك الأكبر، وذلك كمن يصوم أو يحج إلى الكعبة تقربًا إلى ولي أو ميت أو غيرهما من المخلوقين، وكمن يحج إلى قبر تقربًا إلى صاحبه فهذا كله من الشرك الأكبر المخرج من الملة، سواء أفعله العبد أم اعتقد جوازه.
ط - الشرك في الطواف:
الطواف عبادة بدنية لا يجوز أن تصرف إلا لله تعالى، ولا يجوز أن يطاف إلا بالكعبة المشرفة، وهذا كله مجمع عليه، فمن طاف بقبر نبي أو عبد صالح أو بمنزل معين أو حتى بالكعبة المشرفة تقربًا إلى غير الله تعالى، فقد وقع في الشرك الأكبر بإجماع المسلمين.
ي - الشرك بعبادة الشياطين:
وأوضح مثال على هذا النوع: شرك السحرة.
(1)
من المعلوم أن وضع سدنة للقبر يأخذون الهدايا والصدقات من البدع المحرمة، ومن الأسباب التي تؤدي إلى وقوع الجهلة في الشرك الأكبر.
فالساحر - ويسمى الكاهن والعراف - تخدمه الشياطين (وهم كفار الجن) لعبادته لهم، بالذبح لهم، أو دعائهم من دون الله، أو غير ذلك.
وقد تخدم الشياطين الساحر لعمل هذا الساحر بعض الأمور الكفرية، كإهانة القران، أو سب الله تعالى، أو غير ذلك.
فإذا فعل الساحر أحد هذين الأمرين خدمته الشياطين، إما بأن يؤذوا من يريد هذا الساحر أذاه، أو بإخبار هذا الساحر ببعض الأمور الغائبة عنه مما قد وقع في الأرض، أو بحمل هذا الساحر ونقله من بلد إلى بلد آخر في وقت وجيز، وغير ذلك.
حكم الساحر:
جاءت النصوص الشرعية صريحة في كفر الساحر لعبادته للشياطين أو لحمله أمورًا كفرية إرضاءً لهم.
وقال تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)} [طه: 69].
وقد أجمع أهل العلم على أن تعلم السحر وتعليمه والعمل به كبيرة من
كبائر الذنوب، للآيتين السابقتين، ولما روى البخاري ومسلم عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اجتنبوا السبع الموبقات". قيل يا رسول الله وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات".
وحد الساحر: القتل؛ لما ثبت عن عمر من أنه أمر بقتل كل ساحر، ولما ثبت عن عثمان أنه أقر قتل الساحر، ولما ثبت عن حفصة أنها قتلت جارية لها سحرتها، ولما ثبت عن جندب أنه قتل ساحرا.
أما حكم الذهاب إلى الساحر لطلب العلاج أو السؤال عن شيء مما يريد الإنسان معرفته فهو محرم وكبيرة من كبائر الذنوب، وإن صدقه بما يخبر به من أمور الغيب، كأن يخبره بشيء مما يحدث في المستقبل، فإن هذا الذي صدقه قد وقع في الشرك الأكبر المخرج من الملة، لما سبق ذكره في الأحاديث عند بيان حكم الذهاب إلى الكهان والسحرة عند الكلام على الشرك في الأسماء والصفات، ومثله أو قريب منه: أن يذهب إلى الساحر ليسحر له، كحال المرأة التي تذهب إلى الساحر ليسحر زوجها بسحر العطف الذي سيأتي بيانه - قريبًا إن شاء الله تعالى -، وكحال الرجل الذي يذهب إليه ليسحر شخصًا بينه وبينه خصومة أو مشاجرة أو عداوة.
وقد روى البخاري عن أبي مسعود، قال:"نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن"، وروى مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: قلت: يا رسول الله أمورا كنا نصنعها في الجاهلية، كنا نأتي الكهان، قال:"فلا تأتوا الكهان"، قال: قلت: كنا نتطير، قال: "ذاك شيء يجده أحدكم في
نفسه، فلا يصدنكم"، وهذا كله يدل على أن طلب السحر من الساحر كبيرة من كبائر الذنوب، بل يدل على أن مجرد الذهاب إليه وسؤاله من كبائر الذنوب، وعلى أن إعطاءه المال محرم؛ لأن ماحرم أخذه حرم إعطاؤه، ويزداد جرم أو من السحر من الساحر إذا أصاب المسلم المسحور أذى من مرض أو غيره، لما في ذلك من الأذى للمؤمنين؛ قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} [الأحزاب: 58].
من أعمال السحرة في سحرهم:
للسحرة في سحرهم طرق متنوعة وأساليب خبيثة، منها ما يعملونه بمعونة من الشياطين، ومنها ما يعملونه من باب الدجل والخداع للسذج من الناس، ومن أهم أعمال السحرة في سحرهم ما يلي:
1 -
إيصال الضرر إلى المسحور، وذلك يكون غالبًا بنفث الساحر بريقه الخبيث على خيط ونحوه، وقد يدعو الشياطين ويستعين بهم، ثم يعقد هذا الخيط، قال الله تعالى:{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)} ، وأشهر هذه الأضرار:
أ - الصرف والعطف، ويسمى "التوله"، وفي الحديث:"إن الرقى والتمائم والتوله شرك"، والعطف: أن يفعل الساحر عن طريق الجن بالمسحور ما يجعله يحب زوجته أو غيرها من النساء حبًا كبيرًا يجعله يتعلق بها ويخضع لها، والصرف عكسه.
ب - إصابة المسحور بالمرض، وذلك عن طريق تلبس الجن بالمسحور، ونحو ذلك.
2 -
دعوى علم الغيب عن طريق التنجيم.
3 -
دعوى علم الغيب عن طريق الضرب بالحصى وقراءة الكف والفنجان، ونحوها.
وقد سبق الكلام على هاتين المسألتين عند الكلام على الشرك الأكبر في الأسماء والصفات.
4 -
خداع الساحر من يأتي إليه بإقناعه بأن الجن يطيعونه، وأنه سيشفى على أيديهم، وقد يفعل الساحر بإعانة من الجن بعض الأمور الخارقه لعادة بني الإنسان، كأن يحمل الجنُّ الساحرَ، فيرتفع في الهواء أمام الناس، وقد يخبر الساحر من جاء إليه أو كلمه بهاتف أو غيره بإخباره ببعض الأشياء التي فعلها أو بإخباره باسمه أو اسم أمه، وقد يخبره بمكانه عند تكليمه له ويخبره بما يلبسه من لباس ومن هو جالس معه، ونحو ذلك مما يخبر به الجن هذا الساحر، وقد يستعين الجن الذين يتعامل معهم هذا الساحر بالقرين من الجن الذي هو ملازم لهذا الشخص الذي أتى إلى هذا الساحر أو كلمه، فيحمل هذا الخداع هذا الشخص - وبالأخص مع قلة علمه ودينه - على تصديق هذا الساحر ورجائه والخضوع له فيوقعه بذلك في عبادته، لأن الخضوع عبادة لله بلا خلاف، فمن صرفه لغير الله وقع في الشرك الأكبر.
5 -
السعي إلى إخراج المسلم من الإسلام بأمره لبعض الأمور الكفرية، فمثلًا عندما يذهب بعض المسلمين إلى الساحر طالبًا للعلاج يأمره بذبح حيوان إلى غير جهة القبلة ودون أن يذكر اسم الله عند الذبح، أو يأمره بالطواف على منزل معين، ويعده أنه إن فعل ذلك فك الجن السحر عنه وأبطلوه، فإذا فعل هذا
المريض هذا العمل وقع في الشرك الأكبر؛ لأنه فعل عبادة الذبح أو عبادة الطواف تقربًا إلى الجن.
6 -
سحر التخييل، ويمكن تقسيمه إلى قسمين:
أ - أن يرى المسحور ويخيل إليه أنه يفعل الشيء وهو لم يفعله، ومن أمثلته: ما حصل مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم - قالت - حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا، ثم دعا، ثم قال:"يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه، جاءني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي. فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب. قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: في أي شيء؟ قال: فِي مشط ومشاطة. قال: وجب طلعة ذكر. قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان".
قالت: فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه، ثم قال:"يا عائشة والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رءوس الشياطين". قالت: فقلت: يا رسول الله أفلا أحرقته؟ قال: "لا أما أنا فقد عافاني الله، وكرهت أن أثير على الناس شرا، فأمرت بها فدفنت".
ب - أن يرى الإنسان الشيء فيخيل إليه أنه شيء آخر، فيرى الحجر طيرًا، ويرى الإبرة سيفًا، ونحو ذلك، ومن أمثلته: ما ذكر ربنا جل وعلا عن
سحرة فرعون، قال تعالى:{قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)} [طه: 66].
وهكذا بقية العبادات كالتوكُّل، والتبرك، والتعظيم البالغ، والخضوع البالغ، وقراءة القرآن، والذكر، والأذان، والتوبة والإنابة، فهذه كلها عبادات لا يجوز أن تصرف لغير الله، فمن صرف شيئًا منها لغير الله فقد وقع في الشرك الأكبر، وسيأتي التفصيل في الشرك في بعض هذه العبادات وذكر بعض العبادات التي تذكر هنا عند الكلام على الشرك الأصغر وعند الكلام على الوسائل التي تؤدي إلى الوقوع في الشرك الأكبر - إن شاء الله تعالى -.
النوع الثالث من أنواع الشرك في الألوهية: الشرك في الحكم والطاعة:
ومن صور الشرك في هذا النوع:
1 -
أن يعتقد أحد أن حكم غير الله أفضل من حكم الله أو مثله، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة، لأنه مكذب للقرآن، فهو مكذب لقوله تعالى:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا} [المائدة: 50]، ولقوله تعالى:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)} [التين: 8]، وهذا استفهام تقريري، أي أن الله تعالى أحكم الحاكمين، فليس حكم أحد غيره أحسن من حكمه ولا مثله.
2 -
أن يعتقد أحد جواز الحكم بغير ما أنزل الله، فهذا شرك أكبر، لأنه اعتقد خلاف ما دلت عليه النصوص القطعية من الكتاب والسنة، وخلاف ما دل عليه الإجماع القطعي من المسلمين من تحريم الحكم بغير ما أنزل الله.
3 -
أن يضع تشريعًا أو قانونًا مخالفًا لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويحكم به، معتقدًا جواز الحكم بهذا القانون، أو معتقدًا أن هذا
القانون خير من حكم الله أو مثله، فهذا شرك مخرج من الملة.
4 -
من يحكم بعادات آبائه وأجداده أو عادات قبيلته - وهي ما تسمى عند بعضهم بـ: السُّلُوم - وهو يعلم أنها مخالفة لحكم الله، معتقدًا أنها أفضل من حكم الله أو مثله أو أنه يجوز الحكم بها، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة.
5 -
أن يطيع من يحكم بغير شرع الله عن رضى، مقدمًا لقولهم على شرع الله، ساخطًا لحكم الله، أو معتقدًا جواز الحكم بغيره، أو معتقدًا أن هذا الحكم أو القانون أفضل من حكم الله أو مثله.
ومثل هؤلاء من يتبع أو يتحاكم إلى الأعراف القبلية - التي تسمى: السُّلوم - المخالفة لحكم الله تعالى، مع علمه بمخالفتها للشرع، معتقدًا جواز الحكم بها، أو أنها أفضل من الشرع أو مثله، فهذا كله شرك أكبر مخرج من الملة.
والدليل على أن هذا كله شرك قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} [المائدة: 44]، وقوله تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} [التوبة: 31]، وروي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} فقلت: إنا لسنا نعبدهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أليس يحرِّمون ما أحلَّ اللهُ، فتُحرِّمونه، ويُحِلُّون ما حرَّم الله، فتحلُّونه؟ " قال: قلت: بلى. فقال صلى الله عليه وسلم: "فتلك عبادتهم". فذكر في هذا الحديث أن طاعتهم في مخالفة الشرع عبادة لهم، وذكر الله تعالى في آخر
الآية أن اتخاذ الأحبار والرهبان أربابًا شرك، ولأن من كره شرع الله كفر، لقوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)} [محمد: 9].
6 -
من يدعو إلى عدم تحكيم شرع الله، وإلى تحكيم القوانين الوضعية محاربةً للإسلام وبغضًا له، كالذين يدعون إلى سفور المرأة واختلاطها بالرجال الأجانب في المدارس والوظائف وإلى التعامل بالربا، وإلى منع تعدد الزوجات، وغير ذلك مما فيه دعوة إلى محاربة شرع الله، فالذي يدعو إلى ذلك مع علمه بأنه يدعو إلى المنكر وإلى محاربة شرع الله ظاهر حاله أنه لم يدع إلى ذلك إلا لما وقع في قلبه من الإعجاب بالكفار وقوانينهم واعتقاده أنها أفضل من شرع الله، ولما وقع في قلبه من كره لدين الإسلام وأحكامه، وهذا كله شرك وكفر مخرج من الملة، ومن كانت هذه حقيقة حاله فقد وقع في الشرك الأكبر، وإن كان يظهر أنه من المسلمين فهو نفاق أيضًا، للأدلة التي سبق ذكرها في الفقرة السابقة، بل هنا أولى؛ لأن الدعوة إلى الشيء شر من مجرد اتباعه.