الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجل استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها، فجعل الرجل يحجزهن، ويغلبنه، فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار: هلم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني، تقحّمون فيها" رواه البخاري ومسلم.
فالرسول صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد من كل ما يهدمه أو ينقصه حماية محكمة، وسد كل طريق يؤدي إلى الشرك ولو من بعيد؛ لأن من سار محلى الدرب وصل؛ ولأن الشيطان يزين للإنسان أعمال السوء، ويتدرج به من السيء إلى الأسوأ شيئًا فشيئًا يخرجه من دائرة الإسلام بالكلية - إن استطاع إلى ذلك سبيلًا - فمن انقاد له واتبع خطواته خسر الدنيا والآخرة.
ولذلك لما عصى كثيرٌ من المسلمين نبيَّهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بفعل بعض الأمور التي نهاهم عنها وحذرهم منها، واتبعوا خطوات الشيطان الذي زين لهم الباطل ودعاهم إليه حتى ظنوا أنهم على الحق مع مخالفتهم ومعصيتهم الصريحة للنبي صلى الله عليه وسلم أدى بهم ذلك إلى الوقوع في الشرك في الشرك الأكبر المخرج من الملة،
وسأبيِّن - إن شاء الله - ثلاثًا من أهم الوسائل التي توصل إلى الشرك وتوقع المسلم فيه، والتي حذر منها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، في المباحث الآتية:
المبحث الأول: الغلو في الصالحين:
لقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام من الغلو في حقه صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري عن عمر رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله
عليه وسلم يقول: "لا تطروني، كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله، ورسوله"، والإطراء هو الغلو، وإذا كان هذا في حقه صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البشر، فغيره ممن هو دونه في الفضل أولى أن ينهى عن الغلو فيه.
وثبت أن الغلو في الصالحين كان هو أول وأعظم سبب أوقع بني آدم في الشرك الأكبر، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أخبر عن أصنام قوم نوح أنها صارت في العرب، ثم قال:"أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، ونُسخ العلم، عُبدت".
ولذلك ينبغي للمسلم أن يحذر من التساهل في هذا الباب؛ لئلا يؤدي به أو يؤدي بمن يراه أو يقلده أو يأتي بعده إلى الوقوع في الشرك الأكبر.
ومن أنواع الغلو المحرم في حق الصالحين والذي يوصل إلى الشرك:
أولًا: المبالغة في مدحهم، كما يفعل كثير من الرافضة، وقلدهم في ذلك كثير من الصوفية، وقد أدت هذه المبالغة بكثير منهم في آخر الأمر إلى الوقوع في الشرك الأكبر في الربوبية، وذلك باعتقاد أن بعض الأولياء يتصرفون في الكون، وأنهم يسمعون كلام من دعاهم ولو من بعد، وأنهم يجيبون دعاءه، وأنهم ينفعون ويضرون، وأنهم يعلمون الغيب، أنه ليس لديهم دليل واحد يتمسكون به في هذا الغلو، سوى أحاديث مكذوبة أو واهية ومنامات، وما يزعمونه من الكشف إما كذبًا، وإما من أثر تلاعب الشيطان بهم، وقد أدى بهم
هذا الغلو إلى الشرك في الألوهية أيضًا، فدعوا الأموات من دون الله، واستغاثوا بهم، وهذا والعياذ بالله من أعظم الشرك.
وقد حذَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الغلو في مدحه عليه الصلاة والسلام، فقال:"لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله" رواه البخاري، وإذا كان هذا في حقه صلى الله عليه وسلم فغيره من البشر أولى أن لا يزاد في مدحهم، فمن زاد في مدحه صلى الله عليه وسلم أو في مدح غيره من البشر فقد عصى الله تعالى، ومن دعا إلى هذا الغلو وأصر عليه بعد علمه بنهي النبي صلى الله عليه وسلم فقد ردَّ سنته صلى الله عليه وسلم، ودعا الناس إلى عدم اتباعه عليه الصلاة والسلام، وإلى اتباع وتقليد اليهود والنصارى في ضلالهم وغلوهم في أنبيائهم، والذي نهاهم الله تعالى عنه.
والنبيُّ صلى الله عليه وسلم له فضائل كثيرة ثابتة في كتاب الله تعالى وفي صحيح سنته عليه الصلاة والسلام، فهو عليه الصلاة والسلام ليس في حاجة إلى أن يكذِب ويزوِّر الناسُ له فضائل صلوات ربي وسلامه عليه.
ثانيًا: تصوير الأولياء والصالحين: من المعلوم أن أول شرك حدث في بني آدم سببه الغلو في الصالحين بنصب الأنصاب في مجالسهم، كما حصل من قوم نوح عليه السلام، وقد سبق ذكر قول ابن عباس رضي الله عنهما في ذلك مقدمة هذا المبحث، ولا شك أن تصوير العلماء ومشاهير الصالحين أعظم تسببًا في إيقاع الجهال في الشرك من وضع الأنصاب في مجالسهم، وبالأخص إذا نُصبت في أماكن العبادة.
ولخطر التصوير وعظم جرم فاعله وودت نصوص شرعية فيها تغليظ على
المصورين لذوات الأرواح
(1)
.
ومن النصوص الواردة في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أشدَّ الناس عذابًا يوم القيامة المصورون" رواه البخاري ومسلم، وروى البخاري ومسلم أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أتاه رجل فقال: إني رجلٌ أصوّر هذه الصور، فأفتني فيها، فقال له: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفسًا فتعذبه في جهنم".
وقال: إن كنت لا بد فاعلًا فاصنع الشجر وما لا نفس له.
وثبت عن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لأبي الهياج الأسدي: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته". رواه مسلم
ولذلك فإنه ينبغى للمسلم ألا يتساهل في أمر التصوير بجميع أنواعه، سواء منه ما كان مجسمًا، كالتماثيل وغيرها مما له ظل - وهو أشد حرمة وأعظم إثمًا - أم ما كان على ورق أو جدار أو خرقة أو غيرها، ويعظم خطر التصوير إذا كان المصوَّر من كبار أهل العلم، أو ممن لهم منزلة كبيرة في قلوب الناس.
(1)
وقد اختلف علماء هذا العصر في حكم التصوير الفوتوغرافي، وهو التصوير بالآلة (الكمرة)، وكثير من العلماء المعاصرين يرون تحريمه، ويرون أنه لا يجوز منه إلا ما له ضرورة أو حاجة، وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا النوع ليس من التصوير المحرم أصلًا، لأنه مجرد حبس لعكس الإنسان، قالوا: فليس فيه مضاهاة لخلق الله، فهو مثل ظهور عكس الإنسان في المرآة عند وقوفه أمامها، ويزيد عليه تثبيت هذا العكس لا غير.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن التصوير السينمائي - وهو التصوير الفلمي - والتصوير التلفزيوني ليسا من التصوير أيضًا، لما سبق ذكره في الفوتوغرافي، وذهب بعض العلماء إلى القول بتحريمهما لعموم النصوص، واستثنى بعضهم ما كان لمصلحة شرعية كبعض مسائل التعليم والدعوة ونحو ذلك.