الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[توحيد الإلهية]
توحيد الإلهية وأما توحيد الإِلهية: فهو إفراد الله بالعبادة: قولا، وقصدا، وفعلًا، فلا يُنذر إلا له، ولا تُقرب القرابين إلا إليه، ولا يُدعى في السَراء والضراء إلا إياه، ولا يُستغاث إلا به، ولا يُتوكل إلا عليه، إلى غير ذلك من أنواع العبادة.
وهذا النوع هو الذي بعثت به الرسل، وأنزلت به الكتب، وبدأ به كل رسول دعوته، ووقعت فيه الخصومة بينه وبين أمته.
وهو الذي من أجله شرع الجهاد، وقامت الحرب على ساقها بين الموحّدين والمشركين.
والطريق الفطري لِإثبات توحيد الإلهية الاستدلال عليه بتوحيد الربوبية. فإن قلب الإِنسان يتعلَق أولا بمصدر خلقه، ومنشأ نفعه وضرّه، ثم ينتقل بعد ذلك إلى الوسائل التي تقربه إليه، وترضيه عنه، وتوثق الصلات بينه وبينه، فتوحيد الربوبية باب لتوحيد الإلهية.
من أجل ذلك احتجّ الله على المشركين، وقرّرهم وأرشد رسوله إلى هذه الطريقة، وأمره أن يدعو بها قومه، قال- تعالى-:
فقد استدل بتفرده بالربوبية، وكمال التصرف، وحمايته ما يريد أن يحميه، على استحقاقه وحده للعبادة، ووجوب إفراده بالإلهية قال- تعالى-:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النحل: 1] فأخبر بأن البعث آت لا محالة، ونزّه نفسه عما زعمه المشركون من الشركاء، ثم استدل- سبحانه- على قدرته على البعث، وتفرده باستحقاقه الإلهية بآياته الكونية، فقال- تعالى-:{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ - وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 4 - 5]
{إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [النحل: 22] وقال- تعالى-:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 21] إلى أن قال: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22] فجعل- سبحانه- تفرده بالربوبية خلقًا للحاضرين والسابقين، وتمهيده الأرض، ورفعه السماء بغير عمد يرونها، وإنزاله الأمطار ليحيي بها الأرض بعد موتها، ويخرج بها رزقًا لعباده بابًا إلى توحيد الإِلهية وآية بيّنة على استحقاقه وحده العبادة. وقال- تعالى-:
{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ} [يونس: 31] إلى أن قال: {فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس: 35]
فقررهم- سبحانه- بما لا يسعهم إنكاره، ولا مخلص لهم من الاعتراف به من تفرده بالرزق، والملك، والتدبير، والإِحياء، والإماتة، والبدء، والإعادة، والإرشاد، والهداية ليقيم به عليهم الحجة في وجوب تقواه دون سواه.
وينكر عليهم حكمهم الخاطئ، وشركهم الفاضح،
وعكوفهم على من لا يملك لهم ضرا ولا نفعًا، ولا حياة ولا نشورًا. قال- تعالى-:
{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ - أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النمل: 59 - 60] إلى قوله - تعالى-: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل: 64](1)[سورة النمل، الآيات: 59- 64] .
فأنكر- سبحانه- أن يكون معه من خَلَقَ، ودبر، أو صرف، وقدَّر، أو يُجيب المضطرّ إذا دعاه، ويكشف السّوء، أو يولي، أو يعزل، وينصر، ويخذل، أو يُنقذ من الحيرة، ويهدي من
(1) وتمامها: (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) .
الضلالة، أو يبدئ ويعيد، ويبسط الرزق لمن يشاء، ويَقْدِر. إلى غير ذلك مما استأثر الله به.
وهذا مما استقرّ في فطرتهم، ونطقت به ألسنتهم، وبه قامت الحجة عليهم فيما دعتهم إليه الرسل من توحيد العبادة. وما ذكر من الآيات قليل من كثير.
ومن سلك طريق القرآن في الاستدلال، واهتدى بهدي الأنبياء في الحجاج اطمأنت نفسه، وقوي يقينه، وخصم مناظره (أي انتصر عليه) . فإن في ذلك الحجة، والبرهان من جهتين:
الأولى: أنه خبر المعصوم.
والثانية: أنه موجب الفطرة، ومقتضى العقل الصحيح.