الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ما يعتقده المسلمون، فقال: وأنت منشرح الصدر؛ لذلك مستيقن به فقال: نعم، فقال أشكر الله على هذه النعمة، لكني والله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد، وبكى حتى أخضلت لحيته “1.
وقد أتى في هذا العصر بعض الدعاة لهذه المذاهب بقصد التوفيق بين الدين والفلسفة، ولإثبات أن في الإسلام فلسفة، وذلك من خلال العبارات الفلسفية في ثنايا أو في عناوين المصنفات.
1 ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية، مرجع سابق، ص (209) .
ميدان الفلسفة:
هناك تساؤل يطرح نفسه تحت هذا العنوان، وهو: ما هدف الفلسفة وما ميدانها الذي تبحث فيه، هل هو الإنسان؟ أم الكون؟ أم ما وراء الطبيعة؟ أم أنها تدرس العلاقة بينها؟ وبأي وسيلة تدرس ذلك؟ .
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تنير أمامنا الطريق لمعرفة هل نحن في حاجة لها؟ وهل توجد فلسفة إسلامية؟ أم أنه من الضروري وجودها؟ .
“إن الفلسفة تريد أن تعرف كل شيء وكنهه وأصله وغايته، ولا تكتفي بالظواهر، بل تريد النفوذ إلى البواطن، ولا تكتفي بهذا العالم المحسوس، بل تريد أن تعرف ما وراءه، وما كان قبله، ومن خلقه، ومن أي شيء خلقه، وتريد أن تعرف من هو هذا الخالق؟ وما كنه ذاته؟ وما حقيقة صفاته؟ وما هو هذا الإنسان؟ وما حقيقته؟ وما هو عقله؟ وكيف يتم إدراكه؟ وما مبلغ هذا الإدراك من الصحة؟ وما هو الخير؟
وما الجمال؟ ولم كان الخير خيراً والجميل جميلاً؟ .. إلى غير ذلك من الأسئلة التي لا تنتهي، سعياً وراء معرفة المبادئ الأولى لكل شي”1.
1 نديم الجسر، قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن، مرجع سابق، ص (26) .
ويقول آخر: إنها تبحث في أصول الأشياء وقيمها وعلل وجودها 1. ويذكر آخر: أن الفلسفة كانت ولازالت تبحث في ماهية الأشياء وأصولها وعلاقة بعضها مع بعض، ومع الإنسان، ومع الوجود الإنساني، إنها في تطلع دائب إلى الآفاق البعيدة والأسس العامة 2. ويقول لطفي بركات أحمد: إنه من الضروري تمركز التفلسف التربوي حول الإنسان بالإضافة إلى مشكلات أخرى كونية وخلقية ومنطقية 3.
ويمكن تقسيم الفلسفة حسب ترتيب (قولف) إلى ما يلي4:
1-
الإنتلوجيا، وموضوعها الوجود ولواحقه وأحكامه.
2-
الكزمولوجيا العقلية، وموضوعها العالم ونشأته (وهذا ما يقابل نظرية الصدور عند ابن سينا) .
3-
السيكولوجيا العقلية، وموضوعها النفس وإثباتها وخلودها.
4-
الأثولوجيا الطبيعية، وموضوعها المباحث العقلية.
5-
الفلسفة النقدية، وموضوعها كيف نعرف ومدى المعرفة، وقيمتها، وتزعمها "كانط".
6-
فلسفة المعرفة، وموضوعها المعرفة.
7-
فلسفة العلوم، وموضوعها العلوم العامة، وهي أنشط موضوعات الفلسفة اليوم.
8-
علم القيم، وهي البحث في قيم الحق والخير والجمال.
1 منير المرسي سرحان، في اجتماعيات التربية، مرجع سابق، ص (39) .
2 أحمد على الفنيش. أصول التربية، مرجع سابق، ص (14) .
3 لطفي بركات أحمد، فلسفة تربوية عربية، دار المريخ، الرياض، 1403، ص (29) .
4 محمد ثابت الفندي، مع الفيلسوف، ص (86ـ90) .
9-
الوجودية، وموضوعها، يرتكز على أنه لا يمكن معرفة الحياة إلا بقوة عارفة تستطيع أن تسوق الفرد وتتغلغل فيه وتتحد به، وهذه القوة هي (الحدس) وزعيمها هو (هنري برجسون) .
ومما سبق يتضح: أن أهداف الفلسفة متعددة، وميادينها متنوعة، فهي تبحث عن حقيقة كل شيء، لمعرفة بواطن الأشياء، وأصولها المحسوسة، وغير المحسوسة التي ندركها والتي لا ندركها، وحتى في صفات الخالق جل شأنه. ووسيلة فلاسفتها في ذلك العقل والظن والجدل. قال تعالى:{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} 1.
فالذي: “يظهر أن الفلسفة منطقاً أو جدلاً تسير بمقتضاه الفلسفات، فكل فيلسوف يقف من موقف المجاور والمجادل من زاويته الخاصة، فيرفض من هذه الزاوية التي يقف عليها ما لا يراه من خلالها، ويثبت ما يراه هو في نفس المسائل 2؛ لذا يصدق عليهم قوله تعالى:{قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} 3.
لكن الإسلام أوضح لنا علاقة الإنسان بخالقه، وبالكون وبمجتمعه في الكتاب والسنة النبوية المطهرة، ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} 4. وقال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
1 سورة النجم، آية رقم (23) .
2 محمد ثابت الفندي، مع الفيلسوف، مرجع سابق، ص (47) .
3 سورة الأعراف، آية رقم (38) .
4 سورة الذاريات، آية رقم (56) .
وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} 1. وقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} 2.
وقال تعالى: {وَالْعَصْرِ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} 3.
وبذلك الإيضاح فلا تحتاج القضايا الغيبية والمشاهدة إلى بيان رأي الفلسفة فيها؛ لأن الإسلام لم يترك للعقل العنان في تفسيرها حتى لا يشطح في الخيال، فيهدم بذلك جوانب الحياة، ومنها التربية، ولكن المنهج الإسلامي قيد هذا الأمر بالعلم الصحيح، قال تعالى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} 4.
والفلسفة تشتمل دائماً على أسئلة مفتوحة أكثر من اشتمالها على أجوبة منتهية مقفلة كقوانين العلم 5؛ لأن الأدوات المستخدمة عند الفيلسوف هي المفاهيم والكلمات، وما يمكن أن ينظمها من أشكال في اللغة، فعندما نقول: “الصحة شيء حسن” فإن الفيلسوف لا يفترض وضوح هذا القول، وقد يسأل مثل هذه الأسئلة “هل الصحة شيء”؟ وإذا كانت كذلك فبأي معنى؟ هل هذا الفرض صحيح في كل زمان ومكان؟ أو أنه يتوقف على ظروف لم يعبر عنها تعبيراً واضحاً؟ وعلى أي أساس يقوم هذا التأكيد؟ وما نوع الدليل الذي يمكن تقديمه لمساندته؟ 6.
1 سورة الجاثية، آية رقم (13) .
2 سورة الملك، آية رقم (2) .
3 سورة العصر، آية رقم () .
4 سورة الإسراء، آية رقم (36) .
5 محمد ثابت الفندي، مع الفيلسوف، مرجع سابق، ص (78) .
6 فيليب، هـ فينكس، فلسفة التربية، مرجع سابق، ص (26ـ27)
وفي منهج التربية الإسلامية يكون البحث في العلوم والمعرفة وفق الأساليب العلمية المعتبرة التي تتفق مع ديننا الإسلامي الحنيف، ولم يمنع الإسلام البحث والاستقراء في المجالات النافعة، بل شجع عليها برفع منزلة العلماء. قال تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} 1.
وأما التعامل مع المعرفة بالطرق الفلسفية التي يتعارض أسلوبها وميدانها مع الإسلام، فالواجب الابتعاد عن ذلك البتة؛ لأن المناقشة والبحث العلمي، الذي يعتمد على ما جاء به الإسلام يعتبر من مسلمات المنهج الإسلامي البحت الذي يختلف تماماً عن المنهج الفلسفي الغربي؛ لأن الفلسفة كما سبق تتعارض مع الإسلام في أسلوبها، وبعض ميادينها، بل لا اتفاق بين أربابها في معناها وأسلوبها، فكل فيلسوف ينظر إلى الأمور من زاويته التي قد تضيق أو تتسع وتشطح، فأصحابها مختلفون غير متّفقين.
1 سورة المجادلة، آية رقم (11)