الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القرآن الكريم فلا يبحث في موضوعاته على هذه الشاكلة، وإنما ينبه الإنسان إلى التفكير في الأشياء المحيطة به، إضافة إلى أن الفلسفة تلجأ في منهجها إلى الشك للوصول إلى اليقين.
أما الدين فإنه يقوم على الإيمان، ويجعل الإيمان واليقين منطلقاً لمعرفة الحقائق؛ لأنها مرتبطة بأضخم حقيقة فيه وهي حقيقة التوحيد 1.
1 عبد الرحمن صالح عبد الله، المنهاج الدراسي وصلته بالنظرية التربوية الإسلامية، (44) .
ثانياً: إلصاق الفلسفة بالإسلام:
في العصور الوسطى المسيحية أخذت الفلسفة طابعاً دينياً ممزوجاً بالفكر اليوناني، وقد سلك بعض المسلمين من أمثال ابن سينا والفارابي وابن رشد نفس المسلك تقريباً، فكانت فلسفاتهم، محاولة للتوفيق بين الإسلام والفلسفة اليونانية 2.
ثم سلك مسلك أولئك عدد من المسلمين عبر السنين التي تلت تلك الفترة برغبة إلصاق الفلسفة بالإسلام، وأنها من الإسلام، وفي الإسلام استنارت وظهرت بالشكل اللائق، وهذا الزعم الذي ينادون به في الملأ نابع من "مرض نفوسهم وضعف في عقولهم، يودون أن يثبتوا أن في الإسلام كل ما يرونه قد درج في أسواق العالم المتحضر مادياً" 3 ظانين أن ذلك خدمة جليلة يؤدونها للإسلام، فكأن الإسلام في أعينهم ولد يتيماً ساقطاً لا يعش إلا إذا جعل تحت رعاية رجل ذي جاه ونفوذ، أو هم يخافون أن لا تكون لهم عزة ما لم ينالوا شيئاً من الشرق 4. أو الغرب.
وهذه بعض النماذج من الأقوال التي تحاول بكل الوسائل أن توجد فلسفة إسلامية.
1 عبد الرحمن صالح عبد الله، المنهاج الدراسي وصلته بالنظرية التربوية الإسلامية، (44) .
2 أحمد علي الفنيش، أصول التربية، مرجع سابق، ص (17) .
3 أبو الأعلى المودودي، نظرية الإسلام، مؤسسة الرسالة، بيروت، عام 1980م، ص (9) .
4 المرجع السابق (10)
المثال الأول:
تشير بعض النصوص إلى إقحام الفلسفة في الإسلام وإلصاقها به، كما يتضح من النصوص التالية:
ففي عصر الرسول صلى الله عليه وسلم “كان الإيمان هو محور الحياة في المجتمع الإسلامي، وكان أيضاً محور الفلسفة التي تقوم عليها الحياة في ذلك المجتمع”.
والفكر التربوي الموجود في هذين المصدرين: الكتاب والسنة، من مصادر التربية الإسلامية، ليس فكراً تربوياً خالصاً بالمفهوم الحديث، وإنما فكر تربوي ممتزج بفكر سياسي واقتصادي واجتماعي وتاريخي وحضاري، يشكل كله الإطار العام للأيدلوجيات الإسلامية، ومن هنا يستمد هذا الفكر التربوي الذي نراه في الكتاب والسنة قيمته العلمية 1.
والحقيقة أن “أصول المنطق والفلسفة تكمن في التراث اليوناني، وأنها قادت دارسيها من اليونان للضلال ولم ترشدهم إلى الحقيقة حتى دخلت عليهم المسيحية، وحين مزجوا الديانة المسيحية بالفلسفة انقلبت المسيحية إلى خليط من الحق والباطل والخطأ والصواب، فضلوا مرة ثانية، والفلسفة لا تروج إلا في دولة انحرفت عن الإيمان وضلت عن المعرفة الصحيحة، وبين الجماعات الجاهلية كالباطنية والقرامطة وجهلاء المتصوفة والمناطقة”2.
ومن الأخطاء الناجمة عن تلك النصوص جعل ما هو موجود في الكتاب والسنة (فكراً) ولو كان الكتاب والسنة من الفكر لما كتب لهما الاستمرار طيلة أربعة عشر قرناً من الزمان دون تحريف أو تشويه، ومن الأخطاء جعل الإسلام (أيدلوجيات) فهذا لا يتفق مع الإسلام البتة؛ لأنها تعني معايير الجماعة التي يحكم
1 حسن عبد العال، التربية الإسلامية في القرن الرابع الهجري، مرجع سابق، ص (96،97) .
2 فوزية رضا أمين خياط، الأهداف التربوية السلوكية عند شيخ الإسلام ابن تيمية، الطبعة الأولى، مكتبة المنارة، مكة المكرمة، عام 1987، ص (29) .
بها على أنواع السلوك 1 “وهذا المصطلح نادى به (دي تراس) في أواخر القرن التاسع عشر ثم استخدمه ماركس، ثم عرف كأسلوب للحوار والجدل بين وجهات نظر متباينة، ولا شك أن حياة المسلم لا تبنى على المبادئ التي يبنى عليها المجتمع غير المسلم”2.
وعليه فالواجب العناية بالمصطلحات، والحذر من كل مصطلح يعطي دلالة مخالفة للمنهج الإسلامي، أو يحمل معنىً لا يتفق مع مبادئ الإسلام.
ويوضح أنور الجندي خطأ بعض الباحثين:
من أن “علم أصول الفقه في نظر الباحثين: هو المنطلق الحقيقي للفلسفة الإسلامية، وليست أراء أرسطو وأفلاطون التي تمثلت في محاولات الفارابي وابن سينا، وكان هدفهم إقامة عناصر اللقاء بين الفلسفة والدين أو بين الحكمة والشرعية”3.
وأصول الفقه يقصد به القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة 4 إلا أن البعض لا يطيب له بال إلا إذا ألبس العلوم الإسلامية ثوباً غربياً، كأن يربط مثل هذا العلم بالفلسفة أو الأيدلوجية أو ما شابهها من المصطلحات الغريبة على ديننا ولغتنا.
1 علي إبراهيم عبد الرحمن الزهراني، مبادئ مختارة للإدارة التربوية في ضوء مواقف من السيرة النبوية، بحث مكمل لدرجة الماجستير، مقدم لكلية التربية بجامعة أم القرى في العام الدراسي 1405هـ، ص (151ـ152) .
2 المرجع السابق، ص (152) .
3 أنور الجندي، معلمة الإسلام، مرجع سابق، ص (2/40-41) .
4 محمد الخضري بك، أصول الفقه، الطبعة السادسة، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، عام 1969م، ص (14) .
المثال الثاني:
يقول نص المثال الثاني “لقد قدم الإسلام للبشرية فلسفة للتربية تظهر في سياق آيات القرآن الكريم، كما تظهر في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسير صحابته والتابعين وهي (أي فلسفة التربية) ليست في صور تعليمات صريحة خاصة بتربية النشء، أو في صور نظام تعليمي معين له أغراضه أو أهدافه الخاصة، وعلى ذلك فإن فلسفة التربية الإسلامية لا يمكن فهمها إلا في ظل إدراك الإطار العام للنظام الإسلامي كله، ولا يمكن استخلاصها إلا باستقراء آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية “1.
إن هذا النص يؤكد بأن الفلسفة في القرآن ليست موجودة صراحة ولكنها بالاستقراء تستخلص، فهل ما نستخلصه ونستنتجه من القرآن والسنة يعد فلسفة؟ . إنه في ضوء ما تقدم من هذا البحث يكون الجواب بالنفي، وذلك لما تم إيضاحه عن معنى ومدلول وهدف الفلسفة الذي يتعارض مع الإسلام.
المثال الثالث:
يقول نص المثال الثالث: طالما أننا نعيش في مجتمع عربي مسلم فلابد أن يكون لنا فلسفة تربوية تستقى من شريعتنا الإسلامية السمحاء ومن تراثنا، ومن واقعنا المعاصر ومن تطلعاتنا المستقبلية 2.
يتضح من النص أنه يريد أن تستمد هذه الفلسفة من الشريعة والتراث، وليس كل تراثنا سليماً صحيحاً نقياً، فالفرق التي خرجت بمفاهيم مخالفة للإسلام، لا تمثل تراثاً صحيحاً يعتمد عليه، وإن كانت عربية؛ ولذلك فالدعوة
1 عبد الجواد سيد بكر، فلسفة التربية الإسلامية في الحديث الشريف، الطبعة الأولى، دار الفكر العربي، 1983، ص (105) .
2 لطفي بركات أحمد، فلسفة تربوية عربية، دار المريخ، الرياض 1403، ص (29ـ30) .
الإسلامية أقوى وأعم من النزعة العربية للتراث، فتلك الأخطاء جلبتها الاتجاهات الفلسفية؛ لأنها تخرج الشخص من الصواب إلى الخطأ.
المثال الرابع:
يقول نص المثال الرابع: أما الفلسفة الإسلامية فنرى أنها تفسح المجال للتأمل في الإنسان والكون والحياة، وتتفاعل مع الواقع بكل أدوات البحث والتجريب والتعليل من أجل الوصول إلى نظريات وتصورات وقوانين، وأن واجب الفيلسوف المسلم يملي عليه الانطلاق من القرآن في وضع تصوراته عن الكون والإنسان والحياة، والنتيجة التي يصل إليها المسلم من الفلسفة هي الحكمة 1.
ثم يؤكد النص التالي منهجية الفلسفة: أما المنهج الذي تلتزمه الفلسفة في كل أبحاثها فهو المنهج العقلي والبراهين التي تستند إليها في كل قضاياها وتقريراتها، براهين عقلية دقيقة محكمة، ولا فرق في هذا بين الفلسفة من ناحية وبين العلوم الرياضية والطبيعية من ناحية أخرى إلا في نصيب كل منهما في استخدام مناهج الاستدلال والاستقراء والتجريب، فإن الفلسفة أكثر اعتماداً على الاستدلال منها على الاستقراء والتجريب 2.
ويتضح من ذلك أن الفلسفة تعتمد على المنهج العقلي والبراهين العقلية، وهو ما ذهب إليه ابن الطفيل وغيره من المسلمين الذين تأثروا بالمنهج الفلسفي، والمنهج العقلي قاصر لا يستطيع أن يتوصل إلى جميع الحقائق من تلقاء نفسه، ولو كان له القدرة المطلقة لما احتاج الإنسان إلى الشرائع، فإن غاية العقل أن يدرك بالإجمال حسن ما أتى الشرع بتفصيله، أو قبحه، فيدركه العقل جملة،
1 أحمد على الفنيش، أصول التربية، مرجع سابق، ص (19) .
2 المرجع السابق، ص (20ـ21) .