المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: نماذج من الأخطاء والأخطار الفلسفية: - مصطلح فلسفة التربية في ضوء المنهج الإسلامي (دراسة نقدية)

[خالد بن حامد الحازمي]

الفصل: ‌أولا: نماذج من الأخطاء والأخطار الفلسفية:

‌المبحث الرابع: الفلسفة من منظور المنهج الإسلامي

‌أولاً: نماذج من الأخطاء والأخطار الفلسفية:

إن ولوج الفلسفة في المجتمعات، وشغف البعض بها، جعلهم يقعون في حبائلها، فجثمت أفكارها عليهم، الأمر الذي جعلهم منقادين لها، لا يرون إلا بعينها، ولا يسمعون إلا بأذنها، وجعلوها وسيلتهم للوصول إلى غاياتهم، ثم حاول البعض منهم أسلمت تلك المبادئ، فبدأت التأويلات والتفسيرات تطرق هذا الباب بسمومها القاتلة. وأصبحت تلك الأفكار تدرس في وسائط التربية، ووضعت لها المناهج التي احتوت على العديد من الأخطاء الفادحة التي لا تتفق مع العقيدة الإسلامية، لعدم توافق وتواءم الهدى مع الضلال، والحق مع الباطل.

ومبادئ الضلال لها تأثيرها الفاسد على الفكر البشري، كونها تتنافر مع العقيدة الإسلامية الصافية؛ ولذلك لم تنسجم معها، وحصلت أخطاء جسام عند من حاول إدخال الفلسفة على الإسلام، وهذه نماذج توضح ذلك:

يرى ابن مسكويه: أن الإنسان نفسه لا يزال يترقى ويزداد ذكاء، وصحة في التفكير وجودة في الحكم حتى يبلغ الأفق الأعلى الذي يتعرض به لإحدى منزلتين، إما أن يديم النظر في الموجودات ليتناول حقائقها فتلوح له الأمور الإلهية. وإما أن تأتيه تلك الأمور من الله تعالى من غير سعي منه، وصاحب المنزلة الأولى هو (الفيلسوف) وصاحب المنزلة الثانية هو النبي الذي يتلقى فيضاً من الله تعالى، فإذا التقى من وصل من أسفل بالتفلسف ومن تلقى من أعلى بالفيض اتفق رأيهما وصدق أحدهما الآخر بالضرورة لاتفاقهما في تلك الحقائق 1.

1 نديم الجسر، قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن، مرجع سابق، ص (64) ، وكتاب تهذيب الأخلاق لابن مسكويه، ص (60) .

ص: 333

ويتبين من ذلك فداحة الخطأ الذي جعل ابن مسكويه يعبر عن تصوراته بأسلوب اليونان، فيجعل من مداومة التفكير وملازمته والنظر في الموجودات ما قد يصل بالإنسان إلى درجة (النبي) ؛ لأنه قد لاحت له الأمور الإلهية، بل في المنزلة الأولى، وهذا يعني لو قال شخص: أنا طبقت ما قاله ابن مسكويه ولاحت لي الأمور الإلهية وأرى أن تعملوا كذا وكذا وتمتنعوا من كذا وكذا، وأنتم على خطأ في كذا وكذا وعلى صواب في كذا، وفهمت من الرسالة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم كذا، وأنتم في هذا على خطأ ـ والعياذ بالله ـ فإنه ينبغي أن يصدق حسب ما قاله ابن مسكويه.

ونجد أن الذي حدا بابن مسكوية إلى هذا الخطأ أخذه بفلسفة اليونان الضالة التي تترك للعقل خياله وعنانه دون قيود شرعية. قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} 1.

إن تكافؤ النبي والفيلسوف من حيث المعرفة والمرتبة لا يوافق عليه أهل أي دين فضلاً عن أنه يمهد السبيل منطقياً إلى القول باكتساب النبوة، وفتح بابها لجميع الناس، وهذا يتناقض أساساً مع المبدأ القائل بأن النبوة اختصاص واصطفاء إلهي لأنفس مخصوصة للقيام بمهمة الهداية والإرشاد وتبليغ الأوامر، وليست راجعة إلى شخصية النبي أو الدرجة العلمية التي يحصل عليها 2.

ومن صور إلصاق الفلسفة بالإسلام استخدام هذا المصطلح دون مضمونه وما يرمز إليه من معانٍ ودلالات، تحت اسم: فلسفة التربية، والفلسفة الإسلامية للتربية، والأصول الإسلامية لفلسفة التربية، وقد تستخدم بمعنى وجهة النظر الإسلامية، ولكن الحقيقة إنّه لا حاجة لهذا المصطلح البتة؛ لأنه يحمل في طياته

1 سورة القصص، آية رقم (50) .

2 محمد عبد الله عفيفي، النظرية الخلقية عند ابن تيمية، الطبعة الأولى، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، عام 1988م، ص (119ـ120) .

ص: 334

معانٍ ودلالات سبق إيضاحها في معنى الفلسفة.

ونتيجة لاستخدام هذا المصطلح وقع البعض في أخطاء أحسب أنها غير مقصودة، وإنما هي نتيجة التقليد، ومن ذلك النّصان التاليان:

1-

“إن الفلسفة إما إلهية أرسلها الله تعالى إلى عباده أو وضعية”1.

2-

“إننا في خضم الأخذ والاقتباس من فلسفات اجتماعية متعددة، منها ما هي فلسفات سماوية ومنها الوضعية” 2.

وفي هذين النصين إشارة إلى أن هناك فلسفة إلهية، ولو كانت الفلسفة إلهية لما وجد فيها تعارض وتناقض، ولكنها من صنع البشر ابتدعوها فاختلفوا فيها. قال تعالى:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} 3. فالقول بأن الفلسفة إلهية باطل غير صحيح، ويخشى أن يؤدي هذا إلى تفسير الوحي المنزل على أنه فلسفة، وهذا ما لا يرضى به مسلم.

كما أن هناك من يقحم مصطلح الفلسفة في عناوين المصنفات والرسائل العلمية دون استخدام المضمون ودلالات هذا المصطلح مثل كتاب: فلسفة التربية الإسلامية في القرآن الكريم 4.

وفلسفة التربية الإسلامية في الحديث الشريف 5، والقارئ للكتابين يجد أن محتوياتهما بعيدة عن الفلسفة 6. ويمكن أن تدرج تحت اسم: التربية الإسلامية

1 محمود السيد سلطان، الأهداف التربوية في إطار النظرية التربوية الإسلامية، دار الحسام، القاهرة، عام 1980، ص (62) .

2 المرجع السابق، ص (64) .

3 سورة النساء، آية رقم (82) .

4 للاطلاع راجع كتاب فلسفة التربية في القرآن الكريم، للدكتور علي خليل أبو العينين.

5 للاطلاع راجع كتاب فلسفة التربية في الحديث الشريف للدكتور عبد الجواد سيد بكر.

6 وأعتقد أن مؤلفي الكتابين يقصدان بذلك خدمة التربية الإسلامية، وليس الإساءة، ولكن في نظري استخدام هذين المصطلحين لهما تأثير سيئ.

ص: 335

في القرآن الكريم، والتربية الإسلامية في الحديث الشريف.

لأنه يفهم من العنوانين السابقين أن هناك فلسفة في القرآن الكريم وفي الحديث الشريف، وحيث إن الفلسفة لا تصدر إلا من فليسوف، فقد يؤدي هذا إلى القول بما قاله ابن مسكويه.

وهذا ما يتطلع إليه أعداء الإسلام، وحاشا للمصطفى صلى الله عليه وسلم أن يكون كذلك، إنه لا ينطق عن الهوى. قال تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} 1. وقال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} 2. وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 3. وهذا دليل على أميته وعدم معرفته للقراءة والكتابة وقد أتى بتشريع تحدى به البشرية، ولو كان فلسفة لأتى بمثله ممن أتى من بعده، وأنّى لهم ذلك.

والمؤلفان ـ وفقهما الله تعالى ـ لا يقصدان ذلك، بل المراد خدمة السنة المطهرة بهذين المصنفين العلميين، ولكن العنوان تقليد لما هو سائد من إدخال مصطلح الفلسفة في المجال العلمي؛ ولذلك تأثيره السيئ.

وقد ذكر أحد المهتمين بمجال التربية الإسلامية، وأشرفوا على عدد من الرسائل العلمية: أنه ممن اقتحموا مجال التربية الإسلامية بلا أساس ديني، حيث يقول: “أعتقد أنني وقعت في كثير من أخطاء من سلكوا نفس طريقي سواء فيما كتبت في هذا المجال (التربية الإسلامية) وهو كثير، وفيما أشرفت عليه من رسائل علمية، ولكني أعتقد أنني كنت أحاول دائماً أن أتعلم من خلال ما أسمع وما أناقش وما أقرأ” ويقول أيضاً “وقد كنت واحداً ممن اقتحموا مجال التربية

1 سورة النجم، آية رقم (3ـ4) .

2 سورة العنكبوت، آية رقم (48) .

3 سورة الشورى، آية رقم (53) .

ص: 336

الإسلامية بلا أساس دين” 1.

وقد يكون ذلك سبباً في وقوع بعض الرسائل العلمية في مثل هذه الأخطاء، كما يدلل هذا على أن البعض يحاول أن يخدم مجال التربية الإسلامية فيقع في خطأ غير مقصود، وبالتالي يسهم في تحقيق رغبات الأعداء وتطلعاتهم الحاقدة على الإسلام.

وقد كتب الدكتور ماجد عرسان الكيلاني مؤلفاً باسم (فلسفة التربية الإسلامية)2. ومعظم الكتاب يتحدث عن علاقة الإنسان بالخالق وبالكون والحياة، وما بعد الحياة، وعلاقة الإنسان بالإنسان، والمطلع على الكتاب يجد أن كل ما جاء في الكتاب لا يمكن أن يخضع للفلسفة البتة، وليس له علاقة بها، غير أن الدارج هو إضفاء مصطلح الفلسفة على المصنفات التربوية وغيرها.

وقد انتقد أحد الغربيين وهو (دي جي. أوكونور) مصطلح الفلسفة، حيث يقول: والحقيقة أننا ننظر نظرة نقدية لاستعمالات عبارات مثل: (فلسفة التربية) أو (الأساس الفلسفي للتربية) أو (المسلمات الفلسفية للنظرية التربوية) وغيرها من العبارات المتشابهة، فإنه يتضح لنا أن مثل هذه العبارات ليست أكثر من عناوين غامضة ورنانة، لكلام كثير ومتنوع، ومن الممكن عدم استخدام مثل هذه العبارات دون ضرر إذا أردنا الصراحة والوضوح في الحديث 3.

إضافة إلى أن الفلسفة عندما تعالج طبيعة الإنسان وعلاقته بالكون تبدأ بمقدمات نظرية، ثم تبني أراءها على الاستنتاجات المشتقة من المقدمات، أما

1 عبد الغني عبود، التربية الإسلامية، الطبعة الأولى، دار العربي، 1982، ص (29) .

2 ماجد عرسان الكيلاني، فلسفة التربية الإسلامية الطبعة الأولى، مكتبة المنارة، مكة المكرمة، عام 1987هـ.

3 دي. جي. أوكونور، مقدمة في فلسفة التربية، ترجمة محمد سيف الدين فهمي، القاهرة الحديثة للطباعة، القاهرة، عام 1972م، ص (9) .

ص: 337