الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الغزو التربوي
أساليب الغزو التربوي:
يعتبر الغزو التربوي أمضى سلاح تخترق به عقول الأمم وصفوفها؛ وذلك أنه يسير بأبطأ الخطوات، وأقوى المؤثرات، بصور شتى وأساليب متعددة.
والأمة الإسلامية محط الأنظار؛ لأنها محسودة بما أنعم الله تعالى عليها من نعمة الإسلام. قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} 1.
ولما ضعفت الأمة في عصورها المتأخرة، وظهر بريق الحضارة الغربية المادية في الجوانب التقنية، ظهر التأثير والتأثر بخطى سريعة وبأساليب متنوعة، أهمها:
1-
مدارس الإرساليات التي انتشرت في مختلف أجزاء العالم الإسلامي بحجة أنها مدارس للنشء الأجنبي. ومن ثم امتدت إلى الجامعات سالكة في ذلك خطين: خط الإرساليات البروتستانتية الأمريكية، وخط الإرساليات الكاثوليكية الفرنسية، وقد بدأت هذه المدارس دينية صرفة، ثم تحولت إلى علمانية نتيجة تحول التعليم الغربي نفسه بعد الثورة الفرنسية من ديني إلى علماني2.
2-
والأسلوب الثاني ما يقدمه الغرب للمسلمين من نماذج حضارية براقة مشوقة بالإغراء من خلال السينما والمسرح والصحافة والأفلام التلفزيونية والقصص الانحرافية المبتذلة، ومن خلال الأزياء وبيوت عرضها، ومجلات لنشرها. إضافة إلى الاحتكاكات الثقافية التي تتيح الفرص أمام الشباب بل تغريهم بمسايرة حياة المجون الأوربية.
1 سورة البقرة، آية رقم (109) .
2 أنور الجندي، التربية وبناء الأجيال، الطبعة الأولى ـ دار الكتب اللبناني، بيروت، عام 1975، ص (28) .
ولقد نجح الغرب في تكوين مجموعة متخصصة من أبناء البلاد الإسلامية تتبنى الأنموذج الغربي بما تحويه من قيم هدامة لقيمنا الإسلامية، كما نجح في غزو الإطار التربوي وتبنى بعض أبناء الإسلام هذا الغزو عن غير وعي لمغبة هذا الأمر1 مثل: ترجمة الكتب التي تحمل نظريات ومبادئ مخالفة للإسلام، ونقل الأفكار وتبادلها بمختلف الأساليب المؤثرة.
3-
والأسلوب الثالث، هو استغلال الشباب المسلم الذي انبهر ببريق الحضارة الغربية باعتبار أنها تمثل المنهج السليم للرقي والتقدم كما تصورها.
فلقد وجدت هذه المرحلة من تاريخ المجتمع الإسلامي إقبالاً على الفلسفات والمذاهب والعقائد التي حملها الغزو الأوربي الاستعماري والحضاري، ووجدت حتى من أبناء المجتمع الإسلامي من يعينها ويعضدها للدخول إلى المجتمع المسلم، بل أوجدت من يكون جندياً في صفوفها 2.
وفي تتبع أساليبهم التربوية إضلال للفرد والمجتمع، قال تعالى:{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} 3.
ولكن ماذا لو أن خطراً تعليمياً أحدق بإحدى المجتمعات الغربية؟ فما هي ردة الفعل؟ .
إن التقرير المقدم من اللجنة الوطنية المكلفة بدراسة وسائل تحقيق التفوق والسبق في التعليم بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1983، يرى: (أنه لو قامت قوة معادية بفرض أداء تعليمي قليل الجودة على الشعب الأمريكي
1 محمود السيد سلطان، بحوث في التربية الإسلامية، دار المعارف، القاهرة، عام 1979، ص (42) .
2 محمد المبارك، المجتمع الإسلامي المعاصر، الطبعة الرابعة، دار الفكر، بيروت، عام 1979، ص (101) .
3 سورة الأنعام، آية رقم (116) .
لاعتبر ذلك مدعاة للحرب، ولكن ذلك يحدث الآن من خلالنا نحن الذين سمحنا به، لقد بددنا هدر المكاسب التي حصل عليها في رفع مستوى التحصيل التعليمي لطلابنا بعد التحدي الذي واجهناه بإطلاق القمر الصناعي (سبوتنك SPOT NECK) ، ولكن هذا التدني عمل بلا تفكير وعملية نزع لسلاح التعليم) 1.
لهذا شعرت الأمة الأمريكية بخطأ خططها ونظمها التعليمية، واعتبروها حرباً لو أنها فرضت عليهم فرضاً جبرياً من أمة من الأمم.
أما المسلمون فبالرغم من معرفتهم لمنابع الخطر إلا أن جانب التقليد قد أخذ نصيبه، حيث ظهرت المحاكاة لهم في ملبسهم ومأكلهم ومشربهم.
والمشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة 2.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لتتّبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً، وذراعاً ذراعاً، حتى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم، قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ ” 3.
وقال صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع، فقيل، يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك” 4.
1 أمة معرضة للخطر، ترجمة وعرض، يوسف عبد المعطي، مكتب التربية العربي لدول الخليج، تقرير مقدم من اللجنة الوطنية المكلفة بدراسة وسائل تحقيق التفوق والسبق في التعليم بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1983، ص (12) .
2 ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، ص (221) .
3 البخاري (4/368) ، برقم (7320) .
4 البخاري (4/367) ، برقم (7319) .
قال ابن بطال في معنى ذلك: “أعلم صلى الله عليه وسلم أن أمته ستتبع المحدثات من الأمور والبدع والأهواء، كما وقع للأمم قبلهم، وقد أنذر في أحاديث كثيرة بأن الآخر شر، والساعة لا تقوم إلا على شرار الناس، وأن الدين إنما يبقى قائماً عند خاصة من الناس”1.
وفي هذا تحذير وتنبيه للأمة من الاستنان والاقتداء بالأمم في انحرافها وأهوائها.
ولعل أبرز دوافع الاستسلام للغزو التربوي الشعور بالعجز، أو النقص في بعض الجوانب، مما يدفع المرء إلى الاقتداء بمن يرى أنهم متفوقون في ذلك الجانب الذي أخفق فيه، وهذا يحدث على مستوى الأفراد وعلى مستوى المجتمعات 2.
كما أن ازدواجية الشعور بقدرة المنهج الإسلامي على الارتقاء بالأمة إلى أعلى مستويات التقدم مع الشعور والانبهار بتقدم الغرب وقدراته دون التفرقة بين السقيم والسليم يجعل المرء في فصام تربوي “بين إقرار وعدم تطبيق، واقتباس” فنقر للمنهج الإسلامي بالقدرة والاستطاعة على النهوض بالأمة كما نهض بأسلاف المسلمين عندما نهضوا به في قرونه الأولى مع عدم تطبيقه في مجالات الحياة، إضافة إلى الأخذ عن الغرب دون دراسة واعية مصححة على معايير الإسلام.
مما يجعل الاستفادة من تقنيات الغرب يكترثها شيء من التأثر في الجوانب الأخرى، الأمر الذي يؤكد أهمية إيلاء هذا الجانب عناية من المؤسسات التربوية على مستوى الأمة والأفراد، بما يحصر الاستفادة في الجوانب التقنية دون امتداد تبعاتها على الجوانب الفكرية والعقدية والأخلاقية للأمة.
1 ابن حجر، فتح الباري (13/301) .
2 خالد بن حامد الحازمي، أصول التربية الإسلامية، ص (385) .