الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- إن الذكر هو: النبي وأرادو بذلك تأويل آية {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر 9) . حسب – رأيهم.
- إذا اشتبه المعنى،فطريق التوضيح استعمال اللفظ، كما فعلنا بلفظ " عصر" و "آلاء" والنظر في أصله واستعماله في أخوات العربية كالعبرانية والسيريانية.
- ربما يراد من اللفظ معنى أعم مما يستعمل فيه عادة ويسمونه " التجريد وربما يراد منه معنى أخص مما تستعمل فيه عادة أما الأول فقوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} (الأعراف: 154) أي: هدأ وسكن.
- وأما معجم ألفاظ القرآن الكريم الذي أصدره مجمع اللغة العربية، فلم يعتمد أصولاً معينة متفقاً عليها، وذلك ظاهر من مقدمة الكتاب حيث كانت تعرض خطط وتقدم اقتراحات، ثم لا يوافق عليها، ويتم تجاوزها، ومن ثم فلا نستطيع أن نقول إن هناك خطة محكمة قامت عليها دراسة المفردات في هذا المعجم.
ومن كل ما سبق نستطيع أن نقرر بأن ما جاء في مقدمة الراغب وما جاء عند الفراهي في مقدماته هو الأغنى من كل تلك الكتب التي تحدثنا عنها.
موازنة بين المعاجم الخمسة في دراسة بعض المفردات:
كلمة آلاء:
- قال الراغب: "فاذكروا آلاء الله " أي: نعمه – الواحد، ألا و " إلى " نحو " أنىً " و " إنىً" لواحد الآناء.وقال بعضهم في قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة: 22-23) إن معناه: إلى نعمة ربها منتظرة. وفي هذا تعسف من حيث البلاغة.
- وقال السمين: والآلاء: النعم. واحدها: إلى"كمعى "و" ألىً " كـ " رحىً" و " إلى" كهجر و " إليْ" كفِلْس قال تعالى: {فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ} أي: نعمه الظاهرة والباطنة وإليه الإشارة بقوله: " وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة" – قرئ بالإفراد والجمع – وقوله {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} معناه: أن كل نعمة من نعمه وإن قلت بالنسبة إلى فضله العميم فلا ينبغي أن تكفر بل تشكر. ثم نقل ما أورده الراغب في {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} .
- وأما الفيروز آبادي فلم يذكر الكلمة أصلاً.
وأما الفراهي فقد قال: أجمعوا أن معناه: النِّعم. ولكن القرآن وأشعار العرب يأباه والظاهر أن معناه: الفعال العجيبة – فارسيته: كرشمة – ولما كان غلب فعاله تعالى " الرحمة" طنّوا أن الآلاء هي النعم. والرواية عن ابن عباس – رضي الله عنه – حملتهم على هذا، ولكن السلف إذا سئلوا أجابوا حسب السؤال، والمراد المخصوص في الموضع المسؤول عنه. وهذا
- الظن فتح لهم نفذاً إلى تبديل معنى " إلى " في قوله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فقالوا: إن " إلى " واحد " الآلاء" وليس في كلام العرب له مثال ولكنهم زعموا أن الأعمش (1) أراد هذا في قوله:
أبيضُ لايرهَبُ الهُزالَ
…
ولا يَقْطَعُ رُحْماً ولا يخون إلا
قال ابن دريد: وقد خففت العرب " الألّ ".
أما القرآن: فقوله تعالى {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} (النجم 55-56) بعد ذكر هلاك الأقوام – وهكذا في سورة الرحمن.
وأما كلام العرب:
فقال طرفة (2) :
كاملٍ يحملُ آلاءَ الفتى
…
نَبِهٍ سيِّدِ ساداتٍ خِضَمْ
وقالت مية (3) بنت ضرار ترثي أخاها:
كريمٍ ثناهُ وآلاؤه
…
وكافي العشيرةِ ما غالها
وقال المهلهل أخو كليب يرثي أخاه كليباً:
الحزم والعزم كانا من طبائعه
…
ما كل آلائه يا قوم أحصيها
وقال ربيعة (4) بن مقروم أحد بني غيظ بن السيد:
ولولا فوارسنا ما دَعَت
…
بذات السُّلَيم تميم تميماً
(1) ديوان الأعمش: 175 – بتحقيق كامل سليمان.
(2)
ديوان طرفه بشرح الشنتمري: 110.
(3)
شاعرات العرب: ص 400، جمع عبد البديع صقر.
(4)
شرح المفضليات للتبريزي: 2/681-682.
وما إن لأوئبها أن أعدَّ
…
مآثر قومي ولا أن ألوما
ولكن أذكر آلاءنا
…
حديثاً وما كان منا قديما
- معنى " لأوئبها: لأخزيها والضمير يعود على تميم.
وقال الأجدع الهمداني:
ورضيت آلاء الكُمَيْتِ فمن
…
يُبِعْ (1) فرَساً فليسَ جوادُنا بمباعِ
قال الجوهري في هذا الشعر: آلاؤه: خصاله الجميلة ولكنه لم يثبت على هذا المعنى الذي هو أصله فقال في مادة " الآلاء": والآلاء: النعم، واحدها: ألى " بالفتح وقد يكسر ويكتب بالياء، مثل مِعىً وأمعاء. فاتبع ما فهم المفسرون عن ابن عباس رضي الله عنه.
وقال فضالة بن زيد العدواني – وهو من المعمرين:
وفي الفقر ذلّ للرقاب وقلّ ما
…
رأيت فقيراً غير نكس مذمّم
يلام وإن كان الصوابُ بكفِّه
…
ويحمد آلاء البخيل المدرهم
أي: يحمدون صفات البخيل وفعاله، وهذا البيت أوضح دلالة مما ذكرنا قبله على معنى الآلاء وقال الحماسي (2) في المراثي- ولم يسمه أبو تمام:
إذا ما امرؤ أثنى بآلاء ميتٍ
…
فلا يُبْعِدِ اللهُ الوليدَ بن أدهما
فما كان مفراحاً إذا الخيرُ مسَّه
…
ولا كان مناناً إذا هو أنعما
(1) قال الفراء: تقول: أبَعْتَ الخيل: إذا أردت أنك أمسكتها للتجارة والبيع. فإن أردت أنك أخرجتها من يدك. قلت: بعتها: والبيت في أدب الكاتب: 1/343 وإصلاح المنطق: 1/235.
(2)
الحماسة: 1/383.
ففسّر ما أراد من الآلاء، بذكر أنه لم يكن مفراحاً إذا مسه الخير، ولا مناناً إذا أنعم.
وقالت الخنساء:
فنبكي أخاك لآلائه
…
إذا المجدُ ضيَّعه السائسونا
أما معجم المجمع فقد قال: آلاء: نعم.
وبالموازنة بين الأقوال السابقة يتبين ما يلي:
- الاختصار في قول الراغب ورده على المعتزلة بقوله: وهذا تعسف من حيث البلاغة.
- الزيادة التي أضافها السمين لم تكن إلا في ذكر بعض الآيات التي لم يذكرها الراغب.
- وأما الفيروزأبادي فلم يذكر الكلمة أصلاً.
- وكذلك معجم المجمع لم يذكر إلا كلمة واحدة وهي" نِعَم ".
أما التحقيق والتأصيل والتدقيق فهو ما لجأ إليه الفراهي ولابد أن الذي دفع الفراهي إلى هذه الدراسة شعوره بأن المعنى المعروف ليس دقيقاً، وبخاصة حينما ينظر إليه في تفسير الآية القرآنية كما في قوله تعالى في سورة " الرحمن":{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (الرحمن: 35-36) فأين النعمة في إرسال الشواظ من النار؟ وهذا ما اضطر كثيراً من المفسرين إلى التعسف في التأويل،
- ومن ثم كان التحقيق بالرجوع إلى الشعر الجاهلي لاستنقاذ أصل المعنى بعد أن كاد ينسى.
كلمة درس:
-قال الراغب: درس الدارُ: معناه: بقي أثرها وبقاء الأثر يقتضي انمحاءه في نفسه، فلذلك فُسِّر الدروس بالانمحاء، وكذا درسَ الكتابُ ودرست العلم: تناولت أثره بالحفظ، ولما كان تناول ذلك بمداومة القراءة عبّر عن إدامة القراءة بالدرس، قال تعالى {وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} وقال:{بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} و {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا} وقوله تعالى {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} وقرئ " دارست" أي: جاريت أهل الكتاب وقيل {وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} تركوا العمل به، من قولهم: درس القومُ المكان، أي: أبلوا أثره" ودرست المرأة كناية عن حاضت. ودرس البعير: صار فيه أثر جرب.
- أما السمين، فلم يذكر الكلمة أصلاً.
- وأما الفيروز أبادي فيقول: درس الشيء: معناه بقي أثره، ومنه درس الكتاب، ودرست العلم أي: تناولت أثره بالحفظ، ولما كان تناول ذلك بمداومة القرآن عبر عن إقامة القرآن بالدرس، وقوله تعالى {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} أي: جاريت أهل الكتاب في القراءة وقيل: درسوا ما فيه أي: تركوا العمل به، من قولهم: درس القوم المكان أي: أبلوا أثره ودرست المرأة: كناية عن حاضت، ودرس البعير: صار فيه أثر الجرب.
- أما معجم المجمع فقد جاء فيه: درستَ: كررت القراءة لتحفظ "وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست".
درسوا: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} (الأعراف: 169)
تدرسون: {ِبمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} (آل عمران: 79) .
تدرسون: تقرؤون: {أم لكم كتاب فيه تدرسون} (ن: 37) .
يدرسونها: {وما آتيناهم من كتب يدرسونها} (سبأ: 44) .
دراستهم: {وإن كنا عن دراستهم لغافلين} (الأنعام: 156) .
وأما الفراهي الهندي فيقول:
درس: هذا اللفظ يوجد كثيراً في كلام العرب في معنى "البلى" وأمافي معنى القراءة " كما يفهمون من استعمال القرآن حيث جاء {أم لكم كتاب فيه تدرسون} فلا يوجد له مثال.وزعم بعض من غير المسلمين أن هذا اللفظ أخذه النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود، وزاده في لغة العرب. وهذا بعيد، فإن النبي كيف يكلم قوماً بلغتهم، ثم يزيد فيه ما ليس منه؟ والقرآن يصرح بأنه عربي مبين، فلا يكون فيه إلا ما عرفته العرب.
فاعلم أن الدرس في معنى "البلى "مجاز. وأصله الحكُّ والمَشْقُ، ومنه للخط. قال أبو داود:
ونوء أضر به السافياء
…
كدرس من النون حين امحى
أي: كخط النون. وشكل النون في الخط العربي القديم هكذا ن فشبه أمواج الرمل بهذا الشكل وقد شبه عنترة (1) الحاجب بالنون في قوله:
لَهُ حاجبٌ كالنون فوق جفونه
…
وثغرٌ كزهرِ الأقحوانِ مفلَّجُ
ومنه: كثرة الاشتغال بالقراءة. وهذا يتضح من استعمال هذه الكلمة في كلتا اللغتين: العربية والعبرانية.
ومن أصل المعنى: الدرس: للْجَرَبِ والحِكَّة، والمدروس: الفراشُ الموطّأ والدرس: للأكل الشديد. ومنه: درس الطعام: درس: قال ابن ميادة:
هلا اشتريت حنطة بالرستاق
…
سمراء مما درس ابن مخراق
ودرس الصعب حتى راضه ودرست الكتاب بكثرة القراءة حتى خفَّ حفظه فالدرس: كثرة القراءة. ومعنى الكلمة في العبرية: اختص بالقراءة. وأما في العربية فبقيت الكلمة على السعة وأقرب إلى الأصل إذ جاءت لكثرة القراءة لا للقراءة، كمال قال تعالى {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} أي: بالغت في قراءتك عليهم. وأما أنها لا توجد في هذا المعنى في أشعار العرب، فذلك لأن للشعر مجاري محدودة ومعاني خاصة فقلما يذكرون القراءة فضلاً عن إكثارها.
وبعد النظر في هذه النصوص نرى أن الراغب اضطر لشيء من التكلف في محاولة التعبير عن مناسبات تصريف الكلمة وتعليلها كما نرى أن الفيروز أبادي كرر كلام الراغب بعينه باستثناء بعض الكلمات وأما معجم المجمع فلم يزد على قوله " درستَ" كررت القراءة لتحفظ، واستعراض الآيات القرآنية.
(1) شرح ديوان العنترة للخطيب التبريزي: ص 41.
أما الفراهي فقد رجع إلى الشعر الجاهلي يستنطقه، كما رجع إلى العبرية أخت العربية ليتبين له الأصل الذي ترجع إليه الكلمة، ومن ثم وصل إلى حقيقة المعنى، على حين وقف السابقون عند المجاز ولم يجاوزوه.
وأما عمدة الحفاظ فلم يعرض للكلمة أصلاً، علماً أن يأخذ على الراغب عدم ذكره بعض الكلمات.
كلمة صغو
قال الراغب: الصغو: الميل، يقال: صغت النجوم والشمس صغواً: مالت للغروب. وصغيت الإناء، وأصغيته، وأصغيت إلى فلان: ملت بسمعي نحوه، قال تعالى:{وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} (الأنعام: 113) وحكي: صغوت إليه أصغو، وأصغى صَغْياً وصُغياً. وقيل: صَغَيْتُ أصغى، وأَصْغَيتُ أُصْغِي. وصاغية الرجل: الذين يميلون إليه وفلان مُصْغىً إناؤه: أي: منقوص حظه وقد يكنى به عن الهلاك. وعينه صغواء إلى كذا والصغى: مَيْل في الحنك والعين.
وقال السمين: قوله تعالى {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ} أي: ولتميل إليه قلوب والصغو: الميل، يقال: صغت الشمس والنجوم صغواً: مالت للغروب وصغيت الإناء وأصغيته: أملته وقد أصغيت إلى فلان بسمعي نحوه، وحكي صغواً وصغيت أيضاً وأصغيت أصغي وصاغية الرجل: الذين يميلون إليه، ويكنى بذلك عن قلة الحظ، فيقال: فلان مصغي إناؤه. وقد يكنى به عن الهلاك أيضاً. وفي الحديث " يحفظني في صاغيتي بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة " أي: خاصته والمائلون إليه. وعين صغواء إلى كذا أي: مائلة
والصغي: ميل في الحنك والعين. وفيه أيضاً " وكان يصغي لها الإناء" أي: يميله ويقال: صغى يصغي، وصغى يصغي. فالمادة يجوز أن تكون من الواو ومن الياء، لأنه قد سمع فيها الحرفان وقد ذكر الراغب اللغتين. ولم يذكرهما الهروي إلا في مادة الياء.
وقال الفيروزأبادي: صغوت إلى فلان. وصغا فؤادي إليه: مال. وصغوي معه. وصغت النجوم للغروب، وهنّ صواغٍ. وأصغى الإناء للهرة. وأصغى إلى حديثه: مال بسمعه إليه. ورجل أصغى، وقد صغي. وهو ميل في الحنك وإحدى الشفتين. وأقام صغاه: ميله. ويقال: من عرض له فلّ صغاه وأقام صغاه. ويقال: الصغا في الأديان أقبح من الشفا في الأسنان وصاغية الرجل: قومه لما يميلون إليه.
وقال في معجم المجمع: صغت القلوب أو الأفئدة: مالت {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (التحريم: 4) لتصغى {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} .
وقال الفراهي: " الصغو" في جميع الألسنة ولا سيما في لغة العرب ألفاظ خاصة لأفراد خاصة تحت معنى كلِّي. والذهول عن هذه الخصوصيات مبعد عن فهم اللسان.
مثلاً: الميل: معنى كلي. ثم تحته: الزيغ، والجور، والارعواء، والحيادة، والتنحي، والانحراف. كلها للميل عن الشيء والفيء والتوبة، والالتفات والصغو كلها للميل إلى الشيء؛ فمن خبط بينهما ضل وأضل.
فلا يخفى على العالم بلسان العرب أن " الصغو " هو الميل إلى الشيء لا عن الشيء. ومنه صاغية الرجل: لأتباعه وصغوه معك: أي: ميله وأصغيت إلى فلان: أي: ملت بسمعك نحوه. ومنه الحديث: ينفح في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً، أي: أمال صفحة عنقه إليه، وقالوا: الصبي: أعلم بمصغى خده، أي: هو أعلم إلى من يلجأ أو حيث ينفعه. ومنه صغت الشمس والنجوم، أي: مالت إلى الأرض وفي حديث الهرة: " كان يصغي لها الإناء" أي: يميله ليسهل عليها الشرب. ومن ذلك لجوف الإناء لما يجتمع فيه المشروب أنشد ابن بري شاهداً على الإصغاء بالسمع لشاعر:
ترى السفيه به عن كل مكرمة
…
زيغ فيه إلى التسفيه إصغاء
وقال ذو الرمة يصف الناقة:
تصغى إذا شدها بالكور جانحة
…
حتى إذا ما استوى في غرزها تثب
وقال الأعشى في صغو العين يصف كلباً:
ترى عينها صغواء في جنب مؤقها
…
تراقب كفي والقطيع المحرما
وقال النمر بن تولب في إصغاء الإناء بمعنى الإفراغ:
وإن ابن أخت القوم مصغىً إناؤه
…
إذا لم يزاحم خاله باب جلد
كلمة الطوفان:
- قال الراغب: " والطوفان ": كل حادثة تحيط بالإنسان. وعلى ذلك قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ} وصار متعارفاً في الماء المتناهي في الكثرة لأجل أن الحادثة التي نالت قوم نوح كانت ماء. قال تعالى: {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ} .
- وقال السمين: قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ} : قيل: هو السَّيل المفرق. وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه فسّره بالموت". قال بعضهم: "الطوفان من كل شيء: ما كان مطبقاً بالجماعة كالموت الجارف والغرق الشامل والقتل الذريع. وقال آخرون: الطوفان: كل حادثة تحيط بالإنسان وصار متعارفاً في الماء المتناهي في الكثرة لأجل أن الحادثة التي نالت قوم نوح عليه الصلاة والسلام كانت ماء".
- وقال الفيروز أبادي: " الطوفان: المطر الغالب، والماء الغالب يغلب كل شيء قال تعالى:{فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ} وقيل: هو الموت الذريع الجارف. وقيل: السيل. وقيل: القتل الذريع وقيل: الطوفان من كل شيء: ما كان كثيراً مطيفاً بالجماعة. وقيل: كل حادثة تحيط بالإنسان. ثم صار متعارفاً في الماء المتناهي في الكثرة.
وقال الأخفش الواحد – في القياس – طوفانة. وأنشد:
غيّر الجدة من آياتها
…
خُرُق الريح وطوفان المطر
وجاء في معجم المجمع الطوفان: السيل العظيم"
وقال الفراهي: " الطوفان: إعصار مستدير يصحبه المطر وفوران الماء. ويسمى في الرومية " سايكلون " أي: الريح الدوّارة. وفي الفارسية: كردباء (الريح المدورة) وفي الهندية (بكولا) : دائرة الريح. وكان المصريون يزعمون بإله للريح الشديد يسمونه: " طائفون" وهكذا كان طوفان نوح عليه السلام كما وصف في القرآن: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ
السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} قال الراعي يصف الناقة:
تمسي إذا العيس أدركنا نكاثتها
…
خرقاء يعتادها الطوفان والزود
هذا ما ذكره الفراهي في كتابه " مفردات القرآن " وفي تفسيره لسورة الذاريات قدم شرحاً أوفى حين قال: " ومن خاصة هذه الريح شدة المطر وفوران الماء من البحر، وقد شاهدنا ذلك من طوفان جاء من مشرق بحر الهند إلى مغربه – وحينئذ كنت في مدينة كراجي – فأنزل مطراً شديداً وقذف السفن على الجبال، وفعل ما فعل. ويطابق ذلك ما جاء في تصوير طوفان نوح في القرآن والتوراة: قال تعالى في سورة القمر: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} .
وفي سفر التكوين: ص: 2 ف: 11." في ذلك اليوم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم، وانفتحت طاقات السماء " وفي سورة هود: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} ومن ركب البحر علم أن الأمواج كالجبال لا تنشأ إلا بريح شديدة وفي ذكر الأثر دلالة على المؤثر"
ومن خلال النظر في النقول المنقولة عن المعاجم الخمسة نخرج بالنتائج التالية:
يحاول الراغب تفسير " الطوفان" بما يتفق مع أصل الاشتقاق الذي هو " الطواف" وهو بمعنى الدوران. ومن ثم يعرف " الطوفان " بأنه: كل حادثة تحيط بالإنسان. فالإحاطة فيها معنى الدوران. ويستشهد على ذلك بالآية: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ} غير أن تعريف الراغب للطوفان
- بأنه كل حادثة تحيط بالإنسان تعريف عام يشمل أنواعاً كثيرة من الحوادث، ومن ثم اضطر الراغب لبيان كيفية انتقال المعنى من العموم الذي ذكره إلى الخصوص الذي وقع على قوم نوح، فقال:" وصار – أي الطوفان – متعارفاً في الماء المتناهي في الكثرة لأجل أن الحادثة التي نالت قوم نوح كانت ماء"
- أما السمين، فقد عدد أنواعاً مختلفة من العذاب شملت: " السيل المغرق، والموت الجارف، والقتل الذريع. كما نقل قول الراغب السابق، وذكر حديثاً يفسر الطوفان بالموت. وهو لا يعدو أن يكون قد شرح قول الراغب بشيء من التفصيل، ولكنه – على العموم- لم يرجح واحداً من الأنواع التي ذكرها، إلا إذا اعتبرنا مراعاة الترتيب تبعاً لقوة الأقوال. فيكون القول الأول الراجح عنده هو: السيل المغرق.
- كذلك الفيروز أبادي ذكر عدة أقوال في معنى الطوفان. فإذا اعتبرنا قوله الأول هو الراجح كان الطوفان: هو المطر الغالب، والماء الغالب يقلب كل شيء، ولاشك بأن التفسير بالغلبة من مستلزمات الإحاطة ولكنه ليس دقيقاً في معنى" الطوفان" المشتق أصلاً من"الطواف"بمعنى"الدوران ".
- واستشهاده بالشعر المتضمن لـ " طوفان المطر " لا يعني بالضرورة، المطر الغالب، ويمكن أن يقرب مما قاله الفراهي – كما سبق بيانه -.
- أما ما جاء في معجم المجمع من أن " الطوفان ": السيل العظيم، فلا يحتاج إلى تعليق؛ لأنه لم يعتمد على تأصيل لغوي.
- وأما ما ذكره الفراهي من أن الطوفان: إعصار مستدير يصحبه المطر وفوران الماء، فقد أكده بما ورد في عدة لغات من أن " الريح المدورة" أو " الريح الدوارة " أو " دائرة الريح" أو " طائفون " وكذلك من خلال وصف طوفان نوح عليه السلام في القرآن والتوراة وبذلك يكون قد وضع أيدينا على جذر المعنى وأصل الاشتقاق، الذي يفسر لنا هذا النوع الخاص من العذاب الذي عذب الله به قوم نوح، والذي لم يرد في القرآن إلا لقوم نوح عليه السلام بخلاف ما ذكره غير الفراهي من أنواع العذاب الأخرى فقد عذب بها أقوام عديدون، ومن ثم وصف عذاب قوم نوح بـ " الطوفان دون غيره لابد أن يكون خاصاً بنوع من العذاب اقتضى التعبير عنه بلفظ " الطوفان " كما أكد هذا المعنى بما رآه واقعاً من الطوفان الذي قدم لنا وصفه حينما كان في مدينة كراجي والذي جاء من مشرق بحر الهند إلى مغربه.
- وبهذا يكون الفراهي أكثر تحقيقاً في هذه الكلمة كل الذين عرضوا لها قبله.
- ويكون ما قاله الراغب: " وصار الطوفان – متعارفاً في الماء المتناهي في الكثرة لأجل أن الحادثة التي نالت قوم نوح كانت ماءً. انتقال من الحقيقة اللغوية إلى الحقيقة العرفية ولايمكن أن يحمَّل هذا المعنى إلى الحقيقة اللغوية بحيث تصبح جزءاً منه تفهم بمجرد التلفظ بـ " الطوفان "
أصل كلمة صلى:
قال الراغب: أصل " الصلي " إلايقاد بالنار، ويقال: صَلِيَ بالنار وبكذا، أي: بُلِيَ بها، واصطلى بها وصَلَيْتُ الشاة: شويتها، وهي مصليّة.قال تعالى:
{اصْلَوْهَا الْيَوْمَ} وقال: {يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى} {تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} {وَيَصْلَى سَعِيراً} .قال الخليل:
صَلِي الكافر النار: قاسى حرَّها وقيل: صَلِي النار: دخل فيها. وأصلاها غيره، قال:
فسوف نصليه ناراً والصلاة.قال كثير من أهل اللغة هي: الدعاء والتبريك والتمجيد. يقال: صليت عليه: أي: دعوت له وزكيت. وقال عليه السلام: " إذا دُعِيَ أحدكم إلى طعام فليجب، وإن كان صائماً فليصلِّ"، أي: ليدعُ لأهله: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} {يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} وصلوات الرسول".
وصلاة الله للمسلمين – هو في التحقيق -: تزكيته إياهم.وقال: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} ومن الملائكة: هي الدعاء والاستغفار، كما هي من الناس والصلاة التي هي العبادة المخصوصة: أصلها الدعاء، وسميت هذه العبادة بها كتسمية الشيء باسم بعض ما يتضمنه وقال بعضهم: أصل " الصلاة" من " الصَّلَى " قال: ومعنى " صَلَّى الرجل ": أنه ذاد وأزال عن نفسه بهذه العبادة " الصَّلَى " – الذي هو نار الله الموقدة – وبناء " صَلَّى " كبناء مرَّضَ لإزالة المرض..".
وقال السمين: (ص ل و) : قوله تعالى {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} .
الصلاة لغوية وشرعية: فاللغوية: الدعاء. قال الأعشى:
تقول بنتي وقد قرَّبت مرتحلاً
…
يا ربّ جنِّب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صلّيتِ فاغتمضي
…
نوماً فإن لجنب المرء مضطجعا
وقال آخر:
لها حارس لا يبرح الدهر ينهها
…
وإن ذبحت صلّى عليها وزمزما
وأما الشرعية: فذات الأركان المعلومة. وهي مشتقة من ذلك لأنها مشتملة على الدعاء..
وقيل: هي مشتقة من الصَّلَوين – عرقين – لأن المصلّي يحركهما عند حركته فيها. ومنه المصلِّي في حلبة السباق، لأنه يضع رأسه عند صَلَوي السابق
…
وقيل: هي مشتقة من الصِّلاء. وهو النار، لأنه إذا فعل هذه العبادة فقد درأ عن نفسه الصِّلاء وهذا مردود بأن تلك مادة أخرى كما سيأتي..
وقال السمين أيضاً: (صَلِيَ) : قوله تعالى: {لا يَصْلاهَا} : أي: لا يدخلها ويلاقي صلاها"
أما الفيروز أبادي: فقد أورد معظم كلام الراغب. وزاد في الاستشهاد بالآيات وبيان معنى الصلاة في كل آية.
وأما معجم المجمع فقال: "صلّى" أدى الصلاة " تُصَلِّ" تؤد صلاة الجنازة، وقيل: تدعو.
وأما الفراهي. فيقول: " الصلاة" – في الأصل -: الإقبال على شيء، ومنه الركوع، ومن التعظيم والتضرع والدعاء. وهي كلمة قديمة بمعنى الصلاة والعبادة: جاءت في الكلدانية بمعنى الدعاء والتضرع وفي العبرانية بمعنى الصلاة والركوع. ومن هذا الأصل: صَلِيَ النار: أقبل عليها ثم بمعنى: دخل
النار، كما قال تعالى:" {سَيَصْلَى نَاراً} وأيضاً: "{سَيَصْلَى نَاراً} ومنه التصلية، كما قال تعالى:{وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} واستعملت العرب كل ذلك"
ومن كل ما تقدم يبدو لنا أن معظم كلام الراغب قد ورد عند كل من السمين والفيروزأبادي، وأن الإضافات التي أضافها السمين تتصل ببعض الشواهد الشعرية التي أغفلها الراغب، كما أغفل بعض الأصول الاشتقاقية التي ذكرها كل من السمين والفيروزأبادي كالصَّلَوين وغيره.
وكذلك يلاحظ أن السمين ذكر " الصلاة" تحت مادة " ص ل و " وذكر " صَلِيَ النار" و " التَّصْلِيَة" تحت مادة " ص. ل. ي" فقد فرق بين المادتين فجعل الأولى من الواو، والثانية من الياء، وقد انفرد السمين بهذا.
جعل الراغب أصل الكلمة من " الصِّلى " بمعنى: الإيقاد بالنار ن ثم ذهب إلى معنى الدعاء والتبريك والتمجيد، ولكنه لم يبين لنا كيف تم الانتقال من معنى " الإيقاد بالنار" إلى معنى " الدعاء" علماً بأنه بعد أسطر أورد قول بعضهم من أن أصل " الصلاة " من " الصَّلَى" قال: ومعنى صلَّى الرجل: أنه ذاد وأزال عن نفسه بهذه العبادة " الصَّلَى " الذي هو نار الله الموقدة. وبناء "صلّى" كبناء " مَرَّضَ" لإزالة المرض، ولايبدو هذا التعليل على درجة من القوة تجعله يحظى بالقبول.
وأما ما ذهب إليه الفراهي من أن " الصلاة " – في الأصل -: الإقبال على شيء وأنها كلمة قديمة جاءت في الكلدانية بمعنى الدعاء والتضرع، وفي العبرانية بمعنى الصلاة والركوع، فإن هذا الأصل الاشتقاقي يدخل تحته كل
المعاني التي ذكرت للصلاة دون تكلف، وبهذا يكون هذا المعنى هو الجذر الحقيقي لبقية المعاني الأخر ومن ثم فهو الأصل الراجح.
كلمة العصر
قال الراغب: " العَصْرُ والعِصْر": الدهر. والجمع: العصور. قال: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} والعصر: العشي. وإذا قيل العصران " فقيل: الغداة والعشي وقيل: الليل والنهار، وذلك كالقمرين للشمس والقمر".
وقال السمين: قوله تعالى {وَالْعَصْرِ} أي: ورب العصر والعصر: الزمان. قال الشاعر:
وقد مر للدارين من بعد عصرنا
والجمع: أعصر، وعصور. قال الشاعر:
حَيُوا بعد ما ماتوا من الدهر أعصرا
والعصر أيضاً: وقت هذه الصلاة المعروفة بخصوصها لأنها فُعلت في وقت. واللغة ليست بقياس وتسمى كل صلاة عصراً. والعصران قيل: الليل والنهار. وقيل: الغداة والعشي"
وقال الفيروز أبادي:
((العصر: الدهر والجمع: عصور وأعصار وقد ورد بمعنى الدهر أو صلاة العصر {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} والعصران: صلاة الغداة والعشي. وقيل: الليل والنهار كالقمرين للشمس والقمر.
وقال معجم المجمع: العصر: الدهر {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}
وقال الفراهي: " العصر " الزمان الماضي.
و" العصر" آخر النهار – كما قال الحارث بن حلزة (1) في معلقته:
آنَسَتْ نَبْأَةً وَأَفْزَعَها
…
القُنَّاصُ عَصْراً وقَدْدَنا الإمسَاءُ
والسند على المعنى الأول – الزمان الماضي – كثير:
قال عبيد بن الأبرص:
فذاك عصر وقد أراني
…
يحملني بازل شبوب (2)
وقال امرؤ القيس:
أَلا عِمْ صباحاً أيُّها الطَّللُ البالي
…
وهل يَعمنْ من كان في العصر الخالي (3)
وقال رُبَيع بن ضُبُع بن وهب بن بغيض بن مالك:
أصبح مني الشباب قد حسرا
…
إن ينأ عنِّي فقد ثوى عُصُرا
وقال المتلمس:
عرفت لأصحاب النجائب جدة
…
إذا عرفوا لي في العصور الأوائل
وقال دريد بن الصمة:
فإن لا تتركي عذلي سفاهاً
…
تلُمْكِ عليه نفسُكِ غيرَ عصر
(1) شرح المعلقات العشر: 318.
(2)
شرح المعلقات العشر: 434 – والشطر الثاني كما في الشرح: تحملني نهذةٌ شرحوب – وكذلك في " شعراء النصرانية قبل الإسلام "609.
(3)
شرح ديوان امرئ القيس للشنمري ص: 97-98.
أي: من غير أن يمر بك كثير زمان.
وقال شريح بن هاني بن يزيد بن يهبل بن وريد بن سفيان:
قد عشت بين المشركين أعصرا
…
ثمت أدركت النبي المنذرا
وقال مسعود بن مصاد بن حصن بن كعب بن عليم:
قد كنت في عصر لاشيء يعدله
…
فبان مني وهذا بعده عصرا
أي: هذا الزمان بعد ذلك ايضاً ماض ومار.
وقال أبو خرابة الوليد بن ضيفة:
وكنا حسبناهم فوارس كهمس
…
حيوا بعدما ماتوا من الدهر أعصُرا
أي: بعد أن كانوا ميتين حقباً.
وقال ابن هرمة (1) :
أذكرْتَ عَصْرَك أم شَجَتْك ربوع
…
أم أنت مُتَبّل الفؤاد مضوع
أي: ذكرت زمانك الماضي.
وهكذا نرى أن السابقين فسروا " العصر " بالدهر والزمان عموماً، وأن الفراهي رأى أن ذلك التفسير غير دقيق، فانطلق يرتاد رياض الشعر الجاهلي باحثاً عن حقيقة المعنى فانتهى إلى أنه ليس مطلق الزمان وإنما هو الزمان الماضي، وأكد ذلك بالشواهد الشعرية الكثيرة. وهذا يعني أن المعاني الدقيقة يمكن الوصول إليها من خلال استعمال العرب الأقحاح لها في شعرهم.
(1) شعر إبراهيم بن هرمة: 124 – مجمع اللغة العربية بدمشق.
ملاحظات على المعاجم السابقة:
بعد تلك المقارنات التي قمنا بها ومن خلال النماذج التي عرضناها، يمكننا أن نبدي بعض الملاحظات على المعاجم السابقة. وهي كما يلي:
- على الرغم من كل الجهود التي بذلها علماؤنا خلال العصور في بيان معاني المفردات القرآنية، فإنهم لم يقولوا الكلمة الأخيرة ويبقى الأمر مفتوحاً للدراسة والتحقيق والتدقيق.
- على الرغم من أن الراغب الأصفهاني يعتبر إمام الدارسين في مناسبات الألفاظ بعضها لبعض، وفي بيان جذور المعاني الأصلية وانتقالها خطوة خطوة إلى المعاني المستعارة، إلا أنه لم يصب دائماً كبد الحقيقة.
- يعتبر الراغب الأصفهاني العمدة لكل من جاء بعده، ولم يؤخذ عليه ملاحظات ذات قيمة من الذين اعتمدوا كتابه ضمن كتبهم، وذلك كالسمين الحلبي، والفيروز أبادي.
- معظم الإضافات التي أضافها السمين كانت في التوسع في إيراد الشواهد الشعرية، أو ذكر بعض الأقوال التي أغفلها الراغب لضعفها عنده، أو في ذكر الكلمات التي فاته أن يذكرها أو في التوسع في شرح بعض الألفاظ من خلال ورودها في الأحاديث النبوية.
- لم يلتزم السمين دائماً ترتيب المادة العلمية – كما هي عند الراغب- فقد يقدم فيها ويؤخر، ولكنه في الجملة يأتي بكل ما ذكره الراغب.
- ينسب السمين أقوال الراغب إليه في بعض الأحيان، ويغفل ذلك بعض الأحيان. وقد يقول: قال بعضهم: أو قال بعض أهل اللغة – وأمثال هذه العبارات – وعند المقارنة يتبين أنها أقوال الراغب نفسها.
- أما الفيروز أبادي فقد استوعب أيضاً معظم ما جاء في مفردات الراغب. ولم تكن له ملاحظات تذكر على الراغب.
- يمتاز الفيروزأبادي بأنه بعد أن يورد معنى المفردة القرآنية في أصل اشتقاقها مستفيداً في ذلك من الراغب، يعمد إلى ذكر وجوهها في القرآن كأن يقول: " وقد ورد في القرآن على ثلاثة عشر وجهاً. ثم يبدأ بذكر هذه الوجوه واحداً واحداً مستشهداً في ذلك بآية أو أكثر عند كل وجه من هذه الوجوه حتى يستوعب معظم هذه الآيات وهو في ذلك مستفيد من كتب الوجوه والنظائر غالباً.
- يتوسع الفيروز أبادي عند شرحه للمفردات القرآنية بذكر بعض المعاني التي لم يذكرها الراغب، وكثير منها قد يؤخذ من الأحاديث النبوية، وبعضها قد يكون من المعاني اللغوية.
- عند الفيروز أبادي استطرادات عجيبة، فعند كلامه على مادة " برق" ذكر واحداً وثلاثين فعلاً يمكن أن يضاف إلى البرق: يشري، ويومض، ويعنّ، ويعترض، ويوبص
وبعد أن ينتهي من سرد هذه الأفعال المسندة إلى البرق، يقول: ومما يستحسن في وصف البرق وخفائه والرعد في حدائه، والثلج ولألائه، قول بعضهم:
ينبض نبض العرق في استخفاء
…
شرارة تطرف من قصباء
ويذكر تسعة أبيات من هذه القصيدة، ثم يذكر سبعة أبيات لعدي بن الرِّقاع، من أحسن ما قيل في البرق والغيث ثم يتبعها بأربعة عشر بيتاً للعتابي.
مقترحات:
بعد الذي قدمناه من مقارنات وملاحظات على المعاجم التي عرضنا لها، يحسن بنا أن نقترح بعض المقترحات التي يمكن أن تفيد في مستقبل التأليف المعجمي لمفردات القرآن فنقول:
- إن الحاجة إلى تأليف معجمات تعنى بتحقيق معاني المفردات القرآنية أمر متجدد، والمجال فيه واسع ومفتوح، بل هو واجب لمن آنس من نفسه أهلية ورشداً، وآتاه الله من فضله علماً وحكماً.
- إن الذي يتصدّى لمثل هذه المهمة العظيمة لا ينبغي له أن يسلك الطريق السهل، وإنما عليه أن يركب الصعب، وأن يكدّ الذهن في التأمل والدراسة. وألا يقف على الشواطئ القريبة وإنما عليه أن يغوص في الأعماق البعيدة، باحثاً عن الدر المصون وطامعاً في اللؤلؤ المكنون.
- لا يكفي لمن يريد ارتياد هذه الآفاق، أن يحمل شهادة في الأدب العربي، أو الدراسات الإسلامية دون أن يكون عاكفاً على كتاب الله تلاوة وفهماً، تذوقاً وتدبراً، يجيل الطرف في آياته، ويجدّ في البحث عن أسرار حروفه وكلماته.
- لابد من تأكيد منهج الراغب الأصفهاني في بيان الفروق بين ما يظن فيه الترادف، والتوسع في ذلك في المعجمات القادمة – طبقاً للأمثلة التي سقناها من تفسيره المخطوط، وكتاب " الذريعة إلى مكارم الشريعة".
- ويمكن الاستفادة في ذلك أيضاً من كتب الفروق اللغوية ككتاب أبي هلال العسكري، وفروق اللغات لنور الدين الجزائري، وغيرهما من الكتب التي اعتنت بهذا الجانب سواء أكان ذلك مباشراً أم غير مباشر.
- من العلماء المحققين الذين عنوا بدراسات متخصصة في جانب الفروق الحكيم الترمذي في كتابه " بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب " من علماء القرن الثالث – ويعتبر خطوة متقدمة جداً في هذا الجانب الهام.
- ومن العلماء الذين يرون أن الترادف في القرآن إما نادر أو معدوم الإمام ابن تيمية وذلك في رسالته في أصول التفسير.
- كذلك اهتم ابن القيم بهذا الجانب، بل إنه أيضاً اهتم بالفروق الاصطلاحية، وجمع منها مادة كبيرة أودع كثيراً منها في كتاب " الروح" – القسم الأخير من الكتاب- كما تفرقت دراساته للفروق في كتبه الكثيرة، وقد عمد يوسف الصالح إلى جمع وترتيب عدد كبير منها في جزء أصدره باسم " الفروق لابن قيم الجوزية " منتزع من أغلب كتبه.
- كما أن هناك دراسة بعنوان " الفروق اللغوية وأثرها في تفسير القرآن الكريم" للدكتور محمد عبد الرحمن الشائع – يمكن الرجوع إليها والاستفادة منها، وهي مفتاح لكثير من الدراسات التي تناولت هذا الجانب الهام.
أيضاً لايمكن إهمال جانب المعاني الاصطلاحية وملاحظة الفروق الغامضة فيما يظن فيه التقارب بينها، وهناك كتب كثيرة ودراسات عنيت بذلك، وقد أشرنا إلى طرف منها فيما سبق ويمكن أن نضيف إلى ذلك كتاب
"الكليات " لأبي البقاء الكفوي – وهو يعنى بالفروق اللغوية والاصطلاحية.
- لشيخ الإسلام ابن تيمية دراسات قيمة في مجال الدلالة اللغوية توزعت كتبه الكثيرة ورسائله المتعددة، وعلى سبيل المثال كتابه " جامع الرسائل" فيه دراسات تناولت" قنوت الأشياء كلها لله " و " سنة الله " و " معنى النزول " وأمثال ذلك كثير.
- لابن القيم أيضاً دراسات قيمة لعدد كبير من الألفاظ تناول فيها الدلالة اللغوية بغاية من التحقيق والتدقيق جمع منها أربعاً وخمسين كلمة الدكتور أحمد ماهر البقري في كتابه " ابن القيم اللغوي " استقاها من مجموع كتب ابن القيم، وهي مما يمكن الاستفادة منها في ضبط معاني المفردات القرآنية في التأليف المعجمي مستقبلاً.
- لابد من التأكيد أيضاً على منهج الفراهي في دراسة الكلمة القرآنية، والاستفادة منه في معالجة الكلمات التي يشك في معناها الدقيق، وذلك بالرجوع إلى الشعر الجاهلي، واللغات السامية التي تشارك العربية في جذورها الأصلية – كما لاحظنا ذلك من الأمثلة التي سقناها عن الفراهي – والتي وصل بها إلى نتائج هامة تثلج الصدر وتطمئن النفس.
- أيضاً لابد من الالتزام بالقواعد التي ذكرناها سابقاً من مقدمات " مفردات القرآن" للفراهي، فهي أصول لايستغنى عنها في دراسة المفردة القرآنية ويمكن أن نضيف إليها هنا نقاطاً أخرى أشار إليها الفراهي في كتابه " التكميل في أصول التأويل " وذلك تحت عنوان " جامع لأبواب الإجمال".
للكلمة والكلام وجوه ولابد من تعيين المراد في كل موضع وهي:
- ربما يستعمل اللفظ كالاسم والرسم لشيء، ولا نظر بالخصوص إلى معنى اللفظ مثلاً: القرآن، المؤمن، المسلم، الكتاب، المتقون، الكافرون، وما أشبه ذلك، ربما يستعمل كالاسم من غير نظر إلى المعاني اللفظية –أي المدلول عليه من جهة مادته وصورته.
- وربما يكون النظر إلى معناه اللفظي: مثلاً: المتقون: لمن كان تقياً خاشعاً.
- وربما يراد به الفرد الكامل.
- وربما يراد به العموم المطلق.
- وربما يراد به الخصوص.
- وربما يراد به العموم مع أولية النظر إلى خصوص.
- وربما يراد به المعنى الجامع مطلقاً.
- وربما يراد به المعنى الجامع مع أولية النظر إلى وجه خاص.
وهذا غيض من فيض مما ذكره الفراهي في كتابه القيم " التكميل في أصول التأويل" يمكن الاستفادة منه لمن يريد أن يقوم بدراسة لمفردات القرآن، كما يمكن الاستفادة من كتبه الأخرى كتفسيره لبعض السور ومذكراته بين يدي التفسير.
- إضافة لكل ما سبق، ينبغي للدارس ألا يطمئن كل الاطمئنان إلى دراسات الآخرين وأن ينظر فيها نظرة نقدية فاحصة، وربما يرجح قولاً على قول ومعنى على معنى، وبعد المقارنة بين الأدلة، ربما يظهر له معنى خفي على غيره، وليس ذلك بمستبعد كما أشار إلى ذلك علي رضي الله عنه، حينما سئل: هل ترك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عندكم شيئاً من الوحي لم يبلغه؟ قال: لا، والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه " – فمعاني القرآن لايمكن الإحاطة بها:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} والمراد المعاني. أما الألفاظ فهي محدودة ولاشك.
- من أمارات صحة المعنىأن يكون متوافقاً مع ما ورد في بقية النصوص منسجماً معها، فإذا تبين خلاف ذلك فمعنى ذلك أن المعنى يحتاج إلى إعادة نظر ودراسة لأن الله تعالى يقول {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} فإذن وجود الاختلاف الكثير في معنى من المعاني يفيد أن هذه المعاني تحتاج إلى مزيد من التحقيق والتدقيق.
لابد من التوسع في تفسير القرآن بالقرآن في مجال دراسة المفردات القرآنية، وعلى الرغم من اتفاق العلماء قديماً وحديثاً على أن تفسير القرآن بالقرآن أعلى مراتب التفسير، لأنه تفسير صاحب الكلام لكلامه، إلا أن هذا المصدر من التفسير لم يتوسع فيه، وبقي محدوداً – على كل ما
كتب فيه – وأعتقد جازماً من خلال تجربتي أن بالإمكان ضبط كثير من معاني المفردات القرآنية اعتماداً على هذا المصدر، وطبقاً لقوله تعالى " ثم إن علينا بيانه" فقد تكفل الله ببيان القرآن بالقرآن، كما يمكن إدراك كثير من الفروق اللغوية التي أغفلتها المعاجم وكتب اللغة والتفسير من خلال دراسة مقارنة لاستعمال هذه المفردات في السياقات القرآنية المتعددة.
خاتمة
بعد هذه الجولة في رياض هذه المعاجم يمكن أن نخلص إلى بعض النتائج:
- على الرغم من الجهود العظيمة التي بذلها علماؤنا خلال التاريخ في تأليف المعاجم القرآنية، تبدو الحاجة ماسة في عصرنا إلى معاجم جديدة تأخذ بالاعتبار الملاحظات السابقة، والمقترحات التي أشرنا إليها.
- لايبدو لي أن اللجان الرسمية التي يمكن أن تشكلها المراكز العلمية، أو المجامع اللغوية باستطاعتها أن تصل إلى عمل علمي متميز، وذلك لاختلاف وجهات النظر (1) ، ولاقتصار العمل على الانتقاء والترتيب والتنظيم، دون خوض في لب الدراسة القرآنية، واقتناص المعاني من التدبر العميق، والتأمل الواعي، والمقارنة الكاشفة.
- يحسن أن تكون المعاجم القادمة مرتبة طبقاً لما انتهت إليه المعاجم الحديثة من ترتيب المادة العلمية، وتسهيل الرجوع إليها والاستفادة من وسائل الطباعة الحديثة.
يحسن أن تكون المعاجم مستقبلاً ثلاثة مستويات.
- مستوى للمبتدئين.
- ومستوى للمتوسطين.
(1) انظر صفحة (ي) وما بعدها من مقدمة الأستاذ عبد السلام هارون: " معجم ألفاظ القرآن الكريم بين المعاجم وكتب التفسير واللغة" فسترى اختلافاً كثيراً في وجهات النظر، تخللتها مناقشات واقتراحات واعتراضات وتشكيلات لجان، ومؤتمرات ودورات، وذلك على مدى ثلاث عشرة سنة. وتمخض هذا الجهد المتطاول عن هذا المعجم الذي تراه – وهو كما ترى -!!
خاتمة
…
- ومستوى للعلماء والمتخصصين.
كما يحسن أن يكون كل معجم منها على ترتبين:
- الترتيب المعجمي الألفبائي ليستفيد منه من يرغب في مراجعة كلمة من الكلمات.
- الترتيب بحسب السور والآيات ليستفيد منه أهل التلاوة.
- كما يحسن ألا يزيد المستويان الأول والثاني على مجلد واحد لكل منهما.
- أما بالنسبة للمستوى الثالث، فيمكن أن يزاد في عدد مجلداته إذا كانت الحاجة تقضي بذلك.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات،،،