المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(المعلم الثالث عشر: المحبة) - معالم الطريق إلى الله

[أبو فيصل البدراني]

الفصل: ‌(المعلم الثالث عشر: المحبة)

الخوف والرجاء يدفع على العمل الصالح والبعد عن المعاصي والتوبة من الذنوب.

(المعلم الثالث عشر: المحبة)

• المحبة هي أصل دين الإسلام الذي تدور عليه رحاه فبكمال محبة الله يكمل دين الإسلام وبنقصها ينقص توحيد الإنسان ، ومحبة الله هي محبة العبودية المُستلزمة للذل والخضوع وكمال الطاعة وإيثار المحبوب على غيره فهذه المحبة خالصة لله لا يجوز أن يُشرك معه فيها أحد لأن المحبة قسمان، محبة مختصة وهي محبة العبودية، ومحبة عامة مشتركة وهي ثلاثة أنواع، محبة طبيعية، محبة إشفاق، محبة أنس وألف وهذه المحبة بأقسامها الثلاث لا تستلزم التعظيم والذل ولا يؤاخذ أحد بها ولا تُزاحم المحبة المختصة ، فلا يكون وجودها شركاً لكن لابد أن تكون المحبة المختصة مقدمة عليها.

• محبة العبادة مصحوبة بالخوف والرجاء، أما المحبة المنفردة عن الذل والخضوع فلا تكون عبادة، بل تكون محبة طبيعية، كمحبة المال والولد والزوجة؛ هذه تسمى محبة طبيعية ليست محبة عبادة، فمحبة العبادة هي التي تقتضي كمال المحبة وكمال الذل، أما إذا خرجت عن ذلك فلا تكون محبة عبادة، بل تكون محبة طبيعية، ومن أحب شيئاً ولم يخضع له لم يكن عابداً له، كالزوجة تُحبها لكن لا تخضع لها ، ومن خضع لشيء ولم يحبه لم يكن عابداً له، كالعدو تخضع له لكن لا تحبه، فلهذا لا يكون المرء عبداً لله حتى يكون الله أحب إليه من كل شيء، وأعظم عنده من كل شيء.

• لا يُحب أحد لذاته من كل وجه إلا الله تعالى.

• المحبة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: محبة عبادة وهي التي توجب التذلل والتعظيم، وأن يقوم بقلب الإنسان من إجلال المحبوب وتعظيمه ما يقتضي أن يمتثل أمره ويجتنب نهيه، وهذه خاصة بالله، فمن أحب مع الله غيره محبة عبادة فيكون لله كالند والنظير فهذا مشرك شركاً أكبر. ويُعبَر العلماء عنها بالمحبة الخاصة ، ومحبة الله على درجتين: إحداهما: فرض، وهي المحبة المقتضية لفعل أوامره الواجبة، والانتهاء عن زواجره المحرمة، والصبر على مقدوراته المؤلمة، فهذا القدر لا بد منه في محبة الله، وإنما يحصل الوقوع فيما يكرهه الله لنقص محبة الله الواجبة في القلوب، وتقديم الهوى والنفس على محبته، وبذلك ينقص الإيمان.

ص: 46

والدرجة الثانية من المحبة: وهي فضل المتسحب أن ترتقي المحبة من ذلك إلى التقرب بنوافل الطاعات، والانكفاف عن دقائق الشبهات والمكروهات، والرضا بالأقضية المؤلمات.

القسم الثاني: محبة ليست بعبادة في ذاتها وهذه نوعان:

النوع الأول: المحبة لله وفي الله: وذلك بأن يكون الجالب لها محبة الله أي كون الشيء محبوباً لله تعالى من أشخاص كالأنبياء والرسل والصديقين والشهداء والصالحين، أو أعمال كالصلاة والزكاة وأعمال الخير.

وميزان المحبة الخالصة لله: أنها لا تزيد بالبر ولا تنقص بالجفاء ، أما محبة الآخرين لإحسانهم جائزة ولكنها لا تزيد من المحبة الطبيعية ولكن المُتكلم عنها المحبة التي تكون لله فمن أحب لله وأبغض لله فهي أوثق عرى الإيمان وعلى المسلم أن يقتصد في حبه وأن يكون متوازناً.

النوع الثاني: محبة لغير الله وهي نوعان:

الأول: مذمومة وهي محبة ما يبغضه الله من كفر وفسوق وعصيان، وهذه المحبة منها ما هو شرك أكبر ومنها ما هو دون ذلك ، فمحبة الشخص الكافر لكفره كفر أكبر ، أما محبّة الشخص كافراً كان أو مسلماً لِفسْقِه أو لمعصيةٍ يقترفها ، فهذا إثمٌ ولاشك، ولكنه لا يصل إلى درجة الكفر لكونه لا ينافي أصل الإيمان؛ وهذا الحبّ قد يكون كبيرة من كبائر الذنوب، وقد لا يكون كذلك، بحسب حال المحبوب ومعصيته، فمن أحبّ محبوباً لارتكابه الكبائر، فهذا الحب كبيرة، ومن أحبّه لصغيرة يرتكبها، فلا يزيد إثمه على إثم من ارتكبها وأمّا الحبّ المباح فهو الحب الطبيعي، وهو الخارج عمَا سبق ، كحبّ الوالد لولده الكافر، أو الوَلَدِ لوالديه الكافرين، أو الرجل لزوجه الكتابيّة، أو المرْءِ لمن أحسنَ إليه وأعانه من الكفار ، فهذا الحُبّ المقيد مباح وهو رخصة، مادام لم يؤثر في بُغْضه لكفر الكافرين، وفسق الفاسقين، ومعصية العاصين ، أمّا إذا أثّر في بُغْضه، فإنه يعود إلى أحد القسمين السابقين، بما فيهما من تفصيل.

الثاني: المحبة الطبيعية وهي مذمومة إذا لم تُضبط بالضوابط الشرعية أو كانت في حق عموم الكفار وإلا فهي جائزة وقد تكون مستحبة ، وهي أربعة أصناف:

الصنف الأول: محبة إشفاق ورحمة وذلك كمحبة الولد والصغار والضعفاء والمرضى.

الصنف الثاني: محبة تقدير واحترام وإجلال لا عبادة كمحبة الإنسان لوالده ولمعلمه والكبير من أهل الخير.

ص: 47

الصنف الثالث: محبة أُنس وألف، كمحبة المشتركين في صناعة أو تجارة،

والطلبة بعضهم لبعض.

الصنف الرابع: محبة ما يلائم طبع الإنسان من الجمادات كمحبة الطعام والشراب والملبس والمركب والمسكن ومحبة الوطن.

والمحبة الطبيعية من قسم المباح؛ إلا إذا اقترن بها نية صالحة فتصير عبادة كمحبة الولد شفقة إذا اقترن بها الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في محبة الأولاد ورحمتهم، والأكل والشرب إذا قُصد به الاستعانة على عبادة الله صار عبادة ، وعلى هذا فالمحبة الطبيعية قد تكون أحياناً مستحبة إذا أدت إلى شيء مستحب، وقد تكون محرمة إذا أدت إلى حرام، كمحبة المال في الأصل هي مباحة فإذا تجاوزت حدها الطبيعي أي إذا صارت زائدة عن الحد فصار يوالي فيه ويعادي فيه فتكون والحال هكذا محبة محرمة ، وخلاصة القول يجب تقديم المحبة الشرعية على الجبلية الطبيعية عند التعارض.

• يجب تقديم وإيثار محبة الله ورسوله وما أراده الله وأحبه على ما يريد

العبد وذلك عند التزاحم ، والمحبة الجبلية لا اختيار للإنسان فيها ولكن لا تُزاحم محبة الله ورسوله وما يحب الله ويريده.

• حسن الظن بالله من واجبات التوحيد وسوء الظن به ينافي التوحيد.

• هل من لازم إحسان الظن بالله العصمة من الزلل والخطأ؟

لا إشكال في حسن الظن بالله تعالى مع وجود المعاصي وإنما يأتي الإشكال في حال العاصي المُصر على معصيته السادر في غفلته المُستزيد من غيَه المُستهين بحدود ربه وهو مع ذلك يرجو المغفرة.

• سر الحياة الطيبة: تفريغ القلب من تألَُه غير الله عز وجل كائناً من كان والإقبال على الله وحده.

• الأسباب الجالبة لمحبة الله والموجبة لها عشرة:

أحدهما: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به.

الثاني: التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض.

الثالث: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر.

الرابع: إيثار محاب الله على محابك عند غلبات الهوى والتسنم إلى محابه وإن صعب المرتقى.

الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها، وتقلبه في

ص: 48