المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(المعلم التاسع: فقه القلوب) - معالم الطريق إلى الله

[أبو فيصل البدراني]

الفصل: ‌(المعلم التاسع: فقه القلوب)

على أصل المشروعيّة ، وأما إن كان ظنياً: فقد اختلف أهل العلم فيه هل يُمنع أو لا؟ ولعل الصحيح في هذا القسم الأخير أنه يُنظر فيه إلى المصلحة والمفسدة.

• ما لا خلاف فيه من سد الذرائع.

1 -

ما كان إفضاؤه إلى المفسدة قطعياً.

2 -

ما كان في ذاته محرماً ويفضي إلى محرم.

• الواجب عدم التوسع في سد الذريعة لأن ذلك يؤدي إلى إدخال الحرج على الناس فلا يُفتى بسد الذريعة إلا فيما كان إفضاؤه إلى المفسدة غالباً بحيث يغلب على ظنه إفضاؤه إليها أو يكون إفضاؤه إليها كثيراً ، ثم لا يكون سد الذريعة شاملاً عاماً لكل صور المحكوم فيه وكل أحواله بل بالقدر الذي تندريء به المفسدة وإذا زالت الخشية زال الحظر والله أعلم.

• فتح الذرائع هو إباحة ارتكاب المحرم إن كان تركه يؤدي إلى ضرر أعظم وهو مشروع بل يجب ولكن لا يرتكب المحرم إلا بشرطين:

1 -

أن لا يمكن منع الضرر بطريق آخر مأذون فيه شرعاً.

2 -

أن يكون الضرر المخوف أعظم وأخطر من المحرم المرتكب.

(المعلم التاسع: فقه القلوب)

المراد بفقه القلوب:"علمه – إرادته- وارداته- مناط الثواب والتأثيم فيه-عمله"

• تعلق الإدراك بالأشياء كالآتي:

- علم وهو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً.

- جهل بسيط وهو عدم الإدراك بالكلية.

- جهل مركب وهو إدراك الشيء على وجه يُخالف ما هو عليه.

- ظن وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مرجوح.

- وهم وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد راجح.

- شك وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مساوٍ.

• الشك في العبادة له أربع حالات:

1 -

أن تكون مجرد وهم طرأ على قلبه وهماً ليس له مرجح ولا تساوى عنده الأمران بل هو مجرد شيء خطر في قلبه فهذا لا يهتم به ولا يلتفت إليه.

ص: 37

2 -

أن يكون كثير الشكوك وهذا أيضاً لا يلتفت إلى الشك ولا يهتم به.

3 -

أن يقع الشك بعد فراغه من العبادة فهذه أيضاً لا يلتفت إليها إلا إذا تيقن فيبني على يقينه.

هذه ثلاث حالات لا يلتفت إليها في الشك: الوهم، أو أن يكون كثير الشكوك، أو أن يكون الشك بعد الفراغ من العبادة.

4 -

أن يكون الشك شكاً حقيقياً وليس كثير الشكوك وحصل قبل أن يفرغ من العبادة ففي هذه الحال يجب عليه أن يبني على اليقين.

• سوء الظن بالآخر على ضربين:

1 -

محرم وهو سوء الظن بالله تعالى، وسوء الظن بالمسلمين الذين ظاهرهم العدالة.

2 -

جائز وقد يكون واجباً أحياناً وهو سوء الظن بمن هو أهلٌ له إذ لا حرج في الظن القبيح بمن ظاهره القبيح.

والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراماً واجب الاجتناب وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح وأونست منه الأمانة في الظاهر فظن الفساد به والخيانة محرم بخلاف من اشتهر بين الناس بتعاطي الريب والمجاهرة بالخبائث.

• يُشرع العمل بالمظنون لمشقة الاطلاع على اليقين.

• ما لم ينصب عليه دليل يوصل إلى العلم اليقيني به قد تعبدنا الله بتنفيذ الحكم فيه والاقتصاد على غالب الظن ، وإجراء الحكم عليه واجب ، وأكثر الأحكام الشرعية مبنية على غلبة الظن.

• تحقيق المناط – أي تطبيقه على الواقع مبني على غلبة الظن.

• حقيقة النية: القصد إلى الشيء والعزيمة على فعله ، ومحل النية القلب.

• جميع أقوال وأفعال المكلف تختلف نتائجها وثمارها وأحكامها الشرعية باختلاف قصد الإنسان وغايته من هذه الأقوال والأفعال ، والنية هي رأس الأمر وعموده وأساسه وأصله الذي عليه ينبني فإنها روح العمل وقائده وسائقه والعمل تابع ينبني عليها ويصح بصحتها ويفسد بفسادها وبها يُستجلب التوفيق وبعدمها يحصل الخذلان وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة.

• انقلاب المباح مستحباً أو واجباً أو محرماً أو غير ذلك مرجعه إلى اختلاف النيات والأحوال ، ولهذا الوسائل لها أحكام المقاصد.

• مَن فعل الواجبات (حقوق العباد) الشرعية بنية التقرب إلى الله تعالى فله أجره أما من فعلها بدون هذه النية فلا أجر له ولكن تسقط عنه المطالبة.

• الأعمال التي لا تفعل إلا على جهة العبادة يجب إفراد الله بها ولا تصح بدون ذلك ، والأعمال التي قد تفعل على جهة العادة فهذه يصح فعلها بدون نية ومن نوى التقرب بها إلى الله استحق الأجر ولا يجوز التقرب بفعلها لغير الله على جهة العبادة ، أما التروك أي "المحظورات الشرعية" فمن تركها لله أثيب ومن تركها بدون نية التقرب لله لم يستحق الثواب ولا العقاب.

• ترك العمل يكون عملاً إذا كان كفاً أي وجود باعثه والقدرة على فعله وأما الترك الذي يكون بمعنى العدم وليس داخلاً تحت القدرة للعبد لا يُعد عملاً.

• يبلغ المرء بنيته ما لا يبلغه بعمله والأعمال البدينة قد تتوقف بخلاف النية وقاصد فعل الخير يُثاب وإن لم يُصب المراد وإذا خالف اللسان ما نواه العبد في القلب فالعبرة عند الله بما نوى العبد في قلبه.

• النية شرط في الثواب لا في الخروج عن العهدة فالنواهي يخرج الإنسان عن عهدتها وإن لم يشعر بها فضلاً عن القصد إليها أي ترك المعصية لأجل الله فإن فيها الثواب في هذه الحالة أما الأوامر فالعادات والمعاملات فيخرج الإنسان من عهدتها وإن لم ينوها أما العبادات فلا بد لها من النية ولا تصح إلا بها.

• أثر النية على الأعمال: لا يثاب العبد إلا بالنية ، والأفعال التي لا تؤدى إلا على جهة العبادة لا تصح إلا بالنية كما ذكرنا فالنية تدخل في جميع الواجبات والمستحبات وتحوَل المباحات إلى طاعات ومن فعل المحرم غير ناوٍ له لم يستحق العقوبة لكونه مخطأ ، ومن فعل حراماً ناوياً به الحلال ظاناً أنه كذلك لم يؤاخذ ، ومن فعل الحلال ناوياً به الحرام ترتب عليه إثم الفعل دون إثم نتائجه.

• أعمال القلوب يؤاخذ بها الإنسان إن استقرت.

• حديث النفس والوسوسة متقاربان إذ المعنى كليهما تردد في النفس من غير اطمئنان إليه واستقرار عليه.

• ما يقع في النفس خمس مراتب: الأولى: هاجس وهو ما يُلقى في النفس وهو أضعف هذه المراتب. الثانية: خاطر وهو ما يجري في النفس ثم يذهب في

ص: 38

الحال بلا تردد. الثالثة: حديث النفس وهو ما يقع فيه التردد هل يفعل أم لا؟ فمرة يميل إلى الفعل وأخرى ينفر عنه ولا يستقر على حال.

الرابع: الهم وهو أن يميل إلى الفعل ولا ينفر عنه لكنه لا يصمم على فعله وهو ترجيح قصد الفعل.

والمراتب الأربع السابقة تندرج تحت مسمى الإرادة غير الجازمة.

الخامسة: العزم وهي المسماة بالإرادة الجازمة وهو أن يميل إلى الفعل ولا ينفر منه بل يصمم عليه وهو قوة ذلك القصد والجزم به ومنتهى الهم ، ومتى وُجدت الإرادة الجازمة مع القدرة التامة وجب وجود الفعل لكمال وجود المقتضى السالم عن المُعارض المقاوم ، ومتى وُجدت الإرادة والقدرة التامة ولم يقع الفعل لم تكن الإرادة جازمة ، والإرادة الجازمة إذا تخلف عنها ما يقدر عليها فذلك المتخلف لا يكون مراداً إرادة جازمة بل هو الهم الذي وقع العفو عنه.

• الإرادة غير الجازمة إذا لم تتمثل في فعل من أفعال الجوارح فهي من حيث الثواب والعقاب كالآتي:

1 -

ما لا ثواب عليه ولا عقوبة عليه: وهذا يشمل مرتبة الهاجس والخاطر.

2 -

ما يُثاب صاحبه إذا كان خيراً ولا يُعاقب إن كان شراً ، وهذا يشمل حديث النفس والهم فالهام بالحسنة إذا لم يفعلها ينال حسنة تامة والهام بالسيئة لا تُكتب عليه سيئة وتكتب له حسنة إن تركها لله وإلا فلا.

• الإرادة الجازمة إذا لم تتمثل في فعل من أفعال الجوارح فهي من حيث الثواب والعقاب كالآتي: فهذا يثاب صاحبه إذا كان خيراً ويُعاقب إن كان شراً.

• حديث النفس يتجاوز الله عنه إلى أن يتكلم فهو إذا صار نية وعزماً وقصداً ولم يتكلم فهو معفوٌ عنه، والإرادة الجازمة للفعل مع القدرة التامة توجب وقوع المقدور، والهمة التي لم يقترن بها فعل ما يقدر عليه الهام ليست إرادة جازمة ، والإرادة الجازمة لابد أن يوجد معها ما يقدر عليه العبد والعفو وقع بمن هم بسيئة ولم يعملها لا عمن أراد وفعل المقدور عليه وعجز عن قيام مراده.

• حديث النفس العابر والذي لا يستقر في القلب ولا يركن إليه المسلم معفوٌ عنه ولم يشتمل على هم ولا على إرادة جازمة وأما الهم فإنه مرتبة فوق التحديث فهذا هو الذي يُثاب عليه إن كان طاعة وإذا وقعت منه ضاعفها الله عشر أضعاف وقد يزيد وإن كانت معصية فهي

ص: 39

مغفورة إذا لم تقع منه ، ويُثاب عليها إذا ترك المحرم الذي هم به لله فإن الله تعالى يكتبه حسنة كاملة وأما الإرادة الجازمة فيثاب عليها المرء ويُعاقب حسب إرادته ولو لم يصدر منه شىء على الجوارح.

• إن الله لا يؤاخذ العبد بما دار في نفسه، لعسر التحرز منه، ولكن يؤاخذه بما قال أو عمل.

• من كان عازماً على الفعل عزماً جازماً وفعل ما يقدر عليه منه كان بمنزلة الفاعل.

• الأصل أن يفرَق في قول القلب وعمله بين ما كان مجامعاً لأصل الإيمان وما كان منافياً له ويُفرَق أيضاً بين ما كان مقدوراً عليه فلم يُفعل وبين ما لم يترك إلا للعجز عنه.

• كل ما وقع في قلب المؤمن من خواطر الكفر والنفاق فكرهه وألقاه ازداد إيماناً ويقيناً كما أن كل من حدثته نفسه بذنب فكرهه ونفاه عن نفسه وتركه لله ازداد صلاحاً وبراً وتقوى.

• ميل الطبع إلى المعصية بدون قصدها ليس إثماً.

• الأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع، كما في الرؤية، فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا بما يحصل منها بغير الاختيار، وكذلك في اشتمام الطيب إنما ينهى المحرم عن قصد الشم، فأما إذا شم ما لم يقصده فإنه لا شيء عليه

، وكذلك في مباشرة المحرمات كالحواس الخمس ـ من السمع والبصر والشم والذوق واللمس ـ إنما يتعلق الأمر والنهي من ذلك بما للعبد فيه قصد وعمل، وأما ما يحصل بغير اختياره، فلا أمر فيه ولا نهي.

(المعلم العاشر: الإلهام والرؤى والكرامات)

• الإلهام: هو ما يقع في القلب من آراء وترجيحات ، وهو نور يختص الله به من يشاء من عباده ، والإلهام حق وهو وحي باطن، وإنما حُرمه العاصي لاستيلاء وحي الشيطان عليه.

وحكمه: حق وهو ترجيح شرعي لصاحب القلب المعمور بالتقوى بشرط أن لا يعارض نصاً صريحاً فإن من المسائل ما ليس فيها نص وكان الأمر فيها مشتبهاً والرأي فيها محتملاً فهنا يرجع فيه المؤمن إلى ما حك في صدره ووقع في قلبه.

ص: 41

• الإلهام ويُراد به ما يُلقى في روع الإنسان من علم أو عمل أو إرادة وهو قسمين: 1 - حق في ذاته ومتعلقاته وهو ما كان ثمرة للعبودية والمتابعة والصدق مع الله والإخلاص له وتلقي العلم من مشكاة رسوله صلى الله عليه وسلم وكمال الانقياد له. 2 - باطل في ذاته ومتعلقاته وهو ما كان ثمرة للإعراض عن الوحي وتحكيم الهوى والشيطان وما تشتهيه الأنفس. فأما الأول فهو رحماني والثاني شيطاني ، وبالنسبة لموقف المسلم من الإلهام فإذا كان الذي وقع في القلب إنما هو من باب الترجيح الشرعي بين الأدلة المتكافئة أو النظر في مناط الحكم أو عند الاشتباه بين الحلال والحرام ونحو ذلك وكان الذي وقع عليه الإلهام ممن شرح الله صدره ووفقه للعلم النافع وهداه للاعتصام بالسنة فهو إلهام رحماني ويعتبر دليلاً في حقه ، وترجيحه بهذا الإلهام ترجيح شرعي بشرط أن لا يكون مخالفاً لصريح الشرع.

• الرؤيا: وهي ما يراه الشخص في منامه ، وحكمها كالإلهام فتُعرض على الوحي الصريح فإن وافقته وإلا لم يعمل بها.

• الكرامة تكون بحسب حاجة الرجل الدينية أو القدرية ويكون من هو أكمل ولاية لله منه مستغنياً عن ذلك فلا يأتيه مثل ذلك لعلو درجته وغناه عنها لا لنقص ولايته بخلاف من يجري على يديه الخوارق لهُدى الخلق ولحاجتهم فهؤلاء أعظم درجة وهم الرسل عليهم السلام.

• كرامات الأولياء سببها الإيمان والتقوى ، والأحوال الشيطانية سببها ما نهى الله عنه ورسوله.

• ينبغي للمسلم إذا جرت له كرامات ألا يقف عندها ولا يجعلها همته ولا يتبجح بها ، فهناك طائفة يعتبرون بما يحصل لهم من خرق عادة مثل مكاشفة أو استجابة دعوة مخالفة العادة العامة ونحو ذلك فيشتغل أحدهم عما أُمر به من العبادة والشكر ونحو ذلك فهذه الأمور ونحوها كثيراً ما تعرض لأهل السلوك والتوجه وإنما ينجو العبد منها بملازمة أمر الله الذي بعث به رسوله في كل وقت فالاعتصام بالسنة نجاة والسنة مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلَف عنها غرق.

ص: 42