المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(المعلم الخامس عشر: التوكل) - معالم الطريق إلى الله

[أبو فيصل البدراني]

الفصل: ‌(المعلم الخامس عشر: التوكل)

• لا مانع من مباشرة الأسباب لكن المحظور أو الممنوع أن يلتفت إليها، ويظن بها التأثير المستقل، فالمسبب هو الله سبحانه وتعالى، وهو النافع الضار.

• يجب على المسلم فعل الأسباب المشروعة المقدور عليها لتحقيق المراد فإن أتت الأمور على ما يريد حمد الله وإن أتت على خلاف ما يريد تعزَى بقدر الله وعلم أن ذلك كله وقع بقدر الله وخيرة الرب لعبده خيرٌ من خيرة العبد لنفسه.

• إذا جاءت أقدار الله على خلاف ما يُريد المسلم وقد بذل الأسباب المشروعة لتحقيق المراد فليقل قدر الله وما شاء فعل ولا يسترسل مع أحزانه ويعلم أن ربه قضى ما هو خير له ولو بعد حين ولو لم يدركه عقله في الحال.

• السعيد يستغفر من المعائب ويصبر على المصائب والشقي يجزع عند المصائب ويحتج بالقدر على المعائب.

• استحباب الرضا بقضاء الله عز وجل فيه تفصيل نرضى بالقضاء الذي هو فعل الله عز وجل وأما المقضي الذي هو فعل العبد ففيه تفصيل فإن كان مرضياً لله رضينا به كالطاعات والإيمان وإن كان غير مرضي لله لم نرض به كالمعاصي.

(المعلم الخامس عشر: التوكل)

• التوكل هو: صدق الاعتماد على الله عز وجل في جلب المنافع الدينية والدنيوية ودفع المضار الدينية والدنيوية مع فعل الأسباب المأمور تعاطيها شرعاً وقدراً.

• التوكل نصف الدين والنصف الثاني الإنابة فإن الدين استعانة وعبادة فالتوكل هو الاستعانة والإنابة هي العبادة ، والتوكل أعم من الاستعانة فالاستعانة هي الاعتماد على الله فيما يقدر عليه العبد والتوكل هو الاعتماد على الله فيما يقدر عليه العبد ومالا يقدر عليه من جلب منفعة ودفع مضرة ، فالتوكل يكون في جلب المنافع ودفع المضار والاستعانة تكون على العبادة.

• حُسن الظن بالله يدعو إلى التوكل على الله والتوكل على الله لابد فيه من حُسن الظن بالله والتوكل على الله هو تفويض قبل وقوع المقدور ورضاً بعد وقوع المقدور ومن فعل ذلك فقد قام بالعبودية.

• التوكل هو الثقة بحسن اختيار الله وقضاءه وقدره والرضا بمشيئته ، ويتوكل المؤمن على ربه لعلمه بتمام كفايته وكمال قدرته وعميم إحسانه ويثق به.

• التوكل على غير الله تعالى أقسام:

ص: 60

الأول: التوكل في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله كالتوكل على الأموات والغائبين ونحوهم من الطواغيت في تحقيق المطالب من النصر والحفظ والرزق أو الشفاعة فهذا شرك أكبر.

الثاني: التوكل في الأسباب الظاهرة كمن يتوكل على سلطان أو أمير أو أي شخص حي قادراً أقدره الله من عطاء أو دفع أذى ونحو ذلك فهذا شرك أصغر لأنه اعتماد على الشخص.

الثالث: التوكل الذي هو إنابة الإنسان من يقوم بعمل عنه مما يقدر عليه كبيع وشراء فهذا جائز ولكن ليس له أن يعتمد عليه في حصول ما وكَل فيه بل يتوكل على الله في تيسير أموره التي يطلبها بنفسه أو نائبه.

• بيان الأسباب:

- السبب هو ما يُتوصَل به إلى غيره.

- السبب باعتبار المشروعية ينقسم إلى قسمين:

1 -

سبب مشروع وهو ما كان سبباً للمصلحة أصالة وإن كان مؤدياً إلى بعض المفاسد تبعاً كالجهاد في سبيل الله فإنه سبب لإقامة الدين وإعلاء كلمة الله وإن أدى في الطريق إلى نوع من المفاسد كإتلاف الأنفس وإضاعة الأموال.

2 -

سبب غير مشروع وهو ماكان سبباً للمفسدة أصالة وإن ترتب عليه نوع من المصلحة تبعاً كالقتل بغير حق فإنه سبب غير مشروع وإن ترتب عليه ميراث ورثة المقتول.

- السبب باعتبار مصدره ينقسم إلى ثلاثة أقسام.

1 -

سبب شرعي وهو ما كان مستمداً من الشارع فقط.

2 -

سبب عقلي وهو ما كان مستمداً من العقل فقط.

3 -

سبب عادي وهو ما كان مستمداً من العادة المألوفة المتكرر وقوعها وقد يكون الشرع أشار إليها ضمناً أو تعييناً.

- هنالك أسباب شرعية مصدرها الكتاب والسنة وهنالك أسباب طبيعية أرشد إليها الشرع بشكل عام ، وكل سبب شرعي هو سبب طبيعي وليس كل سبب طبيعي هو سبب شرعي على التفصيل والتعيين وما سوى هذه الأسباب فهي أسباب وهمية.

ص: 61

- الأسباب لا يُعتمد عليها وإنما يُعتمد على الله سبحانه الذي هو مُسبَب الأسباب ومُوجد السبب والمسبب، ولا يقوم الإيمان ومقاماته وأعماله إلا على ساق التوكل والتوكل أصل لجميع مقامات الإيمان والإحسان والإسلام ومنزلته منها كمنزلة الرأس من الجسد، والتوكل على الله لا ينافي السعي في الأسباب والأخذ بها فإن الله سبحانه قدَر مقدورات مربوطة بأسبابها وقد أمر الله بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل فالأخذ بالأسباب طاعة لله وهو من عمل الجوارح والتوكل على الله طاعة له سبحانه وهو من عمل القلب وهو إيمان بالله.

- لا يضر مباشرة العبد للأسباب مع خلو القلب من الاعتماد عليها والركون إليها ، والأسباب تذهب وتأتي ومسبب الأسباب باقٍ موجود سبحانه وتعالى ، ويجب أن يكون الأخذ بالأسباب الجائزة شرعاً فإن من توكل على الله حق توكله لم يرتكب ما يخالف شرعه.

- من يترك الأخذ بالأسباب مع القدرة عليها يُخشى عليه أنه يمتحن ويختبر ربه تعالى الله عن ذلك ، والله يختبر العباد وليس للعباد أن يختبروا الله عز وجل.

- التوكل على الله سبب وهو من أقوى الأسباب في حصول المأمول ومن اعتمد على عقله ضل ومن اعتمد على جاهه ذل ومن اعتمد على ماله قل ومن اعتمد على الله لا قل ولا ضل ولا ذل.

- من تمام التوكل على الله عز وجل العمل بشرعه ومن شرعه اتخاذ الأسباب وأخذ ظروف الواقع بعين الاعتبار دون إفراط أو تفريط ، ومن حقق ذلك فهو المتوكل حقاً وكان الله حسبه.

- التوكل وغيره من الأسباب الشرعية كالدعاء وتقوى الله والاستغفار مما يُستدفع به المقدور المكروه ويُستجلب به المقدور المحبوب ، والقدر يُدفع بعضه ببعض كما يُدفع قدر المرض بالدواء وقدر الذنوب بالتوبة وقدر العدو بالجهاد فكلاهما من القدر والله يلوم على العجز ويحب الكيس ويأمر به ، والكيس هو مباشرة الأسباب التي ربط الله بها مسبباتها النافعة للعبد في معاشه ومعاده فهذه تفتح عمل الخير ، أما العجز فإنه يفتح عمل الشيطان ومن صدق توكله على الله في حصول شيء ناله ، وتحقيق وعد الله الكريم لا يعلم كيفيته وموعده إلا الله فلا يُقال كيف ولا متى ولكن يوقن بذلك وينتظر الفرج ويرضى بتدبير الله له وتصاريف الله تعالى خفية عجيبة ، وإذا ثبت في نفسك أنه لا فاعل لما يُريد مُطلقاً سوى الله واعتقدت مع ذلك أنه تام القدرة والعلم والرحمة وأنه ليس

ص: 62

وراء قدرته قدرة ولا وراء علمه علم ولا وراء رحمته رحمة اتكل قلبك عليه وحده لا محالة ولم يلتفت إلى غيره بوجه وليس معنى التوكل ترك الكسب بالبدن وترك التدبير بالقلب.

- الله الذي أمر بالتوكل هو الذي أمر باتخاذ الأسباب المشروعة.

- من اعتمد قلبه على الله في جلب المنافع ودفع المضار وقرن مع ذلك فعل الأسباب المُستطاعة شرعاً وقدراً فهو المتوكل حقاً.

- السنة الكونية هي القانون الإلهي المطَرد الثابت الذي لا يتخلَف إلا لحكمة إلهية بالغة كالمعجزة والكرامة ، والله عز وجل جعل لهذا الكون نواميس وقوانين ينتظم بها وإن كان هو عز وجل قادراً على خرق هذه النواميس وتلك القوانين ، وإن كان لا يخرقها لكل أحد.

- كون الله قادراً على الشيء لا يعني أن المسلم قادر عليه أيضاً ، فقدرة الله صفة خاصة به وقدرة العبد خاصة به والخلط بين قدرة الله والإيمان بها وقدرة العبد وقيامه بما أمره الله به كثيراً ما يحصل وهو خطأٌ بيَن.

• من كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه ولا يضره إلا أذى لابد منه كالحر والبرد والجوع والعطش وأما أن يضره العدو بما يبلغ به مراده فلا يكون إلا لعاقبة حسنة عاجلة أو آجلة أو كلاهما.

• الله تعالى إذا حكم لا مرد له ولا معقَب لحكمه فمن قسم الله له نصيباً دنيوياً أو دينياً فلابد له من حصوله ومن لم يقسم الله له ذلك فلا سبيل إليه ألبتة حتى يدخل الجمل في سم الخياط ، وطلب الرزق مشروع وما يُفتح بالطلب والكسب يكون من طيب وخبيث وما يُفتح بالتوكل لا يكون إلا طيباً.

• من صدق توكله على الله في حصول شيء فناله فإن كان ما ناله محبوباً لله مرضياً كانت له فيه العاقبة المحمودة وإن كان مسخوطاً مبغوضاَ كان ما حصل له بتوكله مضرة عليه ، وإن كان مباحاً حصلت له مصلحة التوكل دون مصلحة ما توكل فيه إن لم يستعن به على طاعته.

• المخلوق ليس عنده للعبد نفع ولا ضر بل ربه هو الذي خلقه ورزقه وبصره وهداه وأسبغ عليه فإذا مسه الله بضر لم يكشفه عنه غيره وإذا أصابه بنعمة لم يرفعها عنه سواه والعبد المخلوق لا ينفعه ولا يضره إلا بإذن الله.

ص: 63

• إذا توكل العبد على ربه وسلم له وفوض إليه أمره أمده الله بالقوة والعزيمة والصبر وصرف عنه الآفات التي هي عُرضة اختيار العبد لنفسه وأراه من حسن عواقب اختياره له ما لم يكن ليصل إلى بعضه بما يختاره هو لنفسه.

• ارض عن الله في جميع ما يفعله بك فإنه ما منعك إلا ليعطيك ولا ابتلاك إلا ليعافيك ولا أمرضك إلا ليشفيك ولا أصابك إلا ليحييك وكن كما قال القائل أصبحت والسراء والضراء مطيتان على بابي لا أبالي أيهما ركبت.

• ينبغي التفويض لمن يعلم عواقب الأمور والرضا بما يقضيه عليك لما ترجوه من حسن عاقبته وألا تقترح على ربك ولا تسأله ما ليس لك به علم فلعل مضرتك فيه وأنت لا تعلم فلا تختار على ربك بل اسأله حسن العاقبة فيما يختاره لك ولربما طمحت نفسك لسبب من الأسباب الدنيوية التي تظن أن بها إدراك بُغيتك فيعلم الله أنها تضرك وتصدك عما ينفعك فيحول الله بينك وبينها فتظل كادحاً للمقدور ولم تدر أن الله قد لطف بك وهو الحليم الغفور.

• المسلم إذا علم أن ما قدره الله كائن وأن كل ما ناله من خير أو شر إنما هو بقدر الله وقضاءه هانت عليه المصائب ولم يجد مرارة شماتة الأعداء وتشفي الحسدة ، وقد جعل الله لكل شيء قدراً أي تقديراً وتوقيتاً أو مقداراً.

• من يتوكل على الله في دينه ودنياه بأن يعتمد على الله في جلب ما ينفعه ودفع ما يضره ويثق به في تسهيل ذلك فهو حسبه وكافيه الأمر الذي توكل عليه به ولكن ربما أن الحكمة الإلهية اقتضت تأخيره إلى الوقت المناسب له ، فلذلك قال تعالى في سورة الطلاق بعد أمره بالتوكل إن الله بالغ أمره أي لابد من نفوذ قضائه وقدره ولكنه قد جعل لكل شيء قدراً أي وقتاً ومقداراً لا يتعداه ولا يقصر عنه ، فلا يستعجل المسلم النتائج.

• من تمام التوكل على الله الصبر على الأذى في سبيله والعاقبة للمتقين.

• توكل العبد على الله هو أن يعتمد عليه وأن يثق في قدرته التامة على تدبير الأمور كيف شاء ومتى شاء، وما وقع للأنبياء والأولياء من أنواع الابتلاء ليس هو من ضعف التوكل ولا يدل على نقصه عندهم بل التوكل عقيدة سابقة للمخوف يريدها الله من العبد ومن منافعها أن تكون عوناً له على تحمل ما يحذره ويخافه وما يقع بعد ذلك منه إنما هو ابتلاء وامتحان أو كفارة ورفع درجة تزيد الإيمان والتقوى ، والله عز وجل لا يترك أولياءه إلى أعدائه إلا فترة الإعداد والابتلاء ثم

ص: 64