الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[معالم الحكمة في أساليب الدعوة]
[المعلم الأول القول الحسن]
معالم الحكمة في أساليب الدعوة يقصد بالأساليب هنا ما يتعاطاه رجل الدعوة من طرق وصيغ يتوصل من خلالها إلى إبلاغ الحق إلى الناس، وتبصيرهم بما ينفعهم ودفع ما يضرهم.
وهذه الأساليب في جملتها قولية كلامية، أو تعامل مباشر مع المدعوين في ترفق ولين، وغض عن الهفوات، وسلوك نهجي الترغيب والترهيب، والشدة واللين.
وهذا شيء من بسط لهذه الأساليب:
* * * *
المعلم الأول: القول الحسن إذا أحكم صاحب الدعوة قوله وسدد لفظه فقد أوتي من الحكمة بابا عظيما. يقول الله عز وجل: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83](1) .
ويقول طلحة بن عمر: قلت لعطاء: إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة وأنا رجل في حدة فأقول لهم بعض القول الغليظ؟ فقال: لا تفعل. يقول الله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83] يقول عطاء: فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي!!
وأورد القرطبي في تفسيره على هذه الآية حديثا عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يا عائشة لا تكوني فحاشة فإن الفحش لو كان رجلا
(1) سورة البقرة، آية:83.
لكان رجل سوء» (1) .
ويعلق القرطبي رحمه الله فيقول: وهذا حض على مكارم الأخلاق فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينا، ووجهه منبسطا طلقا مع البر والفاجر، والقريب والغريب من غير مداهنة. ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه. . إلخ (2) .
والقول يكون حسنا وحكمة بقدر ما يعتني بأصول الكلام، ويبتعد عن فضوله. . يتحرك بنبضات القلب الحي، وهواجس النفس الصادقة.
ويحسن الكلام حين يكون قصدا عدلا ليس بالإيجاز المخل ولا الطويل الممل، وقد كانت خطبه عليه الصلاة والسلام قصدا كما في الحديث الصحيح
(1) القرطبي 2 / 16.
(2)
القرطبي 2 / 16.
عند مسلم من رواية جابر بن سمرة رضي الله عنه. وتأملوا في هذا الحوار الهادئ، والقول الحسن في الجدال الحسن: «فهذا حصين الخزاعي والد عمران كانت قريش تعظمه وتجله فطلبت منه أن يكلم محمدا صلى الله عليه وسلم في آلهتها فقد كان محمد يذكرها ويسبها. فجاء حصين ومعه قريش حتى جلسوا قريبا من باب النبي صلى الله عليه وسلم ودخل حصين فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: أوسعوا للشيخ، فقال حصين: ما هذا الذي بلغنا عنك؟ أنك تشتم آلهتنا. فقال: يا حصين كم تعبد من آله؟ قال سبعا في الأرض، وواحدا في السماء. فقال: فإذا أصابك الضر فمن تدعو؟ قال: الذي في السماء. قال: فإذا هلك المال من تدعو؟ قال: الذي في السماء. قال: يستجيب لك وحده وتشرك معه؟ يا حصين أسلم تسلم، فأسلم فقام إليه ولده عمران فقبل رأسه ويديه ورجليه. فلما أراد حصين الخروج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
شيعوه إلى منزله» (1) .
عجبا! دخل كافرا ناقما منتقما. . فخرج مسلما صادقا. ليت شعري كيف كان حال قريش مع صاحبها ووجيهها!!
ويدخل في ذلك: القول اللين الذي يستثير النوازع البشرية ووشائج القربى، وعبارات الحنو والشفقة، فإبراهيم عليه السلام ينادي أباه بكلمات شفوقة. {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا - يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا - يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا - قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا - قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 43 - 47] (2) .
(1) أهل العلم مختلفون في إسلام حصين، والأرجح القول بإسلامه كما ذكر الحافظ ابن حجر وغيره.
(2)
سورة مريم، الآيات: 42 - 47.