المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المعلم الربع أدب التعامل] - مفهوم الحكمة في الدعوة

[صالح بن حميد]

الفصل: ‌[المعلم الربع أدب التعامل]

وكما قالت أم الدرداء: (من وعظ أخاه سرا فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه) .

[المعلم الربع أدب التعامل]

المعلم الرابع: أدب التعامل كان الكلام فيما سبق تنبيها على مواطن الحكمة في القول والمخاطبة وحسن المجادلة.

وفي هذه الفقرات إشارات إلى بعض ما ينبغي من أدب التعامل مع المدعوين، وبخاصة حينما يرى عليهم ما يستحق التنبيه، ويستوجب الملاحظة والتغيير.

وسوف ينتظم هذا الحديث صورا من اللين في التعامل، ثم المداراة وإقالة العثرات، ومواطن الترغيب والترهيب.

* * * *

ص: 45

صورة من اللين في التعامل النفوس مجبولة على حب من يحسن إليها ويتلقاها باللين ويبسط لها في المحيا.

والشدة قد تدفع إلى المكابرة والنفور والإصرار، فتأخذ النفس العزة بالإثم. على نحو ما سبق بسطه، فالتعامل المؤثر ما كان دمثا يفتح القلوب ويشرح الصدور فمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمؤمنون رحماء بينهم.

يروي معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أماه، ما شأنكم تنظرون؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فعرفت أنهم يصمتونني فلما رأيتهم يسكتونني لكني سكت. قال: فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي ما ضربني ولا سبني» .

ص: 46

وفي رواية: «فما رأيت معلما قط أرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: " إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» .

وفي مدلولها قصة الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد فقام الصحابة لينهروه فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فلما فرغ دعاه عليه الصلاة والسلام قائلا له:«إن المساجد لا تصلح لهذا إنما هي لذكر الله والصلاة ". فولى الأعرابي وهو يقول: اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضحك: " لقد حجرت واسعا» .

قال الحافظ معلقا على أمثال هذه الوقائع: والمراد من قرب إسلامه وترك التشديد عليه في الابتداء، وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليقبل، وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج، لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلا حبب إلى من يدخل فيه

ص: 47

وتلقاه بانبساط، وكانت عاقبته غالبا الازدياد بخلاف ضده، والله أعلم.

وفي هذا يقول الإمام أحمد: (كان أصحاب ابن مسعود إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون يقولون: مهلا رحمكم الله) .

ودعي الحسن البصري رحمه الله إلى عرس فجيء بجام من فضة (أي قدح أو إناء) عليه خبيص أو طعام (والخبيص طعام من التمر والسمن) فتناوله فقلبه على رغيف فأصاب منه فقال رجل: هذا نهي في سكون.

ويروى أن الخليفة المأمون وعظه واعظ فأغلظ له في القول فقال: يا رجل ارفق فقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني وأمره بالرفق. فقال تعالى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى - فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 43 - 44](1) .

(1) سورة طه، الآيتان: 43 - 44.

ص: 48