الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما التعريض فيستميل النفوس الفاضلة، والأذهان الذكية، والبصائر اللماحة.
قيل لإبراهيم بن أدهم: الرجل يرى من الرجل الشيء أو يبلغه عنه، أيقوله له؟ قال: هذا تبكيت، ولكن تعرض.
وكل ذلك من أجل رفع الحرج عن النفوس، واستثارة داعي الخير فيها. كيف والتعريض سنة محفوظة عن النبي صلى الله عليه وسلم في مخاطبة أصحابه:«ما بال أقوام يفعلون كذا ويقولون كذا» .
[المعلم الثالث النصيحة لا الفضيحة]
المعلم الثالث: النصيحة لا الفضيحة أردت تخصيص النصيحة بالذكر هنا وإن كانت داخلة في كل ما سبق. . بل النصيحة مقصود أعظم في الدعوة. إن لم تكن هي الدعوة كلها.
ولكن المراد هنا الإشارة إلى آداب النصيحة
كمظهر من مظاهر الحكمة في الدعوة، وبخاصة إذا ما حاولنا البعد بالنصيحة عن أن تكون تشهيرا وفضيحة. يوضح ذلك في ما رمناه الحافظ ابن القيم رحمه الله حين يقول:(والنصيحة إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة والشفقة عليه والغيرة له، وعليه فهو إحسان محض يصدر عن رحمة ورقة، مراد الناصح بها وجه الله ورضاه والإحسان إلى خلقه. . .) .
فهي دعوة إصلاح يجب أن يتمخض فيها الإخلاص لله، مع المحافظة على مشاعر المنصوح على نحو ما سبق في المعالم السابقة لئلا ينقلب النصح مخاصمة وجدالا وشرا ونزاعا.
يؤكد جانب الدقة في هذا الأمر أن ذكر الإنسان بما يذكره هو على أصل التحريم. وقد قيل لبعض السلف: (أتحب أن يخبرك أحد بعيوبك فقال: إن كان يريد أن يوبخني فلا) .
ولا يكاد يفرق بين النصيحة والتعيير إلا النية والباعث والحرص على الستر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم السيد أن يثرب أمته - أي يلومها على ذنبها - فقال عليه الصلاة والسلام:«إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها ولا يثرب» . . . " الحديث (1) .
يقول الفضيل: (المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير) وكانوا يقولون: (من أمر أخاه على رءوس الملأ فقد عيره) .
ذلك أن الناصح الصادق ليس له غرض في إشاعة عيوب من ينصح له، وإنما غرضه إزالة المفسدة، وإخراج أخيه من غوائلها.
وشتان بين من قصده النصيحة، ومن قصده الفضيحة، ولا تلتبس إحداهما بالأخرى.
(1) متفق عليه.