الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هم المتقون. .
[الإخلاص]
ب - الإخلاص وهذا باب عظيم معلوم نظريا ولكن تحقيقه - والله - إنه لعزيز. ومن حقق هذه الصفة لم يلتفت إلى نظر الناس ولا إلى أشيائهم أو تلمس مراضيهم، ويحضرني هنا قول الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: إن بعض الناس يدعو إلى الله وهو إنما يدعو إلى نفسه.
وأعظم الناس مطالبة بهذه الخصلة وأشد الناس حاجة إليها العلماء والدعاة. ومن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة من ضيع هذه الخصلة، ولقد قال الغزالي رحمه الله في الإحياء محذرا من الشهوة الخفية الداعية إلى الشرك الخفي:
(إن الداعي قد يرى حين الدعوة والقيام بها عز نفسه بالعلم والدين، وذل غيره بالجهل والتقصير،
فربما قصد بالدعوة إظهار التميز على غيره، وإذلال المدعو بإشعاره - ولو من طرف خفي - بالجهل وخسة أهل الجهل والتقصير وسوء حال المقصرين) .
قال: (وهذه مذلة عظيمة وغائلة هائلة، وغرور للشيطان يطوق به كل إنسان إلا من عرفه الله عيوب نفسه، وفتح بصيرته بنور هدايته. فإن في الاحتكام على الغير لذة للنفس عظيمة) .
ولم يقتصر الغزالي رحمه الله على هذا الإيضاح بل زاد في بيان المعيار والمحك في ذلك حيث قال: (وهناك محك ومعيار ينبغي أن يمتحن الداعي به نفسه، وهو أن يكون قيام غيره بالدعوة وإصلاح الناس واستجابتهم لغيره أحب إليه من استجابتهم له. فإن كان يود أن يكفيه غيره فهو على خير، وإن كان لا يحب ذلك لغيره من أهل العلم والدعوة فما هو إلا
متبع هوى نفسه، متوسل إلى إظهار جاه نفسه بواسطة دعوته. فليتق الله تعالى فيه وليدع أولا نفسه) (1) .
لكن قوله: (أن يكون دعوة غيره أحب إليه من دعوته بنفسه) هذا عندي محل نظر، وبخاصة مع قوله عليه الصلاة والسلام:«فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم» (2) . فالتنافس في هذا تنافس على الخير، ومع قوله تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} [فصلت: 33](3) .
ويتلمس الإخلاص وصلاح النية في غير المنافسة المشروعة.
(1) بتصرف وحذف، الإحياء 2 / 329. وما بعدها.
(2)
متفق عليه من حديث سهل به سعد.
(3)
سورة فصلت، آية:33.