الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الفصل الثّالث في ما كان يقوله صلى الله عليه وسلم قبل الطّعام وبعده]
الفصل الثّالث في ما كان يقوله صلى الله عليه وسلم قبل الطّعام وبعده كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضعت المائدة
…
(الفصل الثّالث من الباب الرّابع (فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلم أي: في بيان الأخبار الواردة في الذّكر الّذي كان يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(قبل الطّعام) ،
وهو التّسمية،
(وبعده)
أي: بعد الفراغ من الطّعام؛ وهو الحمدلة.
قال الباجوري: وينبغي أنّ مثل الطّعام الشّراب، بل هو منه، كما يؤخذ من قوله تعالى- فيما حكاه القرآن- وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي [249/ البقرة] . انتهى.
قال حجّة الإسلام في «الإحياء» : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضعت المائدة) - هي خوان عليه طعام، وإلّا فهو خوان؛ لا مائدة. كذا في «الصّحاح» .
وفي «فتح الباري» : وقد تطلق المائدة ويراد بها ما عليه الطّعام؛ وإن لم يكن خوان، وقد تطلق على الطّعام نفسه. ونقل عن البخاري أنّه قال:
إذا أكل الطّعام على شيء ثم رفع قيل: رفعت مائدته. وسمّيت «مائدة» !! قيل: لأنّها تميد بما عليها، أي: تتحرّك من قوله تعالى وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ [31/ الأنبياء] . وقيل: من ماد أعطى، فكأنّها تميد، أي: تعطي من حواليها ممّا أحضر عليها، وأجاز بعضهم أن يقال فيها: ميدة، كقول الرّاجز:
قال: «باسم الله، اللهمّ؛ اجعلها نعمة مشكورة تصل بها نعمة الجنّة» .
وميدة كثيرة الألوان
…
تصنع للجيران والإخوان
(قال: «باسم الله)، قال النّووي في «الأذكار» : أجمع العلماء على استحباب التّسمية على الطّعام في أوّله، فإن ترك في أوّله عامدا أو ناسيا أو مكرها أو عاجزا لعارض آخر، ثم تمكّن في أثناء أكله! استحبّ أن يسمّي ويقول:«باسم الله أوّله وآخره» .
والتّسمية في شرب الماء واللّبن والعسل والمرق وسائر المشروبات كالتّسمية في الطّعام في جميع ما ذكرناه، ويستحبّ أن يجهر بالتّسمية ليكون فيه تنبيه لغيره على التّسمية، وليقتدى به في ذلك، والأفضل أن يقول:«بسم الله الرحمن الرحيم» ، فإن قال:«باسم الله» ! كفاه، وحصلت السّنّة، وسواء في ذلك الجنب والحائض وغيرهما.
وينبغي أن يسمّي كلّ واحد من الآكلين، فلو سمّى واحد منهم؟ أجزأ عن الباقين. انتهى. قال ابن علّان في «شرحه» : قوله: أجزأ عن الباقين، وكذا يجزيء عمّن لحقهم؛ أو لحق من لحقهم تبعا لهم، فإن جاء واحد أو جمع بعد فراغ الجميع؟ فلا تكفي التّسمية السّابقة بالنّسبة إليه؛ أو إليهم.
ووقع التّردّد فيما لو كثر الآكلون كثرة مفرطة، واتّسعت خطّتهم بحيث لا ينسب عرفا أوّلهم لآخرهم؛ وسمّى واحد حال اجتماع الجميع، هل يكفي عنهم حينئذ؟
والّذي يتّجه أنّه لا يكفي، لأنّ انتفاء النّسبة العرفية يقتضي انتفاءها حقيقة، والمدار هنا ليس إلّا عليها. انتهى.
(اللهمّ) ؛ أي: يا الله، (اجعلها نعمة مشكورة) أي: نشكرك عليها، ونتقوّى بها على طاعتك، وما يقرب إليك، (تصل بها نعمة الجنّة» ) .
قال العراقي: أمّا التّسمية فرواها النّسائي من رواية من خدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثمان
وكان صلى الله عليه وسلم إذا قرّب إليه طعام.. يقول:
«باسم الله» ، فإذا فرغ.. قال:«اللهمّ؛ أطعمت وسقيت، وأغنيت وأقنيت، وهديت واجتبيت، فلك الحمد على ما أعطيت» .
سنين أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرّب إليه طعاما قال: «باسم الله»
…
الحديث، وإسناده صالح، وأمّا بقيّة الحديث، لم أجده. نقله عنه في «شرح الإحياء» .
(و) أخرج النّسائي، وابن السنّي- بإسناد صحيح؛ كما في «فتح الباري» - عن عبد الرحمن بن جبير التّابعي، أنّه حدّثه رجل خدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثماني سنين أنّه (كان) يسمع النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا قرّب إليه طعاما) ليأكل (يقول:«باسم الله» ) فقط في ابتدائه. وفي رواية أبي الحسن بن الضحاك، من طريق ميسرة، عن أنس:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يأكل طعامه يسمّي عند ثلاث لقم، عند كل لقمة مرّة، فلعله فعل ذلك- إن صحّ- مرّة!.
(فإذا فرغ) من الأكل؛ (قال: «اللهمّ؛ أطعمت وسقيت وأغنيت) من شئت بالكفاية في الأموال، (وأقنيت) ؛ أي: أعطيت المال المتّخذ قنية، وهي ما يماثل من الأموال، وفي هذا الذّكر اقتباس من قوله تعالى وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (48)[النجم] .
(وهديت) ؛ أي: أوصلت من شئت من العباد إلى طرق الرّشاد (واجتبيت) .
كذا في نسخ من «المواهب» ؛ من الاجتباء، وفيه تلميح لقوله تعالى وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ [87/ الأنعام] وفي نسخ: وأحييت؛ من الإحياء، والأولى أنسب.
(فلك الحمد على ما أعطيت» ) ؛ أي: جميع الّذي أعطيته، أو على جميع عطائك ممّا ذكر؛ وممّا لم يذكر، ف «ما» موصولة أو مصدريّة.
وفي رواية لأحمد: «فلك الحمد غير كفور» أي: مجحود فضله ونعمته.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا رفعت مائدته.. قال: «الحمد لله حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه، الحمد لله الّذي كفانا وآوانا، غير مكفيّ
ونبّه بهذا الحديث ونحوه على أنّ الحمد كما يشرع عند ابتداء الأمور يشرع عند اختتامها، ويشهد له قوله تعالى وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10)[يونس] ، وقوله وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
(75)
[الزمر] .
(وكان) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفعت مائدته؛ قال) يحتمل أن يكون قال ذلك جهرا، وهو ظاهر سياق حديث أبي أمامة الآتي، ويحتمل أنّه أسرّ به، ولما رآه أبو أمامة يحرّك شفتيه سأله فعلّمه؛ ثمّ السّنّة للآكل ألايجهر بالحمد إذا فرغ من الطّعام قبل جلسائه؛ كيلا يكون منعا لهم.
( «الحمد لله) لذاته وصفاته وأفعاله الّتي من جملتها الإنعام بالإطعام؛ (حمدا) - مفعول مطلق للحمد- (كثيرا) - صفة المفعول المطلق- والكثرة، المراد منها: عدم النّهاية، إذ لا نهاية لحمده تعالى كما لا نهاية لنعمه-.
(طيّبا) خالصا من الرّياء والسّمعة والأوصاف الّتي لا تليق بجنابه، تقدّس؛ لأنّه طيّب لا يقبل إلّا طيّبا، أو خالصا عن أن يرى الحامد أنّه قضى حقّ نعمته.
(مباركا) بفتح الرّاء (فيه) ؛ أي في الحمد، وهو مفعول أقيم مقام فاعل «مبارك» أي: ما وقع فيه البركة واليمن والزّيادة والثّبات.
والمعنى: حمدا ذا بركة دائما لا ينقطع؛ لأنّ نعمه تعالى لا تنقطع، فينبغي أن يكون حمدنا غير منقطع أيضا، ولو نيّة وقصدا.
(الحمد لله الّذي كفانا وآوانا غير) - بالنّصب- حال من الاسم الكريم، والرّفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هو غير (مكفيّ) - بفتح الميم وسكون الكاف وشدّ التّحتيّة- أي: غير مردود ولا مقلوب.
والضّمير راجع للطّعام الدّال عليه السّياق، أو هو من الكفاية، فيكون من المعتلّ، يعني: أنّه تعالى هو المطعم لعباده، والكافي لهم، أي: أنّه تعالى غير
ولا مكفور ولا مودّع ولا مستغنى عنه
…
مكفيّ رزق عباده. أي: غير محتاج إلى أحد في كفايتهم، إذ لا يكفيهم أحد غيره سبحانه وتعالى، فالضّمير راجع إلى الله تعالى.
ودليل هذا حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال:
دعا رجل من الأنصار من أهل قباء رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فانطلقنا معه، فلمّا طعم النّبيّ صلى الله عليه وسلم وغسل يده قال:
رواه النسائي واللفظ له، والحاكم، وابن حبّان في «صحيحيهما» ، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وقيل: إنّ الضّمير راجع إلى الحمد، أي: إنّ الحمد غير مكفيّ.
(ولا مكفور) أي: غير مجحود نعم الله سبحانه وتعالى فيه، بل مشكورة؛ غير مستور الاعتراف بها، والحمد عليها.
(ولا مودّع) - بضمّ الميم وفتح الواو والدّال المهملة المشدّدة- أي: غير متروك. وبكسر الدّال، أي: حال كوني غير تارك له، فمؤدّى الروايتين واحد؛ وهو دوام الحمد، واستمراره للكريم سبحانه.
(ولا مستغنى عنه) - بفتح النّون والتّنوين-؛ أي حمدا لا يكتفى به، بل يعود إليه كرّة بعد كرة، ولا يتركه، ولا يستغني عنه أحد، بل حمدا يحتاج إليه كلّ منهم لبقاء نعمه واستمرارها.
ولم يصب من جعله عطف تفسير؛ محتجّا بأنّ المتروك هو المستغنى عنه، لظهور أنّ فيه فائدة «لم يفدها ما قبله» هي أنّه لا استغناء لأحد عن الحمد، إذ لا فيض إلّا منه سبحانه، فيجب على كلّ مكلّف؛ إذ لا يخلو أحد عن نعمة، بل
ربّنا» . وكان إذا فرغ من طعامه.. قال: «اللهمّ؛ لك الحمد،..
نعم لا تحصى، وهو في مقابلة النّعم واجب، فالآتي به في مقابلتها يثاب عليه ثواب الواجب، ومن أتى به؛ لا في مقابلة شيء! أثيب ثواب المستحب، أمّا شكر المنعم بمعنى امتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ فواجب على كل مكلّف شرعا، ويأثم بتركه إجماعا.
(ربّنا» ) بالرّفع على أنّه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو ربّنا.
وبالنّصب على المدح أو الاختصاص، أو إضمار: أعني.
أخرج البخاري من حديث أبي أمامة: كان إذا فرغ من طعامه قال: «الحمد لله الّذي كفانا، وأوانا، وأروانا، غير مكفيّ ولا مكفور» . وقال مرّة «لك الحمد ربّنا غير مكفيّ ولا مودّع ولا مستغنى عنه ربّنا» .
وروى الجماعة إلّا مسلما من حديث أبي أمامة: كان إذا رفع مائدته؛ قال:
«الحمد لله كثيرا طيّبا مباركا فيه غير مكفيّ، ولا مودّع، ولا مستغنى عنه ربّنا» .
وفي رواية الترمذيّ وابن ماجه، وإحدى روايات النّسائي «الحمد لله حمدا» ، وفي لفظ للنّسائي «اللهمّ لك الحمد حمدا» . ذكره في «شرح الإحياء» .
ورواه الترمذي في «الشمائل» عن أبي أمامة بلفظ: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفعت المائدة من بين يديه يقول: الحمد لله حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه، غير مودّع ولا مستغنى عنه ربّنا» .
(و) أخرج الإمام أحمد بسند رجاله ثقات إلّا عبد الله بن عامر الأسلميّ ففيه ضعف من قبل حفظه؛ كما قال الحافظ ابن حجر عن رجل من بني سليم له صحبة، ولفظه:
(كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا فرغ من) أكل (طعامه قال: «اللهمّ؛ لك الحمد) ، لأنّ الطّعام نعمة، والحمد عقيب النّعم يقيّدها ويؤذن باستمرارها
أطعمت وسقيت، وأشبعت وأرويت، فلك الحمد غير مكفور ولا مودّع ولا مستغنى عنك» .
وعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه قال:
…
وزيادتها، كما قيل: الحمد قيد للموجود صيد للمفقود. فلذلك أتى صلى الله عليه وسلم بتلك الصّفات البليغة، تحريضا لأمّته على التّأسّي به في ذلك؛ فقال:
( «أطعمت وسقيت، وأشبعت وأرويت) - كلها بفتح التاء خطاب لله عز وجل (فلك الحمد) - أي: على ما أعطيت- (غير مكفور) - أي: غير مجحود فضله ونعمته (ولا مودّع) - بتشديد الدال- (ولا مستغنى عنك» ) .
قال العراقي: رواه الطّبراني من حديث الحارث بن الحارث بسند ضعيف.
قلت: وهو صحابي أزدي. انتهى «شرح الإحياء» .
(و) أخرج الإمام أحمد والأربعة والترمذي، في «الشمائل» وصححه الضياء في «المختارة» ؛ (عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر- بالباء الموحدة وبالجيم- وهو؛ خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي (الخدريّ) - بضمّ الخاء المعجمة وإسكان الدّال المهملة- نسبة إلى خدرة؛ جدّه الّذي هو الأبجر- مرّ في نسبه-.
استصغر يوم أحد؛ فردّ، وغزا بعد ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة، وكان أبوه مالك صحابيّا، استشهد يوم أحد، وهو من المكثرين في الرّواية.
روي له عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ألف حديث ومائة وسبعون حديثا؛ اتّفق البخاريّ ومسلم على ستّة وأربعين منها، وانفرد البخاريّ بستّة عشر، ومسلم باثنين وخمسين.
قالوا: ولم يكن من أحداث الصّحابة أفقه من أبي سعيد الخدري. - وفي رواية: أعلم-! ومناقبه كثيرة.
وتوفي بالمدينة المنوّرة يوم الجمعة سنة: - 64- أربع وستين، وقيل: سنة أربع وسبعين. ودفن بالبقيع (رضي الله تعالى عنه؛ قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من طعامه.. قال:
«الحمد لله الّذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين» .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب.. قال:
«الحمد لله الّذي أطعم وسقى، وسوّغه وجعل له مخرجا» .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من) أكل (طعامه) - سواء كان في بيته مع أهله؛ أو مع أضيافه؛ أو في منزل الضّيف. ولفظ التّرمذي في «جامعه» : كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب- (قال:
«الحمد لله) - فائدة إيراد الحمد بعد الطّعام أداء شكر المنعم وطلب المزيد، قال تعالى لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [7/ إبراهيم] .
ولمّا كان الباعث على الحمد هو الطّعام ذكره أوّلا لزيادة الاهتمام؛ فقال (الّذي أطعمنا)، ولمّا كان السّقي من تتمّته أردفه به؛ فقال:(وسقانا) ، فإنّه يقارنه في الأغلب، إذ الأكل لا يخلو غالبا عن الشّرب في أثنائه.
وختم ذلك بقوله: (وجعلنا مسلمين» ) ؛ أي: منقادين لجميع أمور الدّين؛ للجمع بين الحمد على النّعم الدّنيويّة، والنّعم الآخرويّة. وإشارة إلى أنّ الأولى بالحامد ألايجرّد حمده إلى دقائق النّعم، بل ينظر إلى جلائلها، فيحمد عليها، لأنّها بذلك أحقّ، ولأنّ الإتيان بالحمد من نتائج الإسلام.
(و) أخرج أبو داود، والنّسائي، وابن حبّان، وغيرهم، بإسناد صحيح؛ عن أبي أيّوب الأنصاري؛ رضي الله تعالى عنه قال:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال) عقبه (: «الحمد لله الّذي أطعم وسقى، وسوّغه) - بتشديد الواو-: سهل كلّا من دخول اللّقمة ونزول الشّربة في الحلق، ومنه وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ [17/ إبراهيم] . أي: يبتلعه، فالإفراد باعتبار المذكور. (وجعل له) أي: لما ذكر، (مخرجا) ؛ أي: السّبيلين.
وعن أبي أيّوب الأنصاريّ
…
قال الطيبي: ذكر نعما أربعا: الإطعام، والسّقي؛ والتّسويغ، ومكان الخروج؛ فإنّه خلق الأسنان للمضغ، والرّيق للبلع؛ وجعل المعدة مقسما للطّعام، ولها مخارج، فالصّالح منه ينبعث إلى الكبد، وغيره يندفع في الأمعاء، كلّ ذلك فضل ونعمة يجب القيام بواجبها؛ من الشّكر بالجنان، والبثّ باللّسان، والعمل بالأركان.
(و) أخرج التّرمذي في «الشّمائل» (عن أبي أيّوب) ؛ خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار (الأنصاريّ) ، الخزرجي النّجاري، المدني الصّحابي الجليل:
شهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق وبيعة الرّضوان وجميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة مهاجرا، وأقام عنده شهرا حتى بنيت مساكنه ومسجده.
روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وخمسون حديثا؛ اتّفق البخاري ومسلم على سبعة منها، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بخمسة.
وروى عنه خلق كثير من الصّحابة والتابعين؛ منهم البراء بن عازب، وجابر بن سمرة، وأبو أمامة الباهلي، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله بن عمر. وعروة بن الزّبير. وخرّج له السّتّة، وكان مع علي في حروبه كلّها.
ومات بأرض الروم غازيا سنة: إحدى وخمسين مع يزيد بن معاوية. لما أعطاه أبوه القسطنطينية؛ خرج معه فمرض، فلما ثقل عليه المرض؛ قال لأصحابه: إذا أنا متّ فاحملوني، فإذا صاففتم العدوّ فادفنوني تحت أقدامكم، ففعلوا ودفنوه قريبا من سورها.
وقبره بالقسطنطينيّة معروف إلى اليوم، والنّاس يعظّمونه ويستشفون به؛
رضي الله تعالى عنه قال: كنّا عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوما فقرّب طعام، فلم أر طعاما أعظم بركة منه أوّل ما أكلنا، ولا أقلّ بركة في آخره. فقلنا: يا رسول الله؛ كيف هذا؟ قال: «إنّا ذكرنا اسم الله تعالى حين أكلنا، ثمّ قعد من أكل؛ ولم يسمّ الله تعالى، فأكل معه الشّيطان» .
فيشفون، وهذا مصداق حديث:«من تواضع لله رفعه الله» . فلمّا قصد التواضع بدفنه تحت الأقدام رفعه الله بتعظيمهم له. (رضي الله تعالى عنه؛
قال: كنّا عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوما فقرّب) ؛ أي: إليه (طعام، فلم أر طعاما) كان (أعظم بركة منه أوّل ما أكلنا) ؛ أي: أوّل أكلنا ف «ما» مصدريّة، وهو منصوب على الظّرفيّة مع تقدير مضاف؛ أي: في أوّل وقت أكلنا.
ويدلّ عليه قوله: (ولا أقلّ بركة) - منه- (في آخره) ؛ أي: في آخر وقت أكلنا إيّاه، (فقلنا: يا رسول الله، كيف هذا؟!) أي: بيّن لنا الحكمة والسّبب في حصول عظمة البركة وكثرتها في أوّل أكلنا هذا الطعام، وفي قلّتها في آخره؟.
(قال: «إنّا ذكرنا اسم الله تعالى حين أكلنا) ، فبسبب ذلك كثرت البركة في أوّل أكلنا، وفيه إشارة إلى حصول سنّيّة التّسمية ب «بسم الله»
وأمّا زيادة «الرّحمن الرّحيم» !! فهي أكمل؛ كما قاله الغزالي والنّووي وغيرهما، وإن اعتراضه الحافظ ابن حجر بأنّه لم ير لأفضليّة ذلك دليلا خاصّا
فتندب التّسمية على الطّعام حتى للجنب والحائض والنّفساء، ولكن لا يقصدون بها قرآنا، وإلّا حرمت.
ولا تندب في مكروه؛ ولا حرام لذاتهما، بخلاف المحرّم والمكروه لعارض.
(ثمّ قعد من أكل؛ ولم يسمّ الله تعالى، فأكل معه الشّيطان» ) . أي: فبسبب ذلك قلّت البركة في آخره.
.........
وأكل الشّيطان محمول على حقيقته عند جمهور العلماء سلفا وخلفا، لإمكانه شرعا وعقلا، والشارع إذا أثبت شيئا لا يخرج عن دائرة الإمكان وجب اعتقاد حقيقته، وهذا من هذا القبيل.
قال الإمام النّوويّ: الصواب الّذي عليه جماهير العلماء من السّلف والخلف؛ من المحدثين والفقهاء والمتكلمين: أنّ هذا الحديث وشبهه من الأحاديث الواردة في أكل الشّيطان محمولة على ظواهرها، وأنّ الشّيطان يأكل حقيقة، إذ العقل لا يحيله والشّرع لا ينكره؛ فوجب قبوله واعتقاده. انتهى.
وقال النّوويّ أيضا في «شرح مسلم» وغيره: وينبغي أن يسمّي كلّ واحد من الآكلين، فإن سمّى واحد منهم! حصل أصل السّنّة؛ نصّ عليه الشّافعي.
ويستدلّ له بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أخبر بأنّ الشّيطان إنّما يتمكّن من الطّعام إذا لم يذكر اسم الله تعالى عليه! وهذا قد ذكر اسم الله عليه.
ولأنّ المقصود يحصل بواحد؛ فهو شبيه بردّ السّلام، وتشميت العاطس، فإنّه يجزىء فيه قول أحد الجماعة. انتهى.
ولا يشكل هذا الحديث على ما قاله الإمام الشافعي!! لأنّا نقول: الحديث محمول على أنّ هذا الرّجل حضر بعد التّسمية؛ فلم تكن تلك التسمية مؤثّرة في عدم تمكّن الشّيطان من الأكل معه.. وأمّا حمله على أنّ هذا الرّجل حضر بعد فراغهم من الطّعام!. ففيه بعد؛ لأنّه خلاف ظاهر الحديث، وكلمة «ثمّ» لا تدلّ إلّا على تراخي قعود الرّجل عن أوّل اشتغالهم بالأكل؛ لا عن فراغهم منه، كما ادّعاه من حمله على هذا.
وكلام الشّافعي مخصوص بما إذا اشتغل جماعة بالأكل معا؛ وسمّى واحد منهم، فتسمية هذا الواحد تجزىء عن الحاضرين معه وقت التّسمية، لا عن شخص لم يكن حاضرا معهم وقت التّسمية، إذ المقصود من التّسمية عدم تمكّن الشّيطان من أكل الطّعام مع الإنسان، فإذا لم يحضر إنسان وقت التّسمية عند الجماعة؛ لم تؤثّر
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يأكل الطّعام في ستّة من أصحابه، فجاء أعرابيّ فأكله بلقمتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لو سمّى.. لكفاكم» .
تلك التّسمية في عدم تمكّن شيطان ذلك الإنسان من الأكل معه فتأمّل. انتهى.
«شرح الأذكار» .
(و) أخرج التّرمذي في «الجامع» و «الشّمائل» - واللّفظ له-، والنّسائيّ، وابن ماجه، وابن حبّان في «صحيحه» وغيرهم- وقال التّرمذي: حديث حسن صحيح-
(عن عائشة رضي الله تعالى عنها؛ قالت: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يأكل الطّعام في ستّة) ؛ أي: مع ستّة (من أصحابه، فجاء أعرابيّ) - بفتح الهمزة- نسبة إلى الأعراب، وهم سكّان البادية. وفي «المصباح» : الأعرابي الذي يكون صاحب نجعة وارتياد للكلأ. زاد الأزهري: سواء كان من العرب أو من مواليهم، فمن نزل البادية أو جاور البادين، وظعن بظعنهم فهو أعرابي.
وإخبارها بذلك! إمّا 1- عن رؤيتها قبل الحجاب أو بعده، واقتصرت في الرّواية على رؤية الإناء، ولا يلزم منه رؤية الأعرابي!
أو 2- عن إخباره صلى الله عليه وسلم أو من غيره، فإن كان الأخير! فالحديث مرسل صحابي، وهو حجّة، خلافا للإسفرايني.
(فأكله) ؛ أي: جاء ولم يذكر التّسمية، وشرع في الأكل فأكل الطّعام المذكور، (بلقمتين) ؛ أي: في لقمتين. وهذا يدلّ على أنّ الطّعام كان قليلا في حدّ ذاته، وكفاية ستّة نفر بذلك الطّعام مع قلّته من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو سمّى) - وفي لفظ «أما إنّه لو سمّى» وفي لفظ «لو سمى الله» - (لكفاكم» ) وإياه، ببركة التّسمية، والمعنى: أنّ هذا الطّعام؛ وإن كان قليلا، لكن لو سمّى الأعرابي لبارك الله في الطّعام وكفاكم، لكن لمّا ترك
وعنها رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أكل أحدكم فنسي أن يذكر الله تعالى على طعامه..
فليقل: باسم الله أوّله وآخره» .
ذلك الأعرابيّ التّسمية انتفت البركة؛ لأنّ الشّيطان ينتهز الفرصة وقت الغافلة عن ذكر الله تعالى، وهذا تصريح بعظيم بركة التّسمية وفائدتها.
وفي هذا كمال المبالغة في زجر تارك التّسمية على الطّعام؛ لأنّ تركها يمحقه.
وفي الحديث: ما كان عليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم من التّواضع بالجلوس مع أصحابه والأكل معهم؛ بحيث يقدم الغريب فيأكل معه؛ (و) أخرج الإمام أحمد وأبو داود والتّرمذي في «الجامع» و «الشّمائل» ؛ واللّفظ له، وابن ماجه، والحاكم، ورجاله ثقات، وهو من تتمة الحديث السابق. (عنها) ؛ أي: عن عائشة (رضي الله تعالى عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إذا أكل أحدكم فنسي) - بفتح النّون وكسر السّين المخفّفة، أي: ترك نسيانا- (أن يذكر الله تعالى) ؛ أي: التّسمية، (على طعامه) - حين الشّروع في الأكل، ثمّ تذكّر في أثنائه أنّه ترك التّسمية- (فليقل:) ندبا (باسم الله) ؛ أي:
آكل (أوّله) - بفتح اللّام- (وآخره» ) - بفتح الرّاء، أي: عند أوّله وعند آخره، ويجوز الجرّ، أي: في أوّله وفي آخره.
ولا يقال: ذكر الأوّل والآخر يخرج الوسط!! لأنّا نقول: المراد بذلك التّعميم، فالمعنى: باسم الله على جميع أجزائه، فهو كقوله تعالى وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62)[مريم] فإنّ المراد به التّعميم، بدليل قوله تعالى أُكُلُها دائِمٌ [35/ الرعد] .
على أنّه يمكن أن يقال: المراد بأوله: النّصف الأوّل، وباخره: النّصف الثّاني؛ فلا واسطة.
وألحق أصحابنا الشّافعية بالنّسيان ما إذا تعمّد أو جهل، ومثل الأكل فيما ذكر
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل عند قوم.. لم يخرج حتّى يدعو لهم، فكان يقول:«اللهمّ؛ بارك لهم وارحمهم» ،
في ندب الذّكر المذكور كلّ ما يشتمل على أفعال متعدّدة؛ من نحو اكتحال، وتأليف، وشرب، ما لم يكره الكلام أثناءه كجماع. انتهى «شرح الأذكار» .
واعلم أنّ هذا الحديث، والّذي قبله، كلاهما حديث واحد، ذكره ابن علّان في «شرح الأذكار» عن ابن حجر، ولفظه:
عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يأكل طعاما في ستّة نفر من أصحابه، فجاء أعرابيّ فأكله بلقمتين، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«أما إنّه لو ذكر الله تعالى لكفاكم، فإذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى؛ فليقل باسم الله أوّله وآخره» حديث حسن، أخرجه أحمد وابن ماجه ورجاله ثقات. انتهى.
ثمّ ذكر أنّ ابن حجر ذكره من طريق أخرى عن عائشة؛ وقال: أخرجه أحمد وأبو داود والتّرمذي والنّسائي والحاكم، وقال التّرمذي: حديث حسن صحيح، ثمّ ذكر أنّ بعض المحدّثين ذكر الحديث مقتصرا على القطعة الأولى، وبعضهم مقتصرا على القطعة الأخيرة؛ كما فعل المصنف النّبهاني.
ثمّ قال: قال الحافظ: لحديث عائشة شاهد من حديث ابن مسعود أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من نسي أن يذكر الله تعالى في أوّل طعامه؛ فليقل حين يذكر «باسم الله أوّله وآخره» ؛ فإنّه يستقبل طعاما جديدا، ويمنع من كان يصيب منه» .
أخرجه الحافظ ابن حجر من طريق الطّبراني في «الأوسط» قال: وأخرجه ابن حبّان، قال الحافظ: ورجاله ثقات. انتهى.
(و) في «المواهب» و «الباجوري» : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل عند قوم لم يخرج) من دارهم (حتّى يدعو لهم، فكان يقول) - حين دعا في منزل عبد الله بن بسر المازني- (: «اللهمّ بارك لهم) فيما رزقتهم، واغفر لهم (وارحمهم» ) .
وكان يقول: «أفطر عندكم الصّائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة» .
رواه مسلم، قال: نزل النّبيّ صلى الله عليه وسلم على أبي، فقرّبنا له طعاما
…
الحديث.
وفيه: فقال أبي: ادع لنا
…
فذكره.
وللنّسائي: قال أبي لأخي: لو صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما. الحديث.
وفي أبي داود وابن ماجه؛ عنه: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدّمنا له زبدا وتمرا، وكان يحب زبدا وتمرا.
(وكان يقول) - حين دعا في منزل سعد لمّا أفطر عنده في رمضان- (: «أفطر عندكم الصّائمون، وأكل طعامكم) ؛ أي: وشرب شرابكم (الأبرار) ؛ صائمين ومفطرين، فمفاد هذه الجملة أعمّ مما قبلها. (وصلّت عليكم الملائكة» ) ؛ أي:
استغفرت لكم الملائكة الموكّلون بخصوص ذلك إن ثبت، وإلّا! فالحفظة، أو المعقّبات، أو رافعو الأعمال، أو الكلّ، أو بعض غير ذلك.
وفيه ندب الدّعاء بذلك بناء على أنّ الجملة دعائيّة، وهو أقرب من جعلها خبريّة، وذلك مكافأة له على ضيافته إيّاه. رواه أبو داود؛ عن أنس رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه، فجاء بخبز وزيت فأكل، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أفطر عندكم الصّائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلّت عليكم الملائكة» .
ورواه ابن ماجه وابن حبّان؛ عن عبد الله بن الزّبير رضي الله تعالى عنهما قال:
أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد بن معاذ فقال: «أفطر عندكم الصّائمون»
…
الحديث.
قال النّووي: قلت: هما قضيّتان جرتا لسعد بن عبادة؛ وسعد بن معاذ. وهو متّجه؛ لاختلاف المخرّجين!! وقد كثرت الأحاديث بدعائه صلى الله عليه وسلم بذلك في عدّة مواضع، فمنها ما وقع في قصّة أبي الهيثم، وفي آخرها: فأخذ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعضادتي
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أكل مع قوم.. كان آخرهم أكلا.
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «إذا وضعت المائدة..
فلا يقوم «1» الرّجل
…
الباب، وقال:«أكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة، وذكركم الله فيمن عنده» وقد سبقت قصّة أبي الهيثم، مع بيان من خرّجها.
روى أبو داود في «سننه» عن رجل، عن جابر رضي الله تعالى عنه قال:
صنع أبو الهيثم بن التّيّهان للنّبي صلى الله عليه وسلم طعاما، فدعا النّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلمّا فرغوا قال:«أثيبوا أخاكم» . قالوا: يا رسول الله؛ وما إثابته؟ قال: «إنّ الرّجل إذا دخل بيته فأكل طعامه وشرب شرابه؛ فدعوا له، فذلك إثابته» .
وروى ابن السّنّي وغيره بإسناد فيه ضعف؛ عن عمرو بن الحمق رضي الله تعالى عنه أنّه سقى رسول الله صلى الله عليه وسلم لبنا؛ فقال: «اللهمّ أمتعه بشبابه» . فمرّت عليه ثمانون سنة، لم ير شعرة بيضاء.
(و) روى البيهقي في «شعب الإيمان» ؛ عن جعفر الصّادق، عن أبيه محمد الباقر مرسلا:(كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل مع قوم) - في منزله أو غيره- (كان آخرهم أكلا) لئلّا يخجلهم فيقوموا قبل استيفاء حاجتهم.
(وروي عنه صلى الله عليه وسلم ؛ في حديث ابن عمرو مرفوعا، عند ابن ماجه والبيهقي، وضعّفه بقوله: أنا أبرأ من عهدته؛ (أنّه) صلى الله عليه وسلم (قال: «إذا وضعت المائدة فلا [يقوم] الرّجل)، أي: أحد الآكلين؛ لا صاحب الطّعام فقط، أي: يندب أن لا يقوم والمصنّف اختصر الحديث تبعا للباجوري؛ التّابع لما في «جمع الوسائل» للقاري ك «المواهب» . ولفظه عند ابن ماجه والبيهقي: «إذا وضعت المائدة فليأكل الرّجل ممّا يليه، ولا يأكل ممّا بين يدي جليسه، ولا من ذروة القصعة،
(1) في «وسائل الوصول» : يقم.
وإن شبع حتّى يفرغ [القوم] ؛ فإنّ ذلك يخجل جليسه، وعسى أن يكون له في الطّعام حاجة» .
وعن عمر بن أبي سلمة- ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإنّما تأتيه البركة من أعلاها، ولا يقوم رجل حتّى ترفع المائدة، ولا يرفع يده» ؛
(وإن شبع) . فالقيام مكروه، أو خلاف الأولى قبل رفع المائدة، بل رفع اليد؛ وإن شبع كذلك، ولو لم يقم، كما هو صريح الحديث، خلاف ما يوهمه اختصار المصنّف له (حتّى يفرغ [القوم] ) - لفظه: حتّى يرفع القوم، وليقعد (فإنّ ذلك) القيام (يخجل جليسه) فيقوم؛ لما جبلت عليه النّفوس من كراهة نسبتها إلى الشّره، وزيادة الأكل على غيرها، (وعسى أن يكون له) ؛ أي: الجليس (في الطّعام حاجة» ) ، فيقوم قبل تمامها؛ خجلا، وذلك قد يؤذيه.
(و) أخرج الأئمّة السّتّة- كما قاله المناوي والزّرقاني، زاد الزرقاني ومالك في «الموطأ» : أي: بألفاظ مختلفة، بالزّيادة والنّقص. وكذا أخرجه التّرمذي في «الشّمائل» وهذا لفظه-:
(عن) أبي جعفر: (عمر بن أبي سلمة) ؛ عبد الله بن عبد الأسد القرشي، المخزومي (ربيب) - بالرّاء المفتوحة والباء الموحّدة بعدها ياء مثنّاة، وآخرها باء موحدة، بوزن حبيب- أي: ابن أمّ سلمة، زوج (رسول الله صلى الله عليه وسلم الصّحابي بن الصّحابيّين، رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
ولد بالحبشة حين هاجر بها أبوه في السّنة الثالثة من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتزوّج صلى الله عليه وسلم أمّه بعد موت أبيه عنها، فنشأ في حجر المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكان يوم الخندق هو وابن الزّبير في أطم حسّان بن ثابت، وكان عمره يوم قبض النّبيّ صلى الله عليه وسلم تسع سنين.
شهد وقعة الجمل مع عليّ رضي الله تعالى عنه، واستعمله على البحرين.
روي له- فيما قيل- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر حديثا؛ روى له البخاري منها
أنّه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده طعام؛ فقال:
«ادن يا بنيّ.، فسمّ الله تعالى، [وكل بيمينك] ،
…
حديثين، وخرّج عنه الأربعة، وروى عنه عطاء وثابت.
ومات سنة: - 83- ثلاث وثمانين، في خلافة عبد الملك.
(أنّه) أي: عمر بن أبي سلمة (دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده طعام) ؛ أي:
والحال أنّ عنده صلى الله عليه وسلم طعاما. (فقال: «ادن) بضمّ همزة الوصل عند الابتداء بها وبضمّ النّون أيضا؛ أمر من الدّنو، أي: اقرب إلى الطّعام، يقال: دنا منه وإليه:
قرب (يا بنيّ) - بصيغة التّصغير- شفقة منه صلى الله عليه وسلم.
وفيه أنّه ينبغي للكبير ملاطفة الصّغير، لا سيّما على الطّعام؛ لشدّة الاستحياء حينئذ (فسمّ الله تعالى) ؛ طردا للشّيطان ومنعا له من الأكل، والخطاب وإن خصّ الغلام لكن الحكم عامّ، والأمر فيه للنّدب، وهي سنّة كفاية، ولا خلاف في أنّ التّسمية بدء كل أمر محبوب سنّة مؤكّدة.
ويسنّ للمبسمل الجهر ليسمع غيره فيقتدي به، وفيه حصول السّنّة بلفظ «باسم الله» ، لكن الأكمل إكمالها؛ كما صرّح به في «الأذكار» ، فقال ما حاصله:
الأفضل إكمالها، وتحصل السّنّة ب (باسم الله) .
قال الحافظ أبو الفضل ابن حجر رحمه الله تعالى: ولم أر لما ادّعاه من الأفضليّة دليلا خاصّا!!. قال حجّة الإسلام الغزالي: يقول مع اللّقمة الأولى باسم الله، ومع الثّانية باسم الله الرحمن، ومع الثّالثة بسم الله الرحمن الرحيم. فإن سمّى مع كلّ لقمة فهو أحسن حتى لا يشغله الشّره عن ذكر الله، ويزيد بعد التّسمية:
«اللهمّ بارك لنا فيما رزقتنا، وقنا عذاب النّار» .
قال الحافظ ابن حجر: ولا أصل لذلك كله، واستحب العبّادي الشّافعي أن يقول «بسم الله الّذي لا يضرّ مع اسمه شيء» .
( [وكل بيمينك] ) حمله أكثر الشّافعيّة وغيرهم على النّدب، وبه جزم
.........
الغزالي؛ ثمّ النّووي، فيجوز مع الكراهة الأكل بالشّمال.
لكن نصّ الشافعي في «الرّسالة» وفي مواضع من «الأم» على الوجوب!! وكذا نقله عنه الصّيرفي في «شرح الرّسالة» ، وانتصر له الإمام تقي الدّين السّبكي.
قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» : ويدلّ على وجوب الأكل باليمين ورود الوعيد في الأكل بالشّمال؛
ففي «صحيح مسلم» من حديث سلمة بن الأكوع أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يأكل بشماله فقال له: «كل بيمينك» فقال: لا أستطيع، فقال:«لا استطعت» . فما رفعها إلى فيه بعد.
وورد التّصريح باسم الرجل فيما رواه عبد بن حميد، والدّارمي وابن حبّان والطّبراني؛ عن سلمة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أبصر بسر- بضمّ الموحّدة وإسكان السّين المهملة- ابن راعي العير- بفتح العين وإسكان التحتيّة- الأشجعي، يأكل بشماله، فقال:«كل بيمينك» ، قال:«لا أستطيع» ، فما رفعها إلى فيه بعد. أي فما استطاع رفعها إلى فيه بعد. زاد في رواية ل «مسلم» : لم يمنعه إلا الكبر.
وبه استدلّ القاضي عياض في «شرح مسلم» على أنّه كان منافقا.
وزيّفه النّووي بأنّ ابن منده وأبا نعيم وابن ماكولا وغيرهم ذكروه في الصّحابة!! قال في «الإصابة» : وفيه نظر، لأنّ جميع من ذكره لم يذكر له سندا إلّا هذا الحديث، فالاحتمال قائم!؟ ويمكن الجمع بأنّه لم يكن في تلك الحالة أسلم، ثمّ أسلم بعد. انتهى.
وفي «الفتح» : إنّ النّووي ردّه أيضا بأنّ الكبر والمخالفة لا يقتضي النّفاق، لكنّه معصية إن كان الأمر للوجوب؟!.
وقد أجيب عن الاستدلال لوجوب الأكل باليمين بهذا الحديث بأنّ الدّعاء ليس لترك مستحبّ، بل لقصد المخالفة كبرا بلا عذر، فدعا عليه، فشلّت يمينه.
وكل ممّا يليك» .
وبهذا لا يرد أنّ دعاءه عليه الصلاة والسلام المقصود به الزّجر؛ لا الحقيقي.
وقد زاد الحافظ تقوية للوجوب قوله: وأخرج الطّبراني ومحمد بن الرّبيع الجيزي بسند حسن؛ عن عقبة بن عامر أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم رأى سبيعة الأسلميّة تأكل بشمالها؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «أخذها داء غزّة» ! فقيل: إنّ بها قرحة، فقال:«وإن» ! فمرّت بغزّة فأصابها الطّاعون فماتت.
وثبت النهي عن الأكل بالشّمال، وأنّه من عمل الشّيطان، من حديث ابن عمر وجابر عند مسلم. ولأحمد بسند حسن؛ عن عائشة رضي الله تعالى عنها رفعته:
«من أكل بشماله أكل معه الشّيطان» . وهو على ظاهره.
وورد: «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب بيمينه، وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه، فإنّ الشّيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله ويأخذ بشماله» رواه الحسن بن سفيان في «مسنده» ؛ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
والظّاهر أنّه نهي عن التّشبّه، فيفيد الاستحباب، وحديث سبيعة حمله الجمهور على الزّجر والسّياسة؛ قاله ملّا علي قاري في «جمع الوسائل» .
قال المناوي: واليمين: مشتقّة من اليمن، كما ذمّ أهل النّار بنسبتهم إلى الشّمال، فقال وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (90)[الواقعة] .
فاليمين وما نسب إليها محمود ممدوح؛ لسانا وشرعا ودنيا وآخرة، وإذا كان كذلك فمن الآداب المناسبة لمكارم الأخلاق اختصاص اليمين بالأعمال الشّريفة، وإن احتيج في شيء منها إلى الاستعانة بالشّمال! يكون بحكم التّبعيّة؛ وأمّا إزالة الأقذار ومباشرة الأعمال الخسيسة فبالشّمال.
(وكل ممّا يليك» ) ؛ لأنّ الأكل من موضع يد صاحبه سوء عشرة وترك مودّة؛ لنفور النّفس منه، لا سيّما في الأمراق، ولما فيه من إظهار الحرص والنّهم وسوء الأدب وأشباهها.
.........
والأمر فيه للنّدب على الأصحّ، وقيل: للوجوب؛ لما فيه من إلحاق الضّرر بالغير، ومزيد الشّره. ونصّ عليه الشّافعي في «الرّسالة» ومواضع من «الأمّ» .
وانتصر له السّبكي- رحمه الله تعالى-! قال ولده العلّامة تاج الدّين السّبكيّ: جمع والدي نظائر هذه المسألة في كتاب له سماه: «كشف اللّبس عن المسائل الخمس» : 1- الأكل مما يلي، و 2- من رأس الثّريد، و 3- التعريس على قارعة الطّريق؛ و 4- اشتمال الصّمّاء؛ و 5- القران بين تمرتين أكلا؛ ونصر القول بأنّ الأمر فيها للوجوب. انتهى. لكنه اختيار له، والمعتمد خلافه.
وفي «مختصر البويطي» : يحرم الأكل من رأس الثّريد، والقران في التّمر؛ والأصحّ أنّهما مكروهان، ومحلّ الخلاف إن لم يعلم رضا صاحبه، وإلّا! فلا حرمة ولا كراهة، فقد ورد أنّه صلى الله عليه وسلم كان يتتبّع الدّباء من حوالي القصعة!!
والجواب بأنّه أكل وحده مردود بأنّ أنسا كان يأكل معه، على أنّه لو سلّم لا يجدي، لأنّ الأكل مما يلي الآكل سنّة؛ وإن كان وحده، كما اقتضاه إطلاق الشّافعيّة.
وقيل: الأولى حمل التتبّع المذكور على أنّه من يمينه وشماله بعد فراغ ما بين يديه، ولم يكن أحد في جانبيه صلى الله عليه وسلم. والأوّل أولى، والله أعلم
على أنّ محلّ النّهي حيث كان الطّعام نوعا واحدا؛ وإلّا! كالثّريد والدّباء واللّحم، فيتعدى الأكل إلى غير ما يليه، ومحلّه أيضا في غير نحو الفاكهة، أمّا هي! فله أن يجيل يده فيها؛ كما في «الإحياء» .
ويشهد له ما جاء عند ابن ماجه رحمه الله تعالى؛ (عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّه صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بطعام أكل ممّا يليه، وإذا أتي بالتّمر جالت يده فيه) .
وأورد في «الإحياء» أنّه صلى الله عليه وسلم قال: «كل ممّا يليك» وكان يدور على الفاكهة.
فقيل له في ذلك! فقال: «ليس هو نوعا واحدا» . انتهى.
[وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت] : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام.. أكل ممّا يليه، وإذا أتي بالتّمر.. جالت يده [فيه] .
وتوقّف فيه النّووي رحمه الله، لكنّ خبر ابن ماجه يشهد له.
وقضيّة ما رواه الغزالي أنّ محل الإجالة إذا كانت الفاكهة الحاضرة ذات أنواع، فإن كانت نوعا واحدا؟! فهي كغيرها في ندب الأكل مما يلي الآكل، وكراهته مما يلي غيره، وليس كذلك؛ بل كل ما يختلف أفراده فلا بأس بالإجالة فيه؛ نوعا كان أو أنواعا، وإن كان الأولى عدم الإجالة حينئذ لما فيه؛ مع وجود ذلك من الشّره، والتّطلّع إلى ما عند غيره، وترك الإيثار الّذي هو من شأن الأخيار. والله أعلم.
انتهى من «شرح الأذكار» .
ويؤخذ من هذا الحديث: أنّه يندب على الطّعام تعليم من أخل بشيء من آدابه، خلاف ما عليه النّاس في زعمهم أنّ فيه كسر نفس الآكل، فلا يعبأ بعادة النّاس المصادمة لما ثبت عن الصّادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من التّعليم لآداب الطّعام على الطّعام.
والله أعلم.
( [و) أخرج ابن ماجه والخطيب، وهو حديث ضعيف:(عن عائشة رضي الله تعالى عنها؛ قالت] : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي) - بالبناء للمجهول-، أي: جيء له- (بطعام أكل ممّا يليه) ؛ تعليما لأمّته آداب الأكل، فإنّ الأكل مما يلي الغير مكروه؛ لما فيه من مزيد الشّره والنّهمة، وإلحاق الأذى بمن أكل معه؛
وسببه: أنّ كلّ آكل كالحائز لما يليه من الطّعام، فأخذ الغير له تعدّ عليه؛ مع ما فيه من تقذّر النّفوس ممّا خاضت فيه الأيدي.
ثمّ هو سوء أدب من غير فائدة؛ إذا كان الطّعام لونا واحدا، أمّا إذا اختلفت أنواعه فيرخّص فيه، كما أشار إليه بقوله:
(وإذا أتي بالتّمر جالت) - بالجيم- (يده [فيه] ) ؛ أي: دارت في جهاته
وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة.. فيحمده عليها،
وجوانبه، فيتناول منه ما شاء.
ومنه أخذ الغزاليّ أنّ محلّ ندب الأكل مما يلي إذا كان الطّعام لونا واحدا، وما إذا كان غير فاكهة، أمّا هي! فله أن يجيل يده فيها؛ لأنّها في معنى التّمر.
قال ابن العربي: إذا كان الطّعام صنفا واحدا؛ لم يكن للجولان فيه معنى إلّا الشّره والمجاعة. وإذا كان ذا ألوان؛ كان جولانها له معنى، وهو اختيار ما استطاب منه. انتهى «مناوي» .
قال الحفني: فيطلب الأكل ممّا يلي الآكل حيث لم يتنوّع الطّعام، وإلّا! فلا بأس بمدّ اليد إلى الآنية الّتي فيها الطّعام الّذي يشتهيه؛ وإن لم تكن تليه، كما لا بأس بمدّ اليد إلى التّمرة البعيدة عنه التي تشتهيها نفسه، ولذا كانت تجول يده صلى الله عليه وسلم في التّمر، ويقاس عليه نحوه من مشمش وخوخ
…
إلخ.
نعم؛ إن قامت قرينة على تخصيص قوم بنوع فلا يجوز لغيرهم الأكل من غير علمهم برضا صاحبه، والله أعلم. انتهى.
(و) أخرج الإمام أحمد، ومسلم، والتّرمذي في «الجامع» و «الشّمائل» ، والنّسائي- واللّفظ ل «الشّمائل» - كلهم (عن أنس رضي الله تعالى عنه؛ قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله ليرضى عن العبد) المؤمن، أي يرحمه ويثيبه؛ كما جاء في بعض الرّوايات: «يدخله الجنّة» - (أن) علّة ل «يرضى» ، أي:
لأجل أن (يأكل) - بفتح همزة- «أن» - أي: بسبب أن يأكل، أو وقت أكله (الأكلة) - بفتح الهمزة: المرّة الواحدة- من الأكل، أي: الغدوة أو العشوة، كذا اقتصر عليه جمع منهم النّووي في «رياضه» ، لكن ضبطه بعضهم بالضّمّ؛ وقال:
هي اللقمة. (فيحمده) بالنّصب؛ كما هو الظّاهر وفاقا لابن حجر، لكن رواية «الشّمائل» بالرّفع على أنّه خبر مبتدأ محذوف، أي: فهو يحمده (عليها) ؛ أي:
أو يشرب الشّربة.. فيحمده عليها» .
يرضى أكله المتعقّب بالحمد، مع أنّ نفعه لنفسه، فكيف بالحمد على ما لا نفع له فيه؟!.
(أو) - للتّنويع، وليست للشّك- (يشرب الشّربة) - بفتح الشّين المعجمة، لا غير- وهذا يرجّح الوجه الأوّل في ضبط الأكلة، وكلّ من الأكلة والشّربة مفعول مطلق- (فيحمده عليها» ) ؛ يعني: يرضى عنه؛ لأجل أحد هذين الفعلين أيّا كان، وفيه أنّ أصل سنّيّة الحمد بعد كلّ من الطّعام والشّراب يحصل بأيّ لفظ اشتقّ من مادّة «ح م د» ، بل بما يدلّ على الثّناء على الله تعالى.
وما سبق من حمده صلى الله عليه وسلم المشتمل على تلك الصّفات البليغة البديعة! إنّما هو لبيان الأكمل؛ وفي هذا تنويه عظيم بمقام الشّكر، حيث رتّب هذا الجزاء العظيم- الذي هو أكبر أنواع الجزاء، كما قال سبحانه وتعالى وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [72/ التوبة]- في مقابلة شكره بالحمد.
وعبّر بالمرّة! إشعارا بأنّ الأكل والشّرب يستحقّ الحمد عليه؛ وإن قلّ جدا، أو أنّه يتعيّن علينا ألانحتقر من الله شيئا؛ وإن قلّ.
ويسنّ خفض صوته به إذا فرغ؛ ولم يفرغ رفقته، لئلّا يكون منعا لهم.