المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفصل السادس في صفة نومه صلى الله عليه وسلم] - منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول - جـ ٢

[عبد الله عبادى اللحجى]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌[الباب الرّابع في صفة أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وشربه

- ‌[الفصل الأوّل في صفة عيشه صلى الله عليه وسلم وخبزه]

- ‌[الفصل الثّاني في صفة أكله صلى الله عليه وسلم وإدامه]

- ‌[الفصل الثّالث في ما كان يقوله صلى الله عليه وسلم قبل الطّعام وبعده]

- ‌[الفصل الرّابع في صفة فاكهته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الفصل الخامس في صفة شرابه صلى الله عليه وسلم وقدحه]

- ‌[الفصل السّادس في صفة نومه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الباب الخامس في صفة خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه، وعشرته مع نسائه، وأمانته، وصدقه، وحيائه، ومزاحه، وتواضعه، وجلوسه، وكرمه، وشجاعته]

- ‌[الفصل الأوّل في صفة خلقه صلى الله عليه وسلم وحلمه]

- ‌[الفصل الثّاني في صفة عشرته صلى الله عليه وسلم مع نسائه رضي الله تعالى عنهنّ]

- ‌[الفصل الثّالث في صفة أمانته صلى الله عليه وسلم وصدقه]

- ‌[الفصل الرّابع في صفة حيائه صلى الله عليه وسلم ومزاحه]

- ‌[الفصل الخامس في صفة تواضعه صلى الله عليه وسلم وجلوسه واتّكائه]

- ‌[الفصل السّادس في صفة كرمه صلى الله عليه وسلم وشجاعته]

- ‌[فهرسة الجزء الثاني من كتاب منتهى السّول إلى شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم]

الفصل: ‌[الفصل السادس في صفة نومه صلى الله عليه وسلم]

[الفصل السّادس في صفة نومه صلى الله عليه وسلم]

الفصل السّادس في صفة نومه صلى الله عليه وسلم قال في «المواهب» : (كان عليه الصلاة والسلام ينام أوّل اللّيل،

(الفصل السّادس) من الباب الرّابع (في) بيان ما ورد في (صفة نومه) ؛ من كونه على اليمين أو غيره، وقدره، ووقته، وما يرقد عليه، وما كان يفعله صلى الله عليه وسلم قبل النّوم وبعده، وغير ذلك.

والنّوم: غشية ثقيلة تهجم على القلب فتقطعه عن المعرفة بالأشياء، فهو آفة، ومن ثمّ قيل «إنّ النّوم أخو الموت» .

وأمّا السّنة! ففي الرّأس، والنّعاس! في العين، وقيل: السّنة هي النّعاس، وقيل: السّنة: ريح النوم يبدو في الوجه؛ ثمّ ينبعث إلى القلب، فيحصل النّعاس ثمّ النّوم، والله أعلم.

ثمّ اعلم أنّ تعريف النّوم بما ذكر بالنّسبة إلينا دونه صلى الله عليه وسلم؛ فإنّه تنام عينه ولا ينام قلبه! كما في «الصّحيح» وسيأتي.

(قال) العلّامة القسطلّانيّ في ( «المواهب» ) ؛ في النوع الرّابع من المقصد الثّالث:

(كان عليه الصلاة والسلام ينام أوّل اللّيل) بعد صلاة العشاء وما يتّصل بها، فالأولية نسبيّة.

وفي «الصحيح» ؛ عن أبي برزة: كان صلى الله عليه وسلم يكره النّوم قبل العشاء، والحديث بعدها.

ص: 283

ويستيقظ في أوّل النّصف الثّاني، فيقوم فيستاك، فيتوضّأ، ولم يكن يأخذ من النّوم فوق القدر المحتاج إليه منه، ولا يمنع نفسه من القدر المحتاج منه،

وروى الشّيخان، وابن ماجه؛ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان ينام أوّل اللّيل ويحيي آخره. وسيأتي.

(ويستيقظ في أوّل النّصف الثّاني) غالبا، وفي «الصّحيحين» وغيرهما؛ عن عائشة رضي الله تعالى عنها: كان يقوم إذا سمع الصّارخ. قال الحافظ ابن حجر: أي: الدّيك.

ووقع في «مسند الطّيالسي» في هذا الحديث: والصّارخ: الدّيك، والصّرخة: الصّيحة الشّديدة. وجرت العادة أنّ الدّيك يصيح عند نصف اللّيل غالبا، قاله محمد بن نصر، قال ابن التين: وهو موافق لقول ابن عباس نصف الليل أو قبله بقليل أو بعده.

وقال ابن بطّال: الصّارخ يصرخ عند ثلث اللّيل، فكان يتحرّى الوقت الّذي ينادى فيه: هل من سائل كذا!؟

وفي «البخاري» ؛ عن أنس: كان لا تشاء أن تراه من اللّيل مصلّيا إلّا رأيته، ولا نائما إلا رأيته. قال الحافظ: أي: أنّ صلاته ونومه كان يختلف باللّيل، ولا يرتّب وقتا معيّنا، بل بحسب ما تيسّر له القيام، ولا يعارضه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها؛ لأنّها أخبرت عمّا اطّلعت عليه، فإنّ صلاة اللّيل كانت تقع منه غالبا في البيت. وخبر أنس محمول على ما وراء ذلك. انتهى.

وحاصله أنّ كلا من عائشة وأنس أخبر بما اطّلع عليه.

(فيقوم فيستاك) ؛ كما روى أحمد؛ عن ابن عمر: كان لا ينام إلّا والسّواك عند رأسه، فإذا استيقظ بدأ بالسّواك. ولابن عساكر؛ عن أبي هريرة: كان لا ينام حتى يستنّ؛ (فيتوضّأ) ، كما في حديث ابن عباس وغيره.

(ولم يكن يأخذ من النّوم فوق القدر المحتاج إليه ولا يمنع نفسه من القدر المحتاج منه) ؛ فتنازع فيه الأمران.

ص: 284

وكان ينام على جنبه الأيمن؛ ذاكرا الله تعالى حتّى تغلبه عيناه، غير ممتلىء البطن من الطّعام والشّراب.

قال: وكان عليه الصلاة والسلام ينام على الفراش تارة، وعلى النّطع تارة، وعلى الحصير تارة، وعلى الأرض تارة.

وكان فراشه أدما؛ حشوه ليف، وكان له مسح ينام عليه) انتهى.

(وكان ينام على جنبه الأيمن) ؛ لأنّه كان يحبّ التّيامن في شأنه كلّه، ومن جملته النّوم، وليرشد أمّته إلى النّوم على الجانب الأيمن؛ (ذاكرا الله تعالى حتّى تغلبه عيناه) بأن يأخذه النّوم، (غير ممتلىء البطن من الطّعام والشّراب) لضرره بالبدن وتثقيله النّوم.

(قال) ؛ أي: القسطلّانيّ بعد ذلك بأسطر: (وكان عليه الصلاة والسلام - كما علم من مجموع الأحاديث- (ينام على الفراش تارة، وعلى النطع) - بفتح النّون وكسرها مع فتح الطّاء وسكونها-: ما اتّخذ من جلد، والجمع: أنطاع ونطوع (تارة، وعلى الحصير تارة) ؛ كما في حديث عمر، (وعلى الأرض تارة) أخرى.

(وكان فراشه) ؛ كما في «الصحيحين» والتّرمذيّ؛ عن عائشة قالت: إنّما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الّذي ينام عليه (أدما) - بفتحتين-: جلدا مدبوغا؛ أو أحمر، أو مطلق الجلد؛ جمع أديم، وصف به المفرد!! لأنّه أجزاء من الجلد مجتمعة، فهو نظير قوله تعالى مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ [76/ الإنسان]، فوصف المفرد بالجمع؛ إذ «أمشاج» : أخلاط؛ جمع «مشيج» (حشوه ليف) من النّخل.

(وكان) ؛ كما رواه التّرمذيّ؛ عن حفصة- (له مسح) - بكسر فسكون-:

فراش خشن غليظ (ينام عليه) ؛ من شعر أو صوف. وتقدّم هذا في فراشه.

(انتهى) المقصود نقله من كلام «المواهب» .

ص: 285

وكان صلى الله عليه وسلم ينام أوّل اللّيل ويحيي آخره.

وكان صلى الله عليه وسلم لا ينام حتّى يستنّ.

وكان صلى الله عليه وسلم لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ..

إلّا تسوّك.

(و) أخرج الشّيخان في «كتاب الصلاة» وابن ماجه؛ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام أوّل اللّيل) بعد صلاة العشاء إلى تمام نصفه الأوّل؛ لأنّه كره النّوم قبلها.

(ويحيي آخره) ؛ لأنّ ذلك أعدل النّوم وأنفعه للبدن والأعضاء والقوّة، فإنّه ينام أوّله ليعطي القوّة حظّها من الرّاحة، ويستيقظ آخره ليعطيها حظّها من الرّياضة والعبادة، وذلك غاية صلاح القلب والبدن والدّين.

(و) أخرج ابن عساكر في «تاريخه» - قال العزيزي: وهو حديث حسن لغيره-؛ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال:

(كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام حتّى يستنّ) من الاستنان؛ وهو تنظيف الأسنان بدلكها بالسواك. ورواه أيضا أبو نعيم في «المعرفة» بلفظ: ما نام ليلة حتى يستنّ.

(و) أخرج أبو داود، وابن أبي شيبة، والطّبراني في «الأوسط» - قال العزيزي: وهو حديث حسن لغيره-؛ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:

(كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرقد) ؛ أي: لا ينام (من ليل ولا نهار)«من» بمعنى «في» كما في قوله إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ [9/ الجمعة] ، (فيستيقظ) - بالرفع- عطف على «يرقد» ، وليس جوابا للنّفي!! وإنّما جوابه قوله (إلّا تسوّك) . وتمام الحديث: قبل أن يتوضّأ. انتهى. وهذا السّواك غير سنّة الاستياك للوضوء!! قاله الحفني على «الجامع» .

ص: 286

وكان صلى الله عليه وسلم لا ينام.. إلّا والسّواك عند رأسه، فإذا استيقظ.. بدأ بالسّواك.

وكان صلى الله عليه وسلم يستاك في اللّيل مرارا.

وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يرقد.. وضع يده اليمنى تحت خدّه، ثمّ يقول:«اللهمّ؛ قني عذابك يوم تبعث عبادك» (ثلاث مرّات) .

(و) أخرج الإمام أحمد، ومحمد بن نصر في «كتاب الصلاة» - قال العزيزي:

وهو حسن لغيره-؛ عن ابن عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنهما قال:

(كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام إلّا والسّواك عند رأسه) ؛ ليسهل تناوله، (فإذا استيقظ بدأ بالسّواك) ؛ أي: عقب استيقاظه، لشدّة حرصه عليه؛ فيندب ذلك، وهذا غير الاستياك عند إرادة الوضوء!!

(وكان) رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك في اللّيل مرارا) . لم أقف على تخريجه.

(و) أخرج أبو داود، والنّسائي في «اليوم واللّيلة» كلاهما؛ عن حفصة أمّ المؤمنين، ورواه الترمذي؛ عن حذيفة؛ لكن بدون التّثليث؛ وحسّنه:

(كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يرقد) - في رواية بدل: ينام- (وضع يده اليمنى تحت خدّه) الأيمن- وفي رواية: رأسه- (ثمّ يقول:

«اللهمّ؛ قني عذابك) ؛ أي: أجرني منه (يوم تبعث) ؛ أي: تحيي- وفي رواية: تجمع- (عبادك» ) من القبور إلى النّشور للحساب يوم القيامة، فلا تبعثني كريه المنظر؛ على وجهي غبرة، ترهقها قترة. يقول ذلك الدّعاء (ثلاث مرّات) ؛ أي: يكرّره ثلاثا.

والظّاهر حصول أصل السّنّة بمرّة، وكمالها باستكمال الثّلاث، وإنّما قال ذلك مع عصمته صلى الله عليه وسلم!! تواضعا لله وإجلالا له، وتعليما لأمّته أن يقولوا ذلك عند النّوم،

ص: 287

وكان صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من اللّيل.. وضع يده تحت خدّه، ثمّ يقول:«باسمك اللهمّ أحيا، وباسمك أموت» .

وإذا استيقظ.. قال: «الحمد لله الّذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النّشور» .

لاحتمال أنّه آخر العمر؛ فيكون خاتمة عملهم ذكر الله، مع الاعتراف بالتّقصير الموجب للفوز والرّضا.

(و) أخرج الإمام أحمد، ومسلم، والنّسائي؛ عن البراء بن عازب.

وأحمد، والبخاري، والأربعة؛ عن حذيفة بن اليمان. وأحمد، والشّيخان؛ عن أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه قال:

(كان صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه) - بفتح الميم والجيم، وحكي كسرها- أي:

استقرّ فيه لينام (من اللّيل)«من» : للتبعيض، أو بمعنى «في» ، وقيّد باللّيل؛ لأنّه الأغلب، وإلّا! فمثله النّهار!! (وضع يده) ؛ يعني: اليمنى (تحت خدّه) الأيمن، (ثمّ يقول:«باسمك) ؛ أي: بذكر اسمك (اللهمّ أحيا) ، قال الشّيخ: بالبناء للفاعل، (وباسمك أموت» ) ؛ أي: وعليه أموت.

وقال الحفني: باسمك، لفظ «اسم» مقحم؛ أي: بك، أي: بقدرتك أحيا، أي: أتيقظ، وبك أموت. أي: أنام. انتهى.

(وإذا استيقظ) من نومه؛ (قال: «الحمد لله الّذي أحيانا بعد ما أماتنا) ؛ أي: أيقظنا بعد ما أنامنا، أطلق الموت على النّوم!! لأنّه يزول معه العقل والحركة، ومن ثمّ قالوا: النّوم موت خفيف، والموت نوم ثقيل: وقالوا: النّوم أخو الموت.

والمعنى: الحمد لله الّذي ردّ أنفسنا بعد قبضها عن التّصرّف بالنّوم؛ شكرا لنيل نعمة التصرّف في الطّاعات بالانتباه من النّوم الّذي هو أخو الموت، وزوال المانع عن التّقرّب بالعبادات.

(وإليه النّشور» ) : الإحياء للبعث، أو المرجع في نيل الثّواب ممّا نكسب في

ص: 288

وكان صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من اللّيل.. قال:

«باسم الله وضعت جنبي، اللهمّ؛ اغفر لي ذنبي، واخسأ شيطاني، وفكّ رهاني، وثقّل ميزاني،

حياتنا هذه، وفيه إشارة بإعادة اليقظة بعد النّوم إلى البعث بعد الموت.

وحكمة الدّعاء عند النّوم: أن يكون خاتمة عمله العبادة، فالدّعاء هو العبادة وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [60/ غافر] .

وحكمة الدّعاء عند الانتباه: أن يكون أوّل ما يستيقظ يعبد الله بدعائه وذكره وتوحيده؛ قاله المناوي.

(و) أخرج أبو داود في «الأدب» ، والحاكم بإسناد حسن؛ عن أبي الأزهر- ويقال: أبو زهير- الأنماري الشّامي قال:

(كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من اللّيل؛ قال: «باسم الله) - وفي رواية: «باسمك اللهمّ» - (وضعت جنبي) ؛ أي: بإقدارك إيّاي وضعت جنبي؛ ففيه الإيمان بالقدر، وفي رواية أنّه قال:«باسمك اللهمّ وضعت جنبي وبك أرفعه» .

(اللهمّ، اغفر لي ذنبي، واخسأ شيطاني) ؛ أي: اجعله خاسئا، أي:

مطرودا، وهو بوصل الهمزة، يقال: خسأت الكلب؛ أي: طردته، و «خسىء» يتعدّى، ولا يتعدى.

(وفكّ رهاني) ؛ أي: نفسي المرهونة في سجن المخالفة، أي: خلّصني من عقال ما اقترفت نفسي من الأعمال الّتي لا ترتضيها بالعفو عنها. و «الرّهان» ك «سهام» .

الرّهن: وهو ما يجعل وثيقة بالدّين، والمراد هنا: نفس الإنسان، لأنّها مرهونة بعملها كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (21)[الطور] .

(وثقّل ميزاني) يوم توزن الأعمال؛ وهذا تشريع للأمّة، وإلّا! فالأنبياء

ص: 289

واجعلني في النّديّ الأعلى» .

وكان صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه.. قرأ (قل يا أيها الكافرون) حتّى يختمها.

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه كلّ ليلة.. جمع كفّيه فنفث فيهما

لا سيّئات لهم، ولا توزن لهم أعمال!

(واجعلني في النّديّ) - بفتح النّون وكسر الدّال وتشديد الياء؛ كما في «الأذكار» -: هم القوم المجتمعون في مجلس، ومنه: النّادي؛ لمكان الاجتماع؛ أي: الملأ (الأعلى» ) من الملائكة.

وهذا دعاء يجمع خير الدنيا والآخرة، فتتأكّد المواظبة عليه كلّما أريد النّوم، وهو من أجلّ الأدعية المشروعة عنده؛ على كثرتها!

(و) أخرج الطّبراني في «الكبير» ؛ عن عبّاد بن عبّاد- بتشديد الباء مع فتح العين المهملة فيهما- ابن أخضر المازني المصري، قال العلقمي: بجانبه علامة الحسن.

قال: (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه) من اللّيل؛ (قرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1)) ؛ أي: سورتها (حتى يختمها) ، ثمّ ينام على خاتمتها؛ لأنّها براءة من الشّرك، كما جاء به معلّلا في خبر آخر.

(و) أخرج الإمام مالك، والإمام أحمد، والشّيخان، وأبو داود، والتّرمذي في «الجامع» و «الشّمائل» ؛ (عن عائشة رضي الله تعالى عنها؛ قالت:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى) - بالقصر، وقد يمدّ- أي: وصل (إلى فراشه) وأراد النّوم فيه (كلّ ليلة؛ جمع كفّيه)، أي: ضمّ إحداهما للآخرى، (فنفث) ؛ أي: نفخ (فيهما) نفخا لطيفا بلا ريق؛ على ما يلوح من ظواهر

ص: 290

وقرأ فيهما (قل هو الله أحد)، و:(قل أعوذ برب الفلق)، و:

(قل أعوذ برب الناس) ، ثمّ مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما رأسه ووجهه وما أقبل من جسده؛ يصنع ذلك

الأحاديث، وإن اختلف أهل اللّغة في أنّ النّفث بريق أو بدونه!! فيكون النّفث أقلّ من التّفل؛ لأنّ التّفل لا يكون إلّا ومعه شيء من الرّيق، وكان صلى الله عليه وسلم ينفث مخالفة لليهود لأنّهم يقرؤون ولا ينفثون.

(وقرأ فيهما) وفي رواية «فقرأ» - بالفاء-. مقتضى الرّواية الأولى: أنّ تقديم النّفث على القراءة وعكسه سيّان؛ حيث كانا بعد جمع الكفّين. ومقتضى الرّواية الثّانية: أنّ النّفث يكون قبل القراءة، وبه جزم بعضهم، وعلّل ذلك بمخالفة السّحرة؛ فإنّهم ينفثون بعد القراءة.

(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)) ، (وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)) (وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)) ؛ أي: قرأ السّور الثّلاث بكمالها، (ثمّ مسح بهما) ؛ أي:

بكفّيه (ما استطاع) مسحه- فالعائد محذوف- (من جسده) ؛ وهو ما تصل إليه يده من بدنه.

وظاهره أنّ المسح فوق الثّوب (يبدأ بهما) ؛ أي: بكفّيه (رأسه) . فصله!! لأنّه بيان لجملة «مسح» ، أو بدل منه، أو استئناف (ووجهه وما أقبل من جسده) ؛ الجسد أخص من الجسم؛ لأنّه لا يقال إلّا لبدن الإنسان والملائكة والجن، كما ذكره في «البارع» وغيره.

ولا يرد قوله تعالى فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ [88/ طه] ؛ لأنّ إطلاق الجسد فيه على سبيل المجاز لتشبيهه بالعاقل!! وأمّا الجسم؛ فيشمل سائر الحيوانات والجمادات. انتهى «باجوري» .

وكان (يصنع ذلك) ؛ أي: المذكور؛ من جمع الكفّين والنّفث فيهما والقراءة

ص: 291

ثلاث مرّات. وكان لا ينام حتّى يقرأ: (بني إسرائيل) و:

(الزمر) .

وكان صلى الله عليه وسلم لا ينام حتّى يقرأ: (ألم تنزيل) السّجدة، و:(تبارك الذي بيده الملك) .

والمسح (ثلاث مرّات) ، كما هو كمال السّنّة، وأمّا أصلها؛ فيحصل بمرّة، كما يفيده رواية أخرى.

(و) أخرج الإمام أحمد، والتّرمذي، والحاكم، وقال التّرمذي: حسن غريب؛ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:

(كان لا ينام حتّى يقرأ) سورة (بني إسرائيل) ، ويقال لها سورة «الإسراء» .

(و) يقرأ سورة (الزّمر)، قال الطيبي:«حتّى» غاية لقوله: «لا ينام» ، ويحتمل كون المعنى: إذا دخل وقت النّوم لا ينام حتّى يقرأ، وكونه لا ينام مطلقا حتّى يقرأ؛ يعني: لم يكن عادته النّوم قبل قراءتهما، فتقع القراءة قبل دخول وقت النوم؛ أيّ وقت كان!! ولو قيل: كان يقرؤهما باللّيل! لم يفد ذلك. انتهى.

(و) أخرج الإمام أحمد، والتّرمذي في «فضائل القرآن» ، والنّسائي في «اليوم والليلة» ، والحاكم في «التفسير» ؛ وقال: على شرطهما؛ كلهم عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال:

(كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام حتّى يقرأ الم (1) تَنْزِيلُ السّجدة، وتَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) [1/ الملك] فيه التّقرير المذكور فيما قبله.

وعن العرباض بن سارية: كان صلى الله عليه وسلم يقرأ المسبّحات قبل أن يرقد، وقال:«إنّ فيهنّ آية أفضل من ألف آية» . رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والتّرمذي؛ وحسّنه، والنّسائي، ورواه ابن الضّريس؛ عن يحيى بن أبي كثير مرسلا، وزاد:

قال يحيى: فنراها الآية الّتي في آخر «الحشر» . وقال ابن كثير: الآية هي قوله تعالى هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)[الحديد] .

ص: 292

وكان صلى الله عليه وسلم يأمر نساءه إذا أرادت إحداهنّ أن تنام..

أن تحمد ثلاثا وثلاثين، وتسبّح ثلاثا وثلاثين، وتكبّر ثلاثا وثلاثين.

وعن أنس رضي الله تعالى عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه

والمسبّحات ست: الحديد، والحشر، والصفّ، والجمعة، والتغابن، وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)[الأعلى] .

(و) في «الجامع الصّغير» وقال: أخرجه ابن منده؛ عن حابس قال:

(كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر نساءه إذا أرادت إحداهنّ أن تنام) ؛ ظاهره شمول نوم اللّيل والنّهار،

(أن تحمد) - بفتح الميم-؛ أي: تحمد الله تعالى (ثلاثا وثلاثين) ؛ أي:

تقول «الحمد لله» ، وتكرّرها ثلاثا وثلاثين مرّة.

(وتسبّح ثلاثا وثلاثين) ؛ أي: تقول «سبحان الله» ؛ وتكرّرها ثلاثا وثلاثين مرّة.

(وتكبّر ثلاثا وثلاثين) ؛ أي: تقول «الله أكبر» ، وتكرّره كذلك، وهي «الباقيات الصّالحات» في قول ترجمان القرآن الحبر: عبد الله بن عباس.

فيندب ذلك عند إرادة النّوم ندبا مؤكّدا للنّساء، ومثلهن الرّجال، فتخصيصهنّ بالذّكر ليس لإخراج غيرهن!

(و) أخرج الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والتّرمذي في «الجامع» و «الشّمائل» ، والنّسائي: كلهم؛ (عن أنس) أي: ابن مالك (رضي الله تعالى عنه؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه) أي: دخل فيه.

قال الإمام النّوويّ في آخر «باب الحج» من «شرح مسلم» ؛ نقلا عن القاضي عياض: يقال: آوى وأوى- بالمدّ والقصر في الفعل الّلازم والمتعدّي جميعا- لكن

ص: 293

قال: «الحمد لله الّذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممّن لا كافي له ولا مؤوي له» .

القصر في الّلازم أشهر وأفصح، والمدّ في المتعدّي أشهر وأفصح. انتهى.

قلت: وبالأفصح جاء القرآن العزيز في الموضعين، قال تعالى: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ [63/ الكهف] . وقال تعالى في المتعدّي وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ [50/ المؤمنون] . انتهى.

(قال: «الحمد لله الّذي أطعمنا وسقانا) ، إنّما ذكرهما هنا!! لأنّ الحياة لا تتمّ إلّا بهما؛ كالنّوم، فالثّلاثة من واد واحد، وأيضا النّوم فرع الشّبع والرّيّ، وفراغ الخاطر من المهمّات، والأمن من الشرور والآفات؛ فلذلك ذكر ما بعده أيضا بقوله:

(وكفانا) ؛ أي: دفع عنّا شرّ خلقه، (وآوانا) ؛ في كنّ نسكن فيه يقينا الحرّ والبرد، ونحرس فيه متاعنا، ونحجب به عيالنا، وهو بالمدّ، ويجوز القصر، وعلّل الحمد مبيّنا لسببه الحامل عليه؛ إذ لا يعرف قدر النّعمة إلّا بضدّها؛ بقوله:

(فكم ممّن لا كافي له) - بدون همز- (ولا مؤوي له!!) - بميم مضمومة، فهمزة ساكنة، فواو مكسورة؛ اسم فاعل من «آوى» بالمدّ- أي: كثير من خلق الله لا يكفيهم الله شرّ الأشرار، ولا يجعل لهم مسكنا؛ بل تركهم يتأذّون في الصّحاري بالبرد والحرّ؛ قاله المناوي على «الجامع» .

وقال الباجوري: والمعنى: فكم من الخلق؛ أي: كثير منهم لا كافي لهم ولا مؤوي لهم على الوجه الأكمل عادة، فالله تعالى كاف لجميع خلقه ومؤو لهم؛ ولو من بعض الوجوه، وإن كان لا يكفيهم ولا يؤويهم من بعض آخر! فلا يكفيهم شرّ أعدائهم؛ بل يسلّطهم عليهم، ولا يؤويهم إلى مأوى، بل يتركهم يتأذّون ببرد الصّحاري وحرّها.

وفي الحديث إشارة إلى عموم الأكل والشّرب لشمول الرّزق، كما يقتضيه قوله تعالى. وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها [6/ الأنعام] .

ص: 294

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تضوّر من اللّيل

وأمّا الكفاية من شرّ الأعداء- مثلا- والمأوى!! فالله تعالى يخصّ بهما من شاء من عباده؛ فإنّ كثيرا منهم من يتسلّط عليه أعداؤه، وكثير منهم ليس له مأوى! إمّا مطلقا، أو مأوى صالحا. انتهى.

وروى البخاريّ وغيره؛ عن حذيفة؛ ومسلم؛ عن البراء:

كان صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ؛ قال: «الحمد لله الّذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النّشور» .

وروى أبو داود؛ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان إذا استيقظ من اللّيل؛ قال: «لا إله إلّا أنت، سبحانك اللهمّ وبحمدك، أستغفرك لذنبي، وأسألك رحمتك، اللهمّ زدني علما، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنّك أنت الوهّاب» .

وروى الإمام أحمد، وابن ماجه؛ عن ربيعة بن كعب؛ أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من اللّيل يصلّي يقول:«الحمد لله ربّ العالمين القويّ» ، ثمّ يقول:

«سبحان الله وبحمده القويّ» .

وأمّا ما كان يقوله إذا أصبح وإذا أمسى!! فكثير ألّفت فيه تاليف كثيرة، يقال لها «عمل اليوم واللّيلة» والله أعلم.

(و) أخرج النّسائي في «عمل اليوم والليلة» ، والحاكم في «باب الدعاء» ، وقال: على شرطهما، وأقرّه الذّهبيّ، وقال الحافظ العراقي في «أماليه» : حديث صحيح، وأخرجه ابن حبّان أيضا: كلهم؛ (عن عائشة رضي الله تعالى عنها؛ قالت:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تضوّر) - بالتّشديد-؛ أي: تلوّى وتقلّب ظهرا لبطن؛ وقال الحفني: أي: استيقظ (من اللّيل) . «من» تبعيضيّة، أو بمعنى «في» ؛

ص: 295

قال: «لا إله إلّا الله الواحد القهّار، ربّ السّماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفّار» .

ومعنى (تضوّر) : تلوّى وتقلّب في فراشه.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تعارّ من اللّيل.. قال:

«ربّ اغفر وارحم، واهد للسّبيل الأقوم» .

(قال: «لا إله إلّا الله الواحد القهّار، ربّ السّماوات والأرض، وما بينهما العزيز الغفّار» ) ، هذا التسجيع في الدّعاء ليس مقصودا له صلى الله عليه وسلم، فلا بأس به حيث لم يكن متكلّفا.

(ومعنى تضوّر) - بفتح المثنّاة الفوقيّة والضّاد المعجمة، وشدّة الواو؛ فراء- (: تلوّى وتقلّب في فراشه) ؛ قاله العزيزي على «الجامع الصغير» .

(و) أخرج محمد بن نصر في كتاب «فضل الصلاة» ؛ وقال في «العزيزي» : حديث حسن لغيره؛ عن أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها، زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالت:

(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تعارّ) - بفتح المثنّاة، الفوقيّة، والعين المهملة، وشدّة الرّاء- أي: انتبه (من اللّيل) . والتّعارّ: الانتباه في اللّيل مع صوت؛ من نحو تسبيح أو استغفار، وهذا حكمة العدول إليه عن التعبير بالانتباه، فإنّ من هبّ من نومه ذاكرا لله وسأله خيرا أعطاه، وإنّما يكون ذلك لمن تعوّد الذّكر واستأنس به؛ وغلب عليه حتّى صار حديث نفسه في نومه ويقظته!!

قالوا: وأصل التّعارّ: السّهر والتّقلّب على الفراش، ثمّ استعمل فيما ذكر، وقد ورد عند الانتباه أذكار؛ منها: أنّه كان إذا انتبه (قال: «ربّ اغفر وارحم واهد للسّبيل الأقوم» ) ؛ أي: دلّني على الطّريق الواضح الّذي هو أقوم الطّرق وأعظمها استقامة. وحذف المعمول! ليؤذن بالعموم.

ص: 296

ومعنى (تعارّ) : هبّ من نومه واستيقظ.

وعن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا عرّس بليل.. اضطجع على شقّه الأيمن،

وفيه جواز تسجيع الدّعاء إذا خلا عن تكلّف وقصد؛ كهذا.

فينبغي المحافظة على قول الذّكر عند الانتباه من النّوم، ولا يتعيّن له لفظ؛ لكنّه بالمأثور أفضل، ومنه ما ذكر في هذا الخبر. قاله المناوي.

(ومعنى تعارّ) - بتشديد الرّاء-: (هبّ من نومه واستيقظ) ، والتّاء زائدة؛ قاله في «النّهاية» .

(و) أخرج التّرمذي في «الشّمائل» ، والإمام أحمد، وابن حبّان، والحاكم؛ بأسانيد صحيحة، واللفظ ل «الشّمائل» ؛ (عن أبي قتادة) من أكابر الصّحب الكرام.

اسمه: الحارث بن ربعيّ- بكسر أوّله-، أو: النّعمان بن ربعيّ. أو النّعمان ابن عمرو، الأنصاري، الخزرجي، السّلمي، المدني.

فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حضر المشاهد كلّها إلّا بدرا؛ ففيها خلف، وليس في الصّحب من يكنّى بكنيته.

مات بالمدينة المنوّرة سنة: ثمان وثلاثين، أو: أربع وخمسين؛ عن سبعين سنة (رضي الله تعالى عنه؛

أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا عرّس) - بشدّ الرّاء وعين وسين مهملات- أي: نزل وهو مسافر آخر الليل للنّوم والاستراحة (بليل) ؛ أي: في زمن ممتدّ منه، لقوله بعد:

«قبيل الصبح» ، (اضطجع على شقّه الأيمن) ؛ أي: نام على جنبه الأيمن، ووضع رأسه على لبنة، والشّقّ- بالكسر-: نصف الشّيء والجانب.

وهذه الحالة؛ وإن كانت تفضي إلى الاستغراق في النّوم؛ لكنّه لمّا كان الوقت متّسعا وثق من نفسه بالتّيقّظ وعدم فوات الصّبح.

ص: 297

وإذا عرّس قبيل الصّبح.. نصب ذراعه، ووضع رأسه على كفّه.

ومعنى (التّعريس) : نزول القوم في السّفر آخر اللّيل.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب..

توضّأ وضوءه للصّلاة،

(وإذا عرّس قبيل الصّبح) ؛ أي: قبل دخول وقته بقليل (نصب ذراعه) ؛ أي: اليمين، (ووضع رأسه على كفّه)، وفي رواية أحمد وغيره: ووضع رأسه على كفّه اليمنى، وأقام ساعده. وذلك لأنّه أعون على الانتباه؛ لئلّا ينام طويلا؛ فيفوته الصّبح، فهو تشريع وتعليم لأمّته لئلّا يثقل نومهم فيفوتهم أوّل الوقت، فينبغي لمن قارب وقت الصّلاة أن يتجنب الاستغراق في النّوم، فينام على هيئة تقتضي سرعة يقظته؛ محافظة على تحصيل فضيلة أوّل الوقت؛ اقتداء به صلى الله عليه وسلم.

(ومعنى التّعريس: نزول القوم في السّفر آخر اللّيل) للنّوم والاستراحة، هذا قول الأكثر؛ كما في الزّرقاني.

وقال المناوي: ظنّ بعضهم أنّ اللّيل قيد في مسمّاه، والأمر بخلافه!! فقد أطلقوا أن يقال:«عرّس» ؛ إذا نزل المسافر ليستريح نزلة ثمّ يرتحل.

بل قال أبو زيد وغيره: قالوا: عرّس القوم في المنزل تعريسا؛ إذا نزلوا أيّ وقت كان من ليل أو نهار، هكذا حكاه عنه بلفظ:«قالوا» . انتهى كلام المناوي على «الشّمائل» .

(و) أخرج أبو داود، والنسائي، وابن ماجه بإسناد صحيح؛ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام؛ وهو جنب توضّأ) ؛ أي: غسل أعضاءه الأربعة بالنّية، ولمّا كان الوضوء لغويّا وشرعيّا؛ دفع توهّم إرادة اللّغوي الّذي هو مطلق النّظافة بقوله:(وضوءه للصّلاة) ؛ احترازا عن الوضوء اللّغوي، فيسنّ وضوء الجنب للنّوم، ويكره تركه.

ص: 298

وإذا أراد أن يأكل أو يشرب وهو جنب.. غسل يديه ثمّ يأكل ويشرب.

وحكمة الوضوء: تخفيف الحدث، لا سيّما إذا قلنا بجواز تفريق الغسل؛ فينويه، فيرتفع الحدث عن تلك الأعضاء.

ويؤيّده ما رواه ابن أبي شيبة بسند قال فيه ابن حجر: رجاله ثقات؛ عن شدّاد رفعه: «إذا أجنب أحدكم من اللّيل؛ ثمّ أراد أن ينام فليتوضّأ؛ فإنّه نصف غسل الجنابة» .

وقيل: حكمته أنّه أحد الطّهارتين. وعليه؛ فيقوم التّيمم مقامه!! وقد روى البيهقي- بإسناد قال ابن حجر: هو حسن- عن عائشة رضي الله تعالى عنها:

كان إذا أجنب فأراد أن ينام توضّأ أو تيمّم. أي: عند فقد الماء.

وقيل: حكمته أن ينشط إلى العود أو الغسل.

ونقل ابن دقيق العيد عن نصّ الشّافعي أنّه مثل الجنب: الحائض بعد الانقطاع، ومثلها النّفساء؛ وفيه ندب التّنظيف عند النّوم. قال ابن الجوزي:

وحكمته أنّ الملائكة تبعد عن الوسخ والرّيح الكريه؛ بخلاف الشّياطين!.

(وإذا أراد أن يأكل أو يشرب؛ وهو جنب؛ غسل يديه) ؛ أي: الأقلّ ذلك، والأكمل أن يتوضّأ؛ كما صرّح به الفقهاء، وغسل اليدين مطلوب عند الأكل؛ وإن لم يكن جنبا.

وإنما قيّد بالجنب! لتأكّد ذلك فيه أكثر من غيره. وقد ورد أنّه صلى الله عليه وسلم كان يتوضّأ أيضا عند إرادة الأكل إذا كان جنبا، وقيس بالأكل الشّرب.

وكالجنب في ذلك الحائض والنّفساء إذا انقطع دمهما؛ قاله العزيزي والحفني.

(ثمّ يأكل ويشرب) ؛ لأنّ أكل الجنب بدون ذلك يورث الفقر؛ كما جاء في

ص: 299

وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب.. غسل فرجه وتوضّأ.

وكان صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه.

خبر الديلمي؛ عن شدّاد بن أوس يرفعه: «ثلاث تورث الفقر: أكل الرّجل وهو جنب قبل أن يغسل يديه، وقيامه عريا بلا مئزر وسترة، والمرأة تشتم زوجها في وجهه» .

(و) أخرج الشّيخان، وأبو داود، والنّسائيّ، وابن ماجه؛ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:(كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب؛ غسل فرجه) ، أي: ذكره (وتوضّأ) - تمامه- للصّلاة. أي: وضوءه للصّلاة؛ أي: توضّأ كما يتوضّأ للصّلاة، وليس معناه أنّه توضّأ لأداء الصّلاة! وإنّما المراد أنّه توضّأ وضوآ شرعيّا؛ لا لغويا. انتهى «مناوي» .

(و) أخرج الحاكم في «التفسير» - قال العزيزي: وهو حديث صحيح-؛ عن أنس رضي الله تعالى عنه قال:

(كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم تنام عيناه) بالتّثنية، وبالإفراد، على أنّه مفرد مضاف يعمّ، روايتان في البخاري.

(ولا ينام قلبه) ليعي الوحي الذي يأتيه، بل هو دائم اليقظة، لا يعتريه غفلة؛ ولا يتطرّق إليه شائبة نوم؛ لمنعه من إشراق الأنوار الإلهيّة الموجبة لفيض المطالب السّنيّة، ولذا كانت رؤياه وحيا، ولا تنتقض طهارته بالنّوم، وكذا الأنبياء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«إنّا معشر الأنبياء تنام أعيننا؛ ولا تنام قلوبنا» . رواه ابن سعد؛ عن عطاء مرسلا،

ورواه البخاري وغيره بمعناه؛ من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، ولفظها:

ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان، ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة؛ يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ، ثمّ يصلي أربعا؛ فلا تسأل عن حسنهن

ص: 300

.........

وطولهنّ، ثمّ يصلي ثلاثا، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: قلت: يا رسول الله؛ أتنام قبل أن توتر؟! فقال: «يا عائشة؛ إنّ عينيّ تنامان ولا ينام قلبي» .

رواه الشّيخان، وأبو داود، والتّرمذي، والنّسائي.

وإنّما كان لا ينام قلبه! لأنّ القلب إذا قويت فيه الحياة لا ينام إذا نام البدن، وكمال هذه الحالة كان لنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولباقي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهو من خصائصه على الأمم؛ لا على الأنبياء؛ بنصّ حديثه المارّ!

والفرق بيننا وبينهم: أنّ النّوم يتضمّن أمرين: راحة البدن، وهو الّذي شاركونا فيه. والثّاني: غفلة القلب، وقلوبهم مستيقظة إذا ناموا؛ سليمة من أضغاث الأحلام، مشتغلة في تلقّف الوحي والتّفكر في المصالح؛ على مثل حال غيرهم إذا كان يقظانا، ولذا كانت رؤياهم وحيا، ولا ينقض النّوم وضوءهم.

ويحصل لمن أحيا الله قلبه بمحبّته واتباع رسوله من ذلك الحال الّذي كماله للمصطفى جزء بحسب نصيبه من محبّته عليه الصلاة والسلام، ولكنّهم؛ ولو شاركوا الأنبياء في جزء ما من ذلك؛ ليسوا كهم! لانتقاض وضوئهم، ورؤياهم ليست وحيا بإجماع.

وقد جمع العلماء بين هذا الحديث وبين حديث نومه عليه الصلاة والسلام في الوادي؛ حيث كانوا قافلين من سفر عن صلاة الصّبح حتّى طلعت الشّمس وحميت حتّى أيقظه عمر رضي الله تعالى عنه بالتّكبير!! كما أخرجه البخاري ومسلم؛ عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما؛

فقال النّووي: له جوابان:

أحدهما: أنّ القلب إنّما يدرك الحسّيّات المتعلّقة به؛ كالحدث والألم ونحوهما، ولا يدرك ما يتعلّق بالعين؛ لأنّها نائمة والقلب يقظان.

الثاني: أنّه كان له حالان؛ حال كان قلبه لا ينام؛ وهو الأغلب، وحال ينام

ص: 301

.........

فيه قلبه؛ وهو نادر، فصادف هذا- أي: قصّة النّوم عن الصلاة- قال: والصّحيح المعتمد هو الأوّل، والثاني ضعيف، بل شاذّ؛ لمخالفته لصريح «ولا ينام قلبي» الشّامل لسائر الأحوال؛ إذ الفعل المنفي يفيد العموم. قال في «فتح الباري» :

وهو كما قال.

ولا يقال: القلب؛ وإن كان لا يدرك ما يتعلّق بالعين من رؤية الفجر مثلا؛ لكنّه يدرك إذا كان يقظانا مرور الوقت الطّويل، فإنّ من ابتداء طلوع الفجر إلى أن حميت الشّمس مدّة طويلة لا تخفى على من لم يكن مستغرقا!! لأنّا نقول: يحتمل أن يقال: كان قلبه صلى الله عليه وسلم إذ ذاك مستغرقا بالوحي، ولا يلزم من ذلك وصفه بالنّوم، كما كان يستغرق صلى الله عليه وسلم حالة إلقاء الوحي؛ فكان يستغرق بحيث يؤخذ عن النّاس إذا نزل عليه في اليقظة، وتكون الحكمة في ذلك الاستغراق: بيان التشريع بالفعل؛ لأنّه أوقع في النّفس، كما في قصّة سهوه في الصّلاة حين سلّم من ركعتين

وغير ذلك.

وقريب من هذا جواب ابن المنير: أنّ القلب قد يحصل له السّهو في اليقظة لمصلحة التّشريع، ففي النّوم بطريق الأولى، أو على السّواء؛ حيث فرضنا أنّ نومه ويقظته سيّان.

وقال ابن العربي في «القبس» : النّبيّ صلى الله عليه وسلم كيفما اختلفت حاله من نوم أو يقظة في حقّ وتحقيق، ومع الملائكة في كل طريق، إن نسي؛ فباكد من المنسيّ اشتغل، وإن نام؛ فبقلبه ونفسه على الله أقبل، ولهذا قالت الصّحابة الكرام رضوان الله عليهم: كان صلى الله عليه وسلم إذا نام لا نوقظه حتّى يستيقظ، لأنّا لا ندري ما يحدث له!! أي: من الوحي؛ كانوا يخافون من إيقاظه قطع الوحي، فلا يوقظونه لاحتمال ذلك.

قال ابن العربي: فنومه عن الصّلاة أو نسيانه شيئا منها لم يكن عن آفة، وإنّما كان بالتّصرّف من حالة إلى حالة مثلها؛ لتكون لنا سنّة. انتهى. أي: كما قال

ص: 302

ولذلك كان صلى الله عليه وسلم ينام حتّى ينفخ، ثمّ يقوم فيصلّي.

صلى الله عليه وسلم: «لو أنّ الله أراد ألّا تناموا عنها لم تناموا، ولكن أراد أن تكون لمن بعدكم؛ فهكذا لمن نام أو نسي» . رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

(ولذلك) المذكور من كونه تنام عيناه ولا ينام قلبه (كان صلى الله عليه وسلم ينام حتّى ينفخ) ؛ من النّفخ: وهو إرسال الهواء من الفم بقوّة، والمراد هنا ما يخرج من النائم حين استغراقه في نومه، وبيّن به أنّ النّفخ يعتري بعض النائمين؛ دون بعض، وأنّه ليس بمذموم ولا مستهجن.

(ثمّ يقوم فيصلّي)، لفظ التّرمذي؛ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما:

أنّه صلى الله عليه وسلم نام حتّى نفخ، وكان إذا نام نفخ، فأتاه بلال فاذنه بالصّلاة، فقام وصلّى؛ ولم يتوضّأ!! أي: لأنّ نومه لا ينقض وضوءه مطلقا؛ ليقظة قلبه، فلو خرج منه حدث لأحسّ به!! وأمّا رواية: أنّه توضّأ! فإمّا للتجديد، أو وجود ناقض غير النّوم.

وفي البخاري؛ عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما: نام صلى الله عليه وسلم حتّى نفخ، وكنا نعرفه إذا نام بنفخه.

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: نام صلى الله عليه وسلم حتّى استثقل، ورأيته ينفخ.

ولأحمد عنها: ما نام قبل العشاء، ولا سمر بعدها. انتهى «زرقاني» .

ص: 303