المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: منزلة الزكاة في الإسلام - منزلة الزكاة في الإسلام

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأول: مفهوم‌‌ الزكاة: لغة، وشرعاً

- ‌ الزكاة: لغة

- ‌والزكاة أنواع ثلاثة

- ‌النوع الأول: زكاة النفس

- ‌النوع الثاني: زكاة البدن

- ‌النوع الثالث: زكاة الأموال

- ‌ الزكاة شرعاً:

- ‌الصدقة:

- ‌النوع الأول: صدقة تطلق على صدقة التطوع

- ‌النوع الثاني: صدقة تطلق على صدقة الفرض

- ‌العطية:

- ‌المبحث الثاني: منزلة الزكاة في الإسلام

- ‌المبحث الثالث: فوائد الزكاة وحِكَمها

- ‌1 - إتمام إسلام العبد

- ‌2 - حصول طاعة الله بتنفيذ أمره:

- ‌3 - تثبيت أواصر المحبة بين الغني والفقير

- ‌4 - تطهير النفس وتزكيتها

- ‌5 - تعويد المسلم على صفة الجود

- ‌6 - حفظ النفس عن الشح

- ‌7 - استجلاب البركة والزيادة والخلف من الله تعالى

- ‌8 - برهان على صدق إسلام مخرجها

- ‌9 - تشرح الصدر

- ‌10 - تُلحق المسلم بالمؤمن الكامل

- ‌11 - من أسباب دخول الجنة

- ‌12 - تجعل المجتمع المسلم كالأسرة الواحدة

- ‌13 - تطفئ حرارة ثورة الفقراء

- ‌14 - تمنع الجرائم المالية

- ‌15 - النجاة من حرِّ يوم القيامة

- ‌16 - تعين المسلم على معرفة حدود الله والفقه في دينه تعالى

- ‌17 - سبب لنزول الخيرات ودفع العقوبات

- ‌18 - تطفئ الخطايا وتكفرها

- ‌19 - أداء الزكاة من شكر النعم

- ‌20 - مضاعفة الأجر عند الله تعالى

- ‌21 - وقاية صاحب المال من العذاب به

- ‌22 - الزكاة تُحصِّن المال

- ‌23 - ذهاب شر المال ووباله

- ‌24 - تطهير المال

- ‌25 - وقاية المال من الفساد

- ‌26 - استعانة الفقير بما يأخذ من الزكاة على طاعة الله

- ‌27 - ترغيب الفقير في فعل الخيرات والإحسان إلى من دونه

- ‌28 - تحقيق أهم عناصر التمكين في الأرض والنصر على الأعداء

- ‌29 - يزيد الله تعالى من أدى الزكاة طيبة بها نفسه هُدىً وإيماناً

- ‌30 - شهد الله تعالى للمنفقين بالهدى والفلاح

- ‌31 - أداء الزكاة والصدقة من أعظم قضاء الحوائج وتفريج الكربات والستر في الدنيا ويوم القيامة

- ‌32 - أداء الزكاة أو الصدقة إلى الضعفاء الفقراء من أسباب النصر والرزق

- ‌33 - المتصدق ابتغاء مرضاة الله تعالى يفوز بثناء الله تعالى

- ‌34 - من أعظم أسباب رحمة الله تعالى للعبد في الدنيا والآخرة

- ‌35 - وعد الله تعالى المؤمنين المتصدقين بالجنة وما فيها من النعيم المقيم

- ‌36 - أداء الزكاة من أعظم أنواع الإحسان

- ‌37 - في إعطاء العاملين على الزكاة منها

- ‌38 - في إعطاء الزكاة للمؤلفة قلوبهم:

- ‌39 - في إعطاء الغارمين الزكاة نوع من التخفيف عنهم من همِّ الديون

- ‌40 - تجهيز المقاتلين في سبيل الله تعالى

- ‌41 - مساعدة المسلم المسافر إذا انقطع من النفقة في طريقه لنفاد نفقته أو سرقة أو ضياع

- ‌42 - في إعطاء الزكاة في تحرير الرقاب تحرير للرقيق الذي أذله الرق

- ‌43 - يترتب على أداء الزكاة الأجر العظيم

- ‌المبحث الرابع: حكم الزكاة في الإسلام

- ‌المبحث الخامس: شروط وجوب الزكاة خمسة على النحو الآتي:

- ‌الشرط الأول: الإسلام

- ‌الشرط الثاني: الحرية

- ‌الشرط الثالث: مِلْكُ نصاب

- ‌الشرط الرابع: استقرار الملك

- ‌الشرط الخامس: مضي الحول في غير المعشر

- ‌ويستثنى أشياء لا يشترط لها تمام الحول، وهي على النحو الآتي:

- ‌الأول: المعشر

- ‌الثاني: نتاج السائمة أي أولادها

- ‌الثالث: ربح التجارة حوله حول رأس المال

- ‌الرابع: الركاز، وهو ما يوجد من دفن الجاهلية

- ‌الخامس: المعدن

- ‌وينقطع الحول بأمور على النحو الآتي:

- ‌الأول: إذا نقص النصاب أثناء الحول قبل تمامه انقطع الحول

- ‌الثاني: إذا باع النصاب بغير جنسه أثناء الحول لا فراراً من الزكاة

- ‌الثالث: إذا أبدل النصاب بغير جنسه أثناء الحول لا فراراً من الزكاة

- ‌أما إذا باعه أو أبدله بجنسه؛ فإن الحول لا ينقطع

- ‌أما حول عروض التجارة

- ‌المبحث السادس: زكاة الدين على النحو الآتي

- ‌1 - الصواب من أقوال أهل العلم أن الدين الذي ينقص النصاب لا يمنع الزكاة

- ‌2 - زكاة الدين على نوعين:

- ‌النوع الأول: دينٌ على مليء مُعترفٍ به باذلٍ له

- ‌النوع الثاني: أن يكون الدين على معسر

- ‌3 - حكم إسقاط الدين من الزكاة:

- ‌المبحث السابع: مسائل مهمة في الزكاة

- ‌المسألة الثانية: لا يعتبر في وجوب الزكاة إمكان الأداء

- ‌المسألة الثالثة: لا يعتبر في وجوب الزكاة بقاء المال

- ‌المسألة الرابعة: الزكاة كالدين في التركة

- ‌المسألة الخامسة: تجب الزكاة على الفور

- ‌المسألة السادسة: شروط صحة الزكاة:

- ‌المسألة السابعة: وجوب الزكاة في مال الصغير والمجنون

- ‌المسألة الثامنة: المال المستفاد

- ‌المسألة التاسعة: جواز تقديم الزكاة إذا وُجد سبب وجوبها

- ‌المسألة العاشرة: كل شيء ليس لعروض التجارة لا زكاة فيه:

- ‌المسألة الحادية عشرة: الأموال التي تجب فيها الزكاة:

- ‌الصنف الأول: زكاة السائمة

- ‌تجب الزكاة في بهيمة الأنعام بشروط أربعة:

- ‌الشرط الأول: أن تتخذ للدرِّ والنسل، والتسمين، لا للعمل

- ‌الشرط الثاني: السوم أكثر الحول

- ‌الشرط الثالث: أن يحول عليها الحول عند مالكها حولاً كاملاً

- ‌الشرط الرابع: أن تبلغ النصاب الشرعي

- ‌أولاً: نصاب الإبل

- ‌ثانياً: نصاب زكاة البقر

- ‌ثالثاً: نصاب زكاة الغنم

- ‌القسم الأول: أن تكون عروض تجارة

- ‌القسم الثاني: أن تكون متخذة للدّرّ والنّسل

- ‌القسم الثالث: السوائم التي تسوم

- ‌القسم الرابع: العوامل، وهذه ليس فيها زكاة

- ‌الصنف الثاني: زكاة الخارج من الأرض:

- ‌الشرط الأول: أن تبلغ الحبوب أو الثمار نصاباً

- ‌الشرط الثاني: أن يكون مالكاً للنصاب وقت وجوب الزكاة

- ‌الصنف الثالث: زكاة الأثمان: الذهب والفضة

- ‌الصنف الرابع: زكاة عروض التجارة:

- ‌مصارف الزكاة: أهل الزكاة ثمانية على النحو الآتي:

- ‌1 - الفقير:

- ‌2 - المسكين:

- ‌3 - العامل عليها:

- ‌4 - المؤلَّف:

- ‌5 - المُكاتب:

- ‌6 - الغارم:

- ‌7 - الغازي في سبيل الله: الذي ليس له مرتب

- ‌8 - ابن السبيل: وهو الغريب المنقطع المسافر لغير بلده

- ‌أصناف الذين لا يصح دفع الزكاة إليهم على النحو الآتي:

- ‌1 - آل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهم بنو هاشم

- ‌2 - الأغنياء بمال أو كسب

- ‌3 - الكفار إلا المؤلفة قلوبهم

- ‌4 - الرقيق المملوك

- ‌5 - من تلزم نفقته:

- ‌6 - الفاسق والمبتدع

- ‌7 - جهات الخير من غير الأصناف الثمانية:

الفصل: ‌المبحث الثاني: منزلة الزكاة في الإسلام

‌المبحث الثاني: منزلة الزكاة في الإسلام

الزكاة فريضة عظيمة ومنزلتها من أعظم الأمور؛ لما يأتي:

1 -

الزكاة: الركن الثالث من أركان الإسلام، فهي أحد مباني الإسلام؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)). وفي لفظ لمسلم: ((بني الإسلام على خمس: على أن يعبد الله ويكفر بما دونه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)) (1).

2 -

الزكاة: قرينة الصلاة في كتاب الله تعالى، فقد جمع الله بينها وبين الصلاة في مواضع كثيرة في كتابه الكريم، وهذا يدل على عظم مكانتها عند الله عز وجل، وعظم شأنها، قال الله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (2).

وقال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} (3).

وقال سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ الله إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (4).

وقال عز وجل أثناء بيانه لخصال البر وصفات المتقين: {وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى

(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب: دعاؤكم إيمانكم، برقم 8، ومسلم، كتاب الإيمان، باب أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم 16.

(2)

سورة البقرة، الآية:43.

(3)

سورة البقرة، الآية:83.

(4)

سورة البقرة، الآية:110.

ص: 10

الزَّكَاةَ وَالمُْوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} (1).

وقال تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (2).

وقال جل وعلا: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (3).

وقال تعالى أثناء بيانه لصفات الراسخين في العلم والمؤمنين: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً} (4).

وقال سبحانه: {لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ الله قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (5).

وقال عز وجل: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (6).

وقال تبارك وتعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (7).

وقال جل وعلا: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ

(1) سورة البقرة، الآية:177.

(2)

سورة البقرة، الآية:277.

(3)

سورة النساء، الآية:77.

(4)

سورة النساء، الآية:162.

(5)

سورة المائدة، الآية:12.

(6)

سورة المائدة، الآية:55.

(7)

سورة التوبة، الآية:5.

ص: 11

فِي الدِّينِ} (1).

وقال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} (2).

وقال سبحانه أثناء ذكره لصفات المؤمنين: {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ} (3).

وقال سبحانه في قول عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} (4).

وقال عز وجل في مدح إسماعيل عليه الصلاة والسلام: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} (5).

وقال تبارك وتعالى في سورة الأنبياء: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} (6).

وقال جل وعلا: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (7).

وقال تعالى: {النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِالله هُوَ

(1) سورة التوبة، الآية:11.

(2)

سورة التوبة، الآية:18.

(3)

سورة التوبة، الآية:71.

(4)

سورة مريم، الآية:31.

(5)

سورة مريم، الآية:55.

(6)

سورة الأنبياء، الآية:73.

(7)

سورة الحج، الآية:41.

ص: 12

مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (1).

وقال سبحانه: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (2).

وقال سبحانه وتعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (3).

وقال عز وجل: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (4).

وقال تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (5).

وقال جل وعلا: {وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ} (6).

وقال تعالى: {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (7).

وقال سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا الله قَرْضاً حَسَناً} (8).

وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (9).

(1) سورة الحج، الآية:78.

(2)

سورة النور، الآية:37.

(3)

سورة النور، الآية:56.

(4)

سورة النمل، الآية:3.

(5)

سورة لقمان، الآية:4.

(6)

سورة الأحزاب، الآية:33.

(7)

سورة المجادلة، الآية:13.

(8)

سورة المزمل، الآية:20.

(9)

سورة البينة، الآية:5.

ص: 13

وهذه الآيات السابقة قرنت بين الصلاة والزكاة ستًّا وعشرين مرة، كل مرة منها في آية واحدة، وتمام السابعة والعشرين مرة جاءت في سياق واحد مع الصلاة، وإن لم تكن معها في آية واحدة، هي قوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} (1).

وذكرت الزكاة منفردة عن الصلاة في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم هي قوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} (2).

وقوله تعالى: {وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ الله وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (3).

وقوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ*الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} (4).

فهذه ثلاثون مرة ذكرت فيها الزكاة في القرآن الكريم (5).

وقد جاءت كلمة الصدقة والصدقات في القرآن الكريم اثنتا

عشرة مرة (6) منها قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ

(1) سورة المؤمنون، الآيات: 1 - 4.

(2)

سورة الأعراف، الآية:156.

(3)

سورة الروم، الآية:39.

(4)

سورة فصلت، الآيتان: 6 - 7.

(5)

جاء في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم 32 مرة، ولكنْ مرتان جاءت بمعنى آخر، وهما قوله تعالى:{خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً} [الكهف 81] وقوله: {وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً} [مريم: 13] وانظر: المعجم المفهرس لمحمد فؤاد عبد الباقي، ص 331 - 332.

(6)

انظر: المعجم المفهرس لمحمد فؤاد عبد الباقي، ص 406.

ص: 14

وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (1).

وقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (2).

وقد جاءت الزكاة في القرآن بألفاظ غير ألفاظ الزكاة والصدقة كقوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ* وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ*لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (3).

وقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (4).

وقوله تعالى: {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (5).

وغير ذلك من الألفاظ التي تدل على أهمية الزكاة وعظم منزلتها في الإسلام.

3 -

اعتنت سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالزكاة عناية دقيقة فائقة، وهذا يدل على علو شأن الزكاة ومنزلتها العظيمة في الإسلام، فقد جاءت الأحاديث الصحيحة الكثيرة في العناية بالزكاة، والأمر بإخراجها، وبيان وجوبها، وإثم تاركها، وقتال من منعها، وبيان أصناف الأموال الزكوية: من بهيمة الأنعام، والذهب والفضة، وعروض التجارة، والخارج من الأرض:

(1) سورة التوبة، الآية:103.

(2)

سورة التوبة، الآية:60.

(3)

سورة المعارج، الآيات: 23 - 25.

(4)

سورة آل عمران، الآية:134.

(5)

سورة الحاقة، الآية:34.

ص: 15

كالثمار، والحبوب وغير ذلك: كالمعدن والركاز، وأوضحت النصب ومقاديرها، وبينت السنة أحكام الزكاة بالتفصيل، وكذلك اعتنت السنة المطهرة ببيان أصناف أهل الزكاة الثمانية، وقد ذكر الإمام ابن الأثير أكثر من مائة وعشرة أحاديث في الزكاة (1)، وهي أكثر من ذلك في المصنفات الحديثية، وهذا كله يدل على عظم شأن الزكاة وعلو منزلتها في الإسلام.

4 -

لعظم شأن الزكاة ذكرها الله تعالى في شرائع من كان قبلنا، فقال سبحانه وتعالى حينما تكلم عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} (2). وقال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا الله وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} (3). وغير ذلك من الآيات التي تقدم ذكرها آنفاً، منها قوله تعالى في قول عيسى:{وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} (4).

5 -

مدح الله القائمين بها في آيات كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا*وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} (5).

(1) انظر: جامع الأصول، 4/ 550 - 669، من الحديث رقم 2655 - 2769.

(2)

سورة الأنبياء، الآية:73.

(3)

سورة البقرة، الآية:83.

(4)

سورة مريم، الآية:31.

(5)

سورة مريم، الآيتان: 54 - 55.

ص: 16

وقال سبحانه وتعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (1). وغير ذلك من الآيات والأحاديث.

6 -

ذم الله تعالى التاركين لها، فقال سبحانه وتعالى:{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ*الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} (2).

7 -

تارك إطعام المساكين من المجرمين؛ لقول الله تعالى: {كلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ*إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ*فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ*عَنِ الْمُجْرِمِينَ* مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّين} (3).

8 -

أداء الزكاة من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار، وقد ذكرتُ أدلة ذلك في فوائد الزكاة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

9 -

لعظم مكانة الزكاة شرعها الله تعالى زكاة مطلقة بدون أنصباء مُحدَّدة منذ العهد المكي ورغب فيها؛ لقول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (4).

وذم الله تعالى من لم يحض على طعام المسكين، فبين أن عدم الحض

(1) سورة النور، الآية:37.

(2)

سورة فصلت، الآيتان: 6 - 7.

(3)

سورة المدثر، الآيات: 38 - 46.

(4)

سورة الأنعام، الآية:141.

ص: 17

على طعام المسكين من أسباب العذاب، فقال تعالى:{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ*ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ*إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِالله الْعَظِيمِ* وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (1).

وقال تعالى: {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ* وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (2).

وبيَّن سبحانه وتعالى أن من أسباب دخول الجنة العناية بالسائل والمحروم، فقال تعالى في أوصاف أهل الجنة:{إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (3).

وبيَّن تعالى أن من صفات المؤمنين أن في أموالهم حقًّا معلوماً للسائل والمحروم، فقال سبحانه:{إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا* إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ* وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (4).

وفي سورة الروم يأمر تعالى بأداء حق القريب والمسكين، وابن السبيل:{فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ الله وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (5).

(1) سورة الحاقة، الآيات: 30 - 34.

(2)

سورة الفجر، الآيتان: 17، 18.

(3)

سورة الذاريات، الآيات: 16 - 19.

(4)

سورة المعارج، الآيات: 19 - 25.

(5)

سورة الروم، الآية:38.

ص: 18

وقال تعالى في سورة النمل وهي مكية: {طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ* هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (1).

وقال سبحانه في مطلع سورة لقمان: {الم* تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ* هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ*الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (2).

وغير ذلك من الآيات في العهد المكي (3).

والزكاة في العهد المكي زكاة مطلقة من القيود والشروط، والحدود، والأنصباء.

أما الزكاة التي فرضت في المدينة: فهي الزكاة ذات النصب والمقادير الخاصة، والشروط، قال الإمام ابن كثير - رحمه الله تعالى - عند تفسير قوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (4). ((أي أقيموا صلاتكم الواجبة عليكم، وآتوا الزكاة المفروضة، وهذا دليل لمن قال: إن فرض الزكاة نزل بمكة لكن مقادير النصب والمخرج لم تبين إلا بالمدينة، والله أعلم)) (5). فالصواب أن الزكاة فرضت في أصح أقوال

(1) سورة النمل، الآيات: 1 - 3.

(2)

سورة لقمان، الآيات: 1 - 4.

(3)

انظر: سورة الأعراف، الآيتان: 156، 157، وسورة فصلت، الآيتان: 6، 7، وسورة الشمس، الآية: 9، وسورة الأعلى، الآية:14.

(4)

سورة المزمل، الآية:20.

(5)

تفسير القرآن العظيم، ص 1390، دار السلام.

ص: 19

أهل العلم بمكة، ولكن تقدير الأنصبة والأموال الزكوية وأهل الزكاة نزلت بالمدينة (1).

10 -

لعظم شأن الزكاة في الإسلام اعتنى الله بها، ففرضت في السنة الثانية للهجرة: الزكاة ذات النصب والمقادير، في المدينة، وبين عز وجل أصناف أهل الزكاة، قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير سورة المؤمنين عند قوله تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} (2). ((الأكثرون على أن المراد بالزكاة ههنا زكاة الأموال مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة سنة اثنتين من الهجرة، والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجباً بمكة)) (3). كما قال تعالى في سورة الأنعام وهي مكية: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (4)(5).

11 -

ويدل على علوِّ منزلة الزكاة أن من منعها يقاتل؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم

(1) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين، 18/ 15.

(2)

سورة المؤمنون، الآية:4.

(3)

تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص 909.

(4)

سورة الأنعام، الآية:141.

(5)

تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص 909، وانظر: الموسوعة الفقهية، 3/ 228، وفتاوى ابن عثيمين (17/ 15، والشرح الممتع (6/ 15.

ص: 20

على الله)) (1). ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستُخلفَ أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله تعالى)). فقال أبو بكر: والله! لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: فوالله! ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفتُ أنه الحق)). وفي صحيح البخاري: أن أبا بكر رضي الله عنه قال: ((والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها)) (2).

12 -

ومما يؤكد عظم منزلة الزكاة في الإسلام أن من جحد وجوبها كفر: إن كان مسلماً ناشئاً ببلاد الإسلام بين أهله فإنه يكون مرتدًّا تجري عليه أحكام المرتد، ويستتاب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل؛ لأن أدلة وجوب الزكاة ظاهرة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فلا تكاد تخفى على من هذه حاله، فإذا جحدها لا يكون إلا لتكذيبه: الكتاب والسنة، وكفره بهما، أما من كان جاهلاً: إما لحداثة عهده بالإسلام، أو لأنه نشأ ببادية

(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} برقم 25، [التوبة: 5]، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، برقم 22.

(2)

متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، برقم 1399 ورقم 1400، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، برقم 20.

ص: 21

نائية عن الأمصار، فإنه يُعرَّف وجوبها، ولا يحكم بكفره حتى يعلم ثم يجحد وجوبها (1).

قال شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((

في حكم تارك الزكاة تفصيل، فإن كان تركها جحداً لوجوبها مع توافر شروط وجوبها عليه كفر بذلك إجماعاً، ولو زكَّى مادام جاحداً لوجوبها، أما إن تركها بخلاً أو تكاسلاً؛ فإنه يعتبر بذلك فاسقاً، قد ارتكب كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب)) (2).

وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ((

من أنكر وجوبها فقد كفر إلا أن يكون حديث عهد بإسلام، أو ناشىء في بادية بعيدة عن العلم وأهله فيعذر، ولكنه يعلَّم، وإن أصر بعد علمه فقد كفر مرتدًّا، وأما من منعها بخلاً وتهاوناً ففيه خلاف بين أهل العلم:

فمنهم من قال: إنه يكفر، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد (3).

ومنهم من قال: إنه لا يكفر، وهذا هو الصحيح، ولكنه قد أتى كبيرة عظيمة، والدليل على أنه لا يكفر حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عقوبة مانع زكاة الذهب والفضة، ثم قال: ((

حتى يُقضى بين العباد فيرى سبيله: إما إلى الجنة وإما إلى النار)) (4). وإذا كان يمكن أن يرى له سبيلاً إلى الجنة؛ فإنه ليس بكافر؛ لأن الكافر لا يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة،

(1) انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 6، والمجموع للنووي، 4/ 334.

(2)

مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 227.

(3)

انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 8 - 9، والكافي، 2/ 87.

(4)

مسلم، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم 987.

ص: 22

ولكن على مانعها من الإثم العظيم ما ذكره الله تعالى

)) (1)(2).

13 -

ولعظيم منزلة الزكاة جاءت النصوص من الكتاب والسنة في بيان عقوبة تاركها، مما تقشعر منه الجلود المسلمة، وتدمع له العيون المؤمنة، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (3).

وقال الله عز وجل: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِله مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (4).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أُعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيُرى سبيله: إما إلى الجنة وإما إلى النار)) قيل: يا رسول الله: فالإبل؟ قال: ((ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها، إلا إذا كان يوم القيامة بُطِحَ لها بقاعٍ قرقر (5) أوفر ما كانت، لا يُفقد منها فصيلاً واحداً، تطؤه بأخفافها، وتعضُّه

(1) انظر: سورة آل عمران، 180، وسورة التوبة، 34، 35.

(2)

مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، 18/ 14، وانظر: الشرح الممتع له، 6/ 7 - 9.

(3)

سورة التوبة، الآيتان: 34 - 35.

(4)

سورة آل عمران، الآية:180.

(5)

القاع القرقر: القاع المستوي الواسع من الأرض يعلوه ماء السماء فيمسكه. شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 69.

ص: 23

بأفواهها، كلما مر عليه أولاها رُدَّ عليه أخراها (1) في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله: إما إلى الجنة وإما إلى النار)) قيل: يا رسول الله! فالبقر والغنم؟ قال: ((ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بُطِحَ لها بقاع قرقر، لا يفقد منها شيئاً، ليس فيها عقصاءُ (2)، ولا جلحاءُ (3) ، ولا عضباءُ (4) ، تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلما مرت عليه أولاها رُدّ عليه أخراها (5) في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله: إما إلى الجنة وإما إلى النار)) (6).

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه نحو حديث أبي هريرة السابق، وفيه: ((

ولا صاحب مال لا يؤدي زكاته إلا تحول يوم القيامة شجاعاً أقرع، يتبع صاحبه حيثما ذهب وهو يفرُّ منه، ويقال: هذا مالك الذي كنت تبخل به، فإذا رأى أنه لا بد منه أدخل يده في فيه، فجعل يقضمها كما يقضم الفحل)) (7).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من آتاه الله مالاً فلم يؤد

(1) وفي رواية لمسلم: ((كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها)).

(2)

العقصاء: ملتوية القرنين. شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 70.

(3)

الجلحاء: التي لا قرن لها. شرح النووي، 7/ 70.

(4)

العضباء: التي كسر قرنها الداخل، شرح النووي، 7/ 70.

(5)

وفي رواية لمسلم: ((كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها))، مسلم، برقم 26 - (987.

(6)

متفق عليه: البخاري مختصراً، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم 1402، ومسلم بلفظه، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم 987، ومن حديث جابر عند مسلم، برقم 988.

(7)

مسلم، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم 28 - (988.

ص: 24

زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع (1)، له زبيبتان (2) يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك)) ثم تلا هذه الآية:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِله مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (3). وفي لفظ: ((يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعاً أقرع، يفرُّ منه صاحبه ويطلبه، ويقول: أنا كنزك، قال: والله لن يزال يطلبه حتى يبسط يده فيلقمها فاه)) (4).

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال:((هم الأخسرون وربِّ الكعبة)) قال: فجئت حتى جلست فلم أتقارَّ (5) أن قمت، فقلت: يا رسول الله فداك أبي وأمي من هم؟ قال: ((هم الأكثرون أموالاً، إلا من قال: هكذا، وهكذا، وهكذا - من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله - وقليل ما هم، ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى

(1) الشجاع: الحية الذكر، والأقرع: الذي انحسر الشعر عن رأسه من كثرة سمه. شرح السنة للبغوي، 5/ 479.

(2)

زبيبتان: النكتتان السوداوان فوق عينيه، وهو أوحش ما يكون من الحيات وأخبثه، ويقال: الزبيبتان: الزبعتان تكون في الشدقين إذا غضب الإنسان أو كثر كلامه. شرح السنة للبغوي، 5/ 479.

(3)

سورة آل عمران، الآية:180.

(4)

البخاري، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم 1403، وكتاب التفسير، باب {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 180] وكتاب الحيل باب في الزكاة وأن لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة، برقم 6957.

(5)

لم أتقار: أي لم يمكني القرار والثبات. شرح النووي، 7/ 77.

ص: 25

يُقضى بين الناس)) (1).

14 -

تعزير الإمام لمن تهاون بأداء الزكاة يدل على عِظَم منزلتها في الإسلام؛ لحديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((في كل إبل سائمة: في كل أربعين ابنة لبون، لا تفرَّقُ إبلٌ عن حسابها (2) ، من أعطاها مؤتجراً بها فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة (3) من عزمات ربنا عز وجل ، ليس لآل محمد منها شيء)). وفي لفظ النسائي:((من أعطاها مؤتجراً (4) فله أجرها، ومن أبى فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد صلى الله عليه وسلم منها شيء)) (5).

فقوله صلى الله عليه وسلم: ((فإنا آخذوها)) استدل به على أنه يجوز للإمام أن يأخذ الزكاة قهراً (6).

واختلف العلماء رحمهم الله تعالى في أخذ نصف المال عقاباً لمانع الزكاة:

(1) متفق عليه: البخاري بنحوه، كتاب الزكاة، باب زكاة البقر، برقم 1460، وكتاب الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم ، برقم 6638، ومسلم بلفظه، كتاب الزكاة، باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة، برقم 990.

(2)

لا تفرق عن حسابها: أي لا يفرق أحد الخليطين ملكه عن ملك صاحبه خشية الصدقة. نيل الأوطار، 3/ 16.

(3)

عزمة: العزمة ضد الرخصة وهي ما يجب فعله، والعزائم الفرائض. غريب الحديث لابن الأثير، 4/ 573، ونيل الأوطار للشوكاني، 3/ 19.

(4)

مؤتجراً: أي طالباً للأجر. نيل الأوطار، 3/ 16.

(5)

أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1575، والنسائي، كتاب الزكاة، باب عقوبة مانع الزكاة برقم 2443، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 436، وفي صحيح النسائي، 2/ 177، وفي إرواء الغليل، برقم 791.

(6)

نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 16.

ص: 26

فمنهم من قال: يؤخذ نصف ماله مع أخذ الزكاة.

ومنهم من قال: يجعل ماله نصفين، ثم تؤخذ الزكاة من خير الشطرين.

ومنهم من قال: لا يعاقب بالمال، وإنما يعاقبه الإمام بما يراه، وهذا قول الجمهور (1).

(1) انظر: جامع الأصول، لابن الأثير، 4/ 573 - 574، ونيل الأوطار، 3/ 16 - 18، وسبل السلام للصنعاني، ومال شيخنا ابن باز أثناء تقريره على الحديث رقم 626 من بلوغ المرام: إلى عدم أخذ نصف المال، وإنما يعاقبه الإمام بما يراه، للقواعد العظيمة في تحريم مال المسلم بغير حق، وإن كان مخالفاً لما رجحه ابن القيم رحمه الله، وذكر ابن باز: أن الحاكم صحح الحديث، ولكن لم يجزم الشيخ بتصحيحه ولا تضعيفه، وقد حسنه الألباني كما تقدم.

ص: 27