المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 42 الى 44] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٦

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد السادس]

- ‌سورة الأنفال

- ‌تمهيد بين يدي تفسير السورة

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 9 الى 14]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 15 الى 19]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 23]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 24 الى 26]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 27 الى 29]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 30 الى 40]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 41]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 42 الى 44]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 47 الى 49]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 50 الى 51]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 52 الى 54]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 55 الى 59]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 60]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 61 الى 63]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 67 الى 69]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 70 الى 71]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 72 الى 75]

- ‌تفسير سورة التّوبة

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد بين يدي تفسير سورة التوبة

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 5]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 6]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 7 الى 12]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 13 الى 15]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 16]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 28]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 29]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 34 الى 35]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 42]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 43]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 44 الى 45]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 46 الى 48]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 58 الى 59]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 60]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 61]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 62 الى 63]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 67 الى 68]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 69 الى 70]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 73]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 74]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 75 الى 78]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 79]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 80]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 81 الى 83]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 84]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 85]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 86 الى 89]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 90]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 91 الى 92]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 93 الى 96]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 97 الى 99]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 100]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 101 الى 106]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 107 الى 110]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 111]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 112]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 113 الى 116]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 117]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 118]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 119 الى 121]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 122]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 123]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 124 الى 127]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 128 الى 129]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة الأنفال

- ‌فهرس إجمالى لتفسير آيات سورة التوبة

الفصل: ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 42 الى 44]

ويشعر بهذا الإرشاد تصديره- سبحانه- الآية بقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ.. كما يشعر به قوله- تعالى- إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ..، فإن كل ذلك فيه معنى الحض على إخلاص النية لله- تعالى- والامتثال لحكمه، والمداومة على شكره، حيث منحهم- سبحانه- هذه النعم بفضله وإحسانه.

وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: فإن قلت: بم تعلق قوله إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ: قلت بمحذوف يدل عليه قوله وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ.. والمعنى: إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أن الخمس من الغنيمة يجب التقرب به، فاقطعوا عنه أطماعكم واقتنعوا بالأخماس الأربعة. وليس المراد بالعلم المجرد، ولكنه العلم المضمن بالعمل، والطاعة لأمر الله- تعالى-، لأن العلم المجرد يستوي فيه المؤمن والكافر «1» .

هذه بعض المسائل والأحكام التي استنبطناها من الآية الكريمة، وهناك مسائل وأحكام أخرى تتعلق بها ذكرها بعض المفسرين فارجع إليها إن شئت «2» .

ثم حكى- سبحانه- بعض مظاهر فضله وحكمه في غزوة بدر، فبين الأماكن التي نزل فيها كل فريق، كما بين الحكمة في لقاء المؤمنين والكافرين على غير ميعاد، والحكمة في تقليل كل فريق منهما في عين الآخر

فقال تعالى:

[سورة الأنفال (8) : الآيات 42 الى 44]

إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)

(1) تفسير الكشاف ج 2 ص 222.

(2)

راجع تفسير القرطبي ج 8 من ص 1 إلى ص 20.

ص: 105

قوله: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا.. بدل من قوله يَوْمَ الْفُرْقانِ.. أو معمول لفعل محذوف. والتقدير: اذكروا.

والعدوة- مثلثة العين- جانب الوادي وحافته. وهي من العدو بمعنى التجاوز سميت بذلك لأنها عدت..- أى منعت- ما في الوادي من ماء ونحوه أن يتجاوزها.

والدنيا: تأنيث الأدنى بمعنى الأقرب. والقصوى: تأنيث الأقصى بمعنى الأبعد. والركب:

اسم جمع لراكب، وهم العشرة فصاعدا من راكبي الإبل.

قال القرطبي: ولا تقول العرب: ركب إلا للجماعة الراكبى الإبل..

والمراد بهذا الركب: أبو سفيان ومن معه من رجال قريش الذين كانوا قادمين بتجارتهم من بلاد الشام ومتجهين بها إلى مكة، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أمرها، أشار على أصحابه بالخروج لملاقاته، كما سبق أن بينا عند تفسيرنا لقوله- تعالى- كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ

والمعنى: اذكروا- أيها المؤمنون- وقت أن خرجتم إلى بدر، فسرتم إلى أن كنتم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا أى: بجانب الوادي وحافته الأقرب إلى المدينة، وكان أعداؤكم الذين قدموا لنجدة العير بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى أى: بالجانب الآخر الأبعد من المدينة، وكان أبو سفيان ومن معه من حراس العير أَسْفَلَ مِنْكُمْ أى: في مكان أسفل من المكان الذي أنتم فيه، بالقرب من ساحل البحر الأحمر، على بعد ثلاثة أميال منكم.

قال الجمل: قوله وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ الأحسن في هذه الواو، والواو التي قبلها الداخلة على هُمْ أن تكون عاطفة ما بعدها على أَنْتُمْ لأنها مبدأ تقسيم أحوالهم وأحوال عدوهم ويجوز أن يكونا واو حال، وأسفل منصوب على الظرف النائب عن الخبر، وهو في الحقيقة صفة لظرف مكان محذوف. أى: والركب في مكان أسفل من مكانكم وكان الركب على ثلاثة أميال من بدر..» «1» .

(1) حاشية الجمل على الجلالين ج 2 ص 46.

ص: 106

وقال الإمام الزمخشري- رحمه الله فإن قلت: ما فائدة هذا التوقيت، وذكر مراكز الفريقين، وأن العير كانت أسفل منهم؟.

قلت: الفائدة فيه الإخبار عن الحال الدالة على قوة الشأن للعدو، وتكامل عدته، وتمهد أسباب الغلبة له، وضعف شأن المسلمين، والتياث أمرهم، وأن غلبتهم في هذه الحال ليس إلا صنعا من الله- سبحانه- ودليلا على أن ذلك أمر لم يتيسر إلا بحوله وقوته وباهر قدرته.

وذلك أن العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون، كان فيها الماء، وكانت أرضا لا بأس بها. ولا ماء بالعدوة الدنيا، وهي خبار- أى أرض لينة رخوة- تسوخ فيها الأرجل، ولا يمشى فيها إلا بتعب ومشقة.

وكانت العير وراء ظهور العدو، مع كثرة عددهم، فكانت الحماية دونها تضاعف حميتهم، وتشحذ في المقاتلة عنها نياتهم، ولهذا كانت العرب تخرج إلى الحرب بظعنهم وأموالهم، ليبعثهم الذب عن الحريم على بذل جهودهم في القتال.

وفيه تصوير ما دبر- سبحانه- من أمر غزوة بدر لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا ومن إعزاز دينه، وإعلاء كلمته، حين وعد المسلمين إحدى الطائفتين مبهمة غير مبينة حتى خرجوا ليأخذوا العير راغبين في الخروج، وأقلق قريشا ما بلغهم من تعرض المسلمين لأموالهم، فنفروا ليمنعوا عيرهم، وسبب الأسباب حتى أناخ هؤلاء بالعدوة الدنيا وهؤلاء بالعدوة القصوى، ووراءهم العير يحامون عليها، حتى قامت الحرب في ساق، وكان ما كان» «1» .

وقوله: وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ، وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا بيان لتدبير الله الحكيم، وإرادته النافذة.

أى: ولو تواعدتم وأهل مكة على موعد تلتقون فيه للقتال، لتخلفتم عن الميعاد المضروب بينكم، لأن كل فريق منكم كان سيتهيب الإقدام على صاحبه، ولكن الله- تعالى- بتدبيره الخفى شاء أن يجمعكم للقتال على غير ميعاد، ليقضى- سبحانه- أمرا كان مفعولا، أى:

ثابتا في علمه وحكمته، وهو: إعزاز الإسلام وأهله، وخذلان الشرك وحزبه.

روى ابن جرير من حديث كعب بن مالك- رضى الله عنه- قال: إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد.

وروى- أيضا- عن عمير بن إسحاق قال: أقبل أبو سفيان في الكرب من الشام، وخرج أبو جهل ليمنعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فالتقوا ببدر، ولا يشعر هؤلاء بهؤلاء، ولا هؤلاء بهؤلاء، حتى التقى السقاة قال: ونظر الناس بعضهم إلى بعض» «2» .

(1) تفسير الكشاف ج 2 ص 223.

(2)

تفسير ابن جرير ج 10 ص 11.

ص: 107

وقوله لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ بدل من قوله لِيَقْضِيَ بإعادة الحروف، أو هو متعلق بقوله مَفْعُولًا.

والمراد بالهلاك والحياة هنا ما يشمل الحسى والمعنوي منهما.

والمراد بالبينة الحجة الظاهرة الدالة على حقية الإسلام وبطلان الكفر.

قال الآلوسى: أى: ليموت من يموت عن حجة عاينها، ويعيش من يعيش عن حجة شاهدها، فلا يبقى محل للتعلل بالأعذار، فإن وقعة بدر من الآيات الواضحة والحجج الغر المحجّلة.

ويجوز أن يراد بالحياة: الإيمان، وبالموت: الكفر على سبيل الاستعارة أو المجاز المرسل بأن يراد بالبينة: إظهار كمال القدرة الدالة على الحجة الدامغة.

أى: ليصدر كفر من كفر وإيمان من آمن عن وضوح وبينة وإلى هذا ذهب قتادة وابن إسحاق. والظاهر أن عَنْ هنا بمعنى بعد كقوله- تعالى- عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ.

وقرأ نافع وابن كثير وأبو بكر ويعقوب حيي على وزن تعب- بفك الإدغام.

وقرأ الباقون بإدغام الياء الأولى في الثانية على وزن شد ومد «1» .

وقوله وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ تذييل قصد به الترغيب في الإيمان- والترهيب من الكفر، أى: وإن الله لسميع لأقوال أهل الإيمان والكفر عليم بما تنطوى عليه قلوبهم وضمائرهم، وسيجازى- سبحانه- كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب على حساب ما يعلم وما يسمع منه.

ثم يبين- سبحانه- بعض وجوه نعمه على المؤمنين، وتدبيره الخفى لنصرهم وفوزهم فيقول: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا، وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ، وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.

أى: اذكر يا محمد فضل الله عليك وعلى أصحابك، حيث أراك في منامك الكافرين قليلا عددهم، ضئيلا وزنهم فأخبرت بذلك أتباعك فازدادوا ثباتا واطمئنانا وجرأة على عدوهم وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً أى: ولو أراك الأعداء عددا كثيرا لَفَشِلْتُمْ أى: لتهيبتم الإقدام عليهم، لكثرة عددهم، من الفشل وهو ضعف مع جبن وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ أى:

في أمر الإقدام عليهم والإحجام عنهم. فمنكم من يرى هذا ومنكم من يرى ذلك.

(1) تفسير الآلوسى ج 10 ص 7- بتصرف وتلخيص.

ص: 108

وقوله وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ بيان لمحل النعمة. أى: ولكن الله- تعالى- بفضله وإحسانه أنعم عليكم بالسلامة من الفشل والتنازع وتفرق الآراء في شأن القتال: حيث ربط على قلوبكم، ورزقكم الجرأة على أعدائكم وعدم المبالاة بهم بسبب رؤيا نبيكم.

وقوله: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ تذييل يدل على شمول علمه- سبحانه-.

أى: إنه- سبحانه- عليم بكل ما يحصل في القلوب وما يخطر بها من شجاعة وجبن.

ومن صبر وجزع ولذلك دير ما دبر.

قال الفخر الرازي، قال مجاهد: أرى الله النبي صلى الله عليه وسلم كفار قريش في منامه قليلا، فأخبر بذلك أصحابه فقالوا: رؤيا النبي حق. القوم قليل، فصار ذلك سببا لجرأتهم وقوة قلوبهم.

فإن قيل: رؤية الكثير قليلا غلط، فكيف يجوز من الله- تعالى- أن يفعل ذلك؟

قلنا: ذهبنا أنه- تعالى- يفعل ما يشاء ويحكم ما يريده وأيضا لعله- سبحانه- أراه البعض دون البعض فحكم الرسول على أولئك الذين رآهم بأنهم قليلون «1» .

ونستطيع أن نضيف إلى ما أجاب به الفخر الرازي أنه يجوز أن يكون المراد بالقلة:

الضعف وهوان الشأن..

أى: أن المشركين وإن كانوا في حقيقتهم يقاربون الألف- أى أكثر من ثلاثة أمثال المؤمنين- إلا أنهم لا قوة لهم ولا وزن، فهم كثير عددهم ولكن قليل غناؤهم، قليل وزنهم في المعركة. لأنهم ينقصهم الإيمان الصحيح الذي يقوى القلوب، ويدفع النفوس إلى الإقدام لنصرة الحق لكي تفوز برضا الله وحسن مثوبته.

وإلى هذا المعنى أشار صاحب المنار بقوله: وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قدر عدد المشركين بألف وأخبر أصحابه بذلك، ولكنه أخبرهم مع هذا أنه رآهم في منامه قليلا، لا أنهم قليل في الواقع، فالظاهر أنهم أولوا الرؤيا بأن بلاءهم يكون قليلا، وأن كيدهم يكون ضعيفا، فتجرءوا وقويت قلوبهم «2» .

هذا، ونسب الى الحسن أنه ذكر أن هذه الآراء كانت في اليقظة، وأن المراد من المنام العين التي هي موضع النوم. قال الزمخشري. وهذا تفسير فيه تعسف. وما أحسب الرواية صحيحة فيه عن الحسن.

وقال الآلوسى: وعن الحسن أنه فسر المنام بالعين، لأنها مكان النوم كما يقال للقطيفة

(1) تفسير الفخر الرازي ج 5 ص 169.

(2)

تفسير المنار ج 10 ص 22.

ص: 109

المنامة لأنها ينام فيها، فلم يكن عنده هناك رؤيا أصلا بل كانت رؤية، وإليه ذهب البلخي.

ولا يخفى ما فيه، لأن المنام شائع بمعنى النوم مصدر ميمى. ففي الحمل على خلاف ذلك تعقيد ولا نكتة فيه.. على أن الروايات الجمة برؤيته صلى الله عليه وسلم إياهم مناما، وقص ذلك على أصحابه مشهورة لا يعارضها كون العين مكان النوم نظرا إلى الظاهر.. ولعل الرواية عن الحسن غير صحيحة، فإنه الفصيح العالم بكلام العرب «1» .

وقوله- تعالى-: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ

معطوف على ما قبله وهو قوله إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا.... وذلك لتأكيد الرؤيا المنامية بالرؤية في اليقظة.

والمعنى: واذكروا- أيها المؤمنون- وقت أن التقيتم مع أعدائكم وجها لوجه في بدر، فكان من فضل الله عليكم قبل أن تلتحموا معهم أن جعل عددهم قليلا في أعينكم وجعل عددكم قليلا في أعينهم، وذلك لإغرائهم على خوض المعركة.

أما أنتم فتخوضونها بدون مبالاة بهم لقلتهم في أعينكم، ولثقتكم بنصر الله إياكم..

وأما هم فيخوضونها معتمدين على غرورهم وبطرهم وقلتكم في أعينهم، فيترتب على ذلك أن يتركوا الاستعداد اللازم لقتالكم، فتكون الدائرة عليهم..

قال ابن مسعود- وهو ممن حضر بدرا-: لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي: أتراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة، فأسرنا رجلا منهم فقلنا له: كم كنتم؟ قال:

ألفا «2» .

وقال أبو جهل- في ذلك اليوم وقبل الالتحام-: إن محمدا وأصحابه أكلة جزور- أى هم قليل يشبعهم لحم ناقة واحدة- خذوهم أخذا أو اربطوهم بالحبال..

وقد أجاد صاحب الكشاف عند تفسيره لهذه الآية حيث يقول: قوله وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ الضميران مفعولان يعنى: وإذ يبصركم إياهم. وقَلِيلًا حال، وإنما قللهم في أعينهم تصديقا لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليعاينوا ما أخبرهم به فيزداد يقينهم ويجدوا ويثبتوا.. «3»

فإن قلت: الغرض من تقليل الكفار في أعين المؤمنين ظاهر، فما الغرض من تقليل المؤمنين في أعينهم؟

قلت: قد قللهم في أعينهم قبل اللقاء، ثم كثرهم فيها بعده، ليجترؤوا عليهم، قلة مبالاة بهم، ثم تفجؤهم الكثرة فيبهتوا ويهابوا، وتقل شوكتهم، حين يرون ما لم يكن في حسابهم

(1) تفسير الآلوسى ج 10 ص 8.

(2)

تفسير ابن جرير ج 19 ص 13.

(3)

تفسير القرطبي ج 8 ص 23.

ص: 110

وتقديرهم، وذلك قوله قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا، فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ، يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ «1» ولئلا يستعدوا لهم، وليعظم الاحتجاج عليهم فاستيضاح الآية البينة من قلتهم أولا، وكثرتهم آخرا.

ثم قال: فإن قلت: بأى طريق يبصرون الكثير قليلا؟

قلت: بأن يستر الله عنهم بعضه بساتر، أو يحدث في عيونهم ما يستقلون به الكثير، كما أحدث في أعين الحول ما يرون به الواحد اثنين.

قيل لبعضهم: إن الأحوال يرى الواحد اثنين- وكان بين يديه ديك واحد- فقال: ما لي لا أرى هذين الديكين أربعة «2» .

وقوله- سبحانه- لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ بيان لحكمة تدبيره، ونفاذ قدرته، وشمول إرادته.

أى فعل- سبحانه- ما فعل من تقليل كل فريق في عين الآخر، ليقضى أمرا كان مفعولا، أى: ثابتا في علمه وحكمته، وهو نشوب القتال المفضى إلى انتصار المؤمنين، واندحار الكافرين وإلى الله وحده ترجع الأمور لا إلى أحد سواه، فإن كل شيء عنده بمقدار، ولأن كل شيء في هذا الكون بقضائه وقدره، وما من شيء إلا مصيره ومرده إليه.

قال بعض العلماء: ولا يقال إن قوله- تعالى-: لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا مكرر مع ما سبق، لأننا نقول: إن المقصود من ذكره أولا- في قوله: إذ أنتم بالعدوة الدنيا.. هو اجتماعهم بلا ميعاد ليحصل استيلاء المؤمنين على الكافرين، على وجه يكون معجزة دالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم والمقصود منه هنا بيان خارق آخر، وهو تقليلهم في أعين المشركين ثم تكثيرهم للحكم المتقدمة «3» .

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة حكت لنا جانبا من أحداث غزوة بدر بأسلوب تصويري بديع في استحضار لمشاهدها ومواقفها، وكشفت لنا عن جوانب من مظاهر قدرة الله، ومن تدبيره المحكم الذي كان فوق تدبير البشر، ومن تهيئة الأسباب الظاهرة والخفية التي أدت إلى نصر المؤمنين وخذلان الكافرين.

وبعد هذا التذكير النافع، والتصوير المؤثر لأحداث غزوة بدر، وجه- سبحانه- في هذه السورة إلى المؤمنين النداء السادس والأخير، حيث أمرهم بالثبات في وجه أعدائهم، وبالمداومة على ذكره وطاعته..، ونهاهم عن التنازع والاختلاف فقال- تعالى-:

(1) سورة آل عمران الآية 13.

(2)

تفسير الكشاف ج 2 ص 225. [.....]

(3)

تفسير القاسمى ج 8 ص 3010.

ص: 111