الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنهم لا يفعلون شيئا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ أى: إلا كتب لهم بكل واحد مما ذكر عمل صالح، ينالون بسببه الثواب الجزيل من الله، لأنه- سبحانه- لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وإنما يكافئهم على إحسانهم بالأجر العظيم.
وقوله: وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً.. معطوف على ما قبله.
أى: وكذلك لا يتصدقون بصدقة صغيرة، كالتمرة ونحوها، ولا كبيرة كما فعل عثمان- رضى الله عنه- في هذه الغزوة، فقد تصدق بالكثير.
وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً من الوديان في مسيرهم إلى عدوهم، أو في رجوعهم عنه.
لا يفعلون شيئا من ذلك أيضا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ أى: إلا كتب لهم ثوابه في سجل حسناتهم.
لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أى: أمرهم بمصاحبة نبيهم في كل غزواته، وكلفهم بتحمل مشاق الجهاد ومتاعبه. ليجزيهم على ذلك أحسن الجزاء وأعظمه، فأنت ترى أن الله- تعالى- قد حرض المؤمنين على الجهاد في هاتين الآيتين، وبين لهم أن كل ما يلاقونه في جهادهم من متاعب له ثوابه العظيم، وما دام الأمر كذلك فعليهم أن يصاحبوا رسولهم صلى الله عليه وسلم في جميع غزواته، لأن التخلف عنه لا يليق بالمؤمنين الصادقين، فضلا عن أن هذا التخلف- بدون عذر شرعي- سيؤدي إلى الخسران في الدنيا والآخرة.
وبعد أن حرض الله- تعالى- المؤمنين على الجهاد في سبيله، وحذرهم من التخلف عن الخروج مع رسوله صلى الله عليه وسلم أتبع ذلك بالحديث عما يجب عليهم إذا لم تكن المصلحة تقتضي النفير العام، فقال- تعالى-:
[سورة التوبة (9) : آية 122]
وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)
قال الجمل: وسبب نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بالغ في الكشف عن عيوب المنافقين، وفضحهم في تخلفهم عن غزوة تبوك. قال المسلمون: والله لا نتخلف عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن سرية بعثها، فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك، وبعث السرايا، أراد المسلمون أن ينفروا جميعا للغزو وأن يتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده فنزلت هذه الآية «1» .
والمعنى، وما كان من شأن المؤمنين، أن ينفروا جميعا في كل سرية تخرج للجهاد، ويتركوا الرسول صلى الله عليه وسلم وحده بالمدينة، وإنما يجب عليهم النفير العام إذا ما دعاهم صلى الله عليه وسلم إلى ذلك.
وقوله: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ
…
معطوف على كلام محذوف، ولولا حرف تحضيض بمعنى هلا.
أى: فحين لم يكن هناك موجب لنفير الكافة، فهلا نفر من كل فرقة من المؤمنين طائفة للجهاد، وتبقى طائفة أخرى منهم «ليتفقهوا في الدين» أى: ليتعلموا أحكامه من رسولهم صلى الله عليه وسلم «ولينذروا قومهم» أى: وليعلموهم ويخبروهم بما أمروا به أو نهوا عنه «إذا رجعوا إليهم» من الغزو «لعلهم يحذرون» أى: لعل هؤلاء الراجعين إليهم من الغزو يحذرون ما نهوا عنه.
أى: أن على المسلمين في حالة عدم النفير العام، أن يقسموا أنفسهم إلى قسمين.
قسم يبقى مع الرسول صلى الله عليه وسلم ليتفقه في دينه، وقسم آخر يخرج للجهاد في سبيل الله، فإذا ما عاد المجاهدون، فعلى الباقين مع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلغوا العائدين ما حفظوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أحكام.
وبذلك يجمع المسلمون بين المصلحتين: مصلحة الدفاع عن الدين بالحجة والبرهان، ومصلحة الدفاع عنه بالسيف والسنان.
وعلى هذا التفسير الذي سار عليه جمهور العلماء يكون الضمير في قوله «ليتفقهوا ولينذروا» يعود إلى الطائفة الباقية مع الرسول صلى الله عليه وسلم أما الضمير في قوله «لعلهم يحذرون» فيعود على الطائفة التي خرجت للجهاد ثم عادت.
ومنهم من يرى أن الضمير في قوله «ليتفقهوا، ولينذروا» يعود على الطائفة التي خرجت للجهاد.
وقد رجح هذا الاتجاه الإمام ابن جرير فقال: وأما قوله «ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم» فإن أولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: لتتفقه الطائفة
(1) حاشية الجمل على الجلالين ج 2 ص 329- بتصرف يسير.