المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 64 الى 66] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٦

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد السادس]

- ‌سورة الأنفال

- ‌تمهيد بين يدي تفسير السورة

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 9 الى 14]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 15 الى 19]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 23]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 24 الى 26]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 27 الى 29]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 30 الى 40]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 41]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 42 الى 44]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 47 الى 49]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 50 الى 51]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 52 الى 54]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 55 الى 59]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 60]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 61 الى 63]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 67 الى 69]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 70 الى 71]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 72 الى 75]

- ‌تفسير سورة التّوبة

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد بين يدي تفسير سورة التوبة

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 5]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 6]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 7 الى 12]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 13 الى 15]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 16]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 28]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 29]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 34 الى 35]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 42]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 43]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 44 الى 45]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 46 الى 48]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 58 الى 59]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 60]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 61]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 62 الى 63]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 67 الى 68]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 69 الى 70]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 73]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 74]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 75 الى 78]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 79]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 80]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 81 الى 83]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 84]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 85]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 86 الى 89]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 90]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 91 الى 92]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 93 الى 96]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 97 الى 99]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 100]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 101 الى 106]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 107 الى 110]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 111]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 112]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 113 الى 116]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 117]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 118]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 119 الى 121]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 122]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 123]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 124 الى 127]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 128 الى 129]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة الأنفال

- ‌فهرس إجمالى لتفسير آيات سورة التوبة

الفصل: ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 64 الى 66]

والتماقت، وكلفهم من الحب، في الله والبغض في الله، ولا يقدر على ذلك إلا من يملك القلوب، فهو يقلبها كيف يشاء، ويصنع فيها ما يريد.

قيل: هم الأوس والخزرج، كان بينهم من الحروب والوقائع ما أهلك سادتهم ورؤساءهم، ودق جماجمهم. ولم يكن لبغضائهم أمد ومنتهى. وبينهما التجاور الذي يهيج الضغائن، ويديم التحاسد والتنافس. وعادة كل طائفتين كانتا بهذه المثابة أن تتجنب هذه ما آثرته أختها، وتكرهه وتنفر منه.

فأنساهم الله- تعالى- ذلك كله، حتى اتفقوا على الطاعة، وتصافوا وصاروا أنصارا، وعادوا أعوانا، وما ذاك إلا بلطيف صنعه، وبليغ قدرته» «1» . هذا، وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطب الأنصار في شأن غنائم «حنين» قال لهم: يا معشر الأنصار!! ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟

فكانوا يقولون كلما قال شيئا: الله ورسوله أمن» «2» .

وروى الحاكم أن ابن عباس كان يقول: إن الرحم لتقطع، وإن النعمة لتنكر، وإن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء. ثم يقرأ قوله- تعالى-: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً، ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ

«3» .

ثم مضت السورة الكريمة في تثبيت الطمأنينة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم وفي قلوب أصحابه، فبينت لهم أن الله كافيهم وناصرهم، وأن القلة منهم تغلب الكثرة من أعداء الله وأعدائهم فقال- تعالى-:

[سورة الأنفال (8) : الآيات 64 الى 66]

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)

(1) تفسير الكشاف ج 2 ص 233.

(2)

صحيح البخاري ج 5 ص 200 من «كتاب المغازي» طبعة مصطفى الحلبي سنة 1945 وصحيح مسلم ج 3 ص 108 من «كتاب الزكاة» .

(3)

تفسير ابن كثير ج 2 ص 323.

ص: 149

قال الفخر الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما وعده بالنصر عند مخادعة الأعداء، وعده بالنصر والظفر في هذه الآية مطلقا على جميع التقديرات، وعلى هذا الوجه لا يلزم حصول التكرار لأن المعنى في الآية الأولى: إن أرادوا خداعك كفاك الله أمرهم.

والمعنى في هذه الآية عام في كل ما يحتاج إليه في الدين والدنيا.

وهذه الآية نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال

» «1» .

وقوله: حَسْبُكَ صفة مشبهة بمعنى اسم الفاعل، والكاف في محل جر.

والواو في قوله وَمَنِ اتَّبَعَكَ بمعنى مع، ومَنِ في محل نصب عطفا على الموضع، فإن قوله حَسْبُكَ بمعنى كافيك في جميع أمورك.

والمعنى: يا أيها النبي كافيك الله وكافى متبعيك من المؤمنين فهو- سبحانه- ناصركم ومؤيدكم على أعدائكم وإن كثر عددهم وقل عددكم، وما دام الأمر كذلك، فاعتمدوا عليه وحده، وأطيعوه في السر والعلن لكي يديم عليكم عونه وتأييده ونصره.

قال بعض العلماء: قال ابن القيم عند تفسيره لهذه الآية: أى: الله وحده كافيك وكافى أتباعك فلا يحتاجون معه إلى أحد. ثم قال: وهاهنا تقديران:

أحدهما: أن تكون الواو عاطفة للفظ «من» على الكاف المجرورة..

والثاني: أن تكون الواو بمعنى «مع» وتكون «من» في محل نصب عطفا على الموضع، فإن «حسبك» في معنى كافيك أى: الله يكفيك ويكفى من اتبعك، كما يقول العرب: حسبك وزيدا درهم، قال الشاعر:

وإذا كانت الهيجاء وانشقت العصا

فحسبك والضحاك سيف مهند

(1) تفسير الفخر الرازي ج 15 ص 191. طبعة عبد الرحمن محمد.

ص: 150

وهذا أصح التقديرين. وفيها تقدير ثالث أن تكون «من» في موضع رفع بالابتداء: أى ومن اتبعك من المؤمنين فحسبهم الله.

وفيها تقدير رابع وهو خطأ من جهة المعنى، وهو أن يكون «من» في موضع رفع عطفا على اسم الله. ويكون المعنى: حسبك الله وأتباعك.

هذا وإن قال به بعض الناس فهو خطأ محض، لا يجوز حمل الآية عليه، فإن الحسب والكفاية لله وحده، كالتوكل والتقوى والعبادة

» «1» .

ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم بتحريض المؤمنين على القتال من أجل إعلاء كلمة الحق، فقال- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ....

وقوله: حَرِّضِ من التحريض بمعنى الحث على الشيء بكثرة التزيين له، وتسهيل الأمر فيه حتى تقدم عليه النفس برغبة وحماس.

قال الراغب: الحرض ما لا يعتد به ولا خير فيه، ولذلك يقال لمن أشرف على الهلاك حرض. قال- تعالى- حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ..

والتحريض: الحث على الشيء.. فكأنه في الأصل إزالة الحرض نحو حرضته وقذيته أى: أزلت عنه الحرض والقذى..» «2» .

والمعنى: يا أيها النبي بالغ في حث المؤمنين وإحمائهم على القتال بصبر وجلد، من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل.

ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرض أصحابه على القتال عند صفهم ومواجهة الأعداء كما قال لأصحابه يوم بدر حين أقبل المشركون في عددهم وعددهم: «قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض» . فقال عمير بن الحمام: عرضها السموات والأرض؟ فقال رسول الله: نعم. فقال عمير: بخ بخ، فقال صلى الله عليه وسلم:«ما يحملك على قولك بخ بخ» ؟ قال:

رجاء أن أكون من أهلها، قال صلى الله عليه وسلم «فإنك من أهلها» فتقدم الرجل فكسر جفن سيفه وأخرج تمرات فجعل يأكل منهن» ثم ألقى بقيتهن من يده وقال: لئن أنا حييت حتى آكلهن، إنها لحياة طويلة، ثم تقدم فقاتل حتى قتل- رضى الله عنه- «3» .

وقوله:

(1) تفسير القاسمى ج 8 ص 3030.

(2)

المفردات في غريب القرآن ص 113.

(3)

تفسير ابن كثير ج 2 ص 324. [.....]

ص: 151

إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ بشارة من الله- تعالى- للمؤمنين ووعد لهم بالظفر على أعدائهم.

أى: قابلوا- أيها المؤمنون أعداءكم بقوة وإقدام، فإنكم إن يوجد منكم عشرون رجلا صابرون يغلبوا- بسبب إيمانهم وصبرهم- مائتين من الكافرين، وإن يوجد منكم مائة يغلبوا ألفا منهم، وذلك بسبب أن هؤلاء الكافرين قوم جهلة بحقوق الله- تعالى- وبما يجب عليهم نحوه.

فهم- كما يقول صاحب الكشاف-: «يقاتلون على غير احتساب وطلب ثواب كالبهائم» فيقل ثباتهم. ويعدمون لجهلهم بالله نصرته، ويستحقون الخذلان. بخلاف من يقاتل على بصيرة ومعه ما يستوجب به النصر والإظهار من الله- تعالى-» «1» .

وقال صاحب المنار: والآية تدل على أن من شأن المؤمنين أن يكونوا أعلم من الكافرين وأفقه منهم بكل علم وفن يتعلق بحياة البشر وارتقاء الأمم. وأن حرمان الكفار من هذا العلم هو السبب في كون المائة منهم دون العشرة من المؤمنين الصابرين

وهكذا كان المؤمنون في قرونهم الأولى.. أما الآن فقد أصبح المسلمون غافلين عن هذه المعاني الجليلة، فزال مجدهم.. «2» .

ثم حكى- سبحانه- بعض مظاهر فضله على المؤمنين ورحمته بهم فقال: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً، فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ

وقوله ضَعْفاً قرأه بعضهم بفتح الضاد، وقرأه آخرون بضمها، وهما بمعنى واحد عند الجمهور، والمراد به الضعف في البدن.

وقيل الضعف- بالفتح- يكون في الرأى والعقل، وبالضم يكون في البدن.

والمعنى: لقد فرضنا عليكم- أيها المؤمنون- أول الأمر أن يثبت الواحد منكم أمام عشرة من الكافرين.. والآن وبعد أن شق عليكم الاستمرار على ذلك، ولم تبق هناك ضرورة لدوام هذا الحكم لكثرة عددكم.. شرعنا لكم التخفيف رحمة بكم، ورعاية لأحوالكم، فأوجبنا عليكم أن يثبت الواحد منكم أمام اثنين من أعدائكم بدلا من عشرة، وبشرناكم بأنه إن يوجد منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين من أعدائكم، وإن يوجد منكم ألف يغلبوا ألفين منهم بإذن الله وتيسيره وتأييده.

(1) تفسير الكشاف ج 2 ص 235.

(2)

تفسير المنار ج 10 ص 89 بتصريف وتلخيص.

ص: 152

وقوله: وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ تذييل مقرر لمضمون ما قبله.

أى: والله- تعالى- مع الصابرين بتأييده ورعايته ونصره، فاحرصوا على أن تكونوا من المؤمنين الصادقين لتنالوا منه- سبحانه- ما يسعدكم في دنياكم وآخرتكم.

هذا، ومن العلماء من يرى أن هذه الآية قد نسخت الآية السابقة عليها، ومنهم من يرى غير ذلك.

قال الآلوسى: قوله: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ.. شرط في معنى الأمر بمصابرة الواحد العشرة، والوعد بأنهم إن صبروا غلبوا- بعون الله وتأييده- فالجملة خبرية لفظا إنشائية معنى.

والمعنى: ليصبرن الواحد لعشرة وليست بخبر محض

وقوله: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ.. أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: لما نزلت إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ.. شق ذلك على المسلمين إذ فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف وهل يعد ذلك نسخا أولا؟ قولان: اختار بعضهم الثاني منهما وقال: إن الآية مخففة، ونظير ذلك التخفيف على المسافر بالفطر.

وذهب الجمهور إلى الأول، وقالوا: إن الآية الثانية ناسخة للأولى «1» . وقال بعض العلماء:

فرض الله على المؤمنين أول الأمر ألا يفر الواحد من المؤمنين من العشرة من الكفار، وكان ذلك في وسعهم، فأعز الله بهم الدين على قلتهم، وخذل بأيديهم المشركين على كثرتهم، وكانت السرايا تهزم من المشركين أكثر من عشر أمثالها تأييدا من الله لدينه.

ولما شق على المؤمنين الاستمرار على ذلك، وضعفوا عن تحمله، ولم تبق ضرورة لدوام هذا الحكم لكثرة عدد المسلمين ممن دخلوا في دين الله أفواجا نزل التخفيف، ففرض على الواحد الثبات للاثنين من الكفار، ورخص له في الفرار إذا كان العدو أكثر من اثنين.

وهو رخصة كالفطر للمسافر، وذهب الجمهور إلى أنه نسخ» «2» .

وقال الشيخ القاسمى: إن قيل: إن كفاية عشرين لمائتين تغنى عن كفاية مائة لألف.

وكفاية مائة لمائتين تغنى عن كفاية ألف لألفين، لما تقرر من وجوب ثبات الواحد للعشرة في الأولى، وثبات الواحد للاثنين في الثانية فما سر هذا التكرير؟

أجيب: بأن سره كون كل عدة بتأييد القليل على الكثير لزيادة التقرير المفيد لزيادة

(1) تفسير الآلوسى ج 10 ص 31 بتصريف وتلخيص.

(2)

صفوة البيان لمعانى القرآن ص 307 لفضيلة الأستاذ الشيخ حسنين مخلوف.

ص: 153