الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقْفٌ للهِ تَعَالَى
تَأْلِيفُ الفَقِير إلى عَفْوِ رَبِّهِ
عَبدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ السّلمانِ
المدرس في معهد إمام الدعوة بالرياض
سابقاً
الجزء الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
وَقَفَ قَوْمٌ عَلَى عَالِم فَقَالُوا: إِنَا سَائِلُوكَ أَفَمُجِيبُنَا أَنْتَ؟ قَالَ: سَلُوا وَلا تُكْثِرُوا، فَإِنَّ النَّهَارَ لَنْ يَرْجِعَ وَالْعُمُرَ لَنْ يَعُودَ، وَالطَّالِبَ حَثِيثٌ فِي طَلَبِهِ. قَالُوا: فَأَوْصِنَا. قَالَ: تَزَوَّدُوا عَلَى قَدْرِ سَفَرِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّاد مَا أَبْلَغَ الْبُغْيَةَ. ثُمَّ قَالَ: الأَيَّامُ صَحَائِفُ الأَعْمَارِ فَخَلّدُوهَا أَحْسَنَ الأَعْمَال، فَإِنَّ الْفُرَصَ تَمُرُّ مَرَّ السَحَابِ، والتَّوَانِي مِنْ أَخْلاقَ الْكُسَالَى وَالْخَوَالِفِ، وَمَنِ اسْتَوْطَنَ مَرْكَبَ الْعَجْزِ عَثَرَ بِهِ. وَتَزَوَّجَ التَّوَانِي بِالْكَسَلِ فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا الْخُسْرَانُ. أ. هـ. قَالَ بَعْضُهُمْ:
تَزَوَّجَتِ الْبَطَالَةَ بالتَّوَانِي
…
فَأَوْلَدَهَا غُلامًا مَعَ غُلامِهْ
فَأَمَّا الابْن سَمُّوه بِفَقْرٍ
…
وَأَمَّا الْبِنْت سَمُّوهَا نَدَامَة
آخر:
…
يَا سَاكَنَ الدُّنْيَا تَأَهْبْ
…
وَانْتَظِرْ يَوْمَ الْفُرَاقِ
وَأَعَدَّ زَادًا لِلرَحِيلِ
…
فَسَوْفَ يُحْدَى بِالرِّفَاقِ
وَابْكِ الذُّنُوبَ بِأَدْمُعٍْ
…
تَنْهَلْ مِنْ سَحب الْمَآقِ
يَا مَنْ أَضَاعَ زَمَانَهُ
…
أَرَضِيتَ مَا يَفْنَى بِبَاقٍ
آخر:
…
أُقَلِّبُ كَُتْبًا طَالَمَا قَدْ جَمَعْتُهَا
…
وَأَفْنَيْتُ فِيهَا الْعَيْن وَالْعَيْن وَالْيَدَا
وَأَصْبَحْتُ ذَا ظَنٍ بِهَا وَتَسَمَّكٍ
…
لِعِلْمِي بِمَا قَدْ صُغْتُ فَيهَا مُنَضَّدَا
واحْذَرْ جهدي أَنْ تَنَالَ بِنَائِلٍ
…
مهِين وَأََنْ يُغتالها غائل الردى
واعْلَمْ حَقًّا أَنَّنِي لَسْتُ بَاقِيًا
…
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَنْ يقلبها غَدًا
الْمُرَاقَبَةُ فِي ثَلاثَةِ أَشْيَاءٍ: مُرَاقَبَةُ اللهِ فِي طَاعَته بِالْعَمَل الَّذِي يُرْضِيه، وَمُرَاقَبَةُ اللهِ عِنْدَ وُرُودِ الْمَعْصِيةِ بِتَرْكِهَا، وَمُرَاقَبَةُ اللهِ فِي الْهَمِّ وَالْخَوَاطِرِ وَالسِّرّ وَالإِعْلانِ. قَالَ تَعَالَى:
{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنَّ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» .
(1)
الليْل والنَّهَارَ يَعْمَلانِ فِيكَ فَاعْمِلْ فِيهِمِا أِعْمَالاً صَالِحَة تَرْبَحُ وَتُحْمَدُ الْعَاقِبَة الْحَمِيدَة إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
شِعْرًا:
…
وَلَيْلُكَ شَطْرُ عُمرك فَاغْتَنِمْهُ
…
وَلا تَذْهَبْ بِشَطْرِ الْعُمُرِ نَوْمًا
آخر:
…
يُحْيِي الليَالِي إِذَا الْْمَغْرُور أَغْفَلَهَا
…
كَانَ شُهْبَ الدَّيَاجِي أَعْيُنٌ نُجلُ
(2)
الْمَلائِكَة يَكْتُبَان مَا تَلْفِظُ بِهِ فَاحْرِصْ عَلَى أَنْ لا تَنْطِق إِلا بِمَا يَسُرُّكَ يَوْم الْقِيامَةِ. أَشْرَفُ الأَشْيَاءِ قَلْبُكَ، وَوَقْتُكَ، فَإَذَا أَهْمَلْتَ قَلْبَكَ وَضَيْعَتَ وَقْتَكَ فَمَاذَا يَبْقَى مَعَكَ كُلُّ الْفَوَائِدِ ذَهَبَتْ، وَقْتُ الإِنْسِانَ هُوَ عُمُرهُ وَمَادَة حَيَاتِهِ الأَبَدِيّة فِي النَّعِيم الْمُقِيمِ وَمَادَة الْمَعِيشَةِ الضَّنْكِ فِي الْعَذَابِ الأَلِيمِ وَهُوَ يَمُر مَرَّ السَّحَاب.
(3)
اعْلَمْ أَنَّ قِصَرَ الأَمَلِ عَلَيْهِ مَدَارٌ عَظِيم وَحِصْن الأَمَلِ ذِكْرُ الْمَوْتَ وَحِصْنُ حِصْنِهِ ذِكْرُ فَجْأَة الْمَوْت وأَخْذ الإِنْسَان عَلَى غِرّة وَغَفْلَة وَهُوَ فِي غُرُورٍ وَفُتُورٍ عَنْ الْعَمَل لِلآخِرَةِ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوقِظَ قُلُوبَنَا إَِنَّهُ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرٍ، اللَّهُمَّ صَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وسلم.
شِعْرًا:
…
إِذَا شَامَ الْفَتَى بَرْقَ المْعَالِي
…
فَأَهْوَن فَائِتٍ طِيبُ الرُّقَادِ
آخر:
…
وَبَادِر الليل بِدَرْسِ الْعُلُوم
…
فِإِنَّمَا الليل نَهَارُ الأَرِيب
بسم الله الرحمن الرحيم
شعرًا: قَالَ بَعْضُهُمْ:
بَلَوْتُ الطِّيبَاتِ فَلَمْ أَجِدْهَا
…
تَفِي ِبِالْعُشْرِ مِنْ طِيبِ الْعُلُومِ
وَنَادَمْتُ الْصِحَابَ وَنَادَمُونِي
…
فَمَا بِالْكُتَبِ عِنْدِي مِنْ نَدِيمٍ
وَلَمْ أَرَى فِي كُنُوزِ النَّاس ذُخْرًا
…
كَمِثْلَ مَوَدَةَ الْحُرِّ الْكَرِيمِ
مُلاحَظَة: لا يُسْمَح لأَيِ إِنْسَانٍ أَنْ يَخْتَصَرُهُ أَوْ يَتَعَرَض لَهُ بِمَا يُسَمُونَهُ تَحْقِيقًا لأَنَّ الاخْتِصَارَ سَبَبٌ لِتَعْطِيلِ الأَصْلِ. وَالتَّحْقِيقَ أَرَى أَنَّهُ اتِّهَامٌ لِلْمُؤَلِفِ، وَلا يُطْبَعُ إِلا وَقْفًا للهِ تَعَالَى عَلَى مَنْ يَنْتَفَعَ بِهِ مِنَ الْمُسْلِمِين.
((فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ النَّفْع لِمَنْ وَفَّقَهُ اللهُ))
مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ عَرَّفَهُ لا إله إلا الله، وَفَهَّمَهُ مَعْنَاهَا، وَوَفَّقَهُ لِلْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا، وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا.
شِعْرًا:
…
الذِّكْرُ أَصْدَقُ قَوْلٍ فَافهَمْ الْخَبَرَا
…
لأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ قَدْ أَنْشَأَ الْبَشَرَا
فَاعْمَلْ بِهِ إِنْ تُرِدْ فَهَمًا وَمَعْرِفَةً
…
يَا ذَا الْنُهَى كَيْ تَنَالَ الْعِزَّ وَالْفَخْرَا
وِتَحْمِدَ اللهَ فِي يَوْمِ الْمِعَادَ إِذَا
…
جَاءَ الْحِسَابُ وَعَمَّ الْخَوْفُ وَانتَشَرَا
للهِ دَرُ رِجَالٍ عَامِلين بِهِ
…
يَدِقُ وَمَا قَدْ جَلَّ وَاشْتَهَرَا
آخر:
…
جَمِيعُ الْكُتُبِ يُدْرِكُ مَنْ قَرَاهَا
…
مِلالٌ أَوْ فُتُورٌ أَوْ سَآمَه
سِوَى الْقُرْآن فافهم واستمَعْ لي
…
وقول المصطفى يَا ذَا الشَّهَامَةِ
آخر:
…
صَافي الْكَرِيمَ فَخَيْرُ مَنْ صَافَيْتُهُ
…
مَنْ كَانَ ذَا دِينٍ وَكَانَ عَفِيفًا
بسم الله الرحمن الرحيم
" فَصْلٌ "
وَمَنْ أَرَادَ طِبَاعَتَهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ تَعَالَى لا يُرِيدُ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، فَقَدْ أُذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَجَزَى اللهُ خَيْرًا مَنْ طَبَعَهُ وَقْفًا للهِ، أَوْ أَعَانَ عَلَى طَبْعِهِ، أَوْ تَسَبَّبَ لِطَبْعِهِ وَتَوْزِيعِهِ عَلَى إِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِين، فَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«إِنَّ اللهَ يُدْخَلُ فِي السَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاثَة نَفَرٍ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ وَالرَّامِي بِهِ، وَمُنْبِلِهِ» . الْحَدِيث رَوَاهُ أَبُو داود.
وَوَرَدَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلَهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَد صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» . الْحَدِيث. رَوَاهُ مُسْلِم.
وَعَنْ زَيْدِ بِنْ خَالِدِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ جَهَزَّ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَّفَ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا» .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ أَوَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لِابْنِ سَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ تَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَابْنُ خُزَيْمَة.
وَرَوَاهُ الْبَزَارُ مِنْ حَدِيثِ أَنَس إِلا أَنَّهُ قَالَ: «سبع تجري للعبد بعد موته وَهُوَ فِي قبره: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا أَوْ كَرَى نَهْرًا أَوْ حفر بِئْرًا أَوْ غَرَسَ نَخْلاً أَوْ بَنَى مَسْجِدًا أَوْ وَرَثَّ مُصْحَفًا أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ» .
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّوم يَا عَلِيٌّ يَا عَظِيم يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ يَا نُورِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، إِنَّكَ تَفَضَّلْتَ عَلَيْنَا وَأَعْطَيْتَنَا الإِسْلامَ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَسْأَلُكَ فَلا تَحْرِمْنَا الْجَنَّة وَنَحْنُ نَسْأَلُكَ، اللَّهُمَّ صَلى على مُحَمَّدٍ وآله وَصَحْبِهِ وَسَلّم.