المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ فصل " في الوعظ والإرشاد - موارد الظمآن لدروس الزمان - جـ ٢

[عبد العزيز السلمان]

الفصل: ‌ فصل " في الوعظ والإرشاد

"‌

‌ فصل " فِي الْوَعْظ وَالإِرْشَاد

اعْلَمْ وَفَّقَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِين لِمَا يُحِبَّهُ وَيَرْضَاهُ أَنْ الدَّعْوَةَ إِلَى اللهِ عَمَلُ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِين صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهمْ أَجْمَعِين، وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ نُوَّابُ عَنِ الأَنْبِيَاءِ فِي هَذَا الأَمْر الْخَطِيرِ فَهُمْ أُمَنَاءُ اللهِ عَلَى شَرْعِهِ وَالْحَافِظُونَ لِدِينِهِ الْقَويِمِ وَالْقَائِمُونَ عَلَى حُدُود اللهِ وَالْعَارِفُونَ بِمَا يَجِبُ للهِ مِنْ كَمَالٍ وَتَنْزِيهٍ.

لِذَلِكَ كَانَ أَئِمَّة الْمُسْلِمِين المْخُلِصُونَ فِي أَعْمَالُهُمْ الصَّادِقُونَ فِي أَقْوَالِهِمْ الْبَعِيدُونَ عَنْ الرِّيَاءِ وَحَبِّ الشُّهْرَة وَالْمَدْحِ يَسِيرُونَ بِالْخَلْقِ نَحْوَ سَعَادَتِهِمْ بِمَا يُعَلِّمُونَهُمْ مِنْ أُمُورِ دِينِهِمْ وَبِمَا يُرْشِدُونَهُمْ إِلِيْهِ مِنَ التَّحَلِّي بِالْفَضِيلَةِ والتَّخَلِّي عَنْ الرَّذِيلَةِ وَاعْتَقَدَ النَّاسُ فِيهِمْ ذَلِكَ وَأَمّلُوهُمْ لَهُ فَأَحَلُّوهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَحَلاً لَمْ يَبْلُغْهُ سِوَاهُمْ مِنَ الْبَشَرِ حَتَّى اكْتَسَبُوا فِي قُلُوبِهِمْ مَكَانَةً يُغْبَطُونَ عَلَيْهَا وَرَبَحُوا مَنْزِلَةً تَصْبُوا إِلَيْهَا نُفُوسِ ذَوِي الْهِمَّةِ الْعَالِيةِ وَالْفَضْلِ.

وَنَاهِيكَ بِقَوْمِ إِذَا فَعَلُوا لَحَظَتْهُمْ الْعُيُونُ وَإِذَا قَالُوا: أَصْغت الآذَان وَوَعَتِ الْقُلُوب وَحَكَتِ الأَلْسُن فَهُمْ مَطْمَح الأُنْظَار وَمَوْضع الثَّقَةِ والْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ وَالْبُرْهَانِ الْقَاطِعِ وَالنُّورِ السَّاطِعِ، قَالَ الله تَعَالَى ":{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}

شِعْرًا:

مَحَاسِنُ أَصْنَافِ الدُّعَاةِ كَثَيرَةٌ

وَمَا قَصَبَاتُ السَّبْقِ إِلا لأحمد

آخر:

لا يُدْرِكُ الْمَجْدَ إِلا مُخْلِص وَرِع

كَثَير ذِكْرِ لِخَلاقِ السَّمَاوَات

مُتَابِعٌ لِرَسُول اللهِ دَيْدَنَهُ

تِلاوَة الذِّكْرِ مَعَ حِفْظٍ لأَوْقَاتٍ

آخر:

وَأَحْسَنُ مُقْرُونِينَ فِي لَفْظٍ نَاطِقٍ

ثَنَاء عَلَى رَبِّ الْعِبَادِ وَشُكْرِهِ

الْمَعْنَى لا أَحَد أَحْسَنُ كَلامًا وَطَرِيقَةً وَحَالَةً مِمَنْ دَعَا النَّاسَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَطَاعَةِ رَسُلِهِ وَذَلِكَ بِتَعْلِيمِ جَاهِلِيهُمْ وَوَعَظَ غَافِلَهُمْ وَنَصْحِ مُعْرِضْهُمْ وَمُجَادَلَةِ مُبْطِلِهِمْ بِالأَمْر بِعِبَادَةِ اللهِ بِجَمَيعَ أَنْوَاعِهَا وَالْحَثِ عَلَيْهَا وَتَحْسِينِهَا وَتَحْبِيبِهَا

ص: 6

مَهْمَا أَمْكَن وَالزَّجْرِ عَمَّا نَهَى اللهُ وَرَسُولِهِ عَنْهُ وَتَقْبِيحِهِ وَالتَّحْذِير مِنْهُ بِكِلِ وَسِيلَةٍ وَطَرِيقَةٍ تُوجِبُ تَرْكِهِ.

وَكَانَ الْحَسَنُ إِذَا تَلا هَذِهِ الآيَةِ يَقُولُ: هَذَا حَبِيبُ اللهِ، هَذَا وَلِيُّ اللهِ، هَذَا صَفْوَةِ اللهِ، هَذَا خَيْرَةُ اللهِ، هَذَا أَحَبُّ أَهْلِ الأَرْضِ إِلَى اللهِ، أَجَابَ اللهَ فِي دَعْوَتِهِ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى مَا أَجَابَ فِيهِ مِنْ دَعْوَتِهِ، وَعَمَلٍ صَالِحًا فِي إِجَابَتِهِ.

وقَالَ فِي هِدَاية الْمُرْشِدِينَ: إِنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ عَلَى الدَّاعِيَ الْعِلْمُ بِالْقُرَآنِ وَالْمُرَادُ بِالنَّظَرِ قَبْل كُلّ شَيْء عَلَى كَوْنِهِ هُدًى وَمَوْعِظَةً وَعِبْرَةٍ.

وَكَذَلِكَ السُّنَّةِ وَمَا صَحَّ مِنْ أَقْوَالِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَسِيرَتِهِ وَسِيرَةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَالسَّلَفِ الصَّالِحُ وَبِالْقَدْرِ الْكَافِي مِنْ الأَحْكَامِ وَأَسْرَارِ التَّشْرِيعِ مَعَ الصِّدْقِ فِي نَشْرِهَا فَإِنَّ مَرْتَبَتِه التَّبْلِيغُ عَنْ اللهِ لَمْ تَكُنْ إِلا لِمَنِ اتَّصَفَ بِالْعِلْمِ مَعَ الصِّدْقِ.

وَالْمُرْشِدُ وَارِثُ لِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ وَلِيَتَمَكَّنَ مِنْ تَعْلِيمِ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ فَلا يَزِيغُ فِي عَقِيدَتِهِ وَلا يَعْجِرُ عَنْ إِقْنَاعِ النُّفُوسِ الْمُتَطَلِّعَةِ إِلَى مَعْرِفَةِ أَسْرَارِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَكُونُ الإِذْعَانُ لَهُ أَتَمُ وَالْقُبُولِ مِنْهُ أَكْمَلُ.

فَأَمَّا الْجَاهِلَ فَضَالٌّ مُضِلٌّ وَضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ، وَمَا يُفْسِدُهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُهُ إِذْ لا تَمْيِيزَ لِجَاهِلٍ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَلا مَعْرِفَةَ عِنْدَهُ تَرْشُدُ إِلَى إِصْلاحِ الْقُلُوبِ وَتَهْذِيبِ النُّفُوسِ.

شِعْرًا:

رَيَاسَاتِ الرَّجَالِ بِغَيْرِ عِلْمٍ

وَلا تَقْوَى الإِلَهِ هِي الْخَسَاسَةِ

آخر:

وَكُل رِئَاسَةٍ فِي جَنْبِ جَهْل

أَحَطُ من الْجلوس على الكناسة

وَأَشْرَفُ مَنْزِلٍ وَأَعَزُّ عِزٍّ

وَخَيْرُ رِيَاسَةٍ تَرْكِ الرِّيَاسَةِ

قَالَ الْحَسَنُ الْبَصَرِىُّ رحمه الله: الْعَامِلُ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ، وَفِي الْحِكَمِ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ ضَلَّ، وَمَنْ تَمَسَّكَ بِغَيْرِ أَصْلٍ زّلَّ.

ص: 7

وَأَمَّا الْكَاذِبُ فَلا خَيْرِ فِيهِ وَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ عَلَى اللهِ، لِهَذَا حَرَّمَ اللهُ الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِلا عِلْمٍ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَفْحَشِ الْكَبَائِرِ. قَالَ تَعَالَى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}

وَهَذَا يَعُمُّ الْقَوْلَ عَلَى اللهِ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَذَاتِه وَأَفْعَالِهِ وَفِي دِينِهِ وَشَرْعِهِ. وقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}

وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّصِفَ بِهِ الدَّاعِيَ الْعَمَلُ بِعِلْمِهِ فَلا يُكَذِّبُ فِعْلَهُ قَوْلُهُ، وَلا يُخَالِفُ ظَاهِرَهَ بَاطِنَهُ، فَلا يَأْمُرُ بِشَيْء إِلا وَيَكُونُ أَوْلَ عَامِلٍ بِهِ، وَلا يَنْهَى عَنْ شَيْء إِلا وَيَكُون أَوْلُ تَارِكٍ لَهُ، لِيَفِيدَ وَعْظِهِ وَإِرْشَادِهِ. فَأَمَّا إِنْ كَانَ يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَلا يَفْعَلُهُ وَيَنْهَى عَنْ الشَّرِّ وَهَوَ وَاقِعٌ فِيهِ، فَهُوَ بِحَالِهِ عَقَبَةٌ فِي سَبِيلِ الإِصْلاحِ، وَهَيْهَاتَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ، فَإِنَّهُ فَاقِدُ الرُّشْدِ فِي نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَرْشُدُ غَيْرَهُ.

شِعْرًا:

الْعِلْمُ فِي شَرْطِهِ لِِمَنْ حَصَّلَهُ

أَنْ يَحْمِدَ اللهَ وَيَعْمَلَ بِه

آخر:

يَا آمِرَ النَّاسِ بِالْمَعْرُوفِ مُجْتَهِدًا

إِنْ رَأَى عَامِلاً بِالْمُنْكَرِ انْتَهَرَهُ

ابْدَأْ بِنَفْسِكَ قَبْلَ النَّاسِ كُلَهُمْ

فَأَوْصِهَا وَاتْلُ مَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ

قَالَ اللهُ تبارك وتعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}

اللَّهُمَّ اجْعَلنَا مِنَ التَّالِينَ لِكِتِابِكَ الْعَامِلِينَ بِهِ الْمُحِلِّلِينَ حَلالَهُ الْمُحَرْمِينَ حَرَامَهُ الْمُمْتَثِلِينَ لأَوَامِرِهِ الْمُجْتَنِبِينَ نَوَاهِيهِ الْمُتَعِظِينَ بِمَوَاعِظِهِ الْمُنْزَجِرِينَ بِزَوَاجِرِهِ الْمُتَفَكِّرِينَ فِي مَعَانِيهِ الْمُتَدَبِّرِينَ لأَلْفَاظِهِ الْبَاكِينَ الْمُقَشْعِرينَ عِنْدَ تِلاوَتِه وَسَمَاعِهِ.

ص: 8

واغْفِر لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِين الأَحْيَاء مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

" فَصْلٌ "

قَالَ مَالِكُ بِن دِينَارٍ: إِنَّ الْعَالِمَ إِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ زَلَتْ مَوْعِظَتِهِ عَنْ الْقُلُوبَ كَمَا يَزِلُ الْقَطْرُ عَنْ الصَّفَا فَإِنَّ مَنْ حَثَّ عَلَى التَّحَلِّي بِفَضِيلَةٍ، وَهَوَ عَاطِلٌ مَنْهَا، لا يُقْبَلْ قَوْلُهُ، كَمَنْ يَحُثُّ النَّاسَ عَلَى الْحِلْمِ وَالصَّبْرِ وَالْكَرَمِ وَهُوَ بِضِدِّ ذَلِكَ. قَالَ تَعَالَى:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}

وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ يَنْهَى عَنْ الأَخْلاقِ السَّاقِطَةِ وَالْبِدَعِ وَالْمَلاهِي وَهَوَ مُتَلَوِّثُ بِهَا كَمَنْ يَنْهَى عَنْ الدُّخَانِ أَبِي الْخَبَائِثِ وَالْخَمْرِ أُمِّ الْخَبَائِثِ وِهُوَ يَشْرَبُهُمَا، وَكَمَنْ يَأْمُرُ بِالابْتِعَادِ عَنْ التلفزيون وَالْمِذْيَاعِ وَالسِّينمَاءِ وَالْبَكْمَاتِ، وَهُوَ يَشْتَرِيهَا أَوْ يَحْظُرُهَا.

وَكَمَنْ يَنْهَى عَنْ حَلْقِ اللِّحْيَةِ وَالْخَنَافِسِ وَالتَّشَبُهِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُرْدِ وَالْكُفَّارِ وَهُوَ مُتَلَبِّسُ بِهَا، وَكَمَنْ يَنْهَى عَنْ الْكُورَةِ وَهُوَ يَحْضَرُهَا، أَوْ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ هَذِهِ الْمَلاهِي وَشِرَائِهَا وَتَصْلِيحِهَا وَهُوَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَهَذَا يُقَابِلُ قَوْلُهُ بِالرَّدِ، وَلا يُعَامِلُ إِلا بِالإِعْرَاضِ، وِالإِهْمَالِ، بَلْ مَحَلُ سُخْرِيَةِ، وَاسْتِهْزَاءِ فِي نَظَرِ الْعُقَلاءِ.

شِعْرًا:

وَأَخْسَرُ النَّاسِ سَعْيًا مَنْ قَضَى عُمُرًا

فِي غَيْرِ طَاعَةِ مَنْ أَنْشَاهُ مِنْ عَدَمٍ

آخر:

سَلِ الإِلَهَ إِذَا نَابَتْكَ نَائِبَةٍ

فَهُوَ الَّذِي يُرْتَجَى مِنْ عِنْدِهِ الأَمَلُ

فَإِنْ مَنَحْتَ فَلا مَنّ وَلا كَدَرٌ

وَإِنْ رَدَدْتَ فَلا ذُلٌّ وَلا خَجَلُ

قَوْلٌ جَمِيلٌ وَأَفْعَالٌ مُقَبَّحَةٌ

يَا بُعْدَ مَا بَيْنَ ذَاكَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ

فَإِنَّ مَنْ تَنَاوَلَ شَيْئًا فَأَكْلُهُ وَقَالَ للناسِ: لا تُنَاوِلُوهُ، فَإِنَّهُ سُمٌّ مُهْلِكٌ سَخِرَ

ص: 9

النَّاس مِنْهُ، واستهزؤا بِه وَاتَّهَمُوهُ فِي دِينِِهِ وَعِلْمِهِ وَوَرَعِهِ، وَكَأَنَّهُ بِزَجْرِهِ وَنَهْيهِ حَرَّضَهُمْ عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ لَوْلا أَنَّهُ لَذِيذٌ مَا كَانَ يَسْتَأْثِرُ بِهِ.

كَذَلِكَ الدَّاعِي إِذَا خَالَفَ فِعْلَهُ قَوْلَهُ، أَمَّا الائْتِمَار بِمَا سَيَأْمُرُهُمْ بِهِ أَوْلاً، وَالتَّخَلُّقُ بِمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ فَهُوَ وَاقِعٌ فِي نُفُوسِ السَّامِعِينَ، وَأَقْرَبُ إِلَى إِذْعَانِ الرَّاغِبِينَ.

فَمَنْ لَمْ يُكَابِدْ قِيَامَ الليلِ وَسَهَرِهِ، فَكَيْفَ يُسْمَعُ مِنْهُ فَضْلَ قِيَامِ الليلِ، وَكَمَنْ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْمُشَارَكَةِ فِي الأَعْمَالِ الْخَيْرِيْةِ وَالْمَشَارِيعِ الدِّينِيَّةِ، وَلا يُسَاهِمُ فِيهَا أَبَدًا، فَهَذَا لا يَقْبَلُ قَوْلُهُ، وَيَكُونُ مِمَّنْ يُعِينَ عَلَى سَبِّهِ، وَغِيبَتِهِ، لِمَا عَرِفْتَ مِنْ أَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى صَالِحِ الأَعْمَالِ وَمَكَارِمِ الأَخْلاقِ تَرْبِيَة، وَالتَّرْبِيَة النَّافِعَة إِنَّمَا تَكُون بِالْعَمَل، لأنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقُدْوَةِ الصَّالِحَةِ وَالأُسْوَةِ الْحَسَنَةِ، لا بُمُجَرَّدِ الْقَوْلِ.

يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ عَنْ الْمُسَوِّرِ بِنْ مخرمةِ، قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلُقُوا» . فوَاللهِ مَا قَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَة فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ.

فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَة: يَا نَبِيَّ اللهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ، أَخْرَجَ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِكَلِمَةٍ حَتَّى تَنْحِرَ بُدَنَكَ وَتَدْعُو حَالِقَكَ فَيَحْلِقُكَ. فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بُدَنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ يَقْتِلُ بَعْضهُمْ بَعْضًا أَيْ ازْدِحَامًا وَغَمًّا.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَهْرٍ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّاسُ صِيَامٌ فِي يَوْمِ صَائِفٍ مُشَاةٌ وَنَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ فَقَالَ: «اشْرَبُوا أَيُّهَا النَّاسُ» . قَالَ: فأبوا. قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أَيْسَرُكُمْ إِنِّي رَاكِبٌ» . فَأَبَوا، فَثَنَى

ص: 10

رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فَخْذَهُ فَنَزَلَ فَشَرِبَ وَشَرِبَ النَّاسُ، وَمَا كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَشْرَبَ

رَوَاهُ أحمد.

قَالَ: فَإَذَا لَمْ يَكُنْ الدَّاعِي إِلا ذَا قَوْلٍ مُجَرَّدٍ مِنَ الْعَمَلِ لَمْ يَكُنْ نَصِيبُ الْمَدْعُو مِنْهُ إِلا الْقَوْلَ، وَأَيْضًا فَمِثْل الْمُرْشِدِ مِنَ الْمُسْتَرْشِدِ مِثْل الْعُودِ مِنَ الظِلِّ، فَكَمَا أَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يَعْوَجَّ الْعُودُ وَيَسْتَقِيمَ الظِلُّ كَذَلِكَ مُحَالٌ أَنْ يَعْوَجَّ الْمُرْشِدُ وَيَسْتَقِيمَ الْمُسْتَرْشِدُ.

قَالَ الْغَزَالِي فِيمَا كَتَبَهُ إِلَى أَبِي حَامِدٍ أحمد بِنْ سَلامَة بِالْمُوصَلِ: أَمَّا الْوَعْظُ فَلَسْتُ أَرَى نَفْسِي أَهْلاً لأَنَّ الْوَاعِظَ زَكَاةُ نِصَابِهِ الاتِّعَاظ فَمَنْ لا نِصَابَ لَهُ كَيْفَ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ وَفَاقِدُ النُّورِ كَيْفَ يَسْتَنِيرُ بِهِ غَيْرُهُ وَمَتَى يَسْتَقِيمُ الظِلُّ وَالْعُودُ أَعْوَجُ وَلِهَذَا قِيلَ:

شِعْرًا:

يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ

هَلا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيم

تَصِف الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ مِنَ الضِّنَا

كَيْمَا يَصِحُ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمٌ

مَا زِلْتَ تَلْقِحُ بِالرَّشَادَ عُقُولَنَا

عِظْتَ وَأَنْتَ مِنَ الرَّشَادِ عَدِيمٌ

ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهِهَا عَنْ غَيِّهَا

فَإَذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمٌ

فَهُنَاكَ يُقْبَلُ مَا تَقُولُ وَيُقْتَدَى

بِالرَّأْيِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ

لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِي مِثْلَهُ

عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمٌ

آخر:

وَكُنْ نَاصِحًا للمُسْلِمِينَ جَمِيعُهُمْ

بِإِرْشَادِهِمْ للحَقِّ عِنْدَ خَفَائِهِ

وَمُرْهُمْ بِمَعْرُوفِ الشَّرِيعَةِ وَانْهِهِمْ

عَنْ السُّوءِ وَازْجُرْ ذَا الخَنَا عَنْ خَنَائِهِ

وَعِظْهُمْ بِآيَاتِ الإِلَهِ بِحِكْمَةٍ

لَعَلَّكَ تُبْرِي دَاءَهُمْ بِدَوَائِهِ

فَإِنْ يَهْدِ مَوْلانَا بِوَعْظِكَ وَاحِدًا

تَنَلْ مِنْهُ يَوْمَ الْحَشْرِ خَيْرَ عَطَائِهِ

وَإِلا فَقَدْ أَدَيْتَ مَا كَانَ وَاجِبًا

عَلَيْكَ، وَمَا مَلَكْتَ أَمْرَ اهْتِدَائِهِ

قَالَ وَقَوْلُ اللهُِ تَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ

ص: 11

الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} تَعْجَبُ لِلْعُقَلاءِ مِنْ هَذَا الْمَسْلَكِ الْمَعِيبِ، وَلِلْتَعَجُّبِ وُجُوهٌ مَنْهَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ إِرْشَادُ الْغَيْرِ إِلَى الْخَيْرِ وَتَحْذِيرِهِ مِنَ الشَّرِّ وَإِرْشَادُ النَّفْسَ إِلَيْهِ وَتَحْذِيرِهَا مِنْهُ مُقَدَّمٌ بِشَواهِدِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ.

أَمَّا الْعَقْلُ فَبَدِيهِيّ، وَأَمَّا النَّقْلُ فَكَثِيرَةٌ مَنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ:

{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً} ، وَعَن خَلِيل اللهِ إِبْراهيم {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} ، فَمَنْ وَعَظَ غَيْرَهُ وَلَمْ يَتَّعِظْ فَكَأَنَّهُ أَتَى بِمَا لا يَقْبَلُهُ الْعَقْلُ السَّلِيمِ.

شِعْرًا:

تَمَسَّكْ بِتَقْوَى اللهِ فَالْمَرء لا يَبْقَى

وَكُلّ امْرِئٍ مَا قَدْمَتْ يَدُهُ يَلْقَى

وَلا تَظْلِمَنَّ النَّاسَ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ

وَلا تَذْكُرَنَّ إِفْكًا وَلا تَحْسِدَنَّ خَلَقًا

وَلا تَقْرِبَنَّ فِعْلَ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ

لَذَاذَتَهُ تَفْنَى وَأَنْتَ بِهِ تَشْقَى

وَعَاشِرْ إِذَا عَاشِرْتَ ذَا الدِّينِ تَنْتَفِعُ

بِعِشْرَتِهِ واحْذَرْ مُعَاشَرَةِ الْحَمْقَى

وَدَار عَلَى الإِطْلاقِ كُلاً وَلا تَكُنْ

أَخَا عجل فِي الأَمْر وَاسْتَعْمَلِ الرِّفْقَا

وَخَالِفْ حُظُوظ النَّفْسِ فِيمَا تَرُومُهُ

إِذَا رُمْتَ لِلْعَلْيَا أَخَا اللُّبِّ أَنْ تَرْقَى

تَعَوَّد فِعَال الْخَيْرِ جَمْعا فَكُلَّما

تَعَوَّدَهُ الإِنْسَانُ صَارَ لَهُ خُلُقًا

اللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا ذِكْرَكَ وَوَفِّقْنَا لِلْقِيَامِ بِحَقِّكَ وَخَلِّصْنَا مِنْ حُقُوقِ خَلْقِكَ، وَبَارِكْ لَنَا فِي الْحَلالِ مِنْ رِزْقِكَ وَلا تَفْضَحْنَا بَيْنَ خَلْقِكَ يَا خَيْرَ مَنْ دَعَاهُ دَاعٍ وَأَفْضَلُ مَنْ رَجَاهُ رَاجٍ، يَا قَاضِيَ الْحَاجَاتِ، وَمُجِيبَ الدَّعَوَاتِ، هَبْ لَنَا مَا سَأَلْنَاهُ، وَحَقَّقْ رَجَاءَنَا فِيمَا تَمَنَّيْنَاهُ، يَا مَنْ يَمْلِكُ حَوَائِجَ السَّائِلِينَ وَيَعْلَمُ مَا فِي صُدُورِ الصَّامِتِينَ أَذِقْنَا بَرْدَ عَفْوِكَ وَحَلاوَة مَغْفِرَتُكَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

ص: 12

" فَصْلٌ "

وَمِنْهَا أَنَّ الْوَاعِظَ الْفَاعِلَ لِلْمُحَرَّمَاتِ الْمُحَذِّرَ عَنْهَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَعْصِيةِ لأَنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ لَوْلا أَنَّ هَذَا الْوَاعِظَ مُطَّلِعٌ عَلَى أَنَّهُ لا أَصْلَ لِهَذِهِ التَّخْوِيفَاتِ لَمَا أَقْدَمَ عَلَى الْمَنَاهِي وَالْمُنْكَراتِ فَيَكُونُ دَاعِيًا إِلَى التَّهَاوُنِ بِالدِّينِ وَالْجُرْءَةِ عَلَى الْمَعَاصِي، وَهَذَا مُنَافٍ لِلْغَرَضِ مِنَ الْوَعْظِ فِلا يَلِيقُ بِالْعُقَلاءِ.

وَمِنْهَا أَنَّ غَرَضَ الدَّاعِي تَرْوِيجُ كَلامِهِ وَتَنْفِيذُ أَمْرِهِ فَلَوْ خَالَفَ إِلَى مَا نَهَى عَنْهُ صَارَ كَلامُهُ بِمَعْزِلٍ عن الْقُبُولِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ لا يَلِيقُ بِالْعُقَلاءِ.

وَفِي مِثْلِ هَذَا يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله: عُلَمَاءُ السُّوءِ جَلَسُوا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ يَدْعُونَ إِلَيْهَا النَّاسَ بِأَقْوَالِهِمْ وَيَدْعُونَهُمْ إِلَى النَّارِ بِأَفْعَالِهِمْ، فَكُلَّما قَالَتْ أَقْوَالُهُمْ لِلْنَاسِ هَلُمُّوا قَالَتْ أَفْعَالُهُمْ لا تَسْمَعُوا مِنْهُمْ فَلَوْ كَانَ مَا دَعَوا إِلَيْهِ حَقًّا كَانُوا أَوَّلَ الْمُسْتَجِيبِينَ لَهُ، فَهُمْ فِي الصُّوَرِ أَدِلاءِ وَفِي الْحَقِيقَة قُطَّاعُ طَرِيقٍ. قُلْتُ: وَمَا أَكْثَر هَؤُلاءِ فِي زَمَنِنَا.

وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: سَيَأْتِي عَلَى النَّاسَ زَمَانٌ يَمْلَحُ فيه عُذُوبَةِ الْقُلُوب فَلا يَنْتَفَعَ بِالْعِلْمِ يَوْمَئِذٍ عَالِمُهُ وَلا مُتَعَلِّمَهُ فَتَكُون قُلُوب عُلَمَائِهِمْ مِثْل السِّبَاخِ مِنْ ذَوَاتِ الْمِلْحِ يَنْزِلُ عَلَيْهَا قَطْرَ السَّمَاءِ فَلا يُوَجَدُ لَهَا عُذُوبَة.

وَذَلِكَ إِذَا مَالَتْ قُلُوبُ الْعُلَمَاءِ إِلَى حُبِّ الدُّنْيَا وَإِيثَارِهَا عَلَى الآخِرَة فَعِنْدَ ذَلِكَ يَسْلُبُهَا اللهُ تَعَالَى يَنَابِيعَ الْحِكْمَةِ وَيُطْفُئُ مَصَابِيحَ الْهُدَى مِنْ قُلُوبِهِمْ فَيُخْبِرُكَ عَالِمُهُمْ حِينَ تَلْقَاهُ أَنَّهُ يَخْشَى اللهَ بِلِسَانِهِ وَالْفُجُورُ ظَاهِرٌ فِي عَمَلِهِ. قُلْتُ: وَمَا أَكْثَرُ هَؤُلاءِ فِي زَمَنِنَا فَتَأَمْلْ وَدَقِّقِ النَّظَرَ تُصَدِّق. وَمِنَ الْعَجِيبِ مَا حَدَثَ فِي زَمَنِنَا تَجِدُ بَعْضهُمْ يَحْمِلُ شَهَادَةَ الدُّكْتُورَاة أَوْ الْمَاجِسْتِيرِ أَوْ هُمَا وَيُعْطَى فِيهَا شَهَادَةً فِي الْفِقْهِ الإِسْلامي.

ص: 13

وَهُوَ مَا يُحْسِنُ إِلا مَا كَتَبَ فِيهِ بَحْثًا، إِمَّا مَوْضُوع الرِّبَى أَوْ السَّرقة أَوْ الْخَمْرِ مَثَلاً، وَلا يُجِيدُ غَيْرَ هَذَا الْمَوْضُوع الَّذِي حَصَلَ عَلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ بِسَبَبِهِ.

بَلْ الْفَرَائِض التَّي نَصِفُ الْعِلْم لا يُجِيدُهَا فَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ الْعَلِي الْعَظِيم.

فَمَا أَخْصَبَ الأَلْسُنَ يَوْمَئْذٍ وَمَا أَجْدَبُ الْقُلُوبَ، قَالَ: فَوَاللهِ الَّذِي لا إله إِلا هَوَ مَا ذَلِكَ إِلا وَاللهُ أَعْلَمُ، كما قَالَ بَعْضُهُمْ: لأَنَّ الْمُعَلِّمِينَ عَلَّمُوا لِغَيْرِ اللهِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ تَعَلَّمُوا لِغَيْرِ اللهِ.

شِعْرًا:

لَعَمْرُكَ مَا الأَبْصَارَ تَنْفَعُ أَهْلَهَا

إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُبْصِرِينَ مِنْ بَصَائِرِ

وَبِالْحَقِيقَة إِذَا نَظَرْتَ إِلَى الأَكْثَرِيَّةِ السَّاحِقَةِ مِمَّنْ حَوْلَكَ مِنْ أَسَاتِذَةٍ وَمُدَرِّسِي وَطُلابٍ وَجَدْتَ هَيْبَةَ الإِسْلامِ وَالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالشَّهَامَةِ وَالرُّجُولَةِ الإِسْلامِيَّة قَدْ نُزِعَتْ مِنْهُمْ يَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ.

وَيُوفِّرُونَ شَوَارِبَهُمْ وَيَجْعَلُونَ تَوَالِيَاتٍ، وَرُبَّمَا خَنْفَسُوا وَتَجِدُهُمْ يُجَالِسُونَ الْفَسَقَةَ وَيَنْدَمِجُونَ مَعَهُمْ وَبَعْضُهُمْ تَجِدَهُ يَشْرَبُ أَبَا الْخَبَائِثِ الدُّخانَ وَرَبَّمَا فَعَلَهُ أَمَامَ الطُّلابِ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ.

وَلا تَجِدُهُ فِي الْغَالِبِ يُصَلِّي مَعَ الْجَمَاعَةِ وَيُعَامِلُ الْمُعَامَلَة التِّي لا تَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ وَتَجِدَهُ يَجْلِسُ أَمَامَ التَّلَفزيُون وَعِنْدَ الْمِذْيَاعِ وَأَغَانِيهِ وَعِنْدَ السِّينماء وَالْفِيدْيُو وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ التَّي قَتَلَتِ الأَخْلاقَ.

وَيُحِبُّ الشُّهْرَةَ وَالظُّهُورِ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَكَيْفَ يَخْطُرُ بِالْبَالِ أَنَّ مِثْلَ هَؤُلاءِ يَأْمُرُونَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ يَنْهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ، كَلا وَاللهِ إِنَّهُمْ لا يُزِيلُونَ الْمُنْكَرِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَلا عَنْ بُيُوتِهِمْ التَّي فِيهَا مِنَ الْمُنْكَرَاتِ مَا يُدْهِشُ الأَسْمَاعَ وَالأبَْصَارَ وَالْعُقُولِ.

ص: 14

شِعْرًا:

إِذَا لَمْ يُعِنْكَ اللهُ فِي طَلَبِ الْعُلا

فَسَعْيَكَ فِي جَمْعِ الْفَضَائِلِ ضَائِعٌ

آخر:

لَيْسَ الْجَمَالُ بِأَثْوَابٍ تُزَيِّنُنَا

إِنَّ الْجَمَالَ جَمَالُ الْعِلْمِ وَالأَدَبِ

فَعِلْمُ هَؤُلاءِ الْعِلْمُ الَّذِي يَضُرُّ وَلا يَنْفَعُ وَهُوَ الَّذِي اسْتَعَاذَ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

بِقَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ وَقَلْبٍ لا يَخْشَعُ وَدُعَاءٍ لا يُسْمَعُ» . (فَابْعِدْ عَنْهُمْ وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْهُمْ أَيُّهَا الْمُعَافَى) .

شِعْرًا:

صَارَ الأَسَافِلُ بَعْدَ الذُّلِ أَسْنِمَةً

وَصَارَتْ الرَّوسُ بَعْدُ الْعِزِّ أَذْنَابًا

لَمْ تَبْقَ مُأْثَرَةٌ يَعْتَدُهَا رَجُلٌ

إِلا التَّكُاثُرُ أَوْرَاقًا وَأَذْهَابًا

آخر:

وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ الْعِلْمِ إِنْ كَانَ

كُلَّما بَدَا طَمَعٌ صَيَّرْتُهُ لِي سُلَّمًا

وَلَمْ أَبْتَذِلْ فِي خِدْمَةِ الْعَلْمِ مُهْجَتِي

لأخدمُ مَنْ لاقَيْتُ لِكِنْ لأُخْدَمَا

أَأَشْقَى بِهِ غَرْسًا وَأَجْنِيهُ ذِلَّةً إِذًا

فَاتّبَاعُ الْجَهْلِ قَدْ كَانَ أَحْزَمَا

فَإِنْ قُلْتُ زَنْدَ الْعِلْمِ كَابٍ فَإِنَّهُمَا

كَبَا حِينَ لَمْ تُحْمَى حِمَاهُ وَأَظْلَمَا

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ صَانُوهُ صَانَهُمْ

وَلَوْ عَظَّمُوهُ فِي النُّفُوسِ لَعُظِّمَا

وَلَكِنْ أَهَانُوهُ فَهَانُوا وَدَنَّسُوا

مَحْيَاهُ بِالأَطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا

وَنَعُودُ إِلَى كَلامِنَا السَّابِقِ حَوْلِ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ: فَالآيَةُ كَمَا تَرَى نَاعِيَةً عَلَى كُلِّ مَنْ يَعِظُ غَيْرَهُ وَلا يَتَّعِظُ بِسُوءِ صَنِيعِهِ وَعَدَمِ تَأَثُّرِهِ، وَإِنَّ فِعْلَهُ فِعْلَ الْجَاهِلُ بِالشَّرْعِ أَوْ الأَحْمَقُ الَّذِي لا عَقْلَ لَهُ فَإِنَّ الأَمْر بِالْخَيْرِ مَعَ حِرْمَانِ النَّفْسِ مِنْهُ مِمَّا لا يَتَّفِقُ وَقَضِيَّةَ الْعَقْلِ وَالْمُرَادُ بِهَا حَثُّهُ عَلَى تَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَالإِقْبَالِ عَلَيْهَا بِالتَّكْمِيلِ لِتَقُومَ بِالْحَقِّ فَتُكَمِّلَ غَيْرَهَا.

وقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} فَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ مِنْ اللهِ لِمَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُقَصِّرٌ كّمَنْ يَكْذِبُ فِي قَوْلِهِ أَوْ يَخْلُفُ مَا وَعَدَ.

ص: 15

وَعَنْ أُسَامَةَ بِنْ زَيْدٍ بِنْ حَارِثَةِ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقَ أَقْتَابَ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ فِي الرَّحَى فَيَجْتَمِعَ إِلَيْهِ أَهْلِ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلانُ مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بَي رِجَالاً تُقْرَضُ شِفَاهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنَ النَّارِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: الْخُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا يَعْقِلُونَ» . رَوَاهُ ابن حبان فِي صحيحه.

وَإِنَّمَا يُضَاعَفْ عَذَابُ الْعَالِمِ فِي مَعْصِيتِهِ لأَنَّهُ عَصَى عَنْ عِلْمٍ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} وَلأَنَّهُ قُدْوَةٌ فَيَزِلُّ بِزَلَتِهِ خَلْقٌ كَثِيرُونَ، وَلِذَلِكَ قِيلَ زِلْةُ الْعَالِمِ زَلْةُ الْعَالَمِ. وَقِيلَ كَالسَّفِينَة إِذَا غَرَقَتْ غَرَقَ مَعَهَا أُمَمٌ مَا يُحْصِيهُمْ إِلا اللهُ.

وَفِي الْخَبَرِ: «وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيْئِةً فَعَلَيْهِ وِزْرَهَا وَوِزْرَ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا» . وَذَلِكَ أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ اقْتَدَوا بِهِمْ فِي السُّوءِ فَيَنَالُهُمْ مِثْلَ عِقَابِ أَتْبَاعِهِمْ، قَالَ تَعَالَى:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} ، وَقَالَ:{لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ} .

قَالَ: وَجُمْلَةُ الأَمْرِ أَنَّ مَنْ فَتَحَ بَابِ الشَّرِّ لِغَيْرِهِ وَسَهَّلَ لَهُ الدُّخُولَ فِيهِ فَقَدْ عَظُمَ عَذَابُهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ دَعَا إِلَى خَيْرٍ وَأَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَسَهَّلَ لَهُ طَرِيقَهُ فَقَدْ عَظُمَ قَدْرُهُ وَحَسَنَ جَزَاؤُهُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتّرمذي، وَقَالَ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ:«مثل الَّذِي يُعَلِّمُ الْخَيْرَ وَلا يَعْمَلُ بِهِ مِثْلُ الْفَتِيلَةِ تُضِيءُ لِلنَّاسِ وَتَحْرِقُ نَفْسَهَا» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِي فِي الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي بُرْزَةَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

ص: 16

وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَيْلٌ لِلْجَاهِلِ مَرْة وَلِلْعَالِمِ سَبْعَ مَرَّاتٍ. وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: قَصَمَ ظَهْرِي رَجُلانِ عَالِمٌ مُتَهْتِكٌ وَجَاهِلٌ مُتَنَسِّكٌ، فَالْجَاهِلُ يَغُرُّ النَّاسَ بِنُسُكِهِ وَالْعَالِمُ يَغُرُّهُمْ بِتَهَتُّكِهِ. وَقَالَ حَكِيمٌ: أَفْسَدَ النَّاسَ جَاهِلٌ نَاسِكٌ وَعَالِمٌ فَاجِرٌ؛ هَذَا يَدْعُو النَّاسَ إِلَى جَهْلِهِ بِنُسُكِهِ، وَهَذَا يُنَفِّرُ النَّاسَ عَنْ عِلْمِهِ بِفِسْقِهِ.

وَمِنْهَا التَّواضُعُ وَمُجَانَبَةُ الْعُجْبِ، فَذَلِكَ بِالدُّعَاةِ وَالْمُرْشِدِينَ أَلْيَق وَلَهُمْ أَلْزَم لأَنَّ النَّاسَ بِهِمْ يَقْتَدُونَ، وَكَثِيرًا مَا يُدَاخِلُهُمْ الْعُجْبِ لِتَوَحُّدِهِمْ بِفَضِيلَةِ الْعِلْمِ وَلَوْ أَنَّهُمْ نَظَرُوا حَقَّ النَّظَرِ وَعَمِلُوا بِمُوجَبِ الْعِلْمِ لَكَانَ التَّوَاضُعُ بِهِمْ أَوْلَى، وَمُجَانَبَةُ الْعُجْبِ بِهِمْ أَحْرَى وَأَنْسَبُ، لأَنَّ الْعُجْبَ نَقْصُ يُنَافِي الْفَضْلَ، فَلا يَفِي مَا أَدْرَكُوهُ مِنْ فَضِيلَةِ الْعِلْمِ بِمَا لَحِقَهُمْ مِنْ نَقْصِ الْعُجْبِ وَالْكِبْرِ.

شِعْرًا:

دَعْ الْكِبْرَ وَاجْنَحْ لِلتوَاضُعِِ تَشْتَمِلْ

وِدَادَ مَنِيعِ الْوُِدِّ صَعْبٌ مَرَاقُهُ

وَدَاوِِ بِلِينٍ مَا جَرَحْتَ بِغِلْظَةٍ

فَطِيبُ كَلامِ الْمِرْءِ طُبُّ كَلامِهِ

آخر:

جِئْ بِالسَّمَاحِ إِذَا مَا جِئْتَ فِي غَرَضٍ

فَفِي الْعُبُوسِ لِدَى الْحَاجَاتِ تَصْعِيبٌ

سَمَاحَةُ الْمَرْءِ تُنَبِئُ عَنْ فَضِيلَتِهِ

فَلا يَكُنْ لَكَ مَهْمَا اسْتَطَعْتَ تَقْطِيبٌ

ج

وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَلِيلُ الْفِقْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ الْعِبَادَةِ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً إِذَا أُعْجِبَ بِرَأْيِهِ، وَإِنَّمَا النَّاسُ رَجُلانِ مُؤْمِنٌ وَجَاهِلٌ فَلا تُؤْذِ الْمُؤْمِنَ، وَلا تُحَاوِرُ الْجَاهِلَ» . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لأَبِي ثَعْلَبَةَ حِينَ ذَكَرَ آخِرَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَمَا تَؤُولُ إِلَيْهِ مِنَ الْحَوَادِثِ: «إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوىً مُتَّبِعًا، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ نَفْسَكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاودُ.

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثٌ مَهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوَىً مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ، وَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللهُ مَوْضُوعُ التَّوَاضُعِ، وَافِيًا بِأَدِلَّتِهِ وَعِلَةُ إِعْجَابِ الْمُعْجَبِ بِعَمَلِهِ، وَنَظَرُهُ إِلَى كَثْرَةِ مَنْ دُونِهِ مِنْ الْجُهَّالِ وَانْصِرَافُ نَظَرِهِ عَنْ مَنْ فَوْقَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ، فِإِنَّهُ مَا حَوَى الْعِلْمَ كُلَّهُ أَحَدٌ مِنْ

ص: 17

الْخَلْقِ، فَمَا مِنْ عَالِمٍ إِلا وَفَوْقُهُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، قَالَ تَعَالَى:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} ، فَاللهُ جّلَّ وَعَلا هُوَ الَّذِي يَعْلَمُ كُلَّ شَيْء، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} ، وَقَالَ:{وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ، وَقَالَ:{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} ، وَقَالَ:{وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَاّ يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} .

وَقَلَّمَا تَجِدُ مُعْجَبًا بِعِلْمِهِ شَامِخًا بِأَنْفِهِ إِلا وَهُوَ قَلِيلُ الْعِلْمِ ضَعِيفُ الْعَقْلِ لأَنَّهُ يَجْهَلُ قَدْرَهُ وَيَحْسِبُ أَنَّهُ نَالَ مِنْهُ أَكْثَرَهُ، وَاللهُ يَقُولُ:{وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً} ، قَالَ: وَمِنْهَا أَنْ لا يَبْخَلَ بِتَعْلِيمِ مَا يُحْسِنُ وَلا يَمْتَنِعُ مِنْ إِفَادَةِ مَا يَعْلَمُ فَإِنَّ الْبُخْلَ بِهِ ظُلْمٌ وَلُؤْمٌ وَالْمَنْعُ مِنْهُ إِثْمٌ.

شِعْرًا:

إِذَا مَا مَاتَ ذُو عِلْمٍ وَتَقْوَى

فَقَدْ ثَلمَتْ مِنَ الإِسْلامِ ثُلْمَهْ

وَمَوْتُ الْعَادِلِ الْمَلِكِ الْمُوَلَّى

لِحُكْمِ الْخَلْقِ مَنْقَصَةً وَقَصْمَهْ

وَمَوْتُ الْعَابِدِ الْمَرْضِيِّ نَقْصٌ

فَفِي مَرْآهُ لِلأَسْرَارِ نَسْمَهْ

وَمَوْتُ الْفَارِسِ الضِّرْغَامِ هَدْمٌ

فَكَمْ شَهَدَتْ لَهُ بِالنَّصْرِ عَزْمَهْ

وَمَوْتُ فَتَى كَثِيرِ الْجُودِ نَقْصٌ

لأَنَّ بَقَاءَهُ فَضْلٌ وَنِعْمَهْ

فَحَسْبُكَ خَمْسَةٌ يُبْكَى عَلَيْهمْ

وَمَوْتُ الْغَيْرِ تَخْفِيفٌ وَرَحْمَهْ

قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} ، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«لا تَمْنَعُوا الْعِلْمَ أَهْلَهُ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ فَسَادُ دِينِكُمْ وَالْتِبَاسُ بَصَائِرِكُمْ» . ثُمَّ قرأ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَاّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} .

ص: 18

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ عَلَى هَذِهِ الآيَةِ: هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنْ كَتَمَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنَ الدَّلالاتِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمَقَاصِدِ الْصَحِيحَةِ وَالْهُدَى النَّافِعُ لِلْقُلُوب، مِنْ بَعْدِ مَا بَيَنَهُ اللهُ تَعَالَى لِعِبَادَهُ فِي كُتِبِهِ، التَّي أَنْزَلَهَا عَلَى رُسُلِهِ، أ. هـ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِجَامٌ مِنْ نَارٍ» .

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ قَالَ: لَوْلا آيَةُ فِي كِتِابِ اللهِ مَا حَدَّثْتُ أَحَدًا شَيْئًا {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} الآيَة، وَمِمَّا يُحْسِنُ بِالدَّاعِي وَالْمُرْشِدِ أَنْ يَتَحَلَّى بِالْوَرَعِ بِاتِّقَاءِ الشُّبُهَاتِ، وَالْبُعْدِ مِنْ مَوَاضِعِ الرِّيبَةِ، وَمَسَالِكِ التُّهْمَةِ.

فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْرَأُ لِدِينِهِ وَأَسْلَمُ لِعِرْضَهَ، وَأَدْعَى إِلَى الانقِيادِ لَهُ لأَنَّ حَالَ الدَّاعِي يُؤَثِّرُ فِي الْقُلُوبِ أَكْثَرُ مِنْ مَقَالِهِ، فَإَذَا كَانَ وَرِعًا تَقِيًّا مُتَجَنِّبًا مَا فِيهِ شُبْهَةٌ اقتَدَى بِهِ النَّاسُ، وَأَحَبُّوهُ وَقَبِلُوا وَعْظَهُ وَإِرْشَادَهُ، وَهَكَذَا كَانَتْ صِفَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ.

واحْذَرْ يَا أَخِي كُلّ الْحَذَرِ مِنْ احتِكَارِ الْكُتُبِ الدِّينِيَّةِ الْمُحْتَوِيَةِ عَلَى قَالَ اللهُ وَقَالَ رَسُولِهِ وِأَخْذ شَيْء من الدُّنْيَا بِاسْمِ تَحْقِيقٍ أَوْ نَشْرٍ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ، نَسْأَلُ اللهَ الْعَافِيَةَ مِمَّا ابتُلُوا بِهِ.

شِعْرًا:

لَوْلا الشَّيَاطِينَ لَمْ تَسْمَعْ سِوَى لَهْجٍ

بِالذَّكْرِ أَوْ مَا أَتَى عَنْ سَيِّدِ الْبّشَرَ

آخر:

لَوْلا الشَّيَاطِينَ صَارَ النَّاسُ كُلَهُمْ

عَلَى الْحَنِيفِيةِ السَّمْحَاءِ عُبَّادُ

فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرَةٍ سَاقِطَةٍ فَقَالَ: «لَوْلا أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُهَا» . وَقَدِمَ عَلَى عُمَر مِسْكٌ وَعَنْبَرٌ مِنَ الْبَحْرَيْنِ. فَقَالَ: «وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً حَسَنَةَ الْوَزْنِ تَزِنُ لِي هَذَا الطِّيبَ حَتَّى أَقْسِمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَتْ امْرَأَتَهُ عَاتِكَةُ: أَنَا جَيِّدَةُ الْوَزْنِ فَأَنَا

ص: 19

أَزِنُ لَكَ، قَالَ: لا. فَقَالَتْ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنِّي أَخْشَى أَنْ تَأْخُذِيهِ، فَتَجْعَلَيْهِ هَكَذَا، وَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِي صِدْغَيْهِ وَتَمْسَحِي بِهِ فِي عُنُقِكِ فَأُصِيبُ فَضْلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

وَكَانَ يُوزَنُ بَيْنَ يَدَيّ عُمَرَ بِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِسْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَسَدَّ أَنْفُهُ بِيَدِهِ؛ حَتَّى لا تُصِيبُهُ الرَّائِحَةَ، وَقَالَ: وَهَلْ يَنْتَفِعَ مِنْهُ إِلا بِرِيحِهِ. قَالَ ذَلِكَ لَمَّا اسْتَبْعَدَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَهَذَا مِنْ وَرَعِ الْمُتَقِينَ.

قُلْتُ: وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يِتَّصِفَ بِهِ أَيْضًا قَطْعُ الْعَلائِقِ حَتَّى لا يِكْثُرَ خَوْفُهُ، وَيَقْطَعَ الطَّمَعَ عَنْ الخْلائِقِ فَلا يَكُونُ لَهُ عِنْدَهُمْ حَاجَةٌ تُذِلَّهُ لَهُمْ، وَتَدْعُوهُ إِلَى الْمُدَاهَنَةِ، وَالإِغْضَاءِ عَنْ أَعْمَالِهُمْ الْقَبِيحَةِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهمْ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:{قُل لَاّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} . {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}

شِعْرًا:

وَفِي النَّفْسِ حَاجَاتٌ وِفِي الْمَالِ قِلْةٌ

وَلَنْ يَقْضِي الْحَاجَاتِ إِلا الْمُهَيْمِنِ

آخر:

إِنْ حَالَ دُونَ لِقَاءِكِمْ بَوَّابُكُمْ

فَاللهُ لَيْسَ لِبَابِهِ بَوَّابٌ

آخر:

فَاضْرَعْ إِلَى اللهِ لا تَضْرَعْ إِلَى النَّاسِ

وَاقْنَعْ بِعِزٍّ فَإِنَّ الْعِزَّ فِي الْيَاسِ

وَاسْتَغْنِ عَنْ كُلّ ذِي قُرْبَى وَذِي رَحِمٍ

إِنَّ الْغَنِيَّ مَنِ اسْتَغْنَى عَنْ النَّاسِ

وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْحُذَّاقِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ كَلْبٌ وَلَهُ صَدِيقٌ قَصَّابٌ يّأْخُذُ مِنْهُ لِكَلْبِهِ بَعْضَ السَّوَاقِطِ، فَرَأَى عَلَى الْقَصَّابِ مُنْكَرًا يَتَعَاطَاهُ، وَقَالَ: لا بُدَّ أَنْ أُبْرِيَ ذِمْتَي وَأَنْصَحَهُ، وَلَكِنْ أَبَدَأُ أَوْلاً بِقَطْعِ الطَّمَعِ فَدَخَلَ الْبُسْتَانَ وَأَخْرَجَ الْكَلْبَ وَطَرَدَهُ ثُمَّ جَاءَ وَاحْتَسَبَ عَلَى الْقَصَّابِ وَنَصَحَهُ وَأَغْلَظَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْقَصَّابُ: سَوْفَ لا أُعْطِيكَ لِكَلْبِكَ شَيْئًا أَبَدًا. فَقَالَ: أَنَا حَاسِبٌ لِهَذَا الْكَلامِ مَا أَتَيْتُكَ إِلا بَعْدَ أَنْ طَرَدْتُ الْكَلْبَ عَنْ بُسْتَانِي.

فَمَنْ لَمْ يَقْطَعِ الطَّمَعَ، وَيَسُدُّ بَابَهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحِسْبَةِ. قُلْتُ: وَمِثْلَهُ

ص: 20

عِنْدِي فِي الْغَالِبِ مَنْ يُوَالِي الْعَطَاء عَلَى إِنْسَانٍ فَيَبْعُدُ إِذَا رَآهُ صَدَرَ مِنْهُ مَعْصِيةً أَوْ مَعَاصِي أَنَّهُ يَنْصَحُهُ أَوْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ لأَنَّهُ يَرْجُوهُ وَيَخَافُهُ، يَرْجُو الصِّلَةَ وَيَخَافُ قَطْعُهَا، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ فَيَبْعُدُ أَيْضًا قُبُولِ صَاحِبِ الْفَضْلِ لِلنَّصِيحَةِ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ الْمُنْتَظَرِ لِمَا فِي يَدِهِ، نَسْأَلُ اللهَ الْعِصَمَةَ.

وَكَمْ ضّلَّ عَنْ الطَّرِيقِ السَّوِيِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ بِسَبَبِ مُدَاهَنَةِ الْمُدَاهِنِ وَتَغْرِيرِهِ لَهُمْ، هَذِهِ قِيمَةُ النَّاصِحِ، وَالْمُدَاهِن عِنْدَ الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ الإِيمَانِ وَلَكِنْ نَرَى النَّاسَ الْيَوْم عَكَسُوا الأَمْر فِي هَذِهِ الأَزْمَانِ، لا مُنْتَهى لِحُبِّهِمْ مَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ ذَنْبًا عَظِيمًا، وَلا غَايَةَ لِبُغْضِهِمْ مَنْ أَرْشَدَهُمْ إِلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ وَرُبَّمَا هَجَرُوهُ جَزَاءَ نُصْحِهِ، وَأَمَّا الْمُدَاهِنُ وَالْمُتَمَلِقُ الْمُنَافِقُ ذُو الْوَجْهَينِ فَبِكَلِمَةٍ مِنْ مُدَاهَنَاتِهِ، أَوْ وِشَايَاتِهِ أَوْ تَمَلُّقَاتِهِ أَوْ كَذِبَاتِهِ يَمْلِكُ قُلُوبَ الْكَثِيرِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الزَّمَان وَقَدْ يُرَفَّعُ وَيُقَدِّر مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ كَمَا قِيلَ:

آخر:

(مَتَى مَا تُدَان أَوْ تَكُنْ ذَا تَمَلْقٍ

وَنَمٍّ وَبَهْتٍ تَخْتَطِبْكَ الْمَرَاتِبُ)

(وَإِنْ تَجْمَعِ الإِخْلاصَ وَالصِّدْقِ وَالْوَفَا

وَعِلْمًا وَحِلْمًا تَجْتَنِبُكَ الْمَنَاصِبُ)

آخر:

لا تُنْكِرِي يَا عَزُّ إِنْ ذَلَّ الْفَتَى

ذُو الأَصْلِ وَاسْتَولَى لَئِيمُ الْمُحْتِد

إِنَّ الْبُزَاةَ رُؤسُهُنَّ عَوَاطِلُ

وَالتَّاجُ مَعْقُودٌ بِرَأْسِ الْهُدْهُدِ

آخر:

حَذَفْتُ وَغَيْرِي مُثَبِّتْ فِي مَكَانِهِ

كَأَنِّي نُونُ الْجَمْعِ حِينَ يُضَافُ

آخر:

مَنْ أَهْمَلَ الدِّينَ لا تَأْمَنْ عَقَارِبَهُ

وَلَوْ تَسَمَّى بِإِخْلاصٍ بِنِيَّاتٍ

لآدَمٍ جَاءَ إِبْلَيْسٌ وَقَالَ لَهُ

إِنِّي لَكْمُ (نَاصِحٌ فَاسْمَعْ مَقَالاتِي

فَأَقَسَمَ الْخُبَثُ فِي رَبِّي وَنُزُلُهُمْ

مِنَ الْجِنَانِ إِلَى دَارِ الأَذِيَّاتِ

اللَّهُمَّ وَفَّقَنَا لِسَبِيلِ الطَّاعَةِ، وَثَبتنَا عَلَى إِتِّبَاعِ السُّنْةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَلا تَجْعَلْنَا مِمَّنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَأَضَاعَهُ، وَأَخْتِمْ لَنَا بِخَيْرٍ مِنْكَ يَا كَرِيمُ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا

ص: 21