الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الأَحْياءَِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
"
مَوْعِظَة
": عِبَادَ اللهِ إِنَّ مِنْ أَخَصِّ صِفَاتِ الْمُؤْمِن عَمَلُهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ " وَمَحَبَتُهُ لِلنَّاصِحِينَ. وَكُلَّما اجْتَهَدَ الْمُسْلِمُ وَبَالَغَ فِي النَّصِيحَةِ لإِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ قَوِيَتْ مَحَبَّتُهُ فِي قُلُوبِ إِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَأَمَّا الْمُدَاهِنُ وَالْمُتَمَلِّقُ الَّذِي يُحَسِّنُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ حَالَهُ، وَلَوْ كَانْتْ حَالَةَ إِجْرَامٍ وَفَسَادٍ فَهَذَا يُنَفِّرُ مِنْهُ الْمُؤْمِنُونَ، وَلا يُحِبُّونَهُ وَيَرَوْنَ صَدَاقَتُهُ مُصِيبَةً وَبَلِيَّةً فَلِذَا يَبْتَعِدُونَ عَنْهُ كُلّ الْبُعْدِ. لأَنَّهُ إِنْ صَحْبَ مُسْتَقِيمًا ادْخَلَ عَلَيْهِ الْعُجْبَ فِي عَمَلِهِ، وَخَيَّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ صَفْوَةِ عِبَادِ اللهِ الْمُتَّقِينَ، فَيَغُرُّهُ بِنَفْسِهِ. وَالْمَرءُ إِذَا اغْتَرَّ هَوَى فِي هُوَّةِ الأَشْقِياءِ. وَإِذَا صَحِبَ الْمُدَاهِنُ الْمُتَمَلِقُ مُعَوَّجًا زَادَ اعْوِجَاجَهُ حَيْثُ أَنَّهُ يُفْهِمُهُ بِمُدَاهَنَتِهِ أَنَّهُ مِنْ خِيارِ الْفُضَلاءِ وَمَنْ الأَجِلاءِ النُّبَلاء.
وَمَتَى فَهِمَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ اسْتَمَرَّ وَتَمَادَى فِي اعْوِجَاجِهُ، وَقَوِيَتْ وَتَمَكَّنَتْ مِنْهُ الأَخْلاقُ الْفَاسِدَةُ، وَمَاتَ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ الشَّنِيعَةِ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ النَّاصِحُ الْمُحِبُ لأَخِيهِ مَا يُحِبُ لِنَفْسِهِ فَيَفْهَمُ الْمُهَذَّبُ الْمُتَنَوِّرُ أَنَّهُ مَهْمَا كَانَ كَمَالُهُ أَنَّهُ مُقَصِّرٌ فِي شُكْرِ مَوْلاهُ الَّذِي جَعَلَهُ مِنْ بَنِي آَدَمَ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَوَفَّقَهُ لِلإِيمَانِ، وَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ وَغَيرِهَا وَوَهَبَهُ الْعَقْلَ، وَسَائِرَ النِّعَمِ التَّي لا تُعَدُّ وَلا تُحْصَى.
وَمَتَى فَهِمَ أَنَّهُ مُقَصِّرٌ، حَمِدَ مَوْلاهُ وَشَكَرَهُ عَلَى مَا أَوْلاهُ وَجَدَّ وَاجْتَهَدُ فِيمَا بِهِ رُقِيُّهُ فِي دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ، وَإِنْ رَأَى مُعْوَجًّا أَفْهَمَهُ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنٍ نَقْصٍ وَوَضَّحَ لَهُ عُيُوبَهُ، وَمَا عِنْدَهُ مِنْ تَقْصِيرٍ فِي دِينِهِ وَحَثَّهُ عَلَى الْجَدِّ وَالاجْتِهَادِ وَالسَّعْيِ إِلَى مَعَانِي الأَخْلاقِ.
وَمَتَى عَرِفَ الْعَاقِلُ نَقْصَهُ، وَأَنَّ الضَّرَرَ عَائِدٌ إِلَيْهِ، أَقْلَعَ عَنْهُ، وَأَصْبَحَ مِنَ الْمُهَذَّبِينَ الْمُتَنَوِّرِينَ الصَّاعِدِينَ إِلَى أَوَجِ الْكَمَالِ، فِكَمْ اهْتَدَى بِإِذْنِ اللهِ بِسَبَبِ الْمُؤْمِنِ النَّاصِحِ مِنْ أُنَاسٍ قَدْ تَاهُوا وَتَمَادَوْا فِي الضَّلالِ.
وِاسْمَعْ إِلَى قَوْلِ الإِمَامِ ابْنِ الْقَيِّمِ رحمه الله لَمَّا ذَكَرَ نُفَاةِ الصِّفَاتِ أَهْلَ الْبِدَعِ وَحَيْرَتِهِمْ وَشُبُهَاتِهِمْ وَشُكُوكُهُمْ وَأَنَّهُ جَرَّبَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الشِّبَاكِ وَالْمَصَايِدِ حَتَّى أَتَاحَ لَهُ الْمَوْلَى بِفَضْلِهِ مَنْ نَشَلَهُ وَأَوْضَحَ لَهُ تِلْكَ الشُّبَهِ وَأَزَاحَ عَنْهُ تِلْكَ الشُّكُوكِ وَهُوَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَةِ رحمه الله فَقَالَ فِي النُّونِيَّةِ:
يَا قَومُ بِاللهِ العَظِيمِ نَصِيحةٌ
…
مِن مُشفِقٍ وَأخٍ لَكُمْ مِعَوَانِ
جَرَّبتُ هَذَا كُلَّهُ وَوَقَعتُ فِي
…
تِلكَ الشِّبَاكِ وَكُنْتُ ذَا طَيَرَانِ
حَتَّى أَتَاحَ لِيَ الإِلهُ بِفَضلِهِ
…
مَنْ لَيْسَ تَجْزِيهِ يَدِي وَلِسَانِي
حَبْرًا أتَى مِن أرضِ حَرَّانٍ فَيَا
…
أَهْلاً بِمَن قَدْ جَاءَ مِنْ حَرَّانِ
فَالله يَجزِيهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ
…
مِن جَنَّةِ الْمَأَوَى مَعَ الرِّضوَانِ
أخَذَتْ يَدَاهُ يَدِي وَسَارَ فَلَمْ يَرِمْ
…
حَتَّى أرَانِي مَطلَعَ الإِيمَانِ
وَرَأيتُ أعلَامَ المدِينَةِ حَولَهَا
…
نَزَلَ الهُدَى وَعَسَاكِرُ القُرآنِ
وَرَأيتُ آثاراً عَظِيماً شَأنُهَا
…
مَحجُوبَةً عَن زُمرَةِ العُميَانِ
وَوَرِدْتُ رَأسَ الماءِ أبيَضَ صَافِياً
…
حَصبَاؤهُ كلآلىء التِّيجَانِ
وَرَأيتُ أكوَاباً هُناكَ كَثِيرةً
…
مِثلَ النُّجُومِ لوَارِدٍ ظَمآنِ
وَرَأيتُ حَوضَ الكَوثَرِ الصَّافِي الذِي
…
لَا زَالَ يَشخُبُ فِيهِ مِيزَابَانِ
مِيزابُ سُنَّتِهِ وَقَولُ إِلَهِهِ
…
وَهُمَا مَدَى الأَزْمَانِ لَا يَنِيَانِ
وَالنَّاسُ لَا يَرِدُونَهُ إلَاّ مِن الـ
…
آلافِ أفرَاداً ذَوُوْ إيمَانِ
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبَّكَ وّحُبَّ الْعَمَلِ الَّذِي يُقَرِّبْنَا إِلَى حُبِّكَ، اللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا ذِكْرَكَ وَوَفِّقْنَا لِلْقِيَامِ بِحَقِكَ وَبَارِكْ لَنَا فِي الْحَلالِ مِنْ رِزْقِكَ وَلا