الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
وَقَفَ قَوْمٌ عَلَى عَالِم فَقَالُوا: إِنَا سَائِلُوكَ أَفَمُجِيبُنَا أَنْتَ؟ قَالَ: سَلُوا وَلا تُكْثِرُوا، فَإِنَّ النَّهَارَ لَنْ يَرْجِعَ وَالْعُمُرَ لَنْ يَعُودَ، وَالطَّالِبَ حَثِيثٌ فِي طَلَبِهِ. قَالُوا: فَأَوْصِنَا. قَالَ: تَزَوَّدُوا عَلَى قَدْرِ سَفَرِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّاد مَا أَبْلَغَ الْبُغْيَةَ. ثُمَّ قَالَ: الأَيَّامُ صَحَائِفُ الأَعْمَارِ فَخَلّدُوهَا أَحْسَنَ الأَعْمَال، فَإِنَّ الْفُرَصَ تَمُرُّ مَرَّ السَحَابِ، والتَّوَانِي مِنْ أَخْلاقَ الْكُسَالَى وَالْخَوَالِفِ، وَمَنِ اسْتَوْطَنَ مَرْكَبَ الْعَجْزِ عَثَرَ بِهِ. وَتَزَوَّجَ التَّوَانِي بِالْكَسَلِ فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا الْخُسْرَانُ. أ. هـ. قَالَ بَعْضُهُمْ:
شِعْرًا:
…
تَزَوَّجَتِ الْبَطَالَةُ بِالتَّوَانِي
…
فَأَوْلَدَهَا غُلامًا مَعَ غُلامَهْ
فَأَمَّا الابْنُ سَمَّوْهُ بِفَقْرٍ
…
وَأَمَّا الْبِنْتُ سَمَّوْهَا نَدَامَهَ
آخر:
…
خِصَالٌ إِذَا لَمْ يَحْوِهَا الْمَرْء لَمْ يَنَلْ
…
مَنَالاً مِنَ الأُخْرَى يَكُونُ لَهُ ذُخْرَا
يَكُونُ لَهُ تَقْوَى وَزُهْدٌ وَعِفَّة
…
وَإِكْثَارُ أَعْمَال يَنَالُ بِهَا أَجْرَا
آخر:
…
لَيْسَ يَبْقَى عَلَى الْجَدِيدَيْنِ إِلا
…
عَمَلٌ صَالِحٌ وَذِكْرٌ جَمِيلُ
آخر:
…
وَمَا فِي النَّاسِ أَحْسَنُ مِنْ مُطِيعٍ
…
لِخَالِقِهِ إِذَا عُدَّ الرِّجَالُ
آخر:
…
سَأُنْفِقُ رَيْعَانَ الشَّيْبَةِ دَائِبًا
…
عَلَى طَلَبِ الْعَلْيَاءِ مَعْ طَلَبِ الأَجْرِ
أَلَيْسَ مِنْ الْخُسْرَانِ أَنَّ لَيَالِيًا
…
تَمُرُّ بِلا نَفْعِ وَتُحْسَبُ مِنْ عُمْرِي
قَالَ بَعْضُهم: أَيُّهَا الناسُ إِنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِدَارِ قَرَارِكمْ، ولا مَحَلِّ إِقَامَتِكُمْ، دَارٌ كَتَبَ اللهُ عَلى أَهْلِهَا الفَنَاءَ وَأَوْجَبَ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهَا الرَّحِيْلَ فَكَمْ مِنْ عَامِرٍ مُؤَنِّقٍ وَمُحسِّنْ، عَمَّا قَلِيْلٍ ستَخْرَبُ عِمَارَتُه، وَكَمْ مِنْ مُقِيْمٍ مُغْتَبِطٍ سَيَرحَلُ إِلى المقبَرة فَأَحْسِنُوا رَحِمكُم اللهُ مِنْهَا الرِّحْلَةَ وَاحْمِلُوا خَيْرَ مَا يَحْضُرُكُمْ لِلنُّقْلَةِ وَتَزَوَّدُوْا فَإِنَّ خَيْرَ الزَادِ التَّقوى.
(1)
الليْل والنَّهَارَ يَعْمَلانِ فِيكَ فَاعْمِلْ فِيهِمِا أِعْمَالاً صَالِحَة تَرْبَحُ وَتُحْمَدُ الْعَاقِبَة الْحَمِيدَة إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
شِعْرًا:
…
إِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عُمْرُكَ فَاحْتَرِزْ
…
عَلَيْهِ مِنَ الإِنْفَاقِ فِي غَيْرِ وَاجِبِ
آخر:
…
إِذَا شَامَ الْفَتَى بَرْقَ الْمَعَالِي
…
فَأَهْوَنُ فَائِتٍ طِيبُ الرُّقَادِ
(2)
الْمَلائِكَة يَكْتُبَان مَا تَلْفِظُ بِهِ فَاحْرِصْ عَلَى أَنْ لا تَنْطِق إِلا بِمَا يَسُرُّكَ يَوْم الْقِيامَةِ. أَشْرَفُ الأَشْيَاءِ قَلْبُكَ، وَوَقْتُكَ، فَإَذَا أَهْمَلْتَ قَلْبَكَ وَضَيْعَتَ وَقْتَكَ فَمَاذَا يَبْقَى مَعَكَ كُلُّ الْفَوَائِدِ ذَهَبَتْ.
شِعْرًا:
…
أَمَّا بُيُوتُكَ فِي الدُّنْيَا فَوَاسِعَةٌ
…
فَلَيْتَ قَبْرَكَ بَعْدَ الْمَوْتِ يَتَّسِعُ
آخر:
…
وَبَادِرِ اللَّيْلُ يِدْرِسِ الْعُلُوم
…
فَإِنَّمَا اللَّيْلُ نَهَارُ الأَرِيبُ
(3)
اعْلَمْ أَنَّ قِصَرَ الأَمَلِ عَلَيْهِ مَدَارٌ عَظِيم وَحِصْن الأَمَلِ ذِكْرُ الْمَوْتَ وَحِصْنُ حِصْنِهِ ذِكْرُ فَجْأَة الْمَوْت وأَخْذ الإِنْسَان عَلَى غِرّة وَغَفْلَة وَهُوَ فِي غُرُورٍ وَفُتُورٍ عَنْ الْعَمَل لِلآخِرَةِ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوقِظَ قُلُوبَنَا إَِنَّهُ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرٍ، اللَّهُمَّ صَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وسلم.
شِعْرًا:
…
يَحْيِي اللَّيَالِي إِذَا الْمَغْرُورُ أَغْفَلَهَا
…
كَأَنَّ شُهْبَ الدَّيَاجِي أَعْيُنٌ نُجُلُ
آخر:
…
وَمَنْ يُنْفِقِ السَّاعَاتِ فِي غَيْرِ طَاعَةٍ
…
لِخَالِقِهِ فَهُوَ الَّذِي خَسِرَ الْعُمْرَا
آخر:
…
أَمَا وَاللهِ لَوْ عَلِمَ الأَنَامُ
…
لِمَا خُلِقُوا لَمَا غَفَلُوا وَنَامُوا
لَقَدْ خُلِقُوا لِمَا لَوْ أَبْصَرَتْهُ
…
عُيُونُ قُلُوبِهِمْ تَاهُوا وَهَامُوا
وَتَوْبِيخٌ وَأَهْوَالٌ عِظَامُ
…
وَتَوْبِيخٌ وَأَهْوَالٌ عِظَامُ
مُلاحَظَة: لا يُسْمَح لأَيِ إِنْسَانٍ أَنْ يَخْتَصَرُهُ أَوْ يَتَعَرَض لَهُ بِمَا يُسَمُونَهُ تَحْقِيقًا لأَنَّ الاخْتِصَارَ سَبَبٌ لِتَعْطِيلِ الأَصْلِ. وَالتَّحْقِيقَ أَرَى أَنَّهُ اتِّهَامٌ لِلْمُؤَلِفِ، وَلا يُطْبَعُ إِلا وَقْفًا للهِ تَعَالَى عَلَى مَنْ يَنْتَفَعَ بِهِ مِنَ الْمُسْلِمِين.
شِعْرًا:
…
الدِّينُ فِيهِ الْعِزُّ وَالْكَمَالُ
…
وَالْكُفْرُ فِيهِ الذُّلُّ وَالْهَوَانُ
((فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ النَّفْع لِمَنْ وَفَّقَهُ اللهُ))
مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ عَرَّفَهُ لا إله إلا الله، وَفَهَّمَهُ مَعْنَاهَا، وَوَفَّقَهُ لِلْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا، وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا.
شِعْرًا:
…
إِذَا تَمَّ دِينُ الْمَرْءِ تَمَّتْ أُمُورُهُ
…
وَتَمَّتْ أَمَانِيهِ وَتَمَّ بِنَاؤُهُ
آخر:
…
الذِّكْرُ أَصْدَقُ قَوْلٍ فَافْهَمِ الْخَبَرَا
…
لأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ قَدْ أَنْشَأَ الْبَشَرَا
فَاعْمَلْ بِهِ تُرِدْ فِهْمًا وَمَعْرِفَةً
…
يَا ذَا النُّهَى كَيْ تَنَالَ الْعِزَّ وَالْفَخْرَا
وَتَحْمِدِ اللهِ فِي يَوْمِ الْمَعَادِ إِذَا
…
جَاءَ الْحِسَابُ وَعَمَّ الْخَوْفُ وَانْتَشَرَا
للهِ دَرُّ رِجَالٍ عَامِلِينَ بِهِ
…
فِيمَا يَدِقُ وَمَا قَدْ جَلَّ وَاشْتَهَرَا
آخر:
…
جَمِيعُ الْكُتُبِ يُدْرِكُ مَنْ قَرَاهَا
…
مِلالٌ أَوْ فُتُورُ أَوْ سَآمَةْ
سِوَى الْقُرْآنِ فَافْهَمْ وَاسْتَمِعْ لِي
…
وَقَوْلِ الْمُصْطَفَى يَا ذَا الشَّهَامَةْ
آخر:
…
أُقَلِّبُ كُتُبًا طَالَمَا قَدْ جَمَعْتُهَا
…
وَأَفْنَيْتَ فِيهَا الْعَيْنَ وَالْعَيْنَ وَالْيَدَا
وَأَصْبَحْتُ ذَا ظَنِّ بِهَا وَتَمَسُّكٍ
…
لِعِلْمِي بِمَا قَدْ صُغْتُ فِيهَا مُنَضَّدَا
وَأَحْذَرْ جُهْدِي أَنْ تَنَالَ بِنَائِلٍ
…
مُهِينٌ وَأَنْ يَغْتَالِهَا غَائِلُ الرَّدَى
وَأَعْلَمْ حَقًّا أَنَّنِي لَسْتُ بَاقِيًا
…
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَنْ يُقَلِّبُهَا غَدَا
آخر:
…
لَصِيقُ فُؤَادِي مِنْذُ عِشْرِينَ حَجَّةٍ
…
وَصَيْقَلُ ذِهْنِي وَالْمَفِرّ عَنْ هَمِّي
عَزِيزٌ عَلَى مِثْلِي إِعَارَةُ مِثْلِهِ
…
لِمَا فِيهِ مِنْ عِلْمٍ لَطِيفٍ وَمِنْ نَظْمٍ
جُمُوعٌ لأَصْنَافِ الْعُلُومِ بِأَسْرِهَا
…
فَأَخْلِقْ بِهِ أَنْ لا يُفَارِقَهُ كُمِّي
(فَصْلٌ)
في نماذج من وصايا السلف وثباتهم عند الموت رحمة الله على تلك الأرواح
الأولى: وصية أبي بكر رضي الله عنه:
عن أبي المليح أن أبا بكر رضي الله عنه لما حضرته الوفاة أرسل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أني أوصيك بوصية، إن أنت قبلتها عني: إن لله عز وجل حقًا بالليل لا يقبله بالنهار، وإن لله عز وجل حقًا بالنهار لا يقبله بالليل، وإنه عز وجل لا يقبل النافلة حتى تؤدَّى الفريضة، ألم تر إنما ثقلت موازينه في الآخرة بإتباعهم الحق في الدنيا، وثقل ذلك عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا حقًا أن يثقل، ألم تر إنما خفت موازين من خفت موازينه في الآخرة بإتباعهم الباطل في الدنيا، وخف ذلك عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا باطلاً، أن يخف، ألم (تر) أن الله عز وجل أنزل آية الرجاء عند آية الشدة، وآية الشدة عند آية الرجاء، لكي يكون العبد راغبًا راهبًا، لا يلقي بيده إلى التهلكة، لا يتمنى على الله عز وجل غير الحق، فإن أنت حفظت وصيتي فلا يكونن غائب أحب إليك من الموت، ولا بد لك منه، وإن أنت ضيعت وصيتي هذه فلا يكونن غائب أبغض إليك من الموت. والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وسلم.
وصية عمر رضي الله عنه:
عن الشعبي قال: لما طعن عمر رضي الله عنه جاء ابن عباس فقال: يا أمير المؤمنين! أسلمت حين كفر الناس، وجاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس، وقتلت شهيدًا ولم يختلف عليك اثنان، وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم -
وهو عنك راض، فقال له: أعد علي مقالتك، فأعاد عليه فقال: المغرور من غررتموه، والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس أو غربت لافتديت به من هول المطلع. والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وسلم.
وصية عثمان رضي الله عنه:
وعن العلاء بن الفضل عن أبيه قال: لما قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه فتشوا خزائنه فوجدوا فيها صندوقًا مقفلاً، ففتحوه فوجدوا فيه حقة فيها ورقة مكتوب فيها: هذه وصية عثمان بن عفان:
بسم الله الرحمن الرحيم، عثمان بن عفان يشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الله يبعث من في القبور ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد، عليها يحيا، وعليها يموت، وعليها يبعث إن شاء الله عز وجل. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وصية علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
وعن الشعبي لما ضرب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، تلك الضربة قال: ما فعل ضاربي؟ قالوا: قد أخذناه، قال: أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، فإن أنا عشت رأيت فيه رَأْيِي، وإن أنا مت فاضربوه ضربة واحدة لا تزيدوه عليها.
ثم أوصى الحسن رضي الله عنه أن يغسله ولا يغالي في الكفن، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«لا تغلو في الكفن فإنه يسلب سلبًا سريعًا» . وامشوا بي بين المشيتين، لا تسرعوا بي، ولا تبطئوا، فإن كان خيرًا عجلتموني إليه، وإن كان شرًا ألقيتموني عن أكتافكم.
شِعْرًا:
…
نُرَاعُ لِذِكْرِ الْمَوْتِ سَاعَةَ ذِكْرِهِ
…
وَتَعْتَرِضُ الدُّنْيَا فَنَلْهُوا وَنَلْعَبُ
وَنَحْنُ بَنُو الدُّنْيَا خُلِقْنَا لِغَيْرِهَا
…
وَمَا كَانَ فِيهَا فَهُوَ شَيْءٌ مُحَبَّبُ
آخر:
…
أَبَا الْمُغِيرَةِ وَالدُّنْيَا مُغِيرَةٌ
…
وَإِنَّ مَنْ غُرَّ بِالدُّنْيَا لَمَغْرُورُ
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وصية معاذ بن جبل رضي الله عنه:
ولما أصيب أبو عبيدة (بن الجراح) في طاعون عمواص استحلف معاذ بن جبل واشتد الوجع، فقال الناس لمعاذ: ادع الله يرفع عنا هذا الزجر، قال: إنه ليس برجز ولكنه: دعوة نبيكم صلى الله عليه وسلم وموت الصالحين قبلكم وشهادة يختص (بها) الله من يشاء منكم أيها الناس أربع خلال من استطاع أن لا يدركه شيء منهن فلا يدركه، قالوا: وما هي؟ قال: يأتي زمان يظهر فيه الباطل، ويصبح الرجل على دين ويمسي على آخر، ويقول الرجل: والله ما أدري على ما أنا. لا يعيش على بصيرة، ولا يموت على بصيرة ويعطَى الرجل المال من مال الله على أن يتكلم الذي يسخط الله، اللهم آت آل معاذ نصيبهم الأوفى من هذه الرحمة فطعن ابناه فقال: كيف تجدانكما؟ قال: يا أبانا {الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} قال: ستجدني إن شاء الله من الصابرين. . ثم طعنت امرأتاه فهلكتا، وطعن هو في إبهامه فجعل يمسها بفيه يقول: اللهم إنها صغيرة فبارك فيها فإنك تبارك في الصغير حتى هلك رحمة الله عليه. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وصية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
وعن الشعبي قال: لما حضر عبد الله بن مسعود الموت دعا ابنه فقال: يا عبد الله بن مسعود! إني أوصيك بخمس خصال فاحفظهن عني: أظهر اليأس للناس، فإن ذلك غنىً فاضل، ودع مطلب الحاجات إلى الناس، فإن (ذلك) فقر حاضر، ودع ما تعذر منه من الأمور، ولا تعمل به،
وإن استطعت أن لا يأتي عليك يوم إلا وأنت خير منك بالأمس فافعل، فإذا صليت صلاة فصل مودع كأنك لا تصلى بعدها. قال بعضهم:
شِعْرًا:
…
أَلا لَيْتَ أَنِّي يَوْمَ تَدْنُو مَنِيَّتِي
…
أُلازِمْ ذِكْرَ اللهِ فِي كُلِّ لَحْظَةِ
وَآخِرُ رَمْقِ مِنْ حَيَاتِي خِتَامُهُ
…
بِكَلِمَةِ إِخْلاصٍ لِبَارِي الْبَرِيَّةِ
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وصية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه:
ولما حضرت أبا موسى الوفاة دعا فتيانه فقال: اذهبوا فاحفروا لي وأعمقوا فإنه كان يستحب العمق، قال: فجاء الحفرة فقالوا: قد حفرنا. فقال: اجلسوا بي فوالذي نفسي بيده إنها لإحدى المنزلتين، إما ليوسعن قبري حتى تكون كل زاوية أربعين زراعا، وليفتحن لي بابًا من أبواب الجنة فلأنظرن إلى منزلي وإلى أزواجي، وما أعد الله عز وجل لي فيها من النعيم، ثم لأنا أهدى إلى منزلي في الجنة مني اليوم إلى أهلي، وليصيبني من روحها وريحانها حتى أبعث. وإن كانت الأخرى فليضيقن علي قبري حتى تختلف فيه أضلاعي حتى يكون أضيق من كذا وكذا، وليفتحن لي باب من أبواب جهنم، فلأنظرن إلى مقعدي وإلى ما أعد الله عز وجل لي فيها من السلاسل والأغلال والقرناء، ثم لأنا إلى مقعدي من (جهنم) لأهدى مني اليوم إلى منزلي ثم ليصيبني من سمومها وحميمها حتى أبعث. والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وصية أبي عقيل رضي الله عنه:
ولما كان يوم اليمامة واصطف الناس للقتال كان أول من خرج أبو عقيل رمي بسهم بين منكبه وفؤاده فأخرج السهم فوهن له شقه الأيسر وجر إلى الرحل فلما حمى القتال سمع معن ابن عدي يصيح يا آل الأنصار اللهَ الله
والكرة على عدوكم قال عبد الله بن عمر: فنهض أبو عقيل فقلت: ما تريد، قال: قد فوه المنادى باسمي، فقلت: ما يعنى الجرحى. فقال: أنا من الأنصار، وأنا أجيبه ولو حبوًا. فتحزم وأخذ السيف ثم جعل ينادي: يا آل الأنصار كرة كيوم حنين، قال ابن عمر: فاختلفت السيوف بينهم فقطعت يده المجروحة من المنكب فقلت: أبا عقيل، فقال: لبيك، بلسان ملتاث، لمن الدبرة؟ فقلت: أبشر قد قتل عدو الله. فأخبرت عمر فقال: رحمه الله ما زال يسأل الشهادة ويطلبها. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وصية عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:
ولما تجهز الناس وتهيئوا للخروج إلى مؤتة مضوا حتى نزلوا أرض الشام، فبلغهم أن هرقل قد نزل من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضمت إليه المستعربة (من لخم، وجزام وبلقين، وبهرا، وبلى) في مائة ألف، فأقاموا ليلتين ينظرون في أمرهم، وقالوا: نكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره (بعدد عدونا) . قال: (فشجع عبد الله بن رواحة الناس، ثم قال: والله يا قوم، إن الذي تكرهون للذي خرجتم له تطلبون الشهادة وما نقاتل العدو بعدة، ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله تعالى به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة. قال: فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحة فمضوا.
ولما قدم أبو عون مصر واستولى على البلد أرسل إلى حيوة بن شريح فجاء فقال: إنا معشر الملوك لا نعصى فمن عصانا قتلناه قد وليتك القضاة، قال: أوامر أهلي، قال: اذهب فجاء إلى أهله فغسل رأسه ولحيته ونال شيئا من الطيب ولبس أنظف ما قدر عليه من الثياب ثم جاء فدخل عليه فقال: من جعل السحرة
أولى بما قالوا منا فاقض ما أنت قاض، فلست أتولى لك شيئًا، قال: فأذن له فرجع.
عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: لما حضرت أبي الوفاة جلست عنده بيدي الخرقة لأشد بها لحييه فجعل يعرق، ثم يفتح عينيه، ويقول بيده هكذا: لا بعد ففعل هذا مرة وثانية، فلما كان في الثالثة، قلت له: يا أبة أي شيء هذا قد لهجت به في هذا الوقت تعرق حتى تقول قد قبضت، ثم تعود فنقول لا لا بعد فقال لي: يا بني ما تدري؟ قلت: لا، قال: إبليس لعنه الله قائم حذائي عاض على أنامله يقول لي: أحمد فُتَّنِي، فأقول له: لا بعد حتى أموت. . . . أ. هـ. والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
آخر: وصية داود بن أبي هند رضي الله عنه:
بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أوصى به داود بن أبي هند (أوصى بتقوى الله عز وجل ولزوم طاعته، وطاعة رسوله، والرضي بقضائه، والتسليم لأمره، وأوصاهم بما أوصى به يعقوب بنيه){يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إَلَاّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (البقرة:132) . وداود يشهد بما شهد الله عز وجل عليه وملائكته: أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبالجنة والنار وبالقدر كله، على ذلك يحيا، وعلى ذلك يموت.
اللهم اختم بالأعمال الصالحات أعمارنا وحقق بفضلك آمالنا وسهل لبلوغ رضاك سبلنا وحسن في جميع الأحوال أعمالنا يا منقذ الغرقى ويا منجي الهلكى ويا دائم الإحسان أذقنا برد عفوك وأنلنا من كرمك وجودك ما تقر به عيوننا من رؤيتك في جنات النعيم واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وصية الأوزعي رضي الله عنه:
وسئل الأوزعي كيف يكتب الرجل وصيته؟ قال: يكتب بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما شهد به فلان بن فلان أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة (آتية) لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، على ذلك يحيا، وعليه يبعث إن شاء الله. وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
وصية فاطمة رضي الله عنها بنت محمد صلى الله عليه وسلم:
عن عبد بن محمد بن عقيل بن طالب الهاشمي المدني قال: لما حضرت فاطمة رضي الله عنها الوفاة دعت بماء فاغتسلت ثم دعت بحنوط فتحنطت، ثم دعته بثياب أكفانها فلبست ثم قالت: إذا أنا مت فلا تحركوني. فقلت: هل بلغك أن أحدًا فعل ذلك قبلها؟ قال: نعم كثير بن عباس.
وكتب في طرف أكفانه كثير بن عباس يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن أسماء بنت عميس أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصت أن يغسلها زوجها علي بن أبى طالب رضي الله عنه فغسلها هو وأسماء بنت عميس. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وصية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
عن الزهري أن سعد بن أبي وقاص لما حضرته الوفاة دعا بخلق جبة له من صوف فقال: كفنوني فيها فإني لقيت المشركين فيها يوم بدر وإنما كنت أخبئها لهذا اليوم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
وصية حميد بن عبد الرحمن الحيرى رحمه الله:
عن حماد بن سلمة قال: قرأت في وصية حميد بن عبد الرحمن الحميرى أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأوصى أهله من بعده أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم وأن لا يموتوا إلا وهم مسلمون.
وصية عبادة بن الصامت رضي الله عنه:
عن الصنابحي قال: دخلت على عبادة بن الصامت وهو في الموت فبكيت فقال: مهلاً لم تبكي فوالله لئن استشهدت لأشهدن لك ولئن شفعت لأشفعن لك ولئن استطعت لأنفعنك.
ثم قال: والله ما حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه خير إلا قد حدثتكموه إلا حديثًا واحدًا سوف أحدثكموه اليوم وقد أحيط بنفسي.
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من شهد أن لا الله إلا الله وأن محمد رسول الله حرم على النار» . انفرد بإخراجه مسلم. أ. هـ.
وصية: أوصى بعضهم أخًا له في الله فقال: ألهمك الله يا أخي ذكره وأوزعك شكره ورضاك بقدره ولا أخلاك من توفيقه ومعرفته.
ولا وكلك إلى نفسك ولا إلى أحد من خلقه وكتبك عنده ممن أراد الله عز وجل تقريبه وجد في الطلب بالصدق والأدب.
وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتابعة والتصديق.
وأراد الدار الآخرة بالأعمال الصالحة واحتمال الأذى وترك الأذى، وجعلك من المكثرين لذكر الله وحمده وشكره الوجلين من خشيته تعالى.
المخلصين لله عز وجل الموحدين لله عز وجل المصدقين لله تعالى المؤثرين على أنفسهم المقدمين حقه على حقوقهم.
الذين خلت بواطنهم من الحقد والحسد والعجب والكبر وسوء الظن.
الذين لا يستأثرون ولا يزاحمون وعلى غير طاعة ربهم لا يحزنون.
الذين هم على جميع أمة محمد يشفقون وبهم يرفقون الذين ينصحون المسلمين ولا يفترون، ويعرفون بالله وشرعه ولا يعنفون ولا يسخرون بالناس ولا يستهزئون.
وعن عيب من فيه العيب يغمضون ويسترون ولعورات المؤمنين لا يتتبعون، الذين هم لله في جميع حركاتهم وسكناتهم مراقبون.
الذين يكون غضبهم لله لا لأنفسهم ولا يتمنون السوء ولا يعتدون ويكون رضاهم لله، الذين لا يأمرون إلا بما تأمر به الشريعة المطهرة ولا ينكرون إلا ما أنكرته الشريعة على حسب طاقتهم.
الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم ويبغضون الظلم من الظالم ويمقتون الظالم ولا يعظمونه، ويسألون الله تعالى أن يمنع الظلمة من الظلم حتى لا يظلموا ويتوب الله عليهم حتى يتوبوا.
الذين بما أنزل لله تعالى على رسوله يحكمون الزاهدين في الدنيا المقبلين بكلتهم على الله عز وجل.
وجعلك الله يا أخي من الموحدين المخلصين الذين لا شرك عندهم المنزهين الذين لا تهمة عندهم المصدقين الذين لا شك عندهم.
الطالبين الذين لا فتور عندهم في الأعمال الصالحات المتبعين الذين لا ابتداع عندهم القانعين الذين لا طمع عندهم ولا ميل إلى السوء عندهم للمسلمين.
الذين لا منازعة عندهم الراضين الذين لا سخط عندهم المحافظين على طاعة الله الذين لا يرضيهم إلا مولاهم ولا يرتضون نفوسهم إلا إذا استقامت على ما يحبه الله ويرضاه.
الذين يقتفون أثر الشارع وبه يقتدون وعلى جميع الصحابة يترحمون ولقرابة نبيهم يوادون وبفضل السلف يعترفون.
الذين لا تعجبهم زينة الدنيا الذين يحثون عباد الله على طاعته ويحببون الله عز وجل إلى خلقه ويذكرونهم نعمه.
الذين أيديهم مقبوضة عن أموال الناس وجوارحهم مكفوفة عن أذاهم وعن أعراضهم، الناس منهم في راحة وهم من شرور أنفسهم في تعب ونصب ورياضة.
الذين لا يقابلون عمل السوء إلا عفوًا وصفحًا ولا قول السوء إلا اعرضًا عملاً بقول الله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، وقوله:{وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} وقوله: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} ، وقوله:{وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} .
شِعْرًا:
…
قَالُوا سَكَتَّ وَقَدْ خُوصِمْتَ قُلْتُ لَهُمْ
…
إِنَّ الْجَوَابَ لِبَابِ الشَّرِّ مِفْتَاحُ
فَالصَّمْتُ عَنْ جَاهِلٍ أَوْ أَحْمَقٍ شَرَفٌ
…
أَيْضًا وَفِيهِ لِصَوْنِ الْعِرْضِ إِصْلاحُ
أَمَا تَرَى الأُسْدَ تُخْشَى وَهِيَ صَامِتَةٌ
…
وَالْكَلْبُ يَخْشَى لَعَمْرِي وَهُوَ نَبَّاحُ
آخر:
…
وَإِنِّي أَلْقَى الْمَرْءَ أَعْلَمُ أَنَّهُ
…
عَدُوَّ وَفِي أَحْشَائِهِ الضِّغْنُ كَامِنُ
فَأَمْنَحُهُ بِشْرًا فَيَرْجِعُ قَلْبُهُ
…
سَلِيمًا وَقَدْ مَاتَتْ لَدَيْهِ الضَّغَائِنُ
آخر:
…
رَجِعْتُ عَلَى السَّفِينَةِ بِفَضْلِ حِلْمِي
…
فَكَانَ الْحِلْمُ عَنْهُ لَهُ لِجَامَا
وَظَنَّ بِي السَّفَاهَ فَلَمْ يَجِدْنِي
…
أَسَافِهُهُ وَقُلْتُ لَهُ سَلامَا
فَقَامَ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ ذَلِيلَا
…
وَقَدْ كَسَبَ الْمَذَلَّةَ وَالْمَلامَا
والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.