الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شِعْرًا:
…
فَإِنْ تَكُنْ عَبِثَتْ أَيْدِي النُّذُولِ بِنَا
…
وَنَالَنَا مِنْ تَمَادِي بِأْسِهِمْ ضَرَرُ
فَكَمْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ خَضْرَاءِ مُورقَةٌ
…
وَلَيْسَ يُرْجَمُ إِلا مَالَهُ ثَمَرُ
آخر:
…
عَرِفْتُ أُمُورَ الْوَقْتِ أَمَّا شُرُورُهُ
…
فَنَقْدٌ وَأَمَّا خَيْرُهُ فَوُعُودُ
إِذَا كَانَتْ الدُّنْيَا كَذَاكَ فَخَلِّهَا
…
وَلَوْ أَنَّ كُلَّ الطَّالِعَاتِ سُعُودُ
آخر:
…
تَغَيَّرَ إِخْوَانُ هَذَا الزَّمَانِ
…
وَكُلُّ صَدِيق عَرَاهُ خَلَلْ
قَضَيْتُ التَّعَجُّبَ مِنْ بَابِهِمْ
…
فَصِرْتُ مُنْتَظِرً لِبَابِ الْبَدَلْ
آخر:
…
مََضى الْجُودُ وَالإِحْسَانُ وَاجْتُثَّ أَصْلُهُ
وَأُخْمِدْنَ نِيرَانُ الْوَغَى وَالْمَكَارِمِ
وَصِرْتُ إِلَى ضَرْبٍ مِنَ النَّاسِ آخَرٍ
يَرَوْنَ الْعُلا وَالْمَجْدَ جَمْعَ الدَّرَاهِمِ
كَأَنَّهُمُوا كَانُوا جَمِيعًا تَعَاقَدُوا
عَلَى الْبُخْلِ وَالإِمْسَاكِ فِي صُلْبِ آدَمِ
اللهم أيقظ قلوبنا ونورها بنور الإيمان وثبت محبتك في قلوبنا وقوها وارزقنا المعرفة بك عن بصيرة وألهمنا ذكرك وشكرك ووفقنا لطاعتك وامتثال أمرك واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
(فَصْلٌ)
في ذِكْرِ المَوْتِ وَالاسْتِعْدَادِ لَهُ
اعلم وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين أن مما يتأكد الاستعداد له واستشعار
قربه الموت فإنه أقرب غائب ينتظر وما يدري الإنسان لعله لم يبق من أجله إلا اليسير وهو مقبل على دنياه ومعرض عن آخرته.
ولو لمن يكن بين يديه كرب ولا هول ولا عذاب سوى سكرات الموت لكان جديرًا بأن يتنكد ويتنغص عليه عيشه ويتكدر عليه سروره ويفارقه سهوه وغفلته.
إِنَّ فِي الْمَوْتِ وَالْمَعَادِ لَشُغْلا
…
وَادِّكَارًا لِذِي النُّهَى وَبَلاغَا
فَاغْتَنِمْ خَصْلَتَيْنِ قَبْلَ الْمَنَايَا
…
صِحَّةَ الْجِسْمِ يَا أَخِي وَالْفَرَاغَا
وحقيق بأن يطول فيه فكره ويعظم له استعداده وهو محتمل أن يقع على الإنسان بغتة كما قيل سهم بيد سواك لا تدري متى يغشاك.
قال لقمان لابنه يا بني أمر لا تدرى متى يلقاك استعد له قبل أن يفجاك.
تُؤَمِّل فِي الدُّنْيَا طَوِيلاً وَلا تَدْرِي
…
إِذَا جَنَّ لَيْلٌ هَلْ تَعِيشُ إِلَى الْفَجْرِ
فَكَمْ مِنْ صَحِيحٍ مَاتَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ
…
وَكَمْ مِنْ مَرِيضٍ عَاشَ دَهْرًا إِلَى دَهْرِ
وقال الآخر:
قَصَّر الآمَالَ فِي الدُّنْيَا تَفُزْ
…
فَدَلِيلُ الْعَقْلِ تَقْصِيرُ الأَمَلِ
إِنَّ مَنْ يَطْلُبُهُ الْمَوْتُ عَلَى
…
غِرَّةٍ مِنْهُ جَدِيرٌ بِالْوَجَلْ
والعجب أن الإنسان لو كان في أعظم اللذات وأطيب المجالس التي تلذ له ويأنس بها مع الأولاد وأصدقائه وأقربائه وأخبر أن جنديًا أتى ليحضره ويدعوه إلى أمر الأمور لتنكد وتكدرت عليه لذته وفسد عليه عيشه.
وهو في كل لحظة بصدد أن يدخل عليه ملك الموت بسكرات النزع وهو عنه في سهو وغفلة وما لذلك سبب إلا الجهل والغرور واشتغال القلب بالدنيا.
وقيل في الاستعداد للموت هو أن يتوب الإنسان توبة طاهرة عن الذنوب والخطايا بأن لو قيل له إنك تموت الساعة ما وجد عنده ذنبا يحتاج إلى توبةٍ منه فيسأل النظرة من أجله.
فإن كان يجد ذنبًا يحتاج إلى توبةٍ منه فيسأل النظرة من أجله. كسرقةٍ وغصب مالٍ أو أرض أو غيبة أو معاملة لا تجوز أو يأكل من حرام أو مشتبه.
أو مصرًا على زكاة أو على بعضها أو كاتمًا لأمانة أو لا يشهد الجمعة
والجماعة أو عنده من آلات اللهو شيء في بيته أو دكانه كتلفزيون أو سينما أو مذياع أو فيديو.
أو يبيع ويشتري بها أو له أسهم فيما يستمد منه أهل المعاصي تنويرًا أو لتصليح آلات اللهو أو نحو ذلك أو مصرًا على التشبه بالكفرة كحلق لحية أو جعل خنافس أو مصرًّا على شرب خمر أو دخان أو يصور أو يبيع ويشتري بها أو مجالس للفسقة أو الكفرة أو ساكنًا معهم أو في بلادهم أو عنده كفار كخدامين وسواقين ومربين وخياطين.
فإنه لم يستعد للقاء الله عز وجل لأنه لا يستشار ولا يؤخذ رأيه في إخراج روحه والموت يأتيه فجأةً فإن جاءه الموت وذلك الذنب عنده لم يأمن من أن يغضب الله عليه.
وكيف يكون مستعدًا للقاء الله من هو مقيم على ما يغضب الله من المعاصي ولا يأمن أن يأتيه الموت أغفل ما كان والموت آتيه لا محالة صدق الله: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} .
شِعْرًا:
…
يَا مَنْ تَمَتَّعَ فِي الدُّنْيَا وَلَذَّتَهَا
…
وَلا تَنَامُ عَنِ اللَّذَاتِ عَيْنَاهُ
شَغَلْتَ نَفْسَكَ فِيمَا لَيْسَ تَدْرِكُهُ
…
تَقُولُ للهِ مَاذَا حِينَ تَلْقَاهُ
آخر:
…
النَّاسُ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ لا بَقَاءَ لَهُمْ
…
لَوْ أَنَّهُمْ عَمِلُوا مِقْدَارَ مَا عَلِمُوا
وقال جل وعلا: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} وقال جل وعلا: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} إلا أنه ليس للموت وقت معلوم عند الناس فيخاف في ذلك الوقت ويؤمن منه في سائر الأوقات.
شِعْرًا:
…
تَغَنَّمْ مِنَ الدُّنْيَا بِسَاعَتِكَ الَّتِي
…
ظَفِرْتَ بِهَا مَا لَمْ تَعُقْكَ الْعَوَائِقُ
فَلا يَوْمُكَ الْمَاضِي عَلَيْكَ بِرَاجِعٍ
…
وَلا يَوْمُكَ الآتِي بِهِ أَنْتَ وَاثِقُ
شِعْرًا:
مَنْ كَانَ لا يَطَأ التُّرَابَ بِنَعْلِهِ
…
وَطِيءَ التُّرَابُ بِصَفْحَةِ الْخَدِّ
مَنْ كَانَ بَيْنَكَ فِي التُّرَابِ وَبَيْنَهُ
…
شِبْرَانِ فَهُوَ بِغَايَةِ الْبُعْدِ
لَوْ كُشِفَتْ لِلنَّاسِ أَغْطِيَةُ الثَّرَى
…
لَمْ يُعْرَفِ الْمَوْلَى مِنَ الْعَبْدِ
فليس يأتي في الشتاء دون الصيف فيخاف من الشتاء ويؤمن في الصيف ولا بالعكس ولا في النهار فيؤمن بالليل ولا بالعكس.
وليس وقت من العمر معلوم عند الناس فيأخذ أبناء الخمسين فيأمنه من دون ذلك وليس له علة دون علة كالحمى والسل فيأمنه من لم يصبه ذلك.
فحق على العالم بأمر الله عز وجل وأنه الذي انفرد بعلم ذلك الوقت أن لا يأمنه في وقت من الأوقات وأن يكون مستعدًا له أتم الاستعداد.
فمن ذكر الموت بفراغ قلب من كل شيء مع ذكره عظيم ما يأتي البشر من العذاب أو بالرحمة مع الاعتبار بالذين مضوا قبله ممن فوقه ودونه وأشكاله وأمثاله من أقارب وأصدقاء وزملاء وأقران وجيران ومشايخ وملوك وأساتذة وإخوان.
ومن فوائد ذكر الموت أنه يورث الاستشعار بالانزعاج عن هذه الدار الفانية المملوءة بالأكدار والأنكاد والهموم والغموم.
ويحثك ذكر الموت عن حالتي ضيق وسعة ونعمة ومحنة.
فإن كان في حال ضيقه ومحنة فذكر الموت سهل عليه بعض ما هو فيه إذ لا مصيبة إلا الموت أعظم منها وهو ذائقة ولا بد.
قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} وإن كان في حال سعة ونعمة.
شِعْرًا:
…
عَجَبًا لِمَنْ يُبْقِي ذَخَائِرَ مَالِهِ
…
وَيَظَلُّ يَحْفَظُهُنَّ وَهُوَ مُضَيّعُ
وَلِغَافِلٍ وَيَرَى بِكُلِ ثَنِيَّةٍ
…
مُلْقَى لَهُ بَطْنُ الصَّفَائِحِ مُضَيّعُ
أَتَرَاهُ يَحْسَبُ أَنَّهُمْ مَا أَسَأَرُوا
…
وَمِنْ كَأْسِهِ أَضْعَافْ مَا يَتَجَرَّعُ
فذكر الموت يمنعه من الاغترار بالدنيا والركون إليها لتحقق عدم دوامها وتحقق ذهابها عنه وانصرامها.
قال الله جل وعلا وتقدس: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} .
شِعْرًا:
…
أيَا صَاحِ كنْ في شأنْ دُنْيَاكَ هَذِهِ
…
غَرِيبًا كَئِيبًا عَابِرًا لِسَبِْيلِ
وعُدَّ مِن أهْلِ القَبْرِ نَفْسَكَ إِنَّمَا
…
بَقَاؤُكَ فِيهَا مِنْ أَقَلِّ قَلِيْلِ
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض أهل بيته: أما بعد فإنك إن استشعرت ذكر الموت في ليلك ونهارك بغَّض إليك كل فان.
وقال بعض العلماء: الأيام سهام والناس أغراض والدهر يرميك كل يوم بسهامه ويخترمك بلياليه وأيامه حتى يستغرق ويستكمل جميع أجزائك فكيف تبقى سلامتك مع وقوع الأيام بك وسرعة الليالي في بدنك لو كشف لك عما أحدثت الأيام فيك من النقص لاستوحشت من كل يوم يأتي عليك واستثقلت ممر الساعات بك ولكن تدبير الله فوق كل تدبير.
قال بعضهم يرثي أخًا له:
يَا صَاحِبِيْ إِنَّ دَمْعِيْ اليَوْمَ مُنْهَمِلٌ
…
عَلى الخُدُوْدِ حَكَاهُ العَارِضُ الهَطِلُ
وَفِي الْفُؤادِ وَفِي الأَحْشَاءِ نَارُ أَسىً
…
إِذَا أَلَمَّ بِهَا التِّذْكَار تَشْتَعِلُ
عَلى الأَحِبَّةِ والإِخْوَانِ إِذْ رَحَلُوْا
…
إِلَى المقَابِرِ والألْحَادِ وانْتَقَلُوْا
كُنَّا وَكَانُوْا وَكَانَ الشَّمْلُ مُجْتَمِعًا
…
وَالدَّارُ آهِلَةٌ َوَالحَبْلُ مُتَّصِلُ
حَدَا بِهِمْ هَادِمُ اللَّذَّاتِ في عَجَلٍ
…
فَلَمْ يُقِْيمُوا وَعَنْ أَحْبَابِهِمْ شُغِلُوا
وَلَمْ يَعُوْجُوا عَل أَهْلٍ وَلَا وَلَدٍ
…
كَأَنَّهمْ لَمْ يَكُوْنُوا بَيْنَهَمْ نَزَلُوْا
إِنِّي لأَعْجَبُ لِلدُّنْيَا وَطَالِبهَا
…
وَلِلْحَرِيْصِ عَلَيْهَا عَقْلُهُ هَبَلُ
وَغَافِلِ لَيْسَ بالْمَغْفُولِ عَنْهُ وَإِنْ
…
طَالَ المَدَى غَرَّهُ الإمْهَالُ وَالأَمَلُ
نَاسٍ لِرِحْلَتِهِ ناَسٍ لِنُقْلَتِهِ
…
إِلَى القُبُور التيْ تَعْيَا بِهَا الحِيَلُ
فِيْهَا السؤال وَكَمْ هَوْلٍ وَكَمْ فِتَنٍ
…
لِلْمُجْرِمِينَ اَلأُلَى عَنْ رَبِّهِمْ غَفَلُوا
وَفِي القُبُوْرِ نَعِيْمٌ لِلتَّقيّ كَمَا
…
فِيْهَا العَذَابُ لِمَنْ في دِينِهِ دَخَلُ
قُلْ لِلْحَزِيْنِ الذِيْ يَبْكِي أَحِبَّتَهُ
…
ابْكِ لِنَفْسِكَ إِنَّ الأَمْرَ مُقْتَبِلُ
فَسَوْفَ تَشْرَبُ بالكَأْسِ الذِي شَرِبُوا
…
بِهَا إِنْ يَكُنْ نَهلٌ مِنْهَا وَإِنْ عَلَلُ
فَاغْنَمْ بَقِيَّةَ عُمْرٍ مَرَّ أَكْثَرُهُ
…
فِي غَيْرِ شَيءٍ فَمَهْلاً أَيُّهَا الرَّجُلُ
اللهم إنا نسألك نفسًا مطمئنة، تؤمن بلقائك وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك، يا أرأف الرائفين، وأرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك التوفيق لما تحبه من الأعمال، ونسألك صدق التوكل عليك، وحسن الظن بك يا رب العالمين.
اللهم اجعلنا من عبادك المخبتين، الغر المحجلين الوفد المتقبلين.
اللهم إنا نسألك حياة طيبة، ونفسًا تقية، وعيشة نقية، وميتة سوية، ومردًا غير مخزي ولا فاضح.
اللهم اجعلنا من أهل الصلاح والنجاح والفلاح، ومن المؤيدين بنصرك وتأييدك ورضاك يا رب العالمين.
اللهم افتح لدعائنا باب القبول والإجابة واغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
فصل: ثم اعلم ألهمنا الله وإياك الرضا بقضائه وقدره ورزقنا وإياك وجميع المسلمين الاستعداد لما أمامنا أنه ما من مخلوقٍ مهما امتد أجله وطال عمره إلا والموت نازل به وخاضع لسلطانه.
ولو جعل الله الخلود لأحد من الخلق لكان الأولى بذلك الأنبياء والرسل المطهرين المقربين.
وكان أولاهم بذلك صفوة أصفيائه وخيرته من خلقه سيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} وقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} .
فالموت حتم لا محيص ولا مفر منه يصل إلينا في أي مكان كنا قال الله: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} .
ولو نجا أحد من الموت لبسطة في جسمه أو قوة في بدنه أو وفرةٍ في ماله أو سعةٍ في سلطانه وملكه لنجا من الموت كثير من الناس.
وإلا فأين عاد وثمود وفرعون ذو الأوتاد أين الأكاسرة وأين القياصرة والصناديد الأبطال ذهبوا في خبر كان.
شِعْرًا:
…
سَلِ المَدائِن عَمَّنْ كَانَ يَمْلِكُهَا
…
هَلْ أَنَسِتْ مِنْهُمْ مِن بَعْدِهمْ خَبَرا
فَلَوْ أَجَابَتْكَ قَالَتْ وهيَ عَالمةٌ
…
بِسِيْرَة الذاهِبِ الماضِي ومَنْ غَبَرَا
أَرَتْهُمْ العِبَرَ الدُنِْيَا فما اعْتَبَرُوا
…
فصَيَّرتْهُمْ لِقَوْمٍ بَعْدَهُمْ عِبَرَا
آخر:
…
نَبْكِي عَلى الدُّنْيَا وَمَا مِنْ مَعْشَرٍ
…
جَمَعَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يَتَفَرَّقُوْا
أَيْنَ الأَكَاسِرَةُ الجَبَابِرَةُ الأُلَى
…
كَنَزُوا الكُنُوزَ فمَا بَقَيْنَ وَلا بَقُوْا
مَنْ كُلِّ مَنْ ضَاقَ الفَضَاءُ بِجَيْشِهِ
…
حَتَّى ثَوَى فَحَوَاهُ لَحْدٌ ضَيِّقُ
فَالمَوْتُ آتِ وَالنُّفُوسُ نَفَائِسٌ
…
وَالمُسْتَغَرُّ بِمَا لَدَيْهِ الأَحْمَقُ
فالموت لا يخشى أحدًا من الخلق ولا يبقي على أحدٍ منهم ويهجم على الكبير والصغير والقوي والضعيف والمعالج والمعالَج والغني والفقير والرئيس والمرؤوس وكل عنده على السوى كما قيل:
هُوَ الموتُ مُثْرٍ عِنْدَهُ مِثْلُ مُعْدِمٍ
…
وَقَاصِدُ نَهْجٍ مِثْلُ آخَرَ نَاكِبِ
وَدِرْعُ الفَتَى في حُكْمِهِ دِرْعُ غَادَةٍ
…
وَأَبْيَاتُ كَسْرَى مِن بُيُوتِ العَنَاكِبِ
آخر:
…
إِذَا نَزَلَ المَقْدُوْرُ لم تُلْفِ لِلْقَطَا
…
نُهُوضًا ولا لِلْمُخْدِرَاتِ إِبَاءُ
فمتى لزم ذلك وداوم عليه بتدبرٍ وتفكرٍ بقلبٍ حاضرٍ في كل وقت عظمت معرفته بالموت وفجأته وأنه نازل به كما نزل بمن مضى قلبه لا محالة فإذا عظمت معرفته قصر أمله فإذا قصر أمله حذر قلبه من الموت ارتقب فإذا كان مرتقبًا له سارع إلى الاستعداد والاستباق إلى الخيرات قبل الفوات.
لا شَيْءَ يَبْقَى سِوَى خَيْرٍ تُقَدِّمَهُ
…
مَا دَامَ مَلْكٌ لإِنْسَان ولا خَلَدَا
فأَمْهِدْ لِنَفْسَكَ وَالأَقْلامُ جَاريةٌ
…
وَالتَّوبُ مُقْتَبِلٌ فَاللهِ قَدْ وَعَدَا
ولا بأس بالتداوي إذا وقع به المرض أو وجع بما هو مباح فإن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء وفي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه «أن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له شفاءٍ إلا الهرم فعليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل شجر» .
وفي الحديث الآخر عن أبي سعيد «إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله إلا السام وهو الموت» . فإذا أراد الله الشفاء يسر ذلك للعبد ووفقه لاستعمال الدواء على وجهه وفي وقته فيبرأ بإذن الله.
قال القرطبي على قوله لم يضع له شفاء هذه الكلمة صادقة لأنها خبر عن الصادق المصدوق عن الخالق القدير ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير فالداء والدواء خلقه والشفاء والهلاك فعله وربط الأسباب بالمسببات حكمته وحكمه فكل بقدرٍ لا معدل عنه.
شِعْرًا:
تَوقِي الدَّاءِ خَيْرٌ مِنْ تَصَدٍّ
…
لأَيْسَره وَإنْ قرُبُ الطَّبِيبُ
وقال ابن حجرٍ على قوله جهله من جهله ومما يدخل فيها ما يقع لبعضهم أنه يداوي من داءٍ بدواءٍ فيبرأ ثم يعتريه ذلك الداء فلا ينجح وسببه الجهل بصفةٍ من صفات الدواء فرب مريضين تشابها ويكون أحدهما مركبًا لا ينجح
فيه ما ينجح غير المركب فيقع الخطأ وقد يكون متحدًا لكن يريد الله أن ينجح وهنا تخضع رقاب الأطباء ولهذه قال بعضهم:
إِن الَّطبِيْبَ لَذُو عَقْلٍ وَمَعْرِفَةٍ
…
مَا دَامَ في أَجَلِ الإِنْسَانِ تَأْخِيرُ
حَتىَّ إِذَا مَا انْقَضَتْ أَيَّامُ مُدَّتِِهِ
…
حَارَ الطَّبِيبُ وَخَانَتْهُ العَقَاقِيرُ
ومما ورد في الحث على الاستعداد للموت ما يلي:
يا رَاِقدَ الليل مَسْرُوْرًا بأَوْلِه
…
إِنَّ الحَوَادِثَ قَدْ يَطْرُقنَ أَسْحَارَا
كَمْ قَدْ أَبَادَتْ صُرُوْفُ الدَّهْرِ مِن مَلِكٍ
…
قَدْ كَانَ في الدهرِ نَفَّاعًا وَضَرَّارَا
يَا مَن يُعَانِقُ دُنْيَا لا بَقَاءَ لَهَا
…
يُمْسِي وَيُصْبِحُ في دُنْيَاهُ سَفَّارَا
هَلا تَرَكْتَ مِن الدُنْيَا مُعَانَقَةَ
…
حَتَّى تُعَانِقَ في الفِرْدَوْسِ أَبْكَارَا
إِنْ كُنْتَ تَبْغِي جِنَانَ الخُلْدِ تَسْكُنُهَا
…
فَيَنْبَغِي لَكَ أَنْ لا تَأْمَنِ الدَّارَا
قال أبو الحسين الأهوازي في كتاب الفرائد والقلائد الدنيا لا تصفو لشارب. ولا تبقي لصاحب. فخذ زادًا من يومك لغدك فلا يبقي يوم عليك ولا غد.
ويقال إنه كان على قبر يعقوب بن ليث مكتوبًا هذه الأبيات عملها قبل موته وأمر أن تكتب على قبره وهي هذه:
سَلامٌ على أَهِل القُبورِ الدَّوَارِس
…
كَأَنَّهُمُ لَمْ يَجْلِسُوا فِي الْمَجَالِسِ
وَلَمْ يَشْرَبُوا مِن بَارد الْمَاءِ شربةً
…
وَلَمْ يَأْكُلُوا مَا بَيْنَ رَطْبٍ وَيَابِسِ
فَقَدْ جَاءَنِي الْمَوْتُ الْمَهُولُ بِسَكْرَةٍ
…
فَلَم تُغْنِ عَنِّيِ أَلْفُ آلافِ فارِسِ
فَيَا زَائِرَ الْقَبْرِ اتَّعِظْ وَاعْتَبِرْ بِنَا
…
وَلا تَكُ فِي الدُّنْيَا هُدِيْتَ بآنِسِ
خراسَانُ نَحْوِيها وأطرافَ فارِسٍ
…
وما كُنْتُ عن مُلْكِ العِرَاقِ بآيِسِ
سَلامٌ على الدُنْيَا وطِيْبِ نَعِيمِها
…
كَأَنْ لم يَكُنْ يَعُقوبُ فِيها بِجَالِسِ
وأقبل رجل من المقبرة فقيل له من أين جئت فقال من القافلة النازلة قيل له ماذا قلت لهم وماذا قالوا لك.
قال: قلت لهم: متى ترحلون؟ قالوا: حين ينتهي القادمون. وقال آخر: أجالس قومًا إن حضرت وعظوني ولم يؤذوني وإن غبت لم يغتابوني يريد الموتى.
وَكَيْفَ أَشِيد فِي يَوْمِي بِنَائِي
…
وَأَعْلمُ أَنَّ فِي غَدٍ عَنْهُ ارْتِحَال
فَلا تَنْصِبْ خِيَامَكَ فِي مَحَلٍ
…
فَإِنَّ الْقَاطِنِين عَلَى ارْتِحَال
آخر:
…
زَيَّنْتْ بَيْتَكَ جَاهِدًا وعَمَرْتَهُ
…
ولَعَلَّ غَيْرَكَ صَاحَبٌ لِلْبَيْتِ
وَالْمَرْءُ مُرْتَهَنٌ بِسَوفَ ولَيتَنِي
…
وَهَلاكُهُ في سَوْفِهِ وَاللَّيْتِ
أَلا أَيُهَا المَغْرورُ في نَومِ غَفْلَةٍ
…
تَيَقَّظْ فإنَّ الدَّهَر للناسِ ناصِحُ
فكَمْ نائِم في أوَّلِ الليلِ غَافِلٍ
…
أَتَاهُ الرَّدَى في نَوْمِهِ وهو صَابِحُ
فَشْقَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ جَيْبَ صَبَاحِهِ
…
وقَامَتْ عَلَيْهِ لِلطُّيُورِ نَوَائِحُ
اللهم يا مصلح الصالحين أصلح فساد قلوبنا واستر في الدنيا والآخرة عيوبنا واغفر بعفوك ورحمتك ذنوبنا وهب لنا موبقات الجرائر واستر علينا فاضحات السرائر ولا تخلنا في موقف القيامة من برد عفوك وغفرانك ولا تتركنا من جميل صفحك وإحسانك واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(فَصْلٌ)
ثم اعلم أن الإكثار من ذكر الموت مستحب مرغب فيه وله منافع وفوائد جليلة منها تقصير الأمل 2- الزهد في الدنيا 3- القناعة منها باليسير 4- الرغبة في الآخرة 5- التزود للآخرة بالأعمال الصالحة 6- الإعتناء بالوصية والمبادرة فيها 7- الابتعاد عن المعاصي.
وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أكثروا ذكر هاذم اللذات الموت» . وكان صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلث الليل قام فقال: «أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه» .
ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن الأكياس من الناس من هم؟ قال: «أكثرهم للموت ذكرًا وأحسنهم له استعداد أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا ونعيم الآخرة» . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا ذكر هاذم اللذات» . يعني الموت فإنه ما كان في كثير إلا جزأه رواه الطبراني بإسناد حسن.
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمجلس قوم وهم يضحكون فقال: «أكثروا من ذكر هاذم اللذات» . أحسبه قال: «فإنه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه ولا في سعةٍ إلا ضيقه» . رواه البزار بإسناد حسن والبيهقي باختصار.
وفي حديث أبي ذر قلت: يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم عليه السلام قال: «كانت عبرًا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح عجبت لم أيقن بالقدر ثم هو ينصب عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها وعجبت لمن أيقن بالحساب غدًا ثم لا يعمل» . رواه ابن حبان في صحيحه.
شِعْرًا:
…
وجِيرَان صِدْقٍ لا تَزاوُرَ بَيْنَهُمْ
…
على قُرْبِ بَعْضٍ التَّجاوُرِ مِنْ بَعْضِ
كَأنَّ خَوَاتِيمًا مِن الطِّينِ فوقهِمْ
…
فَلَيْسَ لَهَا حَتَّى القِيَامةِ مِنْ فَضِّ
آخر:
…
قِفْ بِالْقُبُورِ وَقُلْ عَلَى سَاحَاتِهَا
…
مَنْ مِنْكُمْ الْمَغْمُورُ فِي ظُلُمَاتِهَا
وَمَنْ الْمُكَرَّمُ مِنْكُمْ فِي قَعْرِهَا
…
قَدْ ذَاقَ بَرْدَ الأَمْنِ مِنْ رَوْعَاتِهَا
أَمَّا السُّكُونُ لِذِي الْعُيُونِ فَوَاحِدٌ
…
لا يَسْتَبِيْن الْفَضْل فِي دَرَجَاتِهَا
لَوْ جَاوَبُوكَ لأَخْبَرُوْكَ بِأَلْسُنٍ
…
تَصِفُ الْحَقَائِقُ بَعْدَ مِنْ حَالاتِهَا
أمَّا الْمُطِيعُ فَنَازِلٌ فِي رَوْضَةٍ
…
يَفْضي إِلَى مَا شَاءَ مِنْ دَوْحَاتِهَا
وَالْمُجْرِمُ الطَّاغِي بِهَا مُتَقَلَّبٌ
…
فِي حُفْرَةٍ يَأْوِي إِلَى حَيَاتِهَا
وَعَقَارِبٌ تَسْعَى إِلَيْهِ فَرُوحُهُ
…
فِي شِدَّةِ التَّعْذِيبِ مِنْ لَدَغَاتِهَا
آخر:
…
وَمَا زَالَتِ الدُّنْيَا طَرِيقًا لِهَالِكٍ
…
تَبَايَنُ فِي أَحْوَالِهَا وَتُخَالِفُ
فَفِي جَانِبٍ مِنْهَا تَقُومُ مَآتِمٌ
…
وَفِي جَانِبٍ مِنْهَا تَقُومُ مَعَازِفُ
ج
فَمَنْ كَانَ فِيهَا قَانِطًا فَهُوَ طَاغِنٌ
…
وَمَنْ كَانَ فِيهَا آمِنًا فَهُوَ خَائِفُ
ووجد مكتوب على جدار محلة قديمة بغربي بغداد:
هَذِي مَنَازِلُ أَقْوَامٍ عَهِدتهمُ
…
فَي خَفْضِ عَيْشٍ وَعِزّ مَالِهِ خَطَرُ
صَاحَتْ بِهِمْ نَائِبَاتِ الدَّهْرِ فَانْقَلَبُوا
…
إِلَى الْقُبُورِ فَلا عَيْنٌ وَلا أََثَرُ
آخر:
تَرَى الَّذِي اتَّخَذَ الدُّنْيَا لَهُ وَطَنًا
…
لَمْ يَدْرِي أَنَّ الْمَنَايَا عَنْهُ تُزْعِجُهُ
مَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ مَدْرَجُهُ
…
وَالْقَبْرَ مَنْزِلُهُ وَالْبَعْثُ مَخْرَجُهُ
وَأَنَّهُ بَيْنَ جَنَّاتٍ سَتُبْهِجُهُ
…
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ نَارِ سَتُنْضِجُهُ
فَكُل شَيْءٍ سِوَى التَّقْوَى بِهِ سَمَجٌ
…
وَمَا أَقَامَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَسْمَجُهُ
وعن أبي هريرة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فجلس إلى قبر منها فقال: «ما يأتي على هذا القبر يوم إلا وهو ينادي بصوت ذلقٍ طلقٍ يا ابن آدم نسيتني ألم تعلم أني بيت الوحدة وبيت الغربة وبيت الوحشة وبيت الدود وبيت الضيق إلا من وسعني الله عليه» . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار» . رواه الطبراني في الأوسط.
ثم إن الناس في هذا المقام على أقسام منهم المنهمك في الدنيا المحب لشهواتها فهذا يغفل قلبه لا محالة عن ذكر الموت وإن ذكر به كرهه ونفر واشمأز منه وتناساه وربما كره الذي ذكر الموت وتباعد عنه، وقسم منهمك أيضًا وغارق في بحور الدنيا ولا يذكر الموت وإن ذكره فذكره له تأسفًا على دنياه ومفارقتها.
وأقرب علاج لهذا القسم أن يطيلوا التفكر ليلهم ونهارهم في أجل هذه الحياة وهم إذا فكروا في ذلك عرفوا قطعًا أنهم تاركوها ولا بد وليس ذلك بعد مائة سنة بل هم في كل لحظة مهددين بفراق الدنيا مرغمين لا مختارين ويتركون كل شيءٍ وحينئذ يستوي من يملك الملايين والعمارات والقناطير
المقنطرة من الذهب والفضة والأراضي والملايين البلايين مما ذكر.
ومن لا يملك منها إلا ثوبه فقط يستويان في أن كلا منهما كأنه لم ير هذا الوجود ولكنهما يختلفان اختلافًا عظيمًا في برزخهما وفي آخرتهما، ومن الدواء النافع لمن أصيب بمرض حب الدنيا أن ينظر بعينه إلى من في المستشفيات من المرضى الذين تنوعت أمراضهم وبود أحدهم لو ملك الدنيا وبذله لمن يشفيه من مرضه أو يخففه عنه.
شِعْرًا:
…
مَنْ عَاشَ لَمْ يَخْل مِنْ هَمٍّ وَمِنْ حَزَنٍ
…
بَيْنَ الْمَصَائِبِ مِنْ دُنْيَاهُ وَالْمِحَنِ
وَإِنَّمَا نَحْنُ فِي الدُّنْيَا عَلَى سَفَرٍ
…
فَرَاحِلٌ خَلَّفَ الْبَاقِي عَلَى الظَّعَنِ
وَكُلُّنَا بِالرَّدَى وَالْمَوْت مُرْتَهَنٌ
…
فَمَا نَرَى فِيهِمِا فَكًا لَمُرْتَهَنِ
آخر:
…
وَقُلْ غنَاءٌ عَنْكَ مَالاً جَمَعْتَهُ
…
إِذَا كَانَ مِيرَاثًا وَوَارَاكَ لاحِدُ
وكذلك ينظر إلى الموتى الذين يموتون كل يوم في المستشفيات وغيرها من مثله في السن وأقل وأكبر وينظر إلى الذين يموتون حوله من أبنائه وإخوانه وأحبابه وجيرانه ومن تقع عليهم عينه قائلاً لنفسه أي فرق بينك وبين هؤلاء فإذا أذعنت واعترفت أنه لا فرق بادرها بقوله إذا ستكونين مثلهم.
فمع تكرار هذا تتبدل حاله بإذن الله وتهون عليه الدنيا ويسهل عليه إخراج الأعمال الخيرية مهما كثرت إن هذا المنظر تنصدع له القلوب انصداعًا لا تهون بها الدنيا فقط ولذلك كان بعض السلف إذا شيع جنازة رجع لا يعي وربما مكث أيامًا مريضًا من هذا الهول الذي نزل به وأذهله حتى عن نفسه قال الشاعر:
وَلَمْ أَرَى كَالأَمْوَاتِ أَفْجَعَ مَنْظَرًا
…
وَلا وَاعِظِي جُلاسَهُمْ كَالْمَقَابِرِ
وكيف لا يكون وهو يرى أحد إخوانه جثة هامدة في منتهي
الخضوع لمن يودعون في تلك الحفرة المظلمة لا ينازعهم عند إدخالهم له في أي تصرف يتصرفونه فيه وقد كان قبل ذلك تضيق عنه الدنيا على سعتها.
شِعْرًا:
…
كُنْ كَيْفَ شِئْتَ فَقَصْرُكَ الْمَوْت
…
لا مَزْ حَلٌ عَنْهُ وَلا فَوْتُ
يَبْنَا غِنَى بَيْتٍ وَبَهْجَتُهُ
…
زَالَ الْغِنَى وَتَقَوَّضَ الْبَيْتُ
آخر:
…
وَقَبْلُكَ دَاوَى الْمَرِيضَ الطَّبِيبُ
…
فَعَاشَ الْمَرِيضُ وَمَاتَ الطَّبِيبُ
فَكُنْ مُسْتَعِدًا لِدَار الْفَنَا
…
فَإِنَّ الَّذِي هُوَ آتٍ قَرِيبُ
شِعْرًا:
…
لَيْتَ شِعْرِي سَاكِن الْقَبْرِ الْمَشِيدْ
…
هَلْ وَجَدْتَ الْيَوْمَ فِيهِ مِنْ مَزِيدْ
وَهَلِ الْبَاطِنُ فِيهِ مِثْل مَا
…
هُوَ فِي الظَّاهِرِ تَزْوِيقًا وَشِيدْ
وَهَلِ الْمَضْجَع فِيْهِ لِيِّنٌ
…
أَوْ سَعِيرٌ مَا لَهَا فِيهِ خُمُودْ
وَهَلِ الأَرْكَانُ فِيهِ بِالتُّقَى
…
نَيِّرَاتٌ أَوْ بِأَعْمَالِكَ السُّودْ
لَيْتَ شِعْرِي سَاكِن الْقَبْرِ الْمَشِيدْ
…
أَشْقِيٌّ أَنْتَ فِيهِ أَمْ سَعِيدْ
أَقَرِيب أَنْتَ مِنْ رَحْمَةِ مَنْ
…
وَسِعَ الْعَالَمَ إِحْسَانًا وَجُودْ
أَمْ بَعِيدٌ أَنْتَ مِنْهَا فَلَقَدْ
…
طُرِقَتْ دَارُكَ بِالْوَيْلِ الْبَعِيدْ
وَلَقَدْ حَلَّ بِأَرْجَائِكَ مَا
…
ضَاقَ عَنْهُ كُلَّ مَا فِي ذَا الوُجُودْ
أَيُّهَا الْغَافِلُ مِثْلِي وَإِلَى
…
كَمْ تَعَامَى وَتَلوِّي وَتَحِيدْ
أَُدْنُ فَاقْرَأْ فَوْقَ رَأْسِي أَحْرُفًا
…
خَرَجَتْ وَيْحَكَ مِنْ قَلْبٍ عَمِيدْ
صَرَعَتْهُ فِكْرَةٌ صَادِقَةٌ
…
وَهُمُومٌ كُلَّمَا تَمْضِي تَعُودْ
وَنَدَامَاتٌ لأَيَّامٍ مَضَتْ
…
هُوَ مِنْهَا فِي قِيَامٍ وَقُعُودْ
وَغَدًا تَرْجِعُ مِثْلِي فَاتَّعِظْ
…
بِي وَإِلا فَامْضِ وَاعْمَلْ مَا تُرِيدْ
قَدْ نَصَحْنَاكَ فَإِنْ لَمْ تَرَهُ
…
سَيَرَاهُ بَصَرٌ مِنْكَ حَدِيدْ
آخر:
…
كَأَنِّي بِنَفْسِي وَهِيَ فِي السَّكَرَاتِي
…
تُعَالَج أَنْ تَرْقَى إِلَى اللَّهَوَاتِي
وَقَدْ زُمَّ رَحْلِي وَاسْتَقَلَّتْ رَكَائِبِي
…
وَقَدْ آذَنَتْنِي بِالرَّحِيلِ حَدَاتِي
إِلَى مَنْزِلٍ فِيهِ عَذَابٌ وَرَحْمَةٌ
…
وَكَمْ فِيهِ مِنْ زَجْرٍ لَنَا وَعِظَاتِي
وَمِنْ أَعْيُنٍ سَالَتْ عَلَى وَجَنَاتِهَا
…
وَمِنْ أَوْجُه فِي التُّرَابِ مُنْعَفِرَاتِي
وَمِنْ وَارِدٍ فِيهِ عَلَى مَا يَسُرُّهُ
…
وَمِنْ وَارِدٍ فِيهِ عَلَى الْحَسَرَاتِي
وقال آخر:
لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْْفَتَى
…
إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْر
آخر:
…
الْحَمْدُ للهِ ثُمَّ الْحَمْدُ للهِ
…
مَاذَا عَلَى الْمَوْتِ مِنْ سَاهٍ وَمِنْ لاهِ
مَاذَا يَرَى الْمَرْءُ ذُو الْعَيْنَيْنِ مِنْ عَجَبٍ
…
عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى اللهِ
آخر:
…
إِذَا مَا صَارَ فَرْشِي مِنْ تُرَابٍ
…
وَبِتُّ مُجَاوِرَ الرَّبّ الرَّحِيمِ
فَهَنُّونِي أَصيْحَابِي وَقُولُوا
…
لَكَ الْبُشْرَى قَدِمْتَ عَلَى الْكَرِيمِ
وقسم تائب يكثر ذكر الموت لينبعث من قلبه الخوف فيفي بتمام التوبة وربما يكره الموت خشية أن يختطفه قبل تمام توبته وقبل إصلاح الزاد ولا يدخل هذا تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم من كره لقاء الله كره الله لقاءه لأن هذا لا يكره لقاء الله بل يكره فوت لقاءه.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» . فقلت: يا نبي الله أكراهية للموت فكلنا يكره الموت. قال: «ليس كذلك ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه» .
وفي رواية شريح بن هانئ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من
أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» . قال: فأتيت عائشة فقلت: يا أم المؤمنين سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا إن كان كذلك فقد هلكنا.
فقالت: إن الهالك من هلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه وليس منا أحدًا إلا وهو يكره الموت» .
فقالت: قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بالذي نذهب إليه ولكن إذا شخص البصر وحشرج الصدر واقشعر الجلد وتشنجت الأصابع فعند ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه رواه مسلم.
أخرج ابن المبارك وأحمد والطبراني في الكبير عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن شئتم أنبأتكم ما أول ما يقول الله تعالى للمؤمنين يوم القيامة وما أول ما يقولون له.
قلنا: نعم يا رسول الله، قال:«فإن الله يقول للمؤمنين هل أحببتم لقائي فيقولون نعم يا ربنا فيقول: لم؟ فيقولون: رجونا عفوك ومغفرتك فيقول قد وجبت لكم مغفرتي» .
وأخرج ابن المبارك عن عقبة بن مسلم قال ما من خصلة في العبد أحب إلى الله من أن يحب لقاءه.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن مجاهد قال: ما من مرض يمرضه العبد إلا ورسول ملك الموت عنده، حتى إذا كان آخر مرض يمرضه العبد، أتاه ملك الموت عليه السلام.
فقال أتاك رسول بعد رسول ونذير بعد نذير فلم تعبأبه، وقد أتاك رسول يقطع أثرك من الدنيا. والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
شِعْرًا:
…
أَيْنَ الَّذِينَ عَلَى عَهْدِ الثَّرَى وَطِئُوا
…
وَحُكِّمُوا فِي لَذِيذِ الْعَيْشِ فَاحْتَكَمُوا
وَمَلُكِّوا الأَرْضَ مِنْ سَهْلٍ وَمِنْ جَبَلٍ
…
وَخَوَّلُوا نِعَمًا مَا مِثْلِهَا نِعَمُ
لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ عَلَى ظَنِّ الْقُلُوب بِهِمُ
…
إِلا رُسُوم قَبُورٍ حَشْوُهَا رِمَم
والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
فصل: وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله» . قيل كيف يستعمله قال: «يوفقه بعمل صالح قبل الموت» .
وأخرج أحمد والحاكم عن عمرو بن الحمق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب عبدًا عسله» .
قالوا: وما عسله؟ قال: «يوفق له عملاً صالحًا بين يدي أجله حتى يرضى عنه جيرانه» .
(وَإِذَا أَحَبَّ اللهُ يَوْمًا عَبْدَهُ
…
أَلْقَى عَلَيْهِ مَحَبَّةً فِي النَّاسِ)
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مرفوعا: «إذا أراد الله بعبد خيرًا بعث إليه قبل موته بعام ملكًا يسدده ويوفقه حتى يموت على خير أحايينه فيقول الناس مات فلان على خير أحايينه.
فإذا حضر ورأى ما أعد الله له جعل يتهوع نفسه من الحرص على أن تخرج فهناك أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه» .
وإذا أراد الله بعبده شرا قيض له قبل موته بعامٍ شيطانًا يضله ويغويه حتى يموت على شر أحايينه فيقول الناس قد مات فلان على شر أحايينه.
فإذا حضر ورأى ما أعد الله جعل يتبلع نفسه كراهية أن تخرج فهناك كره لقاء الله وكره الله لقاءه.
وأخرج الطبراني في الكبير وأبو نعيم عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن نفس المؤمن تخرج رشحًا وإن نفس الكافر تسيل كما تسيل نفس الحمار» .
وإن المؤمن ليعمل الخطيئة فيشدد بها عليه عند الموت ليكفر بها عنه.
وإن الكافر ليعمل الحسنة فيسهل عليه عند الموت ليجزى بها» .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن زيد بن أسلم قال: إذا بقى على المؤمن من ذنوبه شيء لم يبلغه بعمله شدد عليه من الموت ليبلغ بسكرات الموت وشدائده درجته من الجنة.
وإن الكافر إذا كان قد عمل معروفًا في الدنيا هون عليه الموت ليستكمل ثواب معروفه في الدنيا ثم ليصير إلى النار.
وأخرج ابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن ليؤجر في كل شيء حتى في الكظ عند الموت» .
الكظ الهم الشديد الذي يملؤ الجوف وأخرج الترمذي الحكيم في نوادر الأصول والحاكم عن سلمان الفارسي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أرقبوا الميت عند موته ثلاثًا» .
إن رشحت جبينه وذرفت عيناه وانتشرت منخراه فهي رحمة من الله قد نزلت به.
وإن غط غطيط البكر المخنوق وخمد لونه وأزبد شدقاه فهو عذاب من الله قد حل به.
وأخرج سعيد بن منصور في سننه والمروزى في الجنائز عن ابن مسعود قال إن المؤمن يبقى عليه خطايا يجازي بها عند الموت فيعرق لذلك جبينه.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن علقمة بن قيس أنه حضر ابن عمٍ له وقد حضرته الوفاة فمسح جبينه فإذا هو يرشح.
فقال الله أكبر حدثني ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «موت المؤمن يرشح الجبين وما من مؤمن إلا له ذنوب يكافأ بها في الدنيا ويبقى عليه بقية يشدد بها عليه عند الموت» .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن علقمة أنه حضر ابن أخ له لما حضر (أي حضره الموت) فجعل يعرق جبينه فضحك فقيل له ما يضحكك.
قال سمعت ابن مسعود يقول: إن نفس المؤمن تخرج رشحًا وإن نفس الكافر أو الفاجر تخرج من شدقة كما تخرج نفس الحمار.
وإن المؤمن ليكون قد عمل السيئة فيشدد عليه عند الموت ليكفر بها وإن الكافر أو الفاجر ليكون قد عمل الحسنة فيهون عليه عند الموت.
وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي عن سفيان قال: كانوا يستحبون العرق للميت قال بعض العلماء إنما يعرق جبينه حياءً من ربه لما اقترف من مخالفته لأن ما سبق منه قد مات.
وإنما بقيت قوى الحياة وحركاتها فيما علا والحياء في العينين.
والكافر في عمى عن هذا كله.
والموحد المعذب في شغل عن هذا بالعذاب الذي قد حل به.
وأخرج ابن أبي الدنيا إسحاق قال قيل لموسى كيف وجدت طعم الموت قال كسفودٍ أدخل في جزة صوف فامتلخ (أي جذب) قال يا موسى قد هون عليك.
وأخرج أحمد في الزهد والمروزي في الجنائز عن أبي مليكة أن إبراهيم لما لقي الله قيل له كيف وجدت الموت قال: وجدت نفسي كأنها تنزع بالسلاسل قيل له قد يسرنا عليك الموت.
وروي أن موسى لما صار روحه إلى الله تعالى قال له ربه يا موسى كيف وجدت ألم الموت قال وجدت نفسي كالعصفور الحي حين يقلى على المقلي لا يموت فيستريح ولا ينجو فيطير.
وأخرج الديملي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت وأفضل العبادة التفكر فمن أثقله ذكر الموت وجد قبره روضة من رياض الجنة» .
وقال علي رضي الله عنه الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ونظم هذا المعنى بعضهم فقال:
وَإِنَّمَا النَّاسُ نِيَامٌ مَنْ يَمُتْ
…
مِنْهُمْ أَزَالَ الْمَوْتَ عَنْهُ وَسَنَهُ
آخر:
…
يَا نَفْسُ إِنِّي قَائِلُ فَاسْمَعِي
…
مَقَالَةً مِنْ مُرْشِدٍ نَاصِحِ
مَا صَحِبَ الإِنْسَانَ فِي قَبْرِهِ
…
غَيْرُ التُّقَى وَالْعَمَلُ الصَّالِحِ
آخر:
…
ثَنَاءُ الْفَتَى يَبْقَى وَيَفْنَى ثَرَاؤُهُ
…
فَلا تَكْتَسِبْ بِالْمَالِ شَيْئًا سِوَى الذِّكْرِ
فَقَدْ مَاتَ أَهْلُ الدِّينِ وَالزُّهْدِ وَالتُّقَى
…
وَذِكْرُهُمْ غَضُّ جَدِيدُ إِلَى الْحَشْرِ
آخر:
…
إِنَّ التُّقَى أَحْلَى الْمَلابِسِ كُلِّهَا
…
يَكْسُوا الرِّجَالَ مَهَابَةً وَجَلالا
وَيَحِلُّ صَاحِبَهُ بِأَحْسَنِ مَنْزِلٍ
…
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالأَنَامُ ذُهَالا
آخر:
…
وَمَا اغْبِطُ الإِنْسَانِ إِلا أَخَا التُّقَى
…
وَمَنْ كَانَ أَتْقَى كَانَ بِالْمَجْدِ أَجْدَرَا
(فَصْلٌ)
وأخرج ابن أبي الدنيا عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يستحبون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند الموت حتى يحسن ظنه بربه.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن رجاء بن حيوة قال: ما أكثر عبد ذكر الموت إلا ترك الفرح والحسد.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال من أكثر ذكر الموت قل حسده وقل فرحه.
وعن الربيع بن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالموت مزهدًا في الدنيا ومرغبًا في الآخرة.
وعن عمر بن عبد العزيز قال: من قرب الموت من قلبه استكثر ما في يديه.
وعن الحسن قال: ما ألزم عبد قلبه ذكر الموت إلا صغرت الدنيا عنده وهان عليه جميع ما فيها وعن قتادة قال: كان يقال طوبى لمن ذكر ساعة الموت وقال حكيم كفى بذكر الموت للقلوب حياة للعمل.
وقال سميط: من جعل الموت نصب عينيه لم يبال بضيق الدنيا ولا بسعتها.
وعن كعب قال من عرف الموت هانت عليه مصائب الدنيا.
وأخرج ابن المبارك عن ابن عباس قال: إذا رأيتم بالرجل الموت فبشروه ليلقى ربه وهو حسن الظن بالله وإذا كان حيًا فخوفوه.
وعن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زر القبور تذكر بها الآخرة واغسل الموتى فإن في معالجة جسدٍ خاوٍ موعظة بليغة» .
وصل على الجنائز لعل ذلك يحزنك فإن الحزين في ظل الله يتعرض لكل خير
شِعْرًا:
…
إِذَا اللهُ لَمْ يُفَرِّجْ لَكَ الشَّكُ لَمْ تَزَلْ
…
جَنِيبًا كَمَا اسْتَتْلَى الْجَنِيبَة قَائِدُ
آخر:
…
وَمُجرر خَطِيَّة يَوْم الْوَغَى
…
مُنْسَابَة مِنْ خَلْفِهِ كَالأَرْقَمِ
تَتَضَاءَلُ الأَبْطَالُ سَاعَة ذِكْرِهِ
…
وَتَبِيتُ مِنْهُ فِي إِبَاءَةِ ضَيْغَمِ
شَرِس الْمُقَادَاةِ لا يَزَالُ رَبِيئةً
…
وَمَتَى يُحِسُّ بِنَارِ حَرْبٍ يَقدمِ
تَقَعُ الْفَرِيسَةُ مِنْهُ فِي فَوْهَاءِ إِنْ
…
يَطْرَحُ بِهَا صُمُّ الْحِجَارَةِ يَحْطُمِ
ضَمَانَ الدَّمِ لا يَقُومُ بِرَيِّهِ
…
إِلا الْمُرُوق فِي الْجُسُومِ مِنَ الدَّمِ
جَاءَتْهُ مِنْ قَبْلِ الْمَنُونِ إِشَارَةٌ
…
فَهَوَى صَرِيعًا لِلْيَدِيْنِ وَلِلْفَمِ
وَرَمَى بِمُحْكَمِ دِرْعَهُ وَبِرُمْحِهِ
…
وَامْتَدَّ مُلْقَىً كَالْبَعِيرِ الأَعْظَمِ
لا يُسْتَحَب لِصَارِخٍ إنْ يَدْعُهُ
…
أَبَدًا وَلا يُرْجَى لِخَطْبٍ مُعَظَّمِ
ذَهَبت بَسَالَتُهُ وَمَرَّ غَرَامُهُ
…
لَمَّا رَأَى خَيْلَ الْمَنِيَّةِ تَرْتَمِي
يَا وَيْحَهُ مِنْ فَارِسٍ مَا بَالَهُ
…
ذَهَبَتْ فُرُوسَتُهُ وَلَمَّا يكلمِ
هَذِي يَدَاهُ وَهَذِهِ أَعْضَاؤُهُ
…
مَا مِنْهُ مِنْ عُضْو غَدًا بِمِثْلمِ
هَيْهَاتَ مَا خَيْلُ الرَّدَى مُحْتَاجَةٌ
…
لِلْمُشِرفِي وَلا السِّنَان اللهذمِ
هِيَ وَيْحَكُمْ أَمْرُ الإِلَهِ وَحُكْمُهُ
…
وَاللهُ يَقْضِي بِالْقَضَاءِ الْمُحْكَمِ
يَا حَسْرَة لَوْ كَانَ يَقْدِرُ قَدْرُهَا
…
وَمُصِيبَةٌ عَظُمَتْ وَلَمَّا تَعْظُمِ
خَبَرُ عِلْمِنَا كُلّنَا بِمَكَانِهِ
…
وَكَأَنَّنَا فِي حَالِنَا لَمْ نَعْلَمِ
اللهم يا حي يا قيوم يا بديع السموات والأرض نسألك أن توفقنا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا وأحسن عاقبتنا وأكرم مثوانا واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فصل: أخرج ابن أبي الدنيا عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أكثروا ذكر الموت فإنه يمحص الذنوب ويزهد في الدنيا فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم» .
وأخرج أيضًا عن عطاءٍ الخرساني قال: مر رسول الله بمجلس قد استعلاه الضحك فقال: «شوبوا مجلسكم بمكدر اللذات» . قالوا: وما مكدر اللذات. قال: «الموت» .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن زيد السلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا آنس من أصحابه غفلة نادي فيهم بصوتٍ رفيع أتتكم المنية راتبه لازمة إما شقاوة وإما سعادة.
قال بعضهم: من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء تعجيل التوبة وقناعة القلب ونشاط العبادة.
ومن نسى الموت عوقب بثلاث أشياء تسويف التوبة وترك الرضا بالكفاف والتكاسل في العبادة.
أخرج أبو نعيم عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لي لا أحب الموت قال لك مال قال نعم.
قال قدمه فإن قلب المؤمن مع ماله إن قدمه أحب أن يلحق به.
وأخرج سعيد بن منصور عن أبي الدرداء قال موعظة بليغة وغفلة سريعة كفى بالموت واعظًا وكفى بالدهر مفرقًا اليوم في الدور وغدا في القبور.
وروى أن سعد بن أبي وقاص تمنى الموت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتمن الموت.
فإن كنت من أهل الجنة فالبقاء خير لك وإن كنت من أهل النار فما يعجلك إليها.
وعن أم الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليهم وعمه العباس يشتكي فتمنى الموت فقال له يا عم لا تتمنى الموت.
فإن كنت محسنًا فإن تؤخر وتزداد إحسانًا إلى إحسانك خير لك، وإن كنت مسيئًا، فإن تؤخر وتستعتب من إسائتك خير لك، فلا تتمنين الموت.
وأخرج أحمد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتمنين أحدكم الموت من قبل أن يأتيه ولا يدع به إلا أن يكون قد وثق بعمله.
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ألا أنبأكم بخياركم» قالوا بلى يا رسول الله قال «أطولكم أعمارًا في الإسلام إذا سددوا» .
وأخرج أحمد وابن زنجوية في ترغيبه عن أبي هريرة قال كان رجلان من حي قضاعة أسلما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد أحدهما وأخر الآخر سنة.
قال طلحة بن عبيد الله فرأيت الجنة ورأيت المؤخر منهما أدخل قبل الشهيد فعجبت من ذلك.
فأصبحت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال «أليس قد صام بعده رمضان وصلى ستة آلاف ركعة وكذا وكذا ركعة صلاة سنةٍ» .
وأخرج أحمد والبراز عن طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ليس أحد أفضل عند الله تعالى من مؤمن يعمر في الإسلام لتسبيحه وتكبيره وتهليله» .
وأخرج أبو نعيم عن سعيد بن جبير قال إن بقاء المسلم كل يوم غنيمة لأداء الفرائض والصلوات وما يرزقه الله من ذكره.
وأخرج بن أبي الدنيا عن إبراهيم بن أبي عبدة قال بلغني أن المؤمن إذا مات تمنى الرجعة إلى الدنيا ليس ذلك إلا ليكبر تكبيرة أو يهلل تهليلة أو يسبح تسبيحية.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسري بي فقال يا محمد أقرئ أمتك منى السلام.
وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» . رواه الترمذي وقال حديث حسن.
وعن سلمان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن في الجنة قيعان فأكثروا من غراسها» . قالوا: يا رسول الله وما غراسها؟ قال: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» .
واعلم رحمك الله أن مما يعينك على الفكرة في الموت ويفرغك له ويكثر اشتغال فكرك به تذكر من مضى من إخوانك وخلانك وأصحابك وأقرنك وزملائك وأساتذتك ومشايختك الذين مضوا قبلك وتقدموا أمامك.
شِعْرًا:
…
وَمُنْتَظِرٌ لِلْمَوْتِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ
…
يُشَيِّدُ وَيَبْنِي دَائِمًا وَيُحَصِّنُ
لَهُ حِينَ تَبْلَوُه حَقِيقَة مُوِقِنٌ
…
وَأَعْمَالُهُ أَعْمَال مَنْ لَيْسَ يُوقِنُ
عِيَان كَإِنْكَارِ وَكَالْجَهْلِ عِلْمُهُ
…
لَمَذْهَبِهِ فِي كُلِّ مَا يُتَيَقَّن
كَانُوا يَحْرِصُونَ حِرْصَكَ وَيَسْعَونَ سَعْيَكَ وَيَأْمَلُونَ أَمَلَكَ ويعملون في هذه الدنيا عملك وقصت المنون أعناقهم وقصمت ظهورهم وأصلابهم، وفجعت فيهم أهليهم وأحباءهم وأقرباءهم وجيرانهم فأصبحوا آية للمتوسمين وعبرة للمعتبرين.
ويتذكر أيضًا ما كانوا عليه من الاعتناء بالملابس ونضافتها ونضرة بشرتهم، وما كانوا يسحبونه من أردية الشباب وأنهم كانوا في نعيم يتقلبون، وعلى الأسرة يتكئون، وبما شاءوا من محابهم يتنعمون.
وفي أمانيهم يقومون ويقعدون، لا يفكرون بالزوال، ولا يهمون بانتقال، ولا يخطر الموت لهم على بال، قد خدعتهم الدنيا بزخرفها، وخلبتنم وخدعتنم برونقها، وحدثتهم بأحاديثها الكاذبة، ووعدتهم بمواعيدها المخلفة الغرارة.
فلم تزل تقرب لهم بعيدها، وترفع لهم مشيدها، وتلبسهم غضها وجديدها، حتى إذا تمكنت منهم علائقها، وتحكمت فيهم رواشقها، وتكشفت لهم حقائقها، ورمقتهم من المنية روامقها.
فوثبت عليهم وثبت الحنق وأغصتهم غصة الشرق، وقتلتهم قتلة المختنق، فكم عليهم من عيون باكيةٍ، ودموعٍ جاريةٍ، وخدودٍ داميةٍ، وقلوب من الفرح والسرور لفقدهم خالية. وانشدوا في هذا المعنى:
وَرَيَّانَ مِنْ مَاءِ الشَّبَابِ إِذَا مَشَى
يَمِيدُ عَلَى حُكْمِ الصِّبَا وَيَمِيدُ
تَعَلَّقَ مِنْ دُنْيَاهُ إِذْ عَرَضَتْ لَهُ
خَلُوبًا لأَلْبَابِ الرِّجَالَ تصيدُ
فَأَصْبَحَ مِنْهَا فِي حَصِيدٍ وَقَائِمٍ
وَلِلْمَرْءِ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدُ
خَلا بِالأَمَانِي وَاسْتَطَابَ حَدِيثَهَا
فَيَنْقُصُ مِنْ أَطْمَاعِهِ وَيَزِيدُ
وَأَدْنَتْ لَهُ الأَشْيَاءَ وَهِيَ بَعِيدَةُ
وَتَفْعَلُ تُدْنِي الشَّيْءِ وَهُوَ بَعِيدُ
أُتِيحَتْ لَهُ مِنْ جَانِبِ الْمَوْتِ رَمْيَةٌ
فَرَاحَ بِهَا الْمَغْرُورُ وَهُوَ حَصِيدُ
وَصَارَ هَشِيمًا بَعْدَمَا كَانَ يَانِعًا
وَعَادَ حَدِيثًا يَنْقَضِي وَيَبِيدُ
كَأَنْ لَمْ يَنَلْ يَوْمًا مِن الدَّهْرِ لَذَّةً
وَلا طَلَعَتْ فِيهِ عَلَيْهِ سُعُودُ
تَبَارَكَ مَنْ يُجْرِي عَلَى الْخَلْقِ حُكْمَهُ
فَلَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْهُ عَنْهُ مَحِيدُ
اللهم وفقنا لصالح الأعمال، ونجنا من جميع الأهوال، وأمنا من الفزع الأكبر يوم الرجف والزلزال، واغفر لنا ولوالدينا، ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
تنبيه
قال القرطبي: لتشديد الموت على الأنبياء فائدتان إحداهما تكميل فضائلهم ورفع درجاتهم وليس ذلك نقصًا ولا عذابًا بل هو كما جاء أن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.
والثانية أن تعرف الخلق مقدار ألم الموت وأنه باطن وقد يطلع الإنسان على بعض الموتى فلا يرى عليه حركة ولا قلقًا ويرى سهولة خروج روحه فيظن سهولة أمر الموت ولا يعرف ما الميت فيه.
فلما ذكر الأنبياء الصادقون في خبرهم شدة قال: ألمه مع كرامتهم على الله تعالى قطع الخلق بشدة الموت الذي يقاسيه الميت مطلقًا لإخبار الصادقين عنه ما خلا الشهيد في سبيل الله. انتهى.
أخرج الطبراني عن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشهيد لا يجد ألم القتل إلا كما يجد أحدكم ألم مس القرصة» . أخرج ابن أبي الدنيا في المرض والكفارات وابن منيع في مسنده من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «يا أبا هريرة ألا أخبرك بأمر حق من تكلم به في أول مضجعه من مرضه نجاه الله من النار» .
قلت: بلى. قال: «لا إله إلا الله يحيي ويميت وهو حي لا يموت وسبحان الله رب العباد والبلاد والحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه على كل حال والله أكبر كبيرًا كبرياؤه وجلاله وقدرته بكل مكان.
اللهم إن كنت أمرضتني لتقبض روحي في مرضي هذا فاجعل روحي في أرواح من سبقت لهم منك الحسنى وأعذني من النار كما أعذت أولئك الذين سبقت لهم منك الحسنى» .
فإن مت في مرضك ذلك فإلى رضوان الله والجنة، وإن كنت قد اقترفت ذنوبًا تاب الله عليك.
سَبِيلُ الْخَلْقِ كُلُّهُمَ الْفَنَاءُ
…
فَمَا أَحَدٌ يَدٌومُ لَهُ الْبَقَاءُ
يُقَرِّبُنَا الصَّبَاحُ إِلَى الْمَنَايَا
…
وَيُدْنِينَا إِلَيْهِنَّ الْمَسَاءُ
فَلا تَرْكَبْ هَوَاكَ وَكُنْ مُعِدًّا
…
فَلَيْسَ مَقْدَار لِكَ مَا تَشَاءُ
أَتَأْمَلُ أَنْ تَعِيشَ وَأَيُّ غُصْنٍ
…
عَلَى الأَيْامِ طَالَ لَهُ النَّمَاءُ
تَرَاهُ أَخْضَرَ الْعِيدَانِ غَضًّا
…
فَيُصْبِحُ وَهُوَ مُسْوَدٌ غثاءُ
وَجَدْنَا هَذِهِ الدُّنْيَا غَرُورًا
…
مَتَى مَا تَعِط يَرْتَجِعُ الْعَطَاءُ
فَلا تَرْكَنُ إِلَيْهَا مُطْمَئِنًا
…
فَلَيْسَ بِدَائِمٍ مِنْهَا الصَّفَاءُ
وَاللهُ أعلم. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(فَصْلٌ)
قال ابن الجوزي رحمه الله: إخواني إن الذنوب تغطي على القلوب فإذا أظلمت مرآة القلب لم يبن فيها وجه الهدى ومن علم ضرر الذنب استشعر الندم.
يل من أعماله إذا تؤملت سقط، كم أثبت له عمل قلما عدم الإخلاص سقط، يا حاضر الذهن في الدنيا فإذا جاء الدين خلط، يجعل همه في الحساب فإذا صلى اختلط.
يا ساكنا عن الصواب فإذا تكلم لغط، يا قريب الأجل وهو يجري من الزلل على نمط.
يا من لا يعظه وهن العظم ولا كلام الشمط، يا من لا يرعوي ولا ينتهي بل على منهاج الخطيئة فقط، ويحك بادر هذا الزمان فالصحة غنيمة والعافية لقط.
فكأنك بالموت قد سل سيفه عليك واخترط، أين العزيز في الدنيا أين الغني المغتبط، خيم بين القبور، وضرب فسطاطه في الوسط، وبات في اللحد كالأسير المرتبط.
واستبلت ذخائره ففرغ الصندوق والسفط، وتمزق الجلد المستحسن وتمعط الشعر فكأنه ما رجله وكأنه ما امتشط ورضي وراثه بما أصابوه وجعلوا نصبه السخط.
وفرقوا ما كان يجمعه بكف البخل والقنط ووقع في قفر لا ماء فيه ولا حنط وكم حدث أن سعد بن معاذٍ في القبر انضغط وكم حذر من المعاصي وأخبر أن آدم زل فهبط.
اللهم وفقنا لصالح الأعمال وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
آخر: موعظة لله در أقوام تركوا الدنيا فأصابوا، وسمعوا منادي الله فأجابوا، وحضروا مشاهد التقي فما غابوا، واعتذروا مع التحقيق ثم تابوا وأنابوا، وقصدوا باب مولاهم فما ردوا ولا خابوا.
قال عمرو بن ذر لما رأى العابدون الليل قد هجم عليهم، ونظروا إلى أهل الغفلة قد سكنوا إلى فرشهم ورجعوا إلى ملاذهم.
قاموا إلى الله سبحانه وتعالى فرحين مستبشرين بما قد وهب الله لهم من السهر وطول التهجد.
فاستقبلوا الليل بأبدانهم، وباشروا ظلمته بصفاح وجوههم، فانقضى عنهم الليل، وما انقضت لذتهم من التلاوة، ولا ملت أبدانهم من طول العبادة، فأصبح الفريقان وقد ولى الليل بربح وغبن.
فاعملوا في هذا الليل وسواده، فإن المغبون من غبن الدنيا والآخرة، كم من قائم لله تعالى في هذا الليل قد اغتبط بقيامه في ظلمته حفرته.
قال بعض العارفين ما أحب أن حسابي يوم القيامة يجعل إلى أبوي لأني أعلم وأتيقن أن الله جل وعلا أرحم بي منهم.
شِعْرًا:
…
أَفِقْ وَابْكِ حَانَتْ كَبْرَةٌ وَمَشِيبُ
…
أَمَا لِلتُّقَى وَالْحَقّ فِيكَ نَصِيبُ
أَيَا مَنْ لَهُ فِي بَاطِنِ الأَرْضِ مَنْزِلٌ
…
أَتَأْنَسُ بِالدُّنْيَا وَأَنْتَ غَرِيبُ
وَمَا الدَّهْرُ إِلا مَرَّ يَوْم وَلَيْلَةٍ
…
وَمَا الْمَوْت إِلا نَازِل وَقَرِيبُ
اللهم ثبت قلوبنا على دينك وألهمنا ذكرك وشكرك واختم لنا بخاتمة
السعادة واغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(فَصْلٌ)
أخرج الطبراني عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري مرفوعًا: «من قال عند موته لا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لا تطعمه النار» .
وأخرج الحاكم عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هل أدلكم على اسم الله الأعظم دعاء يونس (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) » .
فَأيما مسلم دعا بها في مرض موته أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد وإن برئ مغفورًا له.
وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» .
واخرج سعيد بن منصور في سنته والمروزى ومسلم وابن أبي شيبة عن أم الحسن قالت: كنت عند أم سلمة فجاءها إنسان فقال فلان بالموت.
فقالت انطلق فإذا رأيته احتضر فقل: سلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
وأخرج الترمذي والبيهقي من طريق ابن إسحاق عن ابن عمر رضي الله عنهما قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر سعد بن معاذ فاحتبس (أي تأخر في الخروج) فلما خرج قيل يا رسول الله ما حبسك قال ضم سعد في القبر ضمة فدعوت الله أن يكشف عنه.
وأخرج الحكيم الترمذي والبيهقي من طريق بن إسحاق حدثني أمية ابن عبد الله أنه سئل بعض أهل سعد ما بلغكم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في
هذا فقالوا ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال كان يقصر في بعض الطهور من البول.
وأخرج هناد بن السري في الزهد عن أبي مليكه قال ما أجير من ضغطة القبر أحد ولا سعد ابن معاذ الذي منديل من مناديله خير من الدنيا وما فيها.
وأخرج أيضا الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين دفن سعد بن معاذ: «إنه ضم في القبر ضمة حتى صار مثل الشعرة فدعوت الله أن يرفعه عنه بأنه كان لا يستبرئ من البول» الاستبراء (استفراغ بقية البول) .
وأخرج ابن سعد المقبري قال: لما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ قال: «لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا سعد ولقد ضم ضمة اختلف فيه أضلاعه من أثر البول» . قلت: ينبغي للإنسان أن يلاحظ نفسه من جهة الاستبراء من البول لما سمعت من خطره.
قال أبو القاسم السعدي في كتاب الروح لا ينجو من ضغطة القبر صالح ولا طالح غير أن الفرق بين المسلم والكافر دوام الضغطة للكافر.
وحصول هذه الحالة للمؤمن في أول نزوله إلى قبره ثم يعود إلى الأنفساح له فيه.
قال والمراد بضغطة القبر التقاء جانبيه على جسد الميت وقال الحكيم الترمذي سبب هذه الضغطة أنه ما من أحدٍ إلا وقد ألم بخطيئة وإن كان صالحًا فجعلت هذه الضغطة جزاءً له ثم تدركه الرحمة ولذلك ضغط سعد بن معاذٍ في التقصير من البول.
وقال السبكي في بحر الكلام المؤمن المطيع لا يكون له عذاب القبر ويكون ضغطة القبر.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن محمد التيمي قال كان يقال إن ضمة القبر
إنما أصلها أنها أمهم ومنها خلقوا فغابوا عنها الغيبة الطويلة.
فلما رد إليها أولادها ضمتهم ضم الوالدة غاب عنها ولدها ثن قدم عليها فمن كان لله مطيعًا ضمته برأفةٍ ورفق ومن كان عاصيًا ضمته بعنفٍ سخطًا عليه لربها.
وأخرج البيهقي وابن مندة والديلمي وابن النجار عن سعيد بن المسيب أن عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول الله إنك منذ يوم حدثتني بصوت منكر ونكير وضغطة القبر ليس ينفعني شيء.
قال «يا عائشة إن أصوات منكر ونكير في سماع المؤمنين كالإثمد في العين، وإن ضغطة القبر على المؤمن كالأم الشفيقة يشكو إليها ابنها الصداع فتغمز رأسه غمزًا رفيقًا.
ولكن يا عائشة ويل للشاكين في الله كيف يضغطون في قبورهم كضغطة الصخرة على البيضة» . والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
فوائد ومواعظ
قال بعضهم: من فعل سيئة فإن عقوبتها تدفع عنه بعشرة أسباب.
أحدها: أن يتوب فيتاب عليه.
ثانيًا: أن يستغفر فيغفر له.
ثالثًا: أن يعمل حسنات فتمحوها فإن الحسنات يذهبن السيئات.
رابعًا: أن يبتلى في الدنيا بمصائب فتكفر عنه.
خامسًا: الضغطة والفتنة فتكفر عنه.
سادسًا: دعاء إخوانه المسلمين واستغفارهم له.
سابعًا: أو يهدون له من ثواب أعمالهم ما ينفعه.
ثامنًا: أو يبتلى في عر صات القيامة بأهوال تكفر عنه.
تاسعًا: أو تدركه شفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم.
عاشرًا: أو رحمة ربه التي وسعت كل شيء.
موعظة: يخشى على أهل الملاهي والمنكرات والمجالسين لأصحابها من سوء الخاتمة.
أخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب وأبو نعيم عن مجاهد قال ما من ميت يموت إلا عرض عليه أهل مجلسه إن كان من أهل الذكر فمن أهل الذكر وإن كان من أهل اللهو فمن لأهل اللهو.
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق مجاهد عن يزيد بن عجرة وهو صحابي رضي الله عنه قال ما من ميتٍ يموت حتى يمثل له جلساؤه عند موته إن كانوا أهل لهو فأهل لهو وإن كانوا أهل ذكر فأهل ذكر.
وأخرج البيهقي في الشعب عن الربيع بن برة وكان عابدًا بالبصرة قال أدركت الناس بالشام وقيل لرجل قل: لا إله إلا الله قال: اشرب واسقني.
وقيل لرجل بالأهواز يا فلان قل لا إله إلا الله فجعل يقول ده يا زده.
وقيل لرجل ها هنا بالبصرة يا فلان قل لا إله إلا الله فجعل يقول:
يَا رُبَّ قَائِلَة يَوْمًا وَقَدْ تَعِبَتْ
…
أَيْنَ الطَّرِيق إِلَى حَمَّامِ منجَابِ
انتهى. أ. هـ.
والقائل رجل طلبت منه امرأة أن يدلها على حمام منجاب فدلها إلى منزله وذهب يأتي بشيء ونسي إغلاق بابه فخرجت وقد تعلق قلبه بها فجعل يدور في الأسواق ويردد هذا البيت فمر ببيتها فقالت من داخل بيتها وهو يسمع.
الرِّزْقُ إِذَا نَفَدَ لَهُ رُبٌّ يُخْلِفُهُ
…
وَالْعِرْضُ إِذَا نَفَدَ مِنْ أَيْنَ يَنْجَابُ
فَمَاتَ وهو يردد هذا البيت نسأل الله حسن الخاتمة وأن يكون ختام الصحيفة شهادة إن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وأن محمد عبده ورسوله.
شِعْرًا:
…
كَمْ آيَةٍ للهِ شَاهِدَةٌ
…
بِأَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ
أخرج ابن أبي الدنيا عن أبي محمد علي قال ما من ميتٍ يموت إلا مثل له عند موته أعماله الحسنة وأعماله السيئة فيشخص إلى حسناته ويطرق عن سيئاته. والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
فصل: أخرج ابن أبي شيبة والمروزى عن جابر بن يزيد قال: يستحب إذا حضر الميت (أي حضره الموت) أن يقرأ سورة الرعد فإن ذلك يخفف عن الميت وأنه أهون لقبضه وأيسر لشأنه.
وكان يقال قبل أن يموت الميت بساعة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لفلان بن فلان، ويرد عليه مضجعه، ووسع عليه قبره، وأعطه الراحة بعد الموت، وألحقه بنبيه.
وتول نفسه، وصعد روحه في أرواح الصالحين، واجمع بيننا وبينه في دار تبقى فيها الصحة ويذهب عنا فيها النصب واللغوب، ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكرر ذلك حتى يقبض.
وعن ابن أبي شيبة والمروزي عن الشعبي قال كانت الأنصار يقرؤن عند الميت سورة البقرة.
وأخرج أبو نعيم عن قتادة في قوله تعالى {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} قال مخرجا من شبهات الدنيا ومن الكرب عند الموت ومن مواقف يوم القيامة.
أخرج ابن أبي الدنيا عن وهب بن الورد قال بلغنا أنه ما من ميتٍ يموت حتى يتراءى له ملكاه اللذان كان يحفظان عليه عمله في الدنيا.
فإن كان صحبهما بطاعة الله قالا جزأك الله عنا من جليس خيرًا فرب مجلس صدق قد أجلستناه وعملٍ صالحٍ قد، أحضرتناه وكلام حسنٍ قد أسمعتناه فجزأك الله عنا من جليس خيرًا.
وإن كان صحبهما بغير ذلك مما ليس لله فيه رضاه قلبا عليه الثناء فقالا لا جزأك الله عنا من جليس خيرًا.
فرب مجلس سوءٍ قد أجلستناه، وعمل غير صالح قد أحضرتناه، وكلام قبيح قد أسمعتناه.
فلا جزأك الله عنا من جليس خيرًا قال فذلك شخوص بصر الميت إليهما ولا يرجع إلى الدنيا أبدًا.
وأخرج عن سفيان قال بلغني أن العبد المؤمن إذا أحتضر قال ملكاه اللذان كانا معه يحفظانه أيام حياته عند رنة أهله دعونا فلنثن على صاحبنا بما علمنا منه.
فيقولان رحمك الله وجزأك الله من صاحب خيرًا إن كنت لسريعًا إلى طاعة الله بطيئًا عن معصية الله وإن كنت لمن نأمن غيبك فنعرج فلا تشغلنا عن الذكر مع الملائكة.
وإذا أحتضر العبد السوء فرن أهله وضجوا قام الملكان فقالا دعونا فلنثن بما علمنا منه فيقولان جزأك الله من صاحب شرًا.
إن كنت بطيئًا عن طاعة الله، سريعًا إلى معصيته، وما كنا نأمن غيبك، ثم يعرجان إلى السماء.
وأخرج ابن جرير ولبن المنذر في تفسيرهما عم ابن جريج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة إذا عاين المؤمن الملائكة.
قالوا نرجعك إلى الدنيا فيقول إلى دار الهموم والأحزان قدمًا إلى الله (أي تقدموا بي تقدما إلى الله) .
وأما الكافر فيقولون له نرجعك إلى الدنيا فيقول {رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} .
وأخرج الإمام أحمد في الزهد عن الربيع بن خيثم في قوله تعالى {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} .
قال هذا له عند الموت وتخبأ له في الآخرة الجنة.
وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ.
قال هذا عند الموت وتخبأ له في الآخرة النار.
أخرج أحمد والبراز والحاكم وصححه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «كان ملك الموت يأتي الناس عيانًا فأتي موسى فلطمه ففقأ عينيه» .
فأتى ربه فقال يا رب عبدك موسى فقأ عيني ولولا كرامته عليك لشققت عليه. قال اذهب إلى عبدي فقل له فليضع يده على جلد ثور فله بكل شعرة وارت يده سنه.
فأتاه فقال ما بعد هذا قال الموت قال فالآن قال فشمه فقبض روحه ورد الله إليه عينيه، فكان يأتي الناس خفية.
أخرج ابن أبي الدنيا في القبور عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من ميتٍ يوضع على سريره فيخطى به ثلاث خطوات إلا تكلم بكلام يسمعه من شاء الله إلا الثقلين الإنس والجن.
يقول يا أخوتاه ويا حملة نعشاه لا تغرنكم الدنيا كما غرتني، ولا يلعبن بكم الزمان كما لعب بي.
خلفت ما تركت لورثتي، والديان يوم القيامة يخاصمني ويحاسبني، وأنتم تشيعوني وتدعوني (أي تتركوني) .
أخرج الترمذي وأبو النعيم وأبو يعلى وابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما من إنسان إلا له بابان في السماء، باب يصعد عمله فيه، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات العبد المؤمن بكيا عليه» .
وأخرج أبو النعيم عن عطاء الخرساني قال ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعةٍ من بقاع الأرض إلا شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي الدنيا عن محمد بن قيس قال بلغني أن
السموات والأرض يبكيان على المؤمن تقول السماء مازال يصعد إلى منه خير وتقول الأرض مازال يفعل علي خيرا.
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال إن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء ثم تلا {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ} .
شِعْرًا:
أَلا إِنَّ السِّبَاقَ سِبَاقَ زُهْدٍ
…
وَمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سِبَاقِ
وَيَفْنَى مَا خَوَاهُ الْمُلْكِ أَصْلاً
…
وَفِعْلَ الْخَيْرِ عِنْدَ اللهِ بَاقِ
سَتَأْلَفُكَ النَّدَامَةُ عَنْ قَرِيبٍ
…
وَتَشْهَقُ حَسْرَة يَوْم الْمَسَاقِ
أَتَدْرِي أَيُّ الْيَوْم فَكِّرْ
…
وَأَيْقَنَ أَنَّهُ يَوْم الْفُرَاقِ
فُرَاقٌ لَيْسَ يَشْبَهُهُ فُرَاقٌ
…
قَدِ انْقَطَعَ الرَّجَاءُ عَنِ التَّلافِي
شِعْرًا:
إِلَى كَمْ ذَا التَّرَاخِي وَالتَّمَادِي
…
وَحَادِي الْمَوْتِ بِالأَرْوَاحِ حَادي
فَلَوْ كُنَّا جَمَادًا لاتَّعَظْنَا
…
وَلَكِنَّا أَشَدُّ مِنَ الْجَمَادِ
تُنَادِينَا الْمَنِيَّةُ كُلَّ وَقْتٍ
…
وَمَا نُصْغِي إِلَى قَوْلِ الْمُنَادِي
وَأَنْفَاس النُّفُوسِ إِلَى انْتِقَاصٍ
…
وَلَكِنِ الذُّنُوب إِلَى ازْدِيَادِ
إِذَا مَا الزَّرْعُ قَارَنَهُ اصْفِرَارُ
…
فَلَيْسَ دَوَاؤُهُ غَيْرَ الْحَصَادِ
كَأَنَّكَ بِالْمَشِيبِ وَقَدْ تَبَدَّى
…
وَالأُخْرَى مُنَادِيهِ يُنَادِي
وَقَالُوا قَدْ مَضَى فَاقْروا عَلَيْهِ
…
سَلامُكُمُوا إِلَى يَوْمِ التَّنَادِي
آخر:
أَبَدًا تَفَهُّمُنَا الْخُطُوبُ كُرُورَهَا
…
وَنَعُودُ فِي عَمَهٍ كَمَنْ لا يَفْهَمُ
تَلْقَى مَسَامِعْنَا الْعِظَاتِ كَأَنَّمَا
…
فِي الظِّلِ يَرْقَم وَعْظِهِ مَنْ يَرْقَمُ
وَصَحَائِفُ الأَيَّامِ نَحْنُ سُطُورُهَا
…
يَقْرَأُ الأَخِيرُ وَيُدْرَجُ الْمُتَقَدِّمُ
لَحْدٌ عَلَى لَحْدٍ يُهَال ضَرِيحُهُ
…
وَبِأَعْظُمٍ رَمَمٌ عَلَيْهَا أَعْظُمُ
مَنْ ذَا تَوَفَّاهُ الْمَنُونُ وَقَبْلَنَا
…
عَادٌ أَطَاحَهُمْ الْحَمَامُ وَجَرَّهُمُ
وَالتَُّبَعَانِ تَلاحَقَا وَمُحَرِّقٌ
…
وَالْمُنْذِرَانِ وَمَالِكٌ وَمُتَمِّمُ
آخر:
…
مَا حَالَ مَنْ سَكَنَ الثَّرَى مَا حَالَهُ
…
أَمْسَى وَقَدْ قَطَعَتْ هُنَاكَ حِبَالَهُ
أَمْسَى وَلا رُوحُ الْحَيَاةِ يُصِيبُهُ
…
يَوْمًا وَلا لُطْف الْحَبِيبِ يَنَالُهُ
أَمْسَى وَحِيدًا مُوحِشًا مُتَفَرِّدًا
…
مُتَشَتِّتًا بَعْدَ الْجَمِيعِ عِيَالُهُ
أَمْسَى وَقَدْ دَرَسَتْ مَحَاسِنُ وَجْهُهُ
…
وَتَفَرَّقَتْ فِي قَبْرِهِ أَوْصَالُهُ
وَاسْتَبْدَلَتْ مِنْهُ الْمَجَالِسُ غَيْرَهُ
…
وَتَقَسَّمَتْ مِنْ بَعْدَهُ أَمْوَالُهُ
اللهم يا من لا تضره المعصية ولا تنفعه الطاعة أيقظنا من نوم الغفلة ونبهنا لاغتنام أوقات المهلة ووفقنًا لمصالحنًا واعصمنًا من قبائحنًا وذنوبنًا ولا تؤاخذنًا بما انطوت عليه ضمائرنًا واكنته سرائرنًا من أنواع القبائح والمعائب التي تعلمها واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه.
(فَصْلٌ)
أخرج أبو نعيم وابن منده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين فإن الميت يتأذى بجار السوء كما يتأذى الحي بجار السوء» .
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذ مات لأحدكم الميت فأحسنوا
كفنه وعجلوا بانجاز وصيته وأعمقوا له في قبره وجنبوه الجار السوء» .
قيل: يا رسول الله وهل ينفع الجار الصالح في الآخرة؟ قال: «هل ينفع في الدنيا» . قال نعم. قال: «كذلك ينفع في الآخرة» .
أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فجلس إلى قبرٍٍٍٍٍٍٍٍ.
فقال: ما يأتي على هذا القبر من يومٍ إلا وهو ينادي بصوت طلق ذلق.
يا ابن آدم كيف نسيتني ألم تعلم أني بيت الوحدة، وبيت الغربة، وبيت الوحشة، وبيت الدود، وبيت الضيق إلا من وسعني الله عليه.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار» .
وأخرج ابن أبي الدنيا والحكيم والترمذي وأبو يعلي والحاكم في الكني والطبراني في الكبير وأبو نعيم عن أبي الحجاج الثمالي. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول القبر للميت حين يوضع فيه ألم تعلم ويحك أني بيت الفتنة، وبيت الظلمة، وبيت الوحدة، وبيت الدود، يا ابن آدم ما غرك بي إذ كنت تمر علي فدادًا.
فإن كان مصلحًا أجاب عنه مجيب القبر فيقول: أرأيت إن كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيقول القبر إذا أتحول عليه خضرًا ويعود جسده نورًا وتصعد روحه إلى الله تعالى» .
أخرج البزار عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إذا بلغت الجنازة القبر فجلس الناس فلا تجلس ولكن قم على شفير القبر فإذا دلي في قبره فقل:
بسم الله وعلى ملة رسول الله اللهم هذا عبدك نزل بك وأنت خير منزول به خلف الدنيا خلف ظهره فاجعل ما قدم عليه خيرًا مما خلف فإنك قلت {وَمَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ} .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن خيثمة قال: كانوا يستحبون إذا دفنوا الميت أن يقولوا بسم الله وعلى ملة رسول الله اللهم أجره من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن شر الشيطان الرجيم.
وأخرج ابن ماجه والبيهقي في سننه عن ابن المسيب قال: حضرت بن عمر رضي الله عنهما في جنازة إبنة له فلما وضعها في اللحد قال: بسم الله وفي سبيل الله فلما أخذ في تسوية اللحد قال اللهم أجرها من الشيطان ومن عذاب القبر فلما سوي الكثيب عليها قام جانب القبر ثم قال: اللهم جاف الأرض عن جنبيها وصعد روحها ولقها منك رضوانا ثم قال سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد أنه كان يقول بسم الله وفي سبيل الله اللهم افسح في قبره ونور له فيه وألحقه بنبيه.
وأخرج الطبراني عن عبد الرحمن بن العلاء بن الجلاح قال: قال أبي يا بني إذا وضعتني في لحدي فقل بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم سن على التراب سنًا ثم أقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا مات أحدكم فلا تحسبوه وأسرعوا به إلى قبره.
وليقرأ عند رأسه فاتحة الكتاب لفظ البيهقي فاتحة البقرة وعند رجليه بخاتمة سورة البقرة في قبره.
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على القبر بعد ما يسوى عليه فيقول:
اللهم نزل بك صاحبنا وخلف الدنيا خلف ظهره اللهم ثبت عند المسألة منطقة ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به.
أخرج ابن ماجه عن البراء كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فجلس على شفير قبره فبكى وأبكى حتى بل الثرى ثم قال «يا أخوتي لمثل هذا فأعدوا.
اللهم نجنا برجمتك من النار وعافنًا من دار الخزي والبوار وادخلنا بفضلك الجنة دار القرار وعاملنا بكرمك وجودك يا كريم يا غفار واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(فَصْلٌ)
أخرج الديلمي والخطيب وأبو نعيم وابن عبد البر في التمهيد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قال في كل يوم مائة مرة لا إله إلا الله الملك الحق المبين كان له أمانًا من الفقر وأنسًا في وحشة القبر وفتحت له أبواب الجنة» .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال من قرأ سورة الملك كل ليلة عصم من فتنة القبر ومن واظب على قول الله تعالى {إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} سهل الله عليه سؤال منكر ونكير.
وأخرج أبو الفضل في عيون الأخبار بسنده عن عمر مرفوعًا «من نور في مساجد الله نور الله له في قبره، ومن أراح فيه رائحًة طيبًة أدخل الله عليه في قبره من روح الجنة.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن ميمونة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا ميمونة تعوذي بالله من عذاب القبر، وإن من أشد عذاب القبر الغيبة والبول» .
شِعْرًا:
…
أَمِنْ بَعْدِ مَثْوَى الْمَرْءِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ
…
إِلَى ضَيْقِ مَثْوَاهُ مِنَ الأَرْضِ يُسْلَمُ
وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَ الضِّيقِ وَالضِّيق فُرْجَةُ
…
إِلَى ذَاكَ إِنَّ اللهَ بِالْعَبْدِ أَرْحَمُ
شِعْرًا:
قَدْ رَجَّلُونِي وَمَا بِالشَّعْرِ مِنْ شَعَثٍ
…
وَأَلْبَسُونِي ثِيَابًا غَيْرَ أَخْلاقِ
وَرَفَّعُونِي وَقَالُوا أَيُّمَا رَجُلٍ
…
وَأَدْرَجُونِي كَأَنِّي طَيُّ مِخْرَاقِ
وَأَرْسَلُوا فِتْيَةً مِنْ خَيْرِهِمْ حَسَبًا
…
لِيُسْنِدُوا فِي ضَرِيحِ الْقَبْرِ أَطْبَاقِي
وَقَسَّمُوا الْمَالَ وَارْفَضَّتْ عَوَائِدَهُمْ
…
وَقَالَ قَائِلُهُمْ مَاتَ ابْنُ حَذَّاقِ
هَوِّنْ عَلَيْكَ وَلا تُولَعْ بِإِشْفَاقِ
…
فَإِنَّمَا مَالُنَا لِلْوَارِثِ الْبَاقِي
آخر:
…
وَكَيْفَ أَشِيدُ فِي يَوْمِي بِنَاءً
…
وَأَعْلَمُ أَنَّ فِي غَدٍ عَنْهُ ارْتِحَالِي
فَلا تَنْصِبْ خِيَامَكَ فِي مَحَلٍّ
…
فَإِنَّ الْقَاطِنِينَ عَلَى احْتِمَالِ
آخر:
…
أَخِي مَا بَالُ قَلْبُكَ لَيْسَ يَنْقَى
…
كَأَنَّكَ لا تَظُنُّ الْمَوْتَ حَقَّا
أَلا يَا ابْنَ الَّذِينَ فَنَوْا وَبَادُوا
…
أَمَا وَاللهِ مَا ذَهَبُوا لِتَبْقَى
وَمَا لِلنَّفْس عِنْدَكَ مِنْ مُقَامٍ
…
إِذَا مَا اسْتَكْمَلَتْ أَجَلاً وَرِزْقَا
وَمَا أَحَدٌ بِزَادِكَ مِنْكَ أَحْظَى
…
وَلا أَحَدٌ بِذَنْبِكَ مِنْكَ أَشْقَى
وَلا لَكَ غَيْرَ تَقْوَى اللهِ زَادٌ
…
إِذَا جَعَلَتْ إِلَى اللَّهَوَاتِ تَرْقَى
آخر:
…
أَتَغْفُلُ يَا ابْنَ أَحْمَدَ وَالْمَنَايَا
…
شَوَارِع يَخْتَر مِنْكَ عَنْ قَرِيبِ
أَغَرَّكَ أَنْ تَخَطَتْكَ الرَّزَايَا
…
فَكَمْ لِلْمَوْتِ مِنْ سَهْمٍ مُصِيبِ
كُؤوسُ الْمَوْتِ دَائِرَاتٌ عَلَيْنَا
…
وَمَا لِلْمَرْءِ بُدٌّ مِن نَّصِيبِ
إِلَى كَمْ تَجْعَل التَّسْوِيفَ دَأْبًا
…
أَمَا يَكْفِيكَ أَنْوَارُ الْمَشِيبِ
أَمَا يَكْفِيكَ أَنَّكَ كُلَّ حِينٍ
…
تَمُرُّ بِقَبْرِ خِلٍّ أَوْ حَبِيبِ
كَأَنَّكَ قَدْ لَحِقْتَ بِهِمْ قَرِيبًا
…
وَلا يُغْنِيكَ أَفْرَاحُ النَّحِيبِ
آخر:
إِذَا كَمَلتْ لِلْمَرْءِ سِتُّونَ حَجَّةً
…
فَلَمْ يُحْضَ مِنْ سِتِّينَ إِلا بِسُدْسِهَا
أَلَمْ تَرَ أَنَّ النِّصْفَ بِالنَّوْمِ حَاصِلٌ
…
وَتَذْهَبُ أَوْقَاتُ الْمَقِيلِ بِخُمْسِهَا
وَتَأْخُذُ أَوْقَاتُ الْهُمُومِ بِحِصَّةٍ
…
وَأَوْقَاتِ أَمْرَاضِ تُمِيتُ بِمَيِّتِهَا
فَحَاصِلُ مَا يَبْقَى لَهُ سُدْسُ عُمْرِهِ
…
إِذَا صَدَقَتْهُ النَّفْسُ عَنْ عِلْمِ حَدْسِهَا
آخر:
اسْعَدْ بِمَالِكَ فِي الْحَيَاةِ فَإِنَّمَا
…
يَبْقَى وَرَاءَكَ مُصْلِحٌ أَوْ مُفْسِدُ
فَإِذَا تَرَكْتَ لِمُفْسِدٍ لَمْ يُبْقِهِ
…
وَأَخُو الصَّلاحِ قَلِيلُهُ يَتَزَيَّدُ
فَإِنْ اسْتَطَعْتَ فَكُنْ لِنَفْسِكَ وَارِثًا
…
إِنَّ الْمُوَرِّثَ نَفْسَهُ لِمُسَدَّدُ
آخر:
…
كُلُّ مَالٍ لِلْبِرِّ مِنْ أَيْدِي بَاذِلِيه
…
فَهُوَ لِلْوَارِثِ وَالْوِزْرُ عَلَى مُكْسِبِيهِ
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن عذاب القبر من ثلاثة من الغيبة، والنميمة، والبول، فإياكم وذلك» .
وأخرج عن قتادة قال عذاب القبر ثلاثة أثلاث ثلث من الغيبة وثلث من النميمة وثلث من البول.
أخرج الطبراني وأبو يعلى والبيهقي وفي الشعب والاصبهاني في الترغيب عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة عند الموت، ولا في قبورهم، ولا في نشورهم» .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أخبرني جبريل أن لا إله إلا الله أنس للمسلم عند موته، وفي قبره، وحين يخرج من قبره» .
وقال ابن رجب في كتاب أهل القبور قد يكرم الله بعض أهل البرزخ
بأعمالٍ صالحة في البرزخ وإن لم يحصل له بذلك ثواب لانقطاع عمله بالموت.
لكنه يبقى عمله عليه، ليتنعم بذكر الله وطاعته كما تنعم بذلك الملائكة، وأهل الجنة بالجنة وإن لم يكن على ذلك ثواب.
لأن نفس الذكر والطاعة أعظم نعيم عند أهلها من جميع نعيم أهل الدنيا ولذتها فما تنعم المتنعمون بمثل طاعة الله وذكره.
وقال ابن رجب وحدثني المحدث أبو الحجاج يوسف بن محمد السريري وكان رجلاً صالحًا وأراني موضعًا من قبور سامرا فقال هذا الموضع لا نزال نسمع منه سورة «تَبَارَكَ الْمُلْكُ» .
وروى الحافظ أبو بكر الخطيب بسنده عن عيسى بن محمد الظوماري قال: رأيت أبا بكر بن مجاهد المقري في النوم كأنه يقرأ وكأني أقول له أنت ميت وتقرأ.
فكأنه يقول لي كنت أدعو الله في دبر كل صلاة وعند ختم القرآن أن يجعلني ممن يقرأ في قبره فأنا أقرأ في قبري.
وأخرج النسائي والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نمت فرأيتني في الجنة» .
ولفظ النسائي دخلت الجنة فسمعت صوت قارئ يقرأ فقلت من هذا قال حارثة بن النعمان فقال رسول الله: «كذاك البر، كذاك البر، كذاك البر، وكان أبر الناس بأمه» .
واخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أراني في الجنة فبينما أنا فيها سمعت صوت رجل بالقرآن فقلت من هذا قالوا حارثة بن النعمان» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذاك البر، كذاك البر، كذاك البر» .
شِعْرًا:
يَحُولُ عَنْ قَرِيبٍ مِنْ قُصُور
…
مُزَخْرَفَةٍ إِلَى بَيْتِ التُّرَابِ
فَيُسْلَمَ فِيهِ مَهْجُورًا فَرِيدًا
…
أَحَاطَ بِهِ شَحُوبُ الاغْتِرَابِ
وَهَوْلُ الْحَشْرِ أَفْظَعُ كُلِّ أَمْرٍ
…
إِذَا دُعِيَ ابْنُ آدمَ لِلْحِسَابِ
وَأَلْفَى كُلَّ صَالِحَةٍ أَتَاهَا
…
وَسَيِّئَةٍ جَنَاهَا فِي الْكِتَابِ
لَقَدْ آنَ التَّزَوُّدُ إِنْ عَقَلْنَا
…
وَأَخْذُ الْحَظِّ مِنْ بَاقِي الشَّبَابِ
اللهم اجعلنا من المتقين الأبرار وأسكنا معهم في دار القرار، اللهم وفقنا بحسن الإقبال عليك والإصغاء إليك ووفقنا للتعاون في طاعاتك والمبادرة إلى خدمتك وحسن الآداب
في معاملتك والتسليم لأمرك والرضا بقضائك والصبر على بلائك والشكر لنعمائك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله أجمعين.
(فَصْلٌ)
اعلم وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه أن مداواة مرض القلب واجبة وهي تأتي من وجوهٍ كثيرةٍ جدا نشير إلى بعضها.
أحدها وهي من أنفعها العزلة المصحوبة بالاشتغال بالعلوم النافعة.
فبالعزلة يتقيد الظاهر عن مخالطة من لا تصلح مخالطته ومن لا يأمن دخول الآفات عليه بصحبته.
فيتخلص من المعاصي التي يتعرض لها بالمخالطة مثل الغيبة والمداهنة والتملق والرياء والتصنع.
ويحصل له بذلك السلامة من مسارقة الطباع الرديئة والأخلاق الدنيئة.
ويحصل بذلك أيضا صيانة دينه ونفسه عن التعرض للخصومات وأنواع الشرور والفتن.
فإن النفس تولعًا وتسرعًا إلى الخوض في مثل هذا.
فينبغي للإنسان أن يكف لسانه عن السؤال عن أخبار الناس وما هم
مشغولون فيه وما هم منهمكون فيه ومنكبون عليه من القيل والقال مما لا فائدة فيه وضرره يزيد وربما أنه ضرر خالص.
وقال آخر وإذا هممت بالباطل وما لا فائدة فيه فاجعل مكانه تسبيحًا وتهليلاً.
وينبغي أن يصون سمعه عن الإصغاء إلى أراجيف البلدان وما شملت عليه من الأحوال التي تضر ولا تنفع.
وليحرص على أن لا يأتيه من شأنه التطلع والبحث عن شؤونه وأحواله كأصحاب المقابلات والمولعين بأكل لحوم الغوافل.
وليجتنب صحبة من لا يتورع في منطقه ولا يضبط لسانه عن الاسترسال في دقائق الغيبة والتعرض بالطعن على الناس والقدح فيهم.
فإن ذلك مما يكدر صفاء القلب ويؤدي إلى ارتكاب مساخط الرب.
فليهجره وليفر منه من الأسد ولا يجتمع معه في مكان البتة.
وفي الخبر «مثل الجليس السوء كمثل الكير إن لم يحرقك بشرره علق بك من ريحه» .
وفي الأخبار السالفة أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام «يا ابن عمران كن يقظانًا وارتد لنفسك ‘خوانًا وكل أخٍ أو صاحب لا يؤازرك على مبرتي فهو لك عدو» .
وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام فقال له «يا داود مالي أرك منتبذًا وحدانيًا» فقال إلهي قليت الخلق من أجلك.
قال الشاعر:
فَخِفْ أَبْنَاءَ جِنْسِكَ وَاخْشَ مِنْهُمْ
…
كَمَا تَخْشَى الضَّرَاغِمَ وَالسَّبنْتَا
وَخَلاطُهُمْ وَزَايِلْهُمْ حِذَارًا
…
وَكُنْ كَالسَّامِرِيِّ إِذَا لُمِسَْتَا
وروي عن عيسى عليه السلام «لا تجالسوا الموتى فتموت قلوبكم» قيل من الموتى قال «المحبون للدنيا الراغبون فيها وبالابتعاد عن الناس إلا لضرورة أو حاجة ماسة ينكف بصر الإنسان عن النظر إلى زينة الدنيا وزهرتها وزخرفها» .
وينصرف خاطره عن الاستحسان على ما ذمه الله منها فتمتنع بذلك النفس عن التطلع إلى الدنيا والاستشراف لها ومنافسة أهلها فيها.
قال جل وعلا وتقدس {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا} الآية. والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(فَصْلٌ)
قال بعض العلماء: من علامات إتباع الهوى المسارعة إلى نوافل الخيرات والتكاسل عن القيام بالواجبات وهذه حال كثير من الناس.
فترى الواحد منهم يهتم للنوافل ويكثر منها والفروض ما يهتم لها تجده يصوم مثلاً البيض والاثنين والخميس ولا تجده لسانه عن القذف والغيبة والكذب.
ولا يفتش على نفسه بدقةٍ فتجد عنده عقوق والدين أو قطيعة رحم أو أكل من مشتبه أو يعامل في الربا أو في شركات تتعامل مع البنوك في الربا أو يبيع ويشتري في المحرمات كآلات الملاهي وتصليحها.
ومن ناحية الزكاة تجده يخرجها إلى من يتقاضى منه خدمًه أو يدفعها إلى من تجب عليه نفقته أو لمن يهدي إليها أو يتسامح معه في المعاملة أو نحو ذلك.
ومن قبل الصلاة التي هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين وهي التي إذا صلحت وأديت تماما صلح سائر الأعمال فلا تجده يعتني بها.
ويحرص على تحضير قلبه لها وطرد الأفكار التي تخل بأدائها ولا يعني بمعرف معني ما يتلو.
المهم أنه مع ذلك لا تجده مستدركا لما فرط فيه ولا لما أهمله وما ذاك إلا أنهم لم يشتغلوا بالتفتيش والتفقد لأنفسهم التي خدعتهم ولم يحلفوا بمجاهدة أهوائهم التي استرقتهم وملكتهم.
ولو اشتغلوا في تصليح ذلك لكان لهم فيه أعظم شغلٍ ولم يجدوا فسحًة واسعًة لشيء من النوافل.
قال بعض العلماء من كانت النوافل والفضائل أهم إليه من أداء الفرائض فهو مخدوع.
وقال آخر: هلاك الناس في اثنين اشتغال بنافلة وتضييع فريضة.
وعمل بالجوارح بلا مواطاة القلب وإنما حرموا الوصول بتضييع الأصول.
وقال آخر: «انقطع الخلق عن الله بخصلتين إحداهما أنهم طلبوا النوافل وضيعوا الفرائض» .
وقال آخر: أفضل شيء للعبد معرفته بنفسه ووقوفه على حده وإحكامه لحالته التي أقيم فيها وابتداؤه بالعمل بما افترض الله عليه واجتنابه لما نهى الله عنه بعلم يرشده في جميع ذلك.
وقال آخر: أنعم الله عليك فيما أمرك به من الطاعات المؤقتة بالأوقات بنعمتين عظيمتين.
إحداهما تقيدها لك بأعيان الأوقات لتوقعها فيها فتفوز بثوابها ولولا التوقيت لسوفت بها ولم تعمل بها حتى تفوت فيفوتك ثوابها.
والنعمة الثانية توسيع أوقاتها عليك ليبقى لك نصيب من الاختيار حتى تأتى الطاعات في حال سكون وتمهل من غير حرج ولا ضيق.
اللهم ثبت وقو محبتك في قلوبنا واشرح صدورنا ونورها بنور الإيمان واجعلنا هداة معتدين وألهمنا ذكرك وشكرك واجعلنا ممن يفوز بالنظر إلى
وجهك في جنات النعيم يا حليم ويا كريم واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(فَصْلٌ)
واعلم أن الله جل وعلا وتقدس غني عن خلقه لا تنفعه طاعتهم ولا تضره معصيتهم وأن التكاليف كلها إنما أوجبها عليهم لما يرجع إليهم من مصالحهم لا غير.
فمن وفقه الله ونور بصيرته وشرح صدره وكتب في قلبه الإيمان وبغض إليه العصيان لم يقتصر على الفرائض واجتناب النواهي.
بل يضيف إلى ذلك المبادرة إلى أعمال الطاعات والمسارعة إلى نوافل العبادات وفعل الخيرات.
وقال: واعلم رحمك الله أنا تلمحنا الواجبات فرأينا الحق جل وعلا جعل في كل ما أوجبه تطوعًا من جنسه في أي الأنواع كان.
ليكون ذلك التطوع من الجنس جابرًا لما عسى أن يقع من خلل في قيام العبد بالواجبات.
وكذلك جاء في الحديث «أنه ينظر في مفروض صلاة العبد فإن نقص منها شيء كمل من النوافل» .
فافهم رحمك الله هذا واجتهد ولا تكن مقتصرًا على ما فرض الله عليك بل لتكن عزيمة وناهضة قوية توجب اجتهادك وإكبابك على معاملة الله فيما يجب وفيما يسن.
ففي الحديث ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه (الحديث) .
ولو كان العباد لا يجدون في موازينهم إلا فعل الواجبات وثواب ترك المحرمات لفاتهم من الخير والمنة ما لا يحصره حاصر ولا يحرزه حارز.
فسبحان من فتح لعباده باب المعاملة وهيء لهم أسباب المواصلة
فالموفقون أهل الفهم والمعرفة جعلوا الأوقات كلها وقتًا واحدًا والعمر كله نهجًا إلى الله تعالى قاصدًا.
وعلموا أن الوقت كله لله فلم يجعلوا منه شيئًا لغيره.
جعلوا أوقاتهم في طاعة الله فعلاً ونية. وقال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} .
علموا أن الأنفاس أمانات عندهم وودائع لديهم.
وعلموا أنهم مطالبون برعايتها فوجهوا همهم لحفظها وأدائها.
قال بعضهم إحالتك الأعمال إلى وجود الفراغ حمق وجهل ووجه ذلك: أولاً أنه إيثار للدنيا على الآخرة، وليس هذا من شأن عقلاء المؤمنين وهو خلاف ما طلب منك قال الله جلا ولعلا وتقدس {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} .
والثاني أن تسويف العمل إلى آوان الفراغ غلط لأنه قد لا يجد مهلة بأن يختطفه الموت قبل ذلك.
أو يزداد شغله لأن أشغال الدنيا يتداعى بعضها إلى بعضه كما قيل:
فَمَا قَضَى أَحَدٌ مِنْهَا لُبَانَتَهُ
…
وَلا انْتَهَى أربٌ إِلا إِلَى أَرَب
والثالث أنه ربما يفرغ منها إلى الذي لا يرضيه من تبدل عزمه وضعف نيته.
المهم أن الواجب عليه المبادرة إلى الأعمال الصالحة على أي حالٍ كان.
شِعْرًا:
مَنْ كَانَ يُوحِشَهُ تَبْدِيلُ مَنْزِلِهِ
…
وَأَنْ تَبَدَّلَ مِنْهَا مَنْزِلاً حَسَنَا
مَاذَا يَقُولُ إِذَا ضَمَّتْ جَوَانِبِهَا
…
عَلَيْهِ وَاجْتَمَعَتْ مِنْ هَا هُنَا وَهُنَا
مَاذَا يَقُولُ إِذَا أَمْسَى بِحُفْرَته
…
فَرْدًا وَقَدْ فَارَقَ الأَهْلِينَ وَالسَّكَنَا
هُنَاكَ يَعْلَمُ قَدْرَ الْوَحْشَتَيْنِ وَمَا
…
يَلْقَاهُ مَنْ بَاتَ بِاللَّذَاتِ مُرْتَهَنَا
يَا غَفْلَةً وَرِمَاحُ الْمَوْتِ شَارِعَةٌ
…
وَالشَّيْبُ أَلْقَى بِرَأْسِي نَحْوَهُ الرَّسَنَا
وَلَمْ أَعِدُّ مَكَانًا لِلنُّزُولِ وَلا
…
أَعْدَدْتُ زَادًا وَلَكِنْ غِرَّةً وَمُنَا
إِنْ لَمْ يَجُدْ مَنْ تَوَالَى جُودُهُ أَبَدَا
…
وَيَعْفُ مَنْ عَفْوُهُ مِنْ طَالِبِيهِ دَنَا
فَيَا إِلَهِي وَمُزْنُ الْجُودِ وَاكِفَةٌ
…
سَحًّا فَتُمْطِرُنَا الإِفْضَالَ وَالْمِنَنَا
آنِسْ هُنَالِكَ يَا رَحْمَنُ وِحْشَتَنَا
…
وَأَلْطُفْ بِنَا وَتَرَفَّقْ عِنْدَ ذَاكَ بِنَا
نَحْنُ الْعُصَاةَ وَأَنْتَ اللهَ مَلْجَؤُنَا
…
وَأَنْتَ مَقْصَدُنَا الأَسْنَى وَمَطْلَبُنَا
فَكُنْ لَنَا عِنْدَ بَأْسِهَا وَشِدَّتِهَا
…
أَوْلَى فَمْنَ ذَا الَّذِي فِيهَا يَكُونُ لَنَا
فائدة: قال بعض العلماء أصل كل معصية وشهوة الرضا عن النفس لأنه أصل جميع الصفات المذمومة وعدم الرضا عن النفس أصل الصفات المحمودة وذلك لأن الرضا عن النفس يوجب تغطية عيوبها ومساويها وقبائحها فيصير قبيحها حسنا كما قيل:
وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ
…
كَمَا أَنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي الْمَسَاوِيَا
آخر:
…
وَنَفْسُكَ أَكْرِمْ عَنْ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ
…
فَمَا لَكَ نَفْسُ بَعْدَ مَا تَسْعِيرُهَا
وَلا تَقْربِ الأَمْرَ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ
…
حَلاوَتُهُ تَفْنَى وَيَبْقَى مَرِيرُهَا
آخر:
…
تَوَّقْ نَفْسَكَ لا تَأْمَنْ غَوَائِلهَا
…
فَالنَّفْس أَخْبَثْ مِنْ سَبْعِينَ شَيْطَانًا
وعدم الرضا عن النفس على العكس من هذا لأن العبد إذ ذاك يتهم نفسه ويتطلب عيوبها ولا يغتر بما يظهر من الطاعة والانقياد
شِعْرًا:
…
أَلا أَيًّهَا السَّؤُومُ تَنَبَّهِي
…
وَأَلْقِي إِلَيَّ السَّمِعَ إِلْقَاءَ جَازِمَهْ
ضَلال لأَذْهَان وَظَنّ مُكَذبٌ
…
رَجَاؤُكَ أَنْ تَبْقَى عَلَى الدَّهْرَ سَالِمَهْ
وَقَدْ غَصَّ بِالْكَأْسِ الْكَرِيهة أَحْمَدٌ
…
وَمَاتَ فَمَاتَ الْحَقُ إِلا مَعَالِمَهْ
آخر:
…
إِذَا مَا أَجَبْتَ النَّفْسَ فِي كُلِّ دَعْوَةٍ
…
دَعَتّكَ إِلَى الأَمْرِ الْقَبِيحِِ الْمُحَرَّمِ
اللهم اجعلنا من حزبك المفلحين وعبادك الصالحين الذين أهلتهم لخدمتك وجعلتهم ممن قبلت أعماله يا رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
(فَصْلٌ)
اعلم وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه أن من رضي عن نفسه استحسن حالها وسكن إليها ومن استحسن حال نفسه وسكن إليها استولت عليه الغفلة.
وبالغفلة ينصرف قلبه عن التفقد والمراعاة لخواطره فتثور حينئذٍ دواعي الشهوة على العبد.
وليس عنده من المراقبة والملاحظة والتذكير ما يدفعها به ويقهرها.
فتصير الشهوة غالبة له بسبب ذلك ومن غلبته شهوته وقع في المعاصي.
وأصل ذلك كله رضاه عن نفسه ومن لم يرض عن نفسه لم يستحسن حالها ولم يسكن إليها.
ومن كان بهذا الوصف كان متيقظًا منتبهًا للطوارئ وبالتيقظ والنبيه يتمكن من تفقد خواطره ومراعاتها.
وعند ذلك تخمد نيران الشهوة فلا يكون لها غلبة ولا قوة فيضعف العبد حينئذ بصفة العفة.
فإذا صار عفيفًا كان مجتنبًا لكل ما نهاه الله عنه محافظًا على جميع ما أمره به هذا هو معنى الطاعة لله عز وجل وأصل هذا كله عدم الرضا عن نفسه.
فإذا يجب على الإنسان أن يعرف نفسه ويلزم من ذلك عدم الرضا عنها وبقدر تحقق العبد في معرفة نفسه يصلح له حاله ويعلوا مقامه.
وكان العلماء المخلصون يذمون نفوسهم ويتهمونها ولا يرضون عنها.
قال بعضهم من لم يهتم نفسه على دوام الأوقات ولم يخالفها ولم يجرها إلى مكروها فهو مغرور ومن نظر إليها باستحسان شيء منها فقد أهلكها.
وكيف يرضى عنها عاقل وهي الأمارة بالسوء وقال بعض العلماء لا تسكن إلى نفسك وإن دامت طاعتها لك في طاعة الله.
وقال آخر: ما رضيت عن نفسي طرفة عين.
وقال آخر: إن من الناس ناس لو مات نصف أحدهم ما أنزجر النصف الآخر ولا أحسبني إلا منهم.
وقال آخر: فائدة الصحبة إنما هي للزيادة في الحال وعدم النقصان فيها فإياك وصحبة من لا ينهضك حاله ولا يدلك على الله مقاله.
فصحبة من يرضى عن نفسه وإن كان عالمًا شر محض ولا فائدة فيها لأن علمه في الغالب غير نافع له.
وجهله الذي أوجب رضاه عن نفسه صار غاية الضرر لأنه فاته العلم الذي يريه عيبه حتى لا يرضى عن نفسه الأمارة بالسوء.
وقال ابن القيم رحمه الله لما ذكر النفس الامارة بالسوء قال منها أن يعرف أنها جاهلة ظالمة وأن الجهل والظلم يصدر عنهما كل قولٍ وعملٍ قبيح.
ومن وصفه الجهل والظلم لا مطمع في استقامته واعتداله البتة فيوجب له ذلك بذل الجهد في العلم النافع الذي يخرجها به عن وصف الجهل والعمل الصالح الذي يخرجها به عن وصف الظلم ومع هذا فجهلها أكثر من علمها وظلمها أعظم من عدلها.
فحقيق بمن هذا شأنه أن يرغب إلى خالقها وفاطرها أن يقيه شرها وأن يؤتيها تقواها ويزكيها فهو خير من زكاها وأن لا يكله إليها طرفة عين فإنه إن
وكله إليها هلك فما هلك من هلك إلا حيث وكل إلى نفسه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحصين بن المنذر «قل اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي» وفي خطبة الحاجة «ونعوذ بالله من شرور أنفسنا» وقد قال تعالى {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وقال {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} .
فمن عرف حقيقة نفسه وما طبعت عليه علم أنها منبع كل شر ومأوى كل سوء وأن كل خير فيها ففضل من الله من به عليها لم يكن منها كما قال تعالى {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً} .
وقال تعالى {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} فهذا الحب وهذه الكراهة لم يكونا في النفس ولا بها.
ولكن هو الذي من بهما بسببهما من الراشدين {فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} عليم بمن يصلح لهذا الفضل ويزكوا عليه وبه ويثمر عنده حكيم فلا يضعه عند غير أهله انتهى بتصرف يسير.
فعلى العاقل اللبيب محاسبة نفسه دائمًا والمحاسبة هي مطالعة القلب وأعمال اللسان وأعمال الجوارح.
فأجعل ذنوبك نصب عينيك فإن غفلت عنها اجتمعت بسرعةٍ وكثرت.
وتأمل وفكر فلو أنك وضعت في كل معصيةٍ تحدثها حجرًا في دارك لامتلأ بيتك في مدة يسيرةٍ.
فمثلاً عندك غيبة أو عندك كذب أو عندك رياء أو عندك عقوق أو قطيعة رحم أو ظلم لمسلم أو لنفسك أو لأهلك أو لأولادك أو الجيران أو تعامل معاملة لا تجوز.
أو عندك كفار خدام أو سواقين أو عندك ملاهي كالتلفاز والفيديو أو عنك صور أو تشرب الدخان أو حلق لحية أو إسبال أو تشبه بكفار أو سفر لبلادهم.
أو لك أولاد يدرسون عندهم برضا منك أو أكلك وشربك ولبسك من شركاتٍ تتعامل بالربا أو أن عملك لا تؤديه كاملاً مكملاً وتأخذ ما عليه كاملاً.
أو لا تتنسخ من الزكاة أو نحو ذلك مما لا يحصره العد.
فتيقظ وحاسب نفسك وفتش عليها بدقةٍ وأسأل الله الحي القيوم أن يتجاوز عنك.
فَإِنْ تَنْجَ مِنْهَا تَنْجُ مِنْ ذِي عَظِيمَةٍ
…
وَإِلا فَإِنِّي لا إِخَالُكَ نَاجِيا
قال تبارك وتعالى {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ} قيل إن هذه الآية أعظم آية في المؤاخذة.
ولما نزلت بكى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال ابن عباس يرحم أبا عبد الرحمن وإن الله تبارك وتعالى يقول {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا} .
وقال ابن القيم رحمه الله: فمن له بصيرة بنفسه وبصيرة بحقوق الله وهو صادق في طلبه لم يبق له نظره في سيئاته حسنًة البتة فلا يلقى الله إلا بالإفلاس المحض والفقر الصرف.
لأنه إذا فتش عن عيوب نفسه وعيوب عمله علم أنها لا تصلح لله وأن تلك البضاعة لا تشترى بها النجاة من عذاب الله فضلاً عن الفوز بعظيم ثوابه.
فإن خلص له عمل وحال مع الله وصفًا له معه وقت شاهد منة الله عليه ومجرد فضله وأنه ليس من نفسه ولا هي أهل لذاك.
فهو دائمًا مشاهد لمنة الله عليه ولعيوب نفسه وعمله لأنه متى تطلبها رآها وهذا من أجل أنواع المعارف وأنفعها للعبد.
ولذلك كان سيد الاستغفار: «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» .
فتضمن هذا الاستغفار الاعتراف من العبد بربوبية الله وإلهيته وتوحيده والاعتراف بأنه خالقه العالم به إذ أنشأه نشأةً تستلزم عجزه عن أداء حقه وتقصيره فيه والاعتراف بأنه عبده الذي ناصيته بيده وفي قبضته لا مهرب له منه ولا ولي له سواه.
ثم التزم الدخول تحت عهده وهو أمره ونهيه الذي عهده إليه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وإن ذلك بحسب استطاعتي لا بحسب أداء حقك فإنه غير مقدور للبشر إنما جهد المقل وقدر الطاقة.
ومع هذا فأنا مصدق بوعدك ثم انزع إلى الاستعاذة والاعتصام بك من شر ما فرطت فيه من أمرك ونهيك فإنك إن لم تعذني من شره وإلا أحاطت بي الهلكة فإن إضاعة حقك سبب الهلاك وأنا أقر لك والتزم وأبخع بذنبي.
فمنك المنة والإحسان والفضل ومني الذنب والإساءة فأسألك أن تغفر لي بمحو ذنبي وأن تعفيني من شره إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فلهذا كان هذا الدعاء سيد الاستغفار.
وهو متضمن لمحض العبودية فأي حسنة تبقى للبصير الصادق مع مشاهدته عيوب نفسه وعمله ومنة الله عليه فهذا هو الذي يعطيه نظره إلى نفسه ونقصه. أ. هـ.
قال بعض الزهاد: لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك لشريكه والشريكان يتحاسبان بعد العمل.
شِعْرًا:
…
النَّاسُ كُلُّهمُ لِلْعِيدِ قَدْ فَرِحُوا
…
وَقَدْ فَرِحْتُ أَنَا بِالْوَاحِدِ الصَّمَدِ
النَّاسُ كُلُّهُمْ لِلْعِيدِ قَدْ صَبَغُوا
…
وَقَدْ صَبَغْتُ ثِيَابَ الذُّلِّ وَالْكَمَدِ
النَّاسُ كُلُّهُمُ لِلْعِيدِ قَدْ غَسَلُوا
…
وَقَدْ غَسَلْتُ أَنَا الدَّمْعِ لِلْكَبَدِ
وقال الحسن: المؤمن قوام على نفسه يحاسبها لله تعالى وإنما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا وإنما شق الحساب على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة.
وفي الحديث أبي طلحة أنه لما شغله الطين في صلاته فتدبر شغله فجعل حائطه صدقة لله تعالى ندمًا ورجاءً لعوض مما فاته وتأديبًا لنفسه.
المهم أن يعلم العبد أن أعدى عدو له نفسه التي بين جنبيه وقد خلقت أمارة بالسوء أمارة بالشر فرارة من الخير.
والإنسان مأمور بتزكيتها وتقويمها وقودها بسلاسل العبر إلى عبادة ربها وخالقها ومنعها عن لذتها وشهواتها المهلكة.
فإن أهملها شردت وجمحت ولم يظفر بها ذلك وإن لازمها بالتوبيخ والتقريع والمعاتبة والعذل والملامة ولم عن تذكيرها وعتابها اعتدلت بإذن الله تعالى.
وَالنَّفْسُ كَالطِّفْلِ إِنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى
…
حُبِّ الرِّضَاعِ وَإِنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ
وَرَاعِهَا وَهِيَ فِي الأَعْمَالِ سَائِمَةً
…
وَإِنْ هِيَ اسْتَحْلَتِ الْمَرْعَى فَلا تُسِمِ
كَمْ حَسَّنَتْ لَذَّةً لِلْمَرْءِ قَاتِلَةً
…
مِنْ حَيْثُ لَمْ يَدْرِي أَنَّ السُّمِ فِي الدَّسَمِ
فالعاقل اللبيب من يوبخ نفسه ويعاتبها ويوضح لها عيوبها كلها ويقرر عندها جهلها وحماقتها فإنها إذا أراد الله تعذر وترعوي وترجع.
فيقول لها: ما أعظم جهلك تدعين الحكمة والفطنة وأنت من أجهل الناس وأحمقهم.
وأكبر برهان على ذلك إهمالك واستهانتك أما تعرفين ما بين يديك من الأهوال والعظائم والمزعجات والمخاوف.
أما تقرئين وتسمعين قول القائلين وأوفى الواعدين وأقدر القادرين: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً * يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً} .
.. يَوْم الْقِيَامَةِ لَوْ عَلِمْتَ بِهَوْلِهِ
…
لَفَرَرْتَ مِنْ أَهْلٍ وَمِنْ أَوْطَانٍ
يَوْمَ تَشَقَّقَتِ السَّمَاءُ لِهَوْلِهِ
…
وَتَشِيبُ مِنْهُ مَفَارِق الْوِلْدَانِ
وقوله تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} . الآية.
وقوله عز من قائل: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً} . الآية وقوله جل وعلا: {مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} .
وقوله تبارك وتعالى: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} .
وقوله جل وعلا: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} .
ونحو هذه الآيات المخوفة ثم يقول لنفسه: فمالك تفرحين وتضحكين وتشتغلين باللهو وأنت مطلوبة لهذا الأمر العظيم والخطب الجسيم وبين يديك إحدى منزلتين الجنة أو النار فكيف يهنؤك نوم أو يلذ لك مأكول أو مشروب وأنت لا تدرين في أي الفرقين تكونين {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}
وَكَيْفَ تَنَامُ الْعَيْنُ وَهِيَ قَرِيرَةٌ
…
وَلَمْ تَدْرِ فِي أَيِّ الْمَكَانَيْنِ تَنْزِلُ
وقل لها: أما تعلمن أن كل ما هو آت قريب وأن العيد ما ليس آت.
أما تعلمين أن الموت يأتي بغتة من غير تقديم رسول ومن غير مواعدة وأنه لا يأتي في الشتاء دون صيف ولا في صيف دون شتاء ولا في نهار دون ليل ولا في ليل دون نهار ولا يأتي في الصبا دون الكبر ولا في الكبر دون الصبا.
بل كل نفس يمكن أن يأتيها الموت بغتة فإن لم يأت الموت بغتة جاءه المرض لا محالة ثم المرض يفضي إلى الموت.
فمالك يا نفس لا تستعدين والموت أقرب إليك من حبل الوريد.
فهكذا معاملة الزهاد والعباد في توبيخ أنفسهم وعتابها فإن مطلبهم من المناجاة الاسترضاء ومقصودهم من المعاتبة التنبيه والاسترعاء.
فمن أهمل معاتبة نفسه وتوبيخها وأهمل مناجاتها لم يكن لنفسه مراعيًا فنسأل الله العظيم الحي القيوم معرفة حقيقة بأحوال أنفسنا وغرورها.
وختامًا فالعاقل من بذل وسعه في التفكير التام وعلم أن دار الدنيا رحلة فجمع للسفر رحلة.
فمبدأ السفر من ظهور الآباء إلى بطون الأمهات ثم إلى الدنيا ثم إلى القبر ثم الحشر ثم إلى دار الإقامة الأبدية.
هَوِّنْ عَلَيْكَ فَمَا الدُّنْيَا بِدَائِمَةٍ
…
وَإِنَّمَا أَنْتَ مِثْلَ النَّاسِ مَغْرُورُ
وَلَوْ تَصَوَّرَ أَهْلُ الدَّهْرِ صُورَتَهُ
…
لَمْ يُمْسِ مِنْهُمْ لَبِيب وَهُوَ مَسْرُورُ
فدار الإقامة للمؤمن هي دار السلام من جميع الآفات وهي دار الخلود والعدو سبانا منها إلى دار الدنيا.
فالواجب علينا الاجتهاد في فكاك أسرنا ثم في حث السير إلى الوصول إلى دارنا الأولى وفي مثل هذا قيل:
فَحَيَّ عَلَى عَدْنٍ فَإِنَّهَا
…
مَنَازِلُكَ الأُولَى وَفِيهَا الْمُخَيَّمُ
وَلَكِنَّنَا سَبْيُ الْعَدُوِّ فَهَلْ تَرَى
…
نُرَدُّ إِلَى أَوْطَانِنَا وَنُسَلَّمُ
آخر:
…
تَرَكْتُ هَوَى لَيْلَى وَسُعْدَى بِمَعْزِل
…
وَعُدْتُ إِلَى تَصْحِيحِ أَوْلَ مَنْزِلِ
وَنَادَتْ بِي الأَشْوَاقُ مَهْلاً فَهَذِهِ
…
مَنَازِلُ مَنْ تَهْوَى رُوَيْدَكِ فَانْزِلِ
ثم اعلم أن مقدار السير في الدنيا ويقطع بالأنفاس كما قيل:
وَمَا نَفْسُ إِلا يُبَاعد مَوْلِدًا
…
وَيُدْنِي الْمَنَايَا لِلنُّفُوسِ فَتَقْرَبُ
ويسير الإنسان في هذه الدنيا سير السفينة لا يحس بسيرها وهو جالس فيها كما قيل:
وَإِنَّا لِفِي الدُّنْيَا كَرَكْبِ سَفِينَةٍ
…
تَظُنُّ وَقُوفًا وَالزَّمَانُ بِهَا يَجْرِي
ويقول آخر:
نَسِيرُ إِلَى الآجَالِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ
…
وَأَيَّامُنَا تُطْوَى وَهُنَّ مَرَاحِلُ
آخر:
…
وَكُلُّ امْرِئٍ يَوْمًا سَيَرْكَبُ كَارِهًا
…
عَلَى النَّعْشِ أَعْنَاقَ الْعِدَا وَالأَقَارِبَ