الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن أروع الأمثال لذلك ما رواه البخاري في صحيحه "آخى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن الربيع، فقال سعد: قد علمت الأنصار أني من أكثرها مالاً، فأقسم مالي بيني وبينك نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، فقال عبد الرحمن: بارك اللَّه لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن، ثم تابع الغدوة ثم جاء يوماً وبه أثر صُفرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((مَهْيَم؟)) (1)، قال: تزوجت امرأة من الأنصار، فقال:((ما سقت فيها؟)) قال: وزن نواة من ذهب، أو نواة من ذهب، فقال:((أولِم ولو بشاة)) (2).
4 - التربية الحكيمة:
وقد كان صلى الله عليه وسلم يتعهدهم بالتعليم والتربية وتزكية النفوس، والحث على مكارم الأخلاق، ويؤدبهم بآداب الود والإخاء والمجد والشرف والعبادة والطاعة (3).
(1) مهيم: كلمة استفهام، أي: ما حالك، وما شأنك؟ انظر: القاموس المحيط، باب الميم، فصل الميم، ص1499.
(2)
البخاري مع الفتح، كتاب مناقب الأنصار، باب إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، 7/ 112 حديث رقم 3780، 3781، واللفظ من الموضعين، وانظر: باب كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، في الكتاب السابق نفسه.
(3)
انظر: الرحيق المختوم، ص179، 181، 208، والتاريخ الإسلامي، لمحمود شاكر، 2/ 165.
فقد كان يقول صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)) (1).
ويقول: ((لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه)) (2)، ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) (3).
ويقول: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) (4).
ويقول: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً))، وشبك بين أصابعه (5).
ويقول: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد اللَّه إخواناً، المسلم أخو
(1) أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة، باب حدثنا محمد بن بشار، 4/ 652 (رقم 2485)، وقال: هذا حديث صحيح، وابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب إطعام الطعام، 2/ 1083، (رقم 3251)، والدارمي، 1/ 156، وأحمد، 1/ 165، 2/ 391، وانظر: صحيح الترمذي، 2/ 303.
(2)
مسلم، في كتاب الإيمان، باب تحريم إيذاء الجار، 1/ 68 (رقم 46).
(3)
البخاري مع الفتح، في كتاب الإيمان، باب أي الإسلام أفضل، 1/ 54 (رقم 11)، ومسلم كتاب الإيمان، باب بيان تفاضل الإسلام وأي الأمور أفضل، 1/ 65 (رقم 41)، واللفظ له.
(4)
البخاري مع الفتح، كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، 1/ 56 (رقم 13)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، 1/ 67 (رقم 45).
(5)
البخاري مع الفتح، كتاب الصلاة باب تشبيك الأصابع في المسجد، 1/ 565 (رقم 481)، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، 4/ 1999، (رقم 2585).
المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا)) - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله وعرضه)) (1).
وقال: ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) (2).
وقال: ((تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك باللَّه شيئاً إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظِروا هذين حتى يصطلحا، انظِروا هذين حتى يصطلحا، انظِروا هذين حتى يصطلحا)) (3).
وقال: ((تعرض الأعمال في كل يوم خميس وإثنين فيغفر اللَّه عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئٍ لا يُشرك باللَّه شيئاً إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اركوا (4) هذين حتى يصطلحا، اركوا هذين حتى يصطلحا)) (5).
(1) مسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره وتحريم دمه وعرضه وماله، 4/ 1986 (رقم 2564).
(2)
البخاري مع الفتح، كتاب الأدب، باب الهجر، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث بلا عذر شرعي، 4/ 1986، (رقم 2560).
(3)
أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة، باب النهي عن الشحناء والتهاجر، 4/ 1987، (رقم 2565).
(4)
اركوا هذين: أي أخروا، يقال: ركاه، يركوه ركوا، إذا أخره، انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 16/ 122.
(5)
أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن الشحناء والتهاجر، 4/ 1988، (رقم 2565/ 36).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) قيل: يا رسول اللَّه، هذا نصرته مظلوماً، فكيف أنصره إذا كان ظالماً؟ قال:((تحجزه أو تمنعه من الظلم فذلك نصره)) (1).
وقال: ((حق المسلم على المسلم ست))، قيل: ما هن يا رسول اللَّه؟ قال: ((إذا لقيته فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد اللَّه فشمِّته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتبعه)) (2).
وعن البراء بن عازب قال: أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: ((أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام، ونصر المظلوم، وإبرار المقسم، ونهانا عن خواتيم الذهب، وعن الشرب في الفضة)) - أو قال: ((في آنية الفضة - وعن المياثر (3)، والقسي (4)، وعن لبس الحرير،
(1) أخرجه مسلم في كتاب البر، باب انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، 4/ 1998، (رقم 2584)، بمعناه، وأخرجه أحمد بلفظه، 3/ 99، والبخاري مع الفتح في كتاب المظالم، باب أعن أخاك ظالماً أو مظلوماً، 5/ 98، (رقم 2443، 2444)، وكتاب الإكراه، باب يمين الرجل لصاحبه، 12/ 223، (رقم 6952).
(2)
البخاري مع الفتح بنحوه في كتاب الجنائز، باب الأمر باتباع الجنائز، 3/ 112، (رقم 1240)، ومسلم في كتاب السلام، باب من حق المسلم على المسلم رد السلام، 4/ 1705).
(3)
المياثر: سروج من الديباج أو الحرير. الفتح، 10/ 293.
(4)
ثياب مضلعة بالحرير: أي فيها خطوط منه. الفتح، 10/ 293.
والديباج (1)، والإستبرق)) (2).
وقال: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أَوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم)) (3).
وسئل صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ فقال: ((تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)) (4).
ويقول: ((مَثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) (5).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من لا يرحَم لا يُرحم)) (6).
وقال: ((من لا يرحم الناس لا يرحمه اللَّه عز وجل)) (7).
(1) الديباج والإستبرق: صنفان من الحرير. انظر: فتح الباري، 10/ 307.
(2)
البخاري مع الفتح، في كتاب الجنائز، باب الأمر باتباع الجنائز، 3/ 112 (رقم 1239)، 5/ 99، 9/ 240، 10/ 96، وانظر مواضع الحديث في البخاري مع فتح الباري، 3/ 112.
(3)
مسلم، في كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، 1/ 74، (رقم 54).
(4)
البخاري مع الفتح في كتاب الإيمان، باب إطعام الطعام من الإسلام، 1/ 55، (رقم 12)، ومسلم في الإيمان باب بيان تفاضل الإسلام، 1/ 65، (رقم 39).
(5)
البخاري مع الفتح، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، 10/ 438، (رقم 6011)، ومسلم في كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم، 4/ 2000، (رقم 2586).
(6)
البخاري مع الفتح، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، 10/ 438، (رقم 6013)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك، 4/ 1809، (رقم 2319).
(7)
مسلم، في كتاب الفضائل، الباب السابق، 4/ 1809.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((سُباب المسلم فسوقٌ، وقتاله كفر)) (1).
وسواء وصلت هذه النصوص للأنصار من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، أو سمعوا بها من بعض المهاجرين الذين سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة، فكل ذلك تربية منه صلى الله عليه وسلم لأصحابه جميعاً، ولمن بلغته هذه النصوص إلى يوم الدين.
وغير ذلك من النصوص التي ربّى بها محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه فقد كان يحثهم على الإنفاق، ويذكر من فضائله ما يشوق النفوس والقلوب، وكان يحث على الاستعفاف عن المسألة، ويذكر لهم فضل الصبر والقناعة، وكان يرغبهم في العبادات بما فيها من الفضائل والأجر والثواب، وكان يربطهم بالوحي النازل من السماء ربطاً موثقاً يقرؤه عليهم ويقرؤونه؛ لتكون هذه الدراسة إشعاراً بما عليهم من حقوق الدعوة، فضلاً عن ضرورة الفهم والتدبر.
وهكذا رفع صلى الله عليه وسلم معنوياتهم، ودربهم على أعلى القيم والمثل حتى صاروا صورة لأعلى قمة من الكمال الإنساني.
بمثل هذا استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يبني مجتمعاً مسلماً أروع وأشرف مجتمع عرفه التاريخ، وأن يضع لمشكلات هذا المجتمع
(1) البخاري مع الفتح، كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر 1/ 110، (رقم 48)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم:((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر))، (رقم 64).