الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - موقفه الحكيم في دعوته لأهل الطائف:
عندما وصل إلى الطائف عمد إلى رؤسائها فجلس إليهم، ودعاهم إلى الإسلام، فردوا عليه رداً قبيحاً، وأقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين أهل
الطائف عشرة أيام، لا يدع أحداً من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فقالوا: اخرج من بلادنا، وأغروا به سفهاءهم وصبيانهم، فلما أراد الخروج تبعه هؤلاء السفهاء واجتمعوا عليه صَفَّين يرمونه بالحجارة، وبكلمات من السفه، ورجموا عراقيبه حتى اختضب نعلاه بالدماء، وكان زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه، ورجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الطائف إلى مكة محزوناً، كسير القلب، وفي طريقه إلى مكة أرسل اللَّه إليه جبريل ومعه ملك الجبال يستأمره أن يطبق الأخشبَيْن على أهل مكة، وهما جبلاها اللذان هي بينهما (1).
2 - حكمته العظيمة في جوابه لملك الجبال:
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا رسول اللَّه هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد؟ فقال: ((لقد لقيت من قومك [ما لقيت]، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن
عبد ياليل بن عبد كلال (2)، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا
(1) انظر: زاد المعاد، 3/ 31، والرحيق المختوم، ص122، وهذا الحبيب يا محبّ، ص132، والبداية والنهاية، 3/ 135.
(2)
ابن عبد ياليل بن كلال من أكابر أهل الطائف من ثقيف. الفتح، 6/ 315.
مهموم على وجهي، فلم أسْتَفِق إلا بقرن الثعالب (1)، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني: فقال:
إن اللَّه عز وجل قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال وسلم عليّ، ثم قال: يا محمد! إن اللَّه قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فما شئت (2)؟ إن شئت أن أُطْبِق عليهم الأخشبين)). فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:((بل أرجو أن يخرج اللَّه من أصلابهم من يعبد اللَّه وحده لا يشرك به شيئاً)) (3).
وفي هذا الجواب الذي أدلى به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تتجلى شخصيته الفذة، وما كان عليه من الخُلق العظيم الذي أمده اللَّه به.
وفي ذلك بيان شفقته على قومه، ومزيد صبره وحلمه، وهذا موافق لقوله تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ} (4)، وقوله
(1) وهو ميقات أهل نجد، ويقال له: قرن المنازل، ويعرف الآن بالسيل الكبير. انظر: الفتح،
6/ 115.
(2)
استفهام، أي: فأمرني بما شئت. انظر: فتح الباري، 6/ 316.
(3)
البخاري مع الفتح في كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه، 6/ 312، (رقم 3231)، ومسلم بلفظه في كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين، 3/ 1420، (رقم 1795). وما بين المعقوفين من البخاري دون مسلم.
(4)
سورة آل عمران، الآية:159.