الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلم يعاقبه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على هذا الجرم العظيم، وتخذيل المسلمين.
(ج) صده الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدعوة إلى اللَّه تعالى:
ركب النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة، فمر بعدو اللَّه عبد اللَّه بن أٌبيّ وحوله رجال من قومه، فنزل صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس قليلاً، فتلا القرآن، ودعا إلى اللَّه عز وجل، وذكَّر باللَّه، وحذر وبشر وأنذر، وعندما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من مقالته، قال له عبد اللَّه بن أٌبيّ: يا هذا، إنه لا أحسن من حديثك هذا، إن كان حقاً فاجلس في بيتك فمن جاءك فحدثه إياه، ومن لم يأتك فلا تغته (1)، ولا تأته في مجلسه بما يكره منه (2)، فلم يؤاخذه النبي صلى الله عليه وسلم وعفا عنه وصفح.
(د) تثبيته بني النضير:
عندما نقض يهود بني النضير العهد بِهَمِّهِم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم، بعث إليهم محمد بن مسلمة يأمرهم بالخروج من جواره وبلده، فبعث إليهم أهل النفاق - وعلى رأسهم عبد اللَّه بن أُبيّ - أن اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم، إن قُوتلتم قاتلنا معكم، وإن أُخرجتم خرجنا معكم، فقويت عزيمة اليهود، ونابذوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بنقض العهد، فخرج إليهم حتى نزل بهم وحاصرهم، فقذف اللَّه في قلوبهم الرعب،
(1) أي: لا تكثر عليه به وتتردد به عليه، أو لا تعذبه به. انظر: القاموس المحيط، باب التاء، فصل الغين، ص200، والمعجم الوسيط، مادة (غت)، 2/ 644.
(2)
انظر: سيرة ابن هشام، 2/ 218، 219.
وأجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم وخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام (1).
وترك النبي صلى الله عليه وسلم عبد اللَّه بن أُبيّ فلم يعاقبه على ذلك.
(هـ) كيده وغدره للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين في غزوة المريسيع:
في هذه الغزوة قام عبد اللَّه بن أُبيّ بعدة مواقف مخزية توجب قتله وعقابه منها:
1 -
دبر المنافقون في هذه الغزوة قصة الإفك، وتولى كبره عبد اللَّه بن أُبيّ بن سلول (2).
وفي هذه الغزوة قال عبد اللَّه بن أُبيّ: {لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} (3).
وفي هذه الغزوة قال عدو اللَّه: {لا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ
(1) انظر: سيرة ابن هشام، 3/ 192، والبداية والنهاية، 4/ 75، وزاد المعاد، 3/ 127.
(2)
انظر قصة الإفك في البخاري مع الفتح، كتاب المغازي، باب حديث الإفك، 7/ 431، (رقم 4141)، وكتاب التفسير، سورة النور، باب {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} 8/ 452، (رقم 4750)، ومسلم، كتاب التوبة، باب حديث الإفك، 4/ 2129، وزاد المعاد، 3/ 256 - 268.
(3)
سورة المنافقون، الآية:8.
2 -
وانظر: البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، سورة المنافقون، باب {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} ، 8/ 648، 652، (رقم 4905)، وفي كتاب المناقب، باب ما ينهى عنه من دعوى الجاهلية، 6/ 546، (رقم 3518)، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، 4/ 1998، (رقم 2584/ 63)، وانظر: سيرة ابن هشام، 3/ 334.
اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا} (1).
وقد ظهرت الحكمة المحمدية، وتجلت السياسة الرشيدة في إخماد النبي صلى الله عليه وسلم نار الفتنة، وقطع دابر الشر - بفضل اللَّه ثم بصبره - على عبد اللَّه بن أُبيّ، وتحمله له، والإحسان إليه، ومقابلة هذه المواقف المخزية من هذا الزعيم المنافق بالعفو؛ لأن هذا الرجل له أعوان، ويخشى من شرهم على الدعوة الإسلامية؛ ولأنه يظهر إسلامه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب - حينما قال: يا رسول اللَّه دعني أضرب عنق هذا المنافق -: ((دعه حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه)) (2).
فلو قتله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لكان ذلك منفِّراً للناس عن الدخول في الإسلام؛ لأنهم يرون أن عبد اللَّه بن أُبيّ مسلم، ومن ثم سيقول الناس: إن محمداً يقتل المسلمين، فعند ذلك تظهر المفاسد، وتتعطل المصالح.
(1) سورة المنافقون، الآية:7.
3 -
والحديث في البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، سورة المنافقون، باب قوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ} ، 8/ 648، (رقم 4904)، ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 4/ 2140، (رقم 2772).
(2)
البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، سورة المنافقون، باب {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} ، 8/ 648، 8/ 652، 6/ 546، (رقم 4905)، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، 4/ 1998، (رقم 2584/ 63).
فظهرت حكمة النبي صلى الله عليه وسلم وصبره على بعض المفاسد خوفاً من أن تترتب على ذلك مفسدة أعظم؛ ولتقوى شوكة الإسلام، وقد أُمر بالحكم الظاهر، واللَّه يتولى السرائر.
وقد ظهرت الحكمة لعمر بعد ذلك في عدم قتل عبد اللَّه بن أُبيّ فقال: "قد واللَّه علمت، لأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري"(1).
وهكذا ينبغي للدعاة إلى الله أن يسلكوا طريق الحكمة في دعوتهم اقتداء بنبيهم صلى الله عليه وسلم.
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
(1) ذكره ابن كثير في البداية والنهاية، 4/ 185، وانظر: شرح النووي على مسلم، 16/ 139، وهذا الحبيب يا محبّ، ص336.