الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن مواقفه الحكيمة في ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:
1 - ما فعله في غزوة بدر الكبرى:
من مواقفه التي تزخر بالحكمة في هذه الغزوة أنه صلى الله عليه وسلم استشار الناس قبل بدء المعركة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يريد أن يعرف مدى رغبة الأنصار في القتال؛ لأنه شُرِطَ له في البيعة أن يمنعوه في المدينة مما يمنعون منه أنفسهم وأموالهم وأبناءهم وأزواجهم، أما خارج المدينة فلم يحصل أي شرط، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يستشيرهم، فجمعهم صلى الله عليه وسلم واستشارهم، فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال وأحسن، ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال وأحسن، ثم استشارهم ثانياً، فقام المِقْدَاد فقال: يا رسول اللَّه، امض لما أمرك اللَّه فنحن معك، واللَّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون، [نقاتل عن يمينك، وعن شمالك، ومن بين يديك، ومن خلفك، ثم استشار الناس ثالثاً، ففهمت الأنصار أنه يعنيهم، فبادر سعد بن معاذ فقال: يا رسول اللَّه كأنك تريدنا]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعنيهم، لأنهم بايعوه على أن يمنعوه من الأحمر والأسود في ديارهم، فلما عزم على الخروج استشارهم؛ ليعلم ما عندهم، فقال له سعد: لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقاً عليها أن لا ينصروك إلا في ديارها، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم: فاظعن حيث شئت، وصل حبل من
شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت، وما أمرتنا فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك، فواللَّه لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك، والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فَخُضْتَهُ لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدواً غداً، إنا لَصُبُرٌ في الحرب، صُدقٌ في اللقاء، ولعل اللَّه يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة اللَّه، فأشرق وجه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وسُرَّ بما سمع، ونشطه ذلك، ثم قال:((سيروا وأبشروا، فإن اللَّه قد وعدني إحدى الطائفتين، ولكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم)) (1).
ومن مواقفه العظيمة في بدر: اعتماده على ربه تبارك وتعالى لأنه قد علم أن النصر لا يكون بكثرة العدد ولا العدة، وإنما يكون بنصر اللَّه عز وجل مع الأخذ بالأسباب والاعتماد على اللَّه.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر نظر رسول اللَّه
(1) سقت هذه القصة بالمعنى، وانظر: سيرة ابن هشام، 2/ 253، وفتح الباري، 7/ 287، وزاد المعاد، 3/ 173، والرحيق المختوم، ص200، وقد أخرج البخاري مواضع منها. انظر: البخاري مع الفتح، كتاب المغازي، باب:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} 7/ 287، (رقم 3952)، وكتاب التفسير، 8/ 273، وأخرج مسلم بعض المواضع من القصة. انظر: صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة بدر، 3/ 1403 (1779)، وانظر: التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 2/ 194.
- صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه (1):((اللَّهم أنجز لي ما وعدتني، اللَّهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض))، فمازال يهتف بربه، ماداً يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي اللَّه كفاك مناشدة ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل اللَّه عز وجل:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} (2) فأمده اللَّه بالملائكة (3).
وقد خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من العريش وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} (4).
وقاتل صلى الله عليه وسلم في المعركة، وكان من أشد الخلق وأقواهم وأشجعهم، ومعه أبو بكر رضي الله عنه كما كانا في العريش يُجاهِدان بالدعاء
(1) يهتف بربه، أي: يصيح ويستغيث بالله بالدعاء. انظر: شرح النووي، 12/ 84.
(2)
سورة الأنفال، الآية:9.
(3)
أخرجه مسلم بلفظه في كتاب الجهاد والسير والمغازي، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، 3/ 1383، (رقم 1763)، والبخاري مع الفتح بمعناه مختصراً، في كتاب المغازي، باب قوله تعالى:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} 7/ 287، (رقم 3952)، وانظر: الرحيق المختوم، ص208.
(4)
سورة القمر، الآية: 45، والحديث في البخاري مع الفتح، 7/ 287، (رقم3953).