الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - موقفه صلى الله عليه وسلم الحكيم في الكرم والجود:
عن أنس رضي الله عنه قال: ما سُئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه قال: فجاءَه رجلٌ فأعطاه غنماً بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قوم، أسلموا؛ فإن محمداً يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة (1).
وهذا الموقف الحكيم العظيم يدل على عظم سخاء النبي صلى الله عليه وسلم، وغزارة جوده (2).
وكان صلى الله عليه وسلم يعطي العطاء ابتغاء مرضاة اللَّه عز وجل وترغيباً للناس في الإسلام، وتأليفاً لقلوبهم، وقد يُظهر الرجل إسلامه أولا للدنيا ثم - بفضل اللَّه تعالى ثم بفضل النبي صلى الله عليه وسلم ونور الإسلام - لا يلبث إلا قليلاً حتى ينشرح صدره للإسلام بحقيقة الإيمان، ويتمكن من قلبه،
(1) مسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال: لا، وكثرة عطائه، 4/ 1806، (رقم 2312).
(2)
انظر أمثلة كثيرة من كرمه وجوده في البخاري مع الفتح، كتاب بدء الوحي، باب حدثنا عبدان 1/ 30 (رقم 6)، وكتاب الأدب، باب حسن الخلق وما يكره من البخل، 10/ 455 (رقم 6033)، وكتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن مثل أحد ذهباً، 11/ 264، (رقم 6445)، 11/ 303، (رقم 6470)، وكتاب الكفالة، باب من تكفل عن ميت ديناً فليس له أن يرجع، 4/ 474، وكتاب التمني باب تمني الخير وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن لي أحد ذهباً، 3/ 17، (رقم 2296)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال: لا، وكثرة عطائه، 4/ 1805، 1806، (رقم 2311، 2312)، وكتاب الزكاة، باب من سأل بفحش وغلظة، 2/ 730، (رقم 1057)، وباب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة، 2/ 687، (رقم 991).
فيكون حينئذ أحب إليه من الدنيا وما فيها (1).
ولهذا شواهد كثيرة، منها: ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا غزوة الفتح - فتح مكة - ثم خرج صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين فاقتتلوا بحنين، فنصر اللَّه دينه والمسلمين، وأعطى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية مائة من الغنم، ثم مائة، ثم مائة. قال صفوان: واللَّه لقد أعطاني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ (2).
وقال أنس رضي الله عنه: ((إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها)) (3).
وإذا رأى صلى الله عليه وسلم الرجل ضعيف الإيمان، فقد كان صلى الله عليه وسلم يجزل له في العطاء، قال صلى الله عليه وسلم:((إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليّ منه خشية أن يُكبَّ في النار على وجهه)) (4).
ولذلك كان صلى الله عليه وسلم ((يعطي رجالاً من قريش مائة من الإبل)) (5).
(1) انظر: شرح النووي على مسلم، 15/ 72.
(2)
مسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال: لا، وكثرة عطائه، 4/ 1806، (رقم 2313).
(3)
المرجع السابق، في الكتاب والباب المشار إليهما آنفاً، 4/ 1806، (رقم 2312/ 58).
(4)
البخاري مع الفتح، كتاب الزكاة، باب قوله تعالى:{لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} ، 3/ 340، (رقم 1478)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء من يخاف على إيمانه، 3/ 733، (رقم 1059).
(5)
البخاري مع الفتح، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم، 6/ 249، (رقم 3147).
ومن مواقفه الحكيمة العظيمة في ذلك ما فعله صلى الله عليه وسلم مع المرأة المشركة صاحبة المزادتين، فإنه صلى الله عليه وسلم بعد أن أسقى أصحابه من مزادتيها، ورجعت المزادتان أشد ملاءةً منها حين ابتدأ فيها قال لأصحابه:((اجمعوا لها))، فجمعوا لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة - حتى جمعوا لها طعاماً كثيراً وجعلوه في ثوب، وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، فقال لها:((اذهبي فأطعمي هذا عيالك، تعلمين واللَّه ما رزأناك (1) من مائك شيئاً، ولكن اللَّه هو الذي أسقانا)).
وفي القصة أنها رجعت إلى قومها فقالت: لقيت أسحر الناس، أو هو نبي كما زعموا، فهدى اللَّه ذلك الصرم (2) بتلك المرأة، فأسلمت وأسلموا (3).
وفي رواية: فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين ولا يصيبون الصرم الذي هي منه، فقالت يوماً لقومها: ما أرى أن هؤلاء القوم يدعونكم عمداً، فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها، فدخلوا في الإسلام (4).
(1) أي: لم ننقص من مائك شيئاً. انظر: فتح الباري، 1/ 453.
(2)
الصرم: أبيات مجتمعة من الناس. انظر: فتح الباري، 1/ 453.
(3)
البخاري مع الفتح، كتاب المناقب، باب علامات النبوة، 6/ 580، (رقم 3571)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، 1/ 476، (رقم 682).
(4)
البخاري مع الفتح، كتاب التيمم، باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء، 1/ 448، (رقم 344).