الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذم اليأس والقنوط في القرآن والسنة
ذم اليأس والقنوط في القرآن الكريم:
وقال تعالى: قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر: 55 – 56].
قال الطبري: (قال ضيف إبراهيم له: بشرناك بحقّ يقين، وعلم منَّا بأن الله قد وهب لك غلاما عليما، فلا تكن من الذين يقنطون من فضل الله فييأسون منه، ولكن أبشر بما بشرناك به واقبل البُشرى، .. - فقال - إبراهيم للضيف: ومن ييأس من رحمة الله إلا القوم الذين قد أخطأوا سبيل الصواب وتركوا قصد السبيل في تركهم رجاء الله، ولا يخيب من رجاه، فضلوا بذلك عن دين الله)(1).
قال الواحدي: (فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ: من الآيسين، والقنوط: اليأس من الخير. قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ [الحجر: 56] .. قال ابن عباس: يريد ومن ييئس من رحمة ربه إلا المكذبون، وهذا يدل على أن إبراهيم لم يكن قانطا، ولكنه استبعد ذلك، فظنت الملائكة به قنوطا، فنفى ذلك عن نفسه وأخبر أن القانط من رحمة الله ضال)(2).
وقال تعالى: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ [الروم: 36].
قال السعدي: (يخبر تعالى عن طبيعة أكثر الناس في حالي الرخاء والشدة أنهم إذا أذاقهم الله منه رحمة من صحة وغنى ونصر ونحو ذلك فرحوا بذلك فرح بطر، لا فرح شكر وتبجح بنعمة الله. وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي: حال تسوؤهم وذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من المعاصي. إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ييأسون من زوال ذلك الفقر والمرض ونحوه. وهذا جهل منهم وعدم معرفة)(3).
قال الماوردي: (إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ فيه وجهان: أحدهما: أن القنوط اليأس من الرحمة والفرج، قاله الجمهور، الثاني: أن القنوط ترك فرائض الله في اليسر، قاله الحسن)(4).
قال البغوي: (إذا هم يقنطون، ييأسون من رحمة الله، وهذا خلاف وصف المؤمن - فإنه يشكر الله عند النعمة ويرجو ربه عند الشدة)(5).
وقال تعالى قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53]
قال السعدي: (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعا من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار)(6).
وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى: 28].
(1)((جامع البيان في تأويل القرآن)) الطبري (17/ 113).
(2)
((الوسيط في تفسير القرآن المجيد)) الواحدي (3/ 47).
(3)
((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) السعدي (1/ 642).
(4)
((النكت والعيون)) الماوردي (4/ 315).
(5)
((معالم التنزيل في تفسير القرآن)) البغوي (3/ 579)، ((المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)) ابن عطية (4/ 338).
(6)
((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) السعدي (1/ 727).
قال ابن كثير: (وقوله: وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا أي: من بعد إياس الناس من نزول المطر، ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه، كقوله: وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ [الروم: 49]. وهو الولي الحميد أي: هو المتصرف لخلقه بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، وهو المحمود العاقبة في جميع ما يقدره ويفعله)(1).
وقال تعالى: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ [فصلت: 49].
قال الطبري: (فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ يقول: فإنه ذو يأس من روح الله وفرجه، قنوط من رحمته، ومن أن يكشف ذلك الشرّ النازل به عنه)(2).
ذم اليأس والقنوط في السنة النبوية:
- عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنّ الله خلق الرّحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة. وأرسل في خلقه كلّهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكلّ الّذي عند الله من الرّحمة لم ييأس من الجنّة، ولو يعلم المسلم بكلّ الّذي عند الله من العذاب لم يأمن من النّار)) (3).
- وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك -أخطأ من شدة الفرح)) (4).
قال ابن حجر: (المذكور لما أيس من وجدان راحلته استسلم للموت فمن الله عليه برد ضالته)(5).
- وعن حذيفة- رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنّ رجلا حضره الموت، فلمّا يئس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا متّ فاجمعوا لي حطبا كثيرا وأوقدوا فيه نارا، حتّى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت فخذوها فاطحنوها ثمّ انظروا يوما راحا فاذروه في اليمّ، ففعلوا. فجمعه الله فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك، فغفر الله له)) (6).
- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد)) (7).
قال بدر الدين العيني: (لم ييأس من الجنة من اليأس وهو القنوط .. - وقوله - (لم ييئس من الجنة) قلت: قيل: المراد أن الكافر لو علم سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظيم العذاب فيحصل له الرجاء، وقيل: المراد أن متعلق علمه بسعة الرحمة مع عدم التفاته إلى مقابلها يطمعه في الرحمة) (8).
- وعن ابن عباس- رضي الله عنهما أنه قال: ((إن رجلا قال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: الشرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله)) (9).
- وعن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤنة الدنيا فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم. وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله- عز وجل رداءه فإن رداءه الكبرياء وإزاره العزة، ورجل شك في أمر الله، والقنوط من رحمة الله)) (10).
(1)((تفسير القرآن العظيم)) ابن كثير (7/ 206 - 207).
(2)
((جامع البيان في تأويل القرآن)) الطبري (21/ 490).
(3)
رواه البخاري (6469).
(4)
رواه مسلم (2747).
(5)
((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) ابن حجر (11/ 108).
(6)
رواه البخاري (3452).
(7)
رواه مسلم (2755).
(8)
((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) بدر الدين العيني (23/ 67)، ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) ابن حجر (11/ 302).
(9)
رواه البزار كما في ((كشف الأستار)) (1/ 71)(106)، وحسن إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (ص1352)، وقال الهيثمي في ((المجمع)) (1/ 107): رجاله موثقون. وحسن إسناده الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (2051).
(10)
رواه أحمد (6/ 19)(23988)، والحاكم (1/ 206)(411)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (590). وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (3522)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (3058).