الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النهي عن نقض العهد في القرآن والسنة
ذم نقض العهد والنهي عنه من الكتاب:
- قال تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ [التوبة: 12].
قال السدي: إن نكثوا عهدهم الذي عاهدوا على الإسلام وطعنوا فيه، فقاتلوهم (1).
وقال القرطبيُّ: (إذا حارب الذمي نقضَ عهدَه، وكان ماله وولده فيئا معه)(2).
وقال الرازي: وإن نكثوا أيمانهم أي نقضوا عهودهم (3).
- وقوله تعالى: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ [البقرة: 27].
قال الطبري: وما يضل به إلا التاركين طاعة الله، الخارجين عن اتباع أمره ونهيه الناكثين عهود الله التي عهدها إليهم في الكتب التي أنزلها إلى رسله وعلى ألسن أنبيائه باتباع أمر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به وطاعة الله فيما افترض عليهم في التوراة من تبيين أمره للناس، وإخبارهم إياهم أنهم يجدونه مكتوبا عندهم أنه رسول من عند الله مفترضة طاعته. وترك كتمان ذلك لهم ونكثهم ذلك، ونقضهم إياه هو مخالفتهم الله في عهده إليهم فيما وصفت أنه عهد إليهم بعد إعطائهم ربهم الميثاق بالوفاء بذلك كما وصفهم به جل ذكره (4).
وقال السدي: هو ما عهد إليهم في القرآن فأقروا به ثم كفروا فنقضوه (5).
وقال السعدي: وهذا يعم العهد الذي بينهم وبينه والذي بينهم وبين عباده الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات، فلا يبالون بتلك المواثيق; بل ينقضونها ويتركون أوامره ويرتكبون نواهيه; وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق (6).
- وقال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 155].
قال ابن كثير: وهذه من الذنوب التي ارتكبوها، مما أوجب لعنتهم وطردهم وإبعادهم عن الهدى، وهو نقضهم المواثيق والعهود التي أخذت عليهم (7).
قال ابن عباس: (هو ميثاق أخذه الله على أهل التوراة فنقضوه)(8).
قال الزمخشري: وأما التوكيد فمعناه تحقيق أنّ العقاب أو تحريم الطيبات لم يكن إلا بنقض العهد وما عطف عليه من الكفر وقتل الأنبياء وغير ذلك (9).
قال الخازن: (فبسبب نقضهم ميثاقهم لعناهم وسخطنا عليهم وفعلنا بهم ما فعلنا)(10).
- وقَوْلِهِ تَعَالَى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: 13].
(1)((جامع البيان في تأويل آي القرآن)) للطبري (11/ 364).
(2)
((الجامع لأحكام القرآن)) (8/ 83).
(3)
((مفاتيح الغيب)) (15/ 534).
(4)
((جامع البيان في تأويل آي القرآن)) للطبري (1/ 438).
(5)
((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (1/ 211).
(6)
((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) (1/ 47).
(7)
((تفسير القرآن العظيم)) (2/ 447).
(8)
رواه الطبري في ((تفسيره)) (10/ 126).
(9)
((الكشاف)) للزمخشري (1/ 585).
(10)
((لباب التأويل في معاني التنزيل)) (1/ 443).
قال الطبري: مَعْنَى الْكَلَامِ: فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل ، فنقضوا الميثاق ، فلعنتهم ، فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم ، فاكتفى بقوله: فبما نقضهم ميثاقهم [النساء: 155] من ذكر فنقضوا (1).
قال ابن كثير: أي: فبسبب نقضهم الميثاق الذي أخذ عليهم لعناهم، أي أبعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى (2).
- وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [الفتح: 10].
قال ابن كثير: إنما يعود وبال ذلك على الناكث، والله غني عنه (3).
قال السمرقندي: فمن نكث يعني: نقض العهد، والبيعة فإنما ينكث على نفسه يعني: عقوبته على نفسه (4).
وقال ابن عطية: أنّ من نكث يعني من نقض هذا العهد فإنّما يجني على نفسه، وإيّاها يهلك، فنكثه عليه لا له (5).
ذم نقض العهد والنهي عنه من السنة:
- عن علي رضي الله عنه قال: ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها: ((ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفٌ ولا عدل)) (6).
قال النووي رحمه الله: (قوله صلى الله عليه وسلم: ((ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم)) المراد بالذمة هنا الأمان. معناه: أن أمان المسلمين للكافر صحيح، فإذا أمّنه به أحد المسلمين حرُم على غيره التعرُّض له ما دام في أمان المسلم، وللأمان شروط معروفة
…
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله)) معناه: من نقض أمانَ مسلم فتعرّض لكافر أمَّنه مسلم، قال أهل اللغة: يقال: أخفرتُ الرجل إذا نقضتُ عهده، وخفرته إذا أمَّنته) (7).
وقال ابن حجر رحمه الله: (قوله: ((ذمّة المسلمين واحدة)) أي: أمانهم صحيح، فإذا أمَّن الكافرَ واحدٌ منهم حرُم على غيره التعرّض له
…
وقوله: ((يسعى بها)) أي: يتولاها ويذهب ويجيء، والمعنى: أن ذمّة المسلمين سواء صدرت من واحد أو أكثر، شريف أو وضيع، فإذا أمّن أحد من المسلمين كافرا وأعطاه ذمّةً لم يكن لأحد نقضه، فيستوي في ذلك الرجل والمرأة والحرّ والعبد؛ لأن المسلمين كنفس واحدة
…
وقوله: ((فمن أخفر)) بالخاء المعجمة والفاء أي: نقض العهد، يقال: خفرته بغير ألف أمّنته، وأخفرته نقضت عهده) (8).
قال ابن تيمية: جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود وبأداء الأمانة ورعاية ذلك والنهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة والتشديد على من يفعل ذلك (9)
(1)((جامع البيان في تأويل آي القرآن)) للطبري (8/ 248).
(2)
((تفسير القرآن العظيم)) (3/ 66).
(3)
((تفسير القرآن العظيم)) (7/ 330).
(4)
((بحر العلوم)) للسمرقندي (3/ 314).
(5)
((المحرر الوجيز)) (5/ 129).
(6)
رواه البخاري (1870).
(7)
((شرح صحيح مسلم)) (9/ 144 - 145).
(8)
((فتح الباري)) (4/ 86).
(9)
((مجموع الفتاوى)) (29/ 145 - 146).
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خمس بخمس، قيل: يا رسول الله، وما خمس بخمس؟ قال: ما نقض قوم العهد إلا سلَّط الله عليهم عدوَّهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت الفاحشة فيهم إلا فشا فيهم الموت، ولا طفَّفوا الكيل إلا مُنِعوا النبات وأُخِذوا بالسنين، ولا منعوا الزَّكاة إلا حُبس عنهم المطر)) (1).
قال المناوي: (ما نقض قوم العهد) أي: ما عاهدوا الله عليه أو ما عاهدوا عليه قوما آخرين (إلا سلط عليهم عدوهم) جزاء بما اجترحوه من نقض العهد المأمور بالوفاء به (2).
- وعن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى الصبح، فهو في ذمة الله. فلا تخفروا الله في عهده. فمن قتله، طلبه الله حتى يكبه في النار على وجهه)) (3).
قال المباركفوري: أي في عهده وأمانه في الدنيا والآخرة وهذا غير الأمان الذي ثبت بكلمة التوحيد ((فلا تخفروا الله في ذمته)) قال في النهاية: خفرت الرجل أجرته وحفظته وأخفرت الرجل إذا نقضت عهده وذمامه) (4).
وقال السندي: (فهو في ذمة الله) أي: أمانه وعهده، أو أنه تعالى أوجب له الأمان (فلا تخفروا الله) من أخفره إذا نقض عهده (5).
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته)) (6).
قال ابن رجب: ((فلا تخفروا الله في ذمته))، أي: لا تغدروا بمن له عهد من الله ورسوله، فلا تفوا له بالضمان، بل أوفوا له بالعهد (7).
وقال القاري: أي لا تخونوا الله في عهده، ولا تتعرضوا في حقه من ماله، ودمه، وعرضه، أو الضمير للمسلم أي فلا تنقضوا عهد الله (8).
وقال حمزة محمد قاسم: ((فلا تخفروا الله في ذمته)) أي فلا تنقضوا عهد الله فيه، ولا تخونوه بانتهاك حقوقه، فإن أي اعتداء عليه هو خيانة لله ورسوله، ونقض لعهدهما، وإهدار لكرامة الإسلام (9).
(1) رواه الطبراني في ((الكبير)) (11/ 45)(10992). قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (1146): سنده قريب من الحسن وله شواهد. وقال الهيثمي في ((المجمع)) (3/ 68): فيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان المروزي، لينه الحاكم، وبقية رجاله موثقون، وفيهم كلام. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (3945).
(2)
((فيض القدير)) (3/ 452).
(3)
رواه ابن ماجه (3945)، والضياء في ((المختارة)) (1/ 151) (64). قال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (4/ 167): إسناده رجاله ثقات إلا أنه منقطع.
(4)
((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (2/ 12).
(5)
((حاشية السندي على سنن ابن ماجة)) (2/ 462).
(6)
رواه البخاري (391).
(7)
((فتح الباري)) (3/ 58).
(8)
((فتح الباري)) (3/ 58).
(9)
((منار القاري)) (2/ 3).