الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسالة إلى محمد الطاهر بن عاشور
بعد هجرة الإمام من تونس إلى دمشق سنة 1331 هـ، بعث إليه صديقه الإمام محمد الطاهر بن عاشور وهو قاضي القضاة بتونس رسالة مصدرة بالأبيات المنشورة في الحاشية. وأجابه بالقصيدة التالية:
أَيَنْعَمُ في بالٌ وأنتَ بَعيدُ
…
وأَسْلو بِطَيْفٍ والمَنامُ شَريدُ
إذا أَجَّجَتْ ذكْراكَ شَوْقيَ أُخْضِلَتْ
…
لَعَمْري -بدَمْعِ المُقْلَتَيْنِ- خُدودُ (1)
بَعُدْتُ وآمادُ الحَياةِ كثيرَةٌ
…
وَلِلأَمدِ الأَسْمى عَلَيَّ عُهودُ (2)
بَعُدْتُ بِجُثْماني وَروحي رَهينَةٌ
…
لَدَيْكَ وَللْوِدِّ الصَّميمِ قُيُودُ (3)
عَرَفْتُكَ إذْ زُرْتُ الوَزيرَ وَقَدْ حَنا
…
عَلَيَّ بِإقْبالِ وأنْتَ شَهيدُ (4)
فَكانَ غُروبُ الشَّمْسِ فَجْرَ صَداقَةٍ
…
لَها بَيْنَ أَحْناءِ الضُّلوعِ خُلودُ
(1) أجج: ألهب. أخضلت: ابتلت.
(2)
آماد: جمع أمد: الغاية.
(3)
الجثمان: الجسم.
(4)
الوزير: محمد العزيز بو عتور (1240 - 1325 هـ) من كبار رجال السياسة والعلم في تونس. الشهيد: الحاضر والمطلّع. والبيت إشارة إلى أول لقاء بين الشاعر والعلامة ابن عاشور.
لَقيتُ الوِدادَ الحُرَّ في قَلْبِ ماجِدَ
…
وأَصْدَقُ مَنْ يُصْفي الوِدادَ مَجيدُ
ألمْ تَرْمِ في الإصْلاخ عَنْ قَوْسٍ ناقِدٍ
…
دَرَى كَيْفَ يُرْعَى طارِفٌ وتَليدُ (1)
وقُمْتَ عَلى الآدابِ تَحْمي قَديمَها
…
مَخافةَ أن يَطْغى عليهِ جَديدُ
أتذْكُرُ إِذْ كُنَّا نبُاكِرُ مَعْهَداً
…
حُمَيَّاهُ عِلْمٌ والسُّقاةُ أُسودُ (2)
أتذكُرُ إِذْ كُنَّا قَرينَيْنِ عِنْدَما
…
يَحينُ صُدورٌ أَوْ يَحينُ وُرودُ (3)
فَأيْنَ لَيَالينا وأَسْمارُها الَّتي
…
تُبَلُّ بِها عِنْدَ الظَّماءِ كُبودُ
لَيالِ قَضَيناها بتونسُ لَيْتَها
…
تَعودُ وجَيْشُ الغاصِبينَ طَريدُ (4)
محمد الخضر حسين
دمشق - سنة 1331 هـ
(1) الطارف: المال الحديث المستحدث. التليد: المال القديم.
(2)
نباكر: نأتي بكرة. المعهد: جامع الزيتونة بتونس. الحميّا: شدة الغضب، وأوله، يعني هنا: النثاط. ويريد بالسقاة الأسود: أساتذة المعهد، وما كان لهم من مهابة وإجلال في قلوب المتعلمين.
(3)
القرين: لدة الرجل؛ أي: الذي ولد وتربى معه. الصدور: الرجوع عن الماء.
الورود: بلوغ الماء.
(4)
جيش الغاصبين: الجيش الفرنسي الذي كان يحتل تونس قبل الاستقلال.
* نص قصيدة العلامة محمد الطاهر بن عاشور:
بعدت ونفسي في لقاك تصيد
…
فلم يغن عنها في الحنان قصيد
وخلفت ما بين الجوانح غصة
…
لها بين أحشاء الضلوع وقود
وأضحت أماني القرب منك ضئيلة
…
ومر الليالي ضعفها سيزيد
أتذكر إذ ودعتنا صبح ليلة
…
يموج بها أنس لنا وبرود =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وهل كان ذا رمزاً لتوديع أنسنا
…
وهل بعد هذا البين سوف يعود
ألم تر هذا الدهر كيف تلاعبت
…
أصابعه بالدر وهو نضيد
إذا ذكروا للود شخصاً محافظاً
…
تجلى لنا مرآك وهو بعيد
إذا قيل من للعلم والفكر والتقى
…
ذكرتك إيقاناً بأنْكَ فريد
فقل لليالي جددي من نظامنا
…
فحسبك ما قد كان فهو شديد
وكتب تحتها ما يتلو: "هذه كلمات جاشت بها النفس الآن عند إرادة الكتابة إليكم، فأبثها على علاتها، وهي وإن لم يكن لها رونق البلاغة والفصاحة، فإن الود والإخاء والوجدان النفسي يترقرق في أعماقها".