الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسالة إلى محمد الصادق النيفر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
جناب العلامة النحرير، صاحب الأخلاق العالية والعهد الصحيح، صفوة الخيرة، صديقنا العزيز الشيخ سيدي الصادق النيفر -حرس الله كماله-.
أما بعد إهداء التحية الكاملة والاحترام:
فقد طلع علي مكتوبكم الكريم، والفؤاد في شوق إليه عظيم، فاقتطفت منه العلم بتمام عافيتكم، وارتشفت منه أنساً أعاد علي شيئاً من صفو تلك الليالي التي مرت لنا بمسامراتكم اللذيذة.
زارنا منذ أيام نقيب الأشراف بمكناسة (1) قادماً من المدينة، قاصد السفر على طريق تونس، وله سماع بفضيلتكم تلقاه من علماء فاس، ولا أدري هل تم له المرور بطرفكم؟
توفي منذ أسبوع الشيخ جمال الدين القاسمي (2) أحد علماء دمشق،
(1) مدينة مكناس بالمغرب.
(2)
جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق، من كبار علماء الشام في الدين والأدب، كان يلقي الدروس العامة بتكليف من الحكومة لمدة أربع سنوات، وانصرف بعدها إلى التأليف، ومن مصنفاته: محاسن التأويل، في التفسير 17 مجلداً -تعطير المشام في مآثر دمشق الشام، أربع مجلدات- دلائل التوحيد -ديوان خطب- =
ولعلكم اطلعتم على بعض تآليفه المستقلة، وتحريراته بمجلة المنار (1) رحمه الله.
توفي الشيخ محيي الدين الخياط (2) أحد علماء ييروت، وهو من المؤلفين أيضاً المحررين بالجرائد في لهجة إسلامية.
زارنا منذ مدة السيد العربي بسيس قادماً (3) من طريق الحج
…
وقد أخجلنا في بعض المجالس حيث أطلق لسانه بمديح،
…
(4) وإطرائه، ووصفه له بأنه من المصلحين المثقفين، وهكذا كان يفعل بالمدينة المنورة. وهذا ما دعانا إلى عدم مراجعته في كثير من المجالس الذي يمكنه أن يطلع عليها بواسطتنا، سلك ذلك الغلو في مجلس أحد العلماء يقال له: الشيخ بدر الدين (5)، فلم
…
(6) أن قال له: قال صلى الله عليه وسلم: "من علامات الإيمان: الحب
= الفتوى في الإسلام. وغيرها
…
ولادته ووفاته بدمشق (1283 - 1332 هـ = 1866 - 1914 م).
(1)
مجلة كان يصدرها الشيخ رشيد رضا في القاهرة.
(2)
محيي الدين بن أحمد بن إبراهيم الخياط، شاعر وأديب، ولد في مدينة صيدا، وتوفي ببيروت (1292 - 1332 هـ = 1875 - 1914 م) من مصنفاته: دروس النحو والصرف -دروس التاريخ الإسلامي- دروس القراءة - وله شعر.
(3)
أحد الموظفين في حكومة الباي بتونس آنذاك ومن حاشيته.
(4)
هكذا في أصل الرسالة عدة نقاط، ولم يذكر الاسم المقصود. ويظهر لي أنه "الباي".
(5)
محمد بن يوسف بن عبد الرحمن، بلر الدين الحسني، المحدث الأكبر في الشام، مراكشي الأصل، ولد وتوفي بدمشق (1267 - 1354 هـ = 1851 - 1935 م) اشتهر بالعلم والورع والتقوى والزهد والبعد عن الدنيا.
(6)
كلمة غير واضحة في الأصل.
في الله، والبغض في الله".
انفصلت مع بنت السيد عمر العتكي بطلاق، حيث لم يمكن مرافقتها لنا، عوضنا الله بما هو أسعد.
إنني وجميع الأهل في عافية تامة، وعيش ناعم، نحمد الله عليه بجميع قلوبنا وألسنتنا في الصباح والمساء.
قررت نظارة المعارف أن تزيد في مرتبنا بعد خمسة أشهر مئة فرنك في كل شهر، جاءني الإعلام بذلك منذ يومين.
شرعت في تأسيس مكتبة لي، فنقحت مما عندي من الآثار القديمة كتباً، وأخذت أشتري ما أحتاجه مقدماً الأمم فالأهم.
يبلغ لكم السلام من سائر إخوتنا المخلصين في مودتكم واحترام فضيلتكم.
التلامذة الذين يحضرون بدروسنا في المدرسة يبلغ عددهم الآن نحو ثمانين تلميذاً يتلقون القواعد النحوية والصرفية، ويتعلمون صناعة الإنشاء والخطابة، وعلمي البيان والبديع، وشرح قصائد من المنظومات البليغة.
كما نيط بعهدتنا درس الفلسفة؛ أي: أحوال النفس التي هي راجعة إلى القوى المدركة، والأخلاق، ثم المنطق.
وقد أخذنا نجني ثمرة التعليم، حيث تقدم التلاميذ في صناعة الإنشاء والخطابة شوطاً يبشر بنجاح في المستقبل - إن شاء الله تعالى -.
أنها سيرتنا بدمشق، فإنها لم تتغير عن الطريقة التي كنا نسلكها في تونس، وهو أن معظم أدبائها وكبرائها يعرفوننا ونعرفهم بالسماع والتحية عند الملاقاة، أنها التزاور، فإنه يكون لمناسبة كيدة، أو صحبة خالصة،
وبالجملة: فقد لقيت منهم أخلاقاً حسنة، وآداباً مؤنسة، وفيما بلغني أنهم راضون عن سيرتنا، ومعجبون بمسالكنا في التعليم.
كما أن للتلاميذ أدب كامل معنا، وعواطف زائدة، لا سيما نجباؤهم، وكثيراً ما أحادثهم بالحالة العلمية في تونس (1)، وأحاضرهم بشؤون جامع الزيتونة وعلمائه، فأصبحوا يجلون التونسيين، ويدركون شيئاً من مقدرتهم العلمية.
وسلامي الكامل المقرون بالاحترام البالغ إلى الشيخ والد الجميع، مع طلب الدُّعاء، ودمتم في أكمل عز وسناء.
والسلام من أخيكم المتشوق إلى ملاقاتكم محمد الخضر بن الحسين
وكتب في 29 جمادى الأولى 1332 - دمشق
[حاشية]
ولا تأخرون عنا مراسلتكم، فإنا نشتاق إليها اشتياق الظمآن إلى الماء الزلال. أبقاكم الله. وبلغوا من فضلكم سلامي وشوقي إلى الشيخ القاضي سيدي محمد الطّاهر بن عاشور، وقد انفتح بيني وبينه باب المراسلة.
(1) عبارات الخطاب تشير إلى اهتمام الإمام محمد الخضر حسين ببلده تونس، والحرص على التعريف بها وعن مكانتها العلمية.