المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإمام الشيخ محمد الخضر حسين ومنهجه في التراجم - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ١٥/ ١

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(29)«مُلتَقَى الإِمَامِ مُحَمَّدٍ الخَضِرِ حُسَين في الجَزَائر»

- ‌المقدمة

- ‌حفل افتتاح الملتقى

- ‌كلمة افتتاح الملتقى لوالي ولاية "بسكرة" الأستاذ ساعد أقوجيل

- ‌كلمة رئيس الجمعية الخلدونية للأبحاث والدراسات التاريخية الأستاذ فوزي مصمودي

- ‌كلمة الشيخ عبد القادر عثماني شيخ زاوية (علي بن عمر)

- ‌كلمة الشيخ عبد الرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌كلمة رئيس الجمعية بتكريم الباحث علي الرضا الحسيني

- ‌كلمة تكريم الباحث علي الرضا الحسيني للأستاذ الأخضر رحموني

- ‌التكريم

- ‌تحية شعرية لعلي الرضا الحسيني بعد التكريم

- ‌محاضرات الملتقى

- ‌ومضات من حياة العلامة محمد الخضر حسين

- ‌الإمام الشيخ محمد الخضر حسين ومنهجه في التراجم

- ‌الإمام العلامة محمد الخضر حسين شاعرا ً

- ‌جهود الأزهر في مواجهة التغريب الإمام محمد الخضر حسين الجزائري نموذجا ً

- ‌الإمام محمد الخضر حسين رجل العلاقات والمؤسسات العلمية

- ‌توصيات الملتقى

- ‌على هامش الملتقى

- ‌بعض عناوين الصحافة الجزائرية عن الملتقى

- ‌ملتقى الإمام محمد الخضر حسين

- ‌في الذكرى الخمسين لوفاة العلامة التونسي محمد الخضر حسين شيغ الأزهر السابق

- ‌بسكرة عاصمة الثقافة باحتفالها بالإمام محمد الخضر حسين إمام العالم الإسلامي، وأستاذ الشيخ ابن باديس

- ‌ربيع في الشتاء

- ‌تذكرة ملتقى الإمام العلامة محمد الخضر حسين

الفصل: ‌الإمام الشيخ محمد الخضر حسين ومنهجه في التراجم

محاضرات الملتقى

‌الإمام الشيخ محمد الخضر حسين ومنهجه في التراجم

الدكتور عمار الطالبي

نعتمد في بيان منهج الشيخ الإمام محمد الخضر حسين (1874 هـ - 1958 م) على كتابه "تراجم الرجال"(1)، وإن كان المؤلف كتب تراجم أخرى، منها:"محمد رسول الله وخاتم النبيين"، كما كتب تراجم نشرها ضمن كتابه:"تونس وجامع الزيتونة".

هذه التراجم التي ضمّها كتاب "تراجم الرجال" كتبها في مجلتي "الهداية الإسلامية"، و"نور الإسلام، بالقاهرة، كما ألقى بعضها في صورة محاضرات في بعض النوادي الإسلامية بالقاهرة -أيضاً-، ورتبّها جامعها تبعاً للتسلسل التاريخي لولادة المترجَم لهم، وعددهم أربعة عشر علماً: اثنان من الخلفاء، وهما: عثمان بن عفان، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما واثنان من القادة، وهما: موسى بن نصير، وصقر قريش عبدُ الرحمن الداخل، وإن كان منازعاً للخلافة العباسية، فأنشأ أخرى أموية بالأندلس، وواحد من الفقهاء المجتهدين من أصحاب المذاهب الفقهية، وهو: الإمام مالك بن أنس، وثلاثة أئمة من أئمة آل البيت، وهم: علي زين العابدين، وابناه: محمد الباقر، وزيد، وواحد

(1) جمع هذه التراجم ونشرها علي الرضا الحسيني سنة (1392 هـ - 1972 م) بتوجيه من والده الشيخ زين العابدين الحسين التونسي.

ص: 50

من المحدّثين، وهو: أبو داود صاحب "السنن" المشهورة، وواحد من أصحاب المذاهب الاعتقادية، وهو: الإمام أبو الحسن الأشعري، وواحد من الأدباء الشعراء، وهو: القاضي أبو الحسن الجرجاني، وواحد من الصوفية الفقهاء معاً، وهو: الإمام الغزالي، وآخر من كبار فقهاء المالكية، وهو: أبو بكر بن العربي الأندلسي.

وختم هذا الكتاب بترجمة لصديقه الحميم أحدِ كبار المثقفين المصريين، وهو: أحمد تيمور باشا، وترجمته له عبارة عن تابينه له، وصَف فيه خصاله الحميدة، وفضله، وعلمه، وصداقته التي اعتز بها، وأثرت في نفسه أيما تأثير.

ونريد أن نشير إلى منهجه في هذه التراجم، وإلى غايته منها:

* الغاية والمقصد:

يرمي من هذه التراجم إلى: تعريف الشباب المسلم بعظمة الرجال الذين يترجم لهم، قال في خاتمة ترجمة علي زين العابدين:"هذه صحيفة من سيرة رجل من عظماء آل البيت، نعرضها على حضراتكم، وسيرة العظماء عظة وأسوة لأولي الألباب"(1).

وبيّن غرضه -أيضاً- من سيرة محمد الباقر قائلاً: "وفي سيرة العظماء عبرة لمن يريد أن يكون عظيماً في علمه، أو في شرفه، وسمو همته أو في المسارعة إلى عمل الخير ما استطاع"(2).

(1)"تراجم الرجال"(ص 28).

(2)

المصدر نفسه (ص 29).

ص: 51

واتجه إلى الشباب في ترجمته للخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:

"إن من الأسباب التي جعلت كثيراً من شبابنا يُسرفون في إكبار رجال أوربا، ولا يرفعون رؤوسهم فخراً بعظماء الشرق: أنهم لم يدرسوا تاريخ علمائنا بعناية ورويَّة وإنصاف"(1).

وأن هذا السبب هو الذي "دعا رجال (جمعية الهداية الإسلامية) إلى أن توجه همتها إلى إلقاء محاضرات في إحياء ذكر رجال نبغوا في العلم، أو برعوا في السياسة، أو كانوا مُثُلاً كاملة في الأخلاق، والآداب"(2).

وأشار إلى تطور الجانب السياسي بتعاقب الخلفاء، والانتقال من عهد الخلافة الراشدة إلى المُلْك العَضوض (3).

فالخلفاء الراشدون قامت دولتهم على العدل في السياسة، وإيثار الحق، ثم جاء بعدهم خلفاء فقدت معهم الخلافة شيئاً مما كانت تعهده في أولئك، وشعر الناس بالفرق الواضح بين العهدين، وما زالت تلك الأساليب تتزايد حتى كادت تذهب بمعظم ما جاء في الإسلام "من عدل وحرية ومساواة"(4)، وجاء فتى هو عمر بن عبد العزيز، في العهد الذي صارت فيه الخلافة إلى ملك عَضوض؛ ليقيم شريعة، ويبسط العدل والأمن، ويرفع راية العلم، ومقام العلماء، فكان يستشير مجلساً من العلماء والخبراء؛ ليدلوا على الظلم إذا

(1) المصدر نفسه (ص 35).

(2)

المصدر نفسه (ص 36).

(3)

المُلْك العضوض: فيه عسف وظلم.

(4)

المصدر نفسه (ص 36).

ص: 52

وقع من عماله، ويبدي رأيه في هذا:"وكذلك يكون حال من يتقلد الولاية وليس صالحاً، أما من يتقلدها للمباهاة، واتباع الشهوات، وطول الباع في اضطهاد الضعفاء، فلا يرتاح له بال إلا أن يضع على أفواه دعاة الإصلاح كمائم، أو ينفيهم من الأرض"(1).

ولما قدّموا إليه مراكب الخلافة من الخيل والبراذين، قال: ما هذا؟ قالوا: مراكب الخلافة، فقال:"دابتي أوفقُ لي، فركب بغلته، فجاء صاحب الشرطة يسير بين يديه بالحربة، فقال: تنحَّ عني، مالي ولك؟! إنما أنا رجل من المسلمين"(2).

وعلّق الشيخ الخضر على هذا: بأن الخليفة عمر بن عبد العزيز لم يكن حريصاً على الولاية، وهذا "يعين الرجل على السير فيها باستقامة دون أن يخشى سخط شخص، أو رهط من الناس، وإن بلغوا منتهى الوجاهة، أو عرفوا من وسائل الكيد ما لم يعرفه أحد من قبل"(3).

كما علَّق على ردِّ المظالم الذي قام به الخليفة، ونقض بعض ما كان يفعله غيره من الخلفاء:"أما ما يفعلونه استبداداً وعدواناً، فهذا ما يجب على من أتى بعدهم أن ينظر في شأنه، ويردّه عليهم بكل قوة، وكذلك فعل عمر ابن عبد العزيز"(4).

(1) المصدر نفسه (ص 38).

(2)

المصدر نفسه (ص 39).

(3)

المصدر نفسه (ص 40).

(4)

المصدر نفسه (ص 41).

ص: 53

وسوّى العطاء بين بني أمية وغيرهم؛ إدراكاً منه لقيمة المساواة في الإسلام.

وأشار إلى أن السياسة الحكيمة لا تولي عملاً لظالم غشوم؛ لأن من "اعتاد على الظلم لا يصلح للعمل في دولة العدل"(1)، ولذلك كان عمر بن عبد العزيز لا يستعمل من كان عاملاً لنحو الحجاج (2).

وعدَّ من فضائل عمر بن عبد العزيز: نشره للعلم؛ إذ أرسل عشرة من التابعين؛ ليعلموا البربر بالمغرب القرآن والفقه والدين (3).

وكد الشيخ هذا التعليم ووجوبه في عهده "وكذلك يجب على كل حكومة إسلامية أن تُعنى بعلوم الدين، وتعطيها حقّها من التعليم، والآباء الذين يستطيعون الوسيلة إلى أن يكون أبناؤهم على تربية دينية صادقة، ولم يفعلوا، إنما يحاربون الله في أرضه، ويكثرون سواد الأرواح الخبيثة"(4).

كما أكد ضرورة العدل في سياسة الأمة، وعرّف الحاكم العادل بأنه "هو الذي يستوي في نظره القوي والضعيف، والقريب والبعيد، ولا يستقيم أمر أمة حتى يكون القابض على زمامه فعّالاً لما يراه الحق، ولا يكون لأولي القربى أثر في نفسه، إلا أن يهيئ لهم عزماً صارماً يكف بأسهم، ويعلمهم كيف يحترمون حقوق غيرهم، وكذلك فعل عمر بن عبد العزيز"(5).

(1) المصدر نفسه (ص 41).

(2)

المصدر نفسه (ص 41).

(3)

المصدر نفسه (ص 41).

(4)

المصدر نفسه (ص 42).

(5)

المصدر نفسه (ص 42).

ص: 54

وللعلماء عند عمر بن عبد العزيز مقام رفيع، لذلك أعانهم على الاحتفاظ بكرامتهم، وعلّق الشيخ محمد الخضر على هذا بأنه "لا تحيا أمة أو ترقى في سماء المجد إلا أن يكون فيها علماء مخلصون محترمون"(1).

فأنت تراه قد وظّف هذه التراجم لبثِّ دعوته الإصلاحية في الأخلاق والدين، والسياسة والمعرفة؛ لعل الناس -وخاصة الشباب والحكام- أن يكون لهم هؤلاء الأعلام قدوة ومثلاً أعلى، ولذلك ختم ترجمته للخليفة عمر بن عبد العزيز بما يدل على ذلك:"هذه محادثة أخذنا فيها بطرف من سيرة رجل من أعظم رجال الإسلام، عسى أن يكون موضع قدوة لكل من تولى أمراً من أمور المسلمين، وأراد أن يكون له لسان صدق في الآخرين"(2).

كما ختم الإمام مالك بقوله: "هذه صفحة من حياته، نعرضها على حضراتكم، وإن في ذلك لعبرة لأولي الألباب"(3).

كما عقّب على عرضه لسيرة الإمام أبي الحسن الأشعري: "فإذا عرضنا عليك صحيفة من حياة أبي الحسن الأشعري، فإنما نعرض عليك شيئاً من سيرة رجل كان له في إصلاح النفوس وتقويم العقول جهادٌ وأيُّ جهاد"(4).

وفي ترجمته للعلامة أحمد تيمور باشا أكَّد غرضه هذا: "وإنما هي كلمة أصف بها جانباً من خصاله الحميدة؛ عسى أن يكون في إلقائها تذكرةٌ

(1) المصدر نفسه (ص 44).

(2)

المصدر نفسه (ص 48).

(3)

المصدر نفسه (ص 61).

(4)

المصدر نفسه (ص 83).

ص: 55

لطلاب الفضيلة من أبنائنا الناهضين" (1).

* منهجه في التراجم:

بيَّن طريقته في ترجمة الإمام عثمان بن عفان رضي الله عنه بأنه "نعول في هذا على أقوال المحدثين، والمحققين من المؤرخين (2) "، وميَّز بين المحدّثين في روايتهم، والمؤرخين:"ولكن حفّاظ الحديث أنكروا هذا الذي يحكيه المؤرخون أشد الإنكار"(3)، وهو يعتمد في هذا على أبي بكر بن العربي في كتابه "العواصم من القواصم"، فرَّد كل التهم التي وجهها الثائرون على الإمام عثمان، على طريقة أهل الحديث في توثيق أخبار الفتنة، وعددها ثلاث عشرة تهمة، استعرضها كلها، وردّها واحدة تلو الأخرى، اعتمد في ذلك أكثر ما اعتمد على كتاب "العواصم من القواصم" كما قلنا.

ولخص محاضرته في المجال بأن "عثمان رضي الله عنه لم يأت حدثاً منكراً، ولم يرتكب ظلماً ولا إثماً، وأن الصحابة جميعاً بريئون من دمه، وإنما حاول خلعه، أو خان الله في سفك دمه نفرٌ ليسوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من القوم الذين يريدون الإصلاح"(4).

وألحَّ في غرضه من تربية الشباب المسلم بالتثبُّت في الأخبار، وأن لا يأخذوا بكل ما يجدونه في كتب بعض المؤرخين: "ولعل في محاضرتنا

(1) المصدر نفسه (ص 108).

(2)

المصدر نفسه (ص 12).

(3)

المصدر نفسه (ص 16).

(4)

المصدر نفسه (ص 19).

ص: 56

هذه تنبيهَ شبابنا النابتين نباتاً حسناً على أن يتثبتوا فيما يقصه المؤرخون عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولاسيما الذين صاحبوه أعواماً، ووردت الأخبار الصحيحة أنه توفي وهو عنهم راض" (1).

وأنتم تعلمون أن خطوات الترجمة عند القدماء تتمثل في الخطوات الآتية:

- اسم المترجَم له، ونسبه، ولقبه، وكنيته.

- مولده، أو إثبات عمره.

- نشأته، ودراسته، وشيوخه.

- مؤلفاته، وتلاميذه.

- مكانته العلمية، وآراء العلماء فيه.

- وفاته.

وتتوقف الترجمة على شخصية المترجَم له من كونه سياسياً، أو فقهياً، أو محدّثاً.

وسلك الشيخ محمد الخضر في ذلك مسلكاً دقيقاً، وصاغَ التراجم صياغة أدبية واضحة، مع إبداء آرائه الشخصية، ونقد لما لا يراه صحيحاً.

وكان القدماء يبنون التراجم على طبقات، والطبقة: وحدة زمنية، تتمثل في العقد؛ أي: عشر سنوات، وترتب حسب السنوات، سواء في ذلك الحوادث التاريخية، أو التراجم؛ كما فعل الذهبي في كتابه:"تاريخ الإسلام" كتب فيه الحوادث والتراجم ابتداء من السنة الأولى للهجرة، إلى العصر الذي عاش فيه، وهو القرن السابع الهجري، وسلك مسلك المحدّثين -أيضاً- في نقد

(1) المصدر نفسه (ص 19).

ص: 57

رجال الحديث والتاريخ، وكتب كتاب:"ميزان الاعتدال في نقد الرجال" كما نقد المصادر والموارد التاريخية والحديثية.

وكما فعل ابن الجوزي في كتابه: "المنتظم" الذي يذكر فيه الحوادث التاريخية، ثم يعقبها بالتراجم.

ومنهج المحدثين يتشدد في رواية الأحداث الخطيرة؛ كالفتن التي تحيط بها الأهواء والعصبيات، فيحتاط في نقد المصادر المتعلقة بها، وكذلك الروايات التي لها صلة بالعقائد، أو الفتن التي وقعت في عهد الصحابة، فيطبقون قواعد نقد الحديث ورواته.

وجاء الغربيون بعد ذلك، ووضعوا منهجاً نقدياً للتاريخ، لا يبعد كثيراً عن مناهج المحدثين النقدية، كما بيّن ذلك أسد رستم في "مصطلح التاريخ".

ولا تقتصر التراجم على رجال الحديث، وإنما تشمل غيرهم؛ كالفقهاء، والشعراء، والملوك، والقضاة، وترتب على حسب الطبقات، أو حروف المعجم.

ومنهج المحدثين النقدي أدى إلى نمو نقد المصادر، وبيان مدى ثقة الناقلين وإتقانهم لما ينقلون من روايات وأخبار، فتقبل روايات الرواة ذوي الضبط والإتقان، وتأثر المؤرخون والأدباء بهذه الطريقة في الرواية وسندها، ولكنهم لم يتشددوا في رواية التاريخ تشدُّدَهم في رواية الحديث؛ لما يترتب عليه من أحكام شرعية.

وقد بلغت تراجم الذهبي (1040) ترجمة في كتابه "تاريخ الإسلام"، وكان الأوزاعي يقول: "إنا كنا لنستمع الحديث، فنعرضه على أصحابه كما

ص: 58

نعرض الدرهم الزائف على الصيارفة، فما عرفوا، أخذنا، وما أنكروا، تركنا" (1).

ويمتاز الشيخ محمد الخضر بأنه يعنون للأفكار التي يريد تبليغها، ورؤوس الموضوعات التي يعالجها، وهو منهج تربوي إصلاحي سلكه ابن باديس في تراجمه، وفي تفسيره للآيات القرآنية، والأحاديث النبوية.

- ملاحظات:

1 -

من قراءة هذه التراجم ندرك جوانب من حياة الشيخ العلمية، وتكوينه العقلي، فهو متأثر بابي بكر بن العربي غاية التأثر، فغيَّر من اتجاهه العلمي جذرياً:

"ولأبي بكر هذا فضل في انصرافي عن دراسة علوم الدين دراسة تقليد ومتابعة، شأن من لا يزيد في التفقه على قراءة "مختصر خليل"، وشروحه، وحواشيه، ذلك أني اتصلت بمكتبة خالي وأستاذي المرحوم الشيخ محمد المكي بن عزّوز، واستعرت منها كتاب "العارضة" (2)، وكتاب "القبس"، وجزءاً من "ترتيب المسالك" (3)، ثم اتصلت بمكتبة صديقي العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشورِ شيخ الإسلام المالكي بتونس هذا العهد، واستعرت منها كتاب: الأحكام "أحكام القرآن"، وكتاب "العواصم من القواصم"، فأعجبت بطريقة المؤلف في التأليف، ووجدتها التي تنهض بالفكر حتى يكون

(1) ابن عساكر، تاريخ دمشق ج 10، ق 346 في ترجمة عبد الرحمن الأوزاعي.

(2)

هو "عارضة الأحوذي في شرح صحيح الترمذي".

(3)

يقصد: "المسالك في شرح موطأ مالك" طالع جزءاً منه في إحدى مكتبات الجزائر كما علق في هامش للترجمة.

ص: 59

مثمراً، بل الطريقة التي تحبب إلى ذوي الفطرة السليمة دراسةَ العلوم الدينية، والواقع أن هذه الكتب كانت أول ما أخذني إلى النظر في علوم الشريعة بتلهف، بعد أن كنت قد انقطعت إلى علوم اللغة وآدابها" (1).

فصلتهُ بخاله محمد المكي بن عزوز -علامةِ هذه المنطقة، المعروفِ في العالم الإسلامي في ذلك العهد- ذاتُ أهمية بالغة، ونسخته من "العواصم من القواصم" موجودة بدار الكتب المصرية، وعليها خطه، وقد اعتمدت عليها في تحقيق "العواصم من القواصم"، مع غيرها من النسخ، وكذلك صلته بصديقه الحميم الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، الذي كان يزوره بدمشق عندما كان مقيماً بها، وقبل أن يستقر بمصر، كما كان يزوره بها، فهذا التحول في اتجاهه الفكري والعلمي في غاية الأهمية في حياته وتطورها، وأشار إلى أنه تولى القضاء ببنزرت بتونس مدة مشة وأربعة أشهر، ولكنه فضل إلى أن يعود للزيتونة للتدريس بها، والاشتغال بالتعليم، معرِضاً عن منصب القضاء (2).

2 -

ترجمته لعدد من أئمة آل البيت يدل على سعة أفقه، والبعد عن التعصب لأهل السنّة، وعندما ترجم للإمام زيد بن علي، وصفه بأنه مات شهيداً، وقال:"نحن نوافق الزيدية في الاعتقاد بفضل زيد وعلمه وجلالة قدره"(3).

وأشاد بالباقر، وزيد، ووصف كل واحد منهما بأنه: "كان عظيماً في

(1) المصدر نفسه (ص 106).

(2)

المصدر نفسه (ص 104).

(3)

المصدر نفسه (ص 134).

ص: 60

علمه، عظيماً في خلقه، عظيماً في تقواه" (1).

واحترم ثورة الإمام زيد، ومخاطرته وصراحته، وإنكاره الفساد. قال فيه:"كان يطمح إلى أن يكون له سلطان يبتغيه وسيلةً إلى إصلاح حال الأمة، وإعادة ما ضاع على أيدي بعض أمراء بني أمية من العدل"(2). "ولا ننكر على زيد مخاطرته في سبيل الإصلاح إذا أخذ بالعزيمة"(3).

وامتدح الشيخ نقده للخليفة هشام بن عبد الملك، ووصفه بأنه:"كان من كبار المحدثين"(4)، وأنه:"كان فقيهاً مجتهداً"(5)، وهذا يعد تقريباً بين الشيعة وأهل السنّة، سبق إليه الذين يعملون للتقريب اليوم.

انتقد الباطنية، والبابية، كما انتقد بعض المعتزلة الذين يرى أنهم انحرفوا تأثراً بالفلسفة، وتعسفوا في تأويل بعض النصوص (6).

وأشاد بالأشعري، الذي رأى أنه عبّر عن مذهب أهل السنة، وأنه على مذهب السلف، وما كان عليه الأئمة، ودافع عن الأشعري ضد خصومه، ولكنه لم يطلع إلا على كتابه:"الإبانة" الذي قرر فيه عقيدة السلف.

وأشاد بالجرجاني أبي الحسن، الذي جمع بين النثر والشعر والذوق الرفيع في نقده الأدبي، متأثراً بعبد القاهر الجرجاني، فجمع بين نثر الجاحظ،

(1) المصدر نفسه (ص 34).

(2)

المصدر نفسه (ص 34).

(3)

المصدر نفسه (ص 34).

(4)

المصدر نفسه (ص 32).

(5)

المصدر نفسه (ص 32).

(6)

المصدر نفسه (ص 82 - 83).

ص: 61

ونظم البحتري، وكتابه:"الوساطة بين المتنبي وخصومه" كان فيه مع ميزان العدل في النقد، ولم يتابع فيه الصاحبَ بنَ عباد.

كما دافع عن الغزالي في كتابه "الإحياء" ضد خصومه أيما دفاع.

واعتز بشخصية أحمد تيمور باشا، ويصداقته، وعلمه وتواضعه، واعتزازه بالعربية، وبالتاريخ الهجري الذي لا يكتب غيره في مراسلاته، حتى إذا كاتب الشركات الأجنبية، ولا يقبل أي طعن في الإسلام.

وبدأت علاقة الشيخ محمد الخضر به سنة (1340 هـ - 1922 م)، ولم يذكر تاريخ وفاته في هذه الترجمة أو التأبين، ولا تاربخ ولادته، وهو ولُد سنة 1288 هـ، وتوفي سنة 1348 هـ (1871 - 1930)، ومعنى هذا: أنه دامت صداقتهما ثمانية أعوام.

وكان أحمد تيمور قد صحب الشيخ طاهر الجزائري، وأخذ عن محمد عبده، وخزانته تضم ثلاثة عشر ألف مجلد، نصفها مخطوط (1).

3 -

تشتمل هذه التراجم على نموذج من شعر الشيخ محمد الخضر حسين، تدل على قيمة جمالية واضحة، ويتمثل هذا النموذج في قطعتين:

الأولى: في قصة عبد الرحمن الداخل (2) مع الشاعر أبي المخشِيّ، نظم هذه القصة في موشح رائع مطلعه:

خلّ نفسَ الحرِّ تَصْلى النُّوَبا

لا تُبالي

(1) عمر رضا كحالة، معجم المؤلفين، مؤسسة الرسالة بيروت، 1414 هـ / 1993 م، ج 1، (ص 105).

(2)

ديوان "خواطر الحياة".

ص: 62

ليستِ الأخْطارُ إلا سبَبَا

لِلْمَعالي

وهي قطعة تستحق دراسة أدبية لسانية خاصة، وتقع في 112 بيتاً.

وأما القطعة الثانية، فنظمها عندما أنهى كتابه:"نقض كتاب في الشعر الجاهلي" لطه حسين في خمسة أبيات على لسان القلم، وأهداها إلى أحمد تيمور باشا مع الكتاب، ومطلعها:

سفكَتْ دمي في الطِّرْسِ أنملُ كاتبٍ

وطوتنِيَ المبراةُ إلّا ما ترى (1)

* مصادر التراجم:

موارد الشيخ محمد الخضر حسين في تراجمه متعددة، يأتي في مقدمتها "العواصم من القواصم" لأبي بكر بن العربي، اتخذ منهجه في الدفاع عن العثمانية، وفي معالجة مشكلة الفتنة الكبرى (2)، على طريقة المحدثين التي لا تتفق مع روايات كثير من المؤرخين، يقول:"لكن حفاظ الحديث أنكروا هذا الذي يحكيه المؤرخون"(3).

أما ما نقله عن المؤرخين، فإنه لا يسميهم، ولا يذكر مؤلفاتهم -غالباً-، ويقتصر على عبارة:"يذكر المؤرخون"(4).

ومن مصادره: "صحيح البخاري"(5)، في مسألة: حماية الأرض، وغياب

(1) المصدر نفسه في هامش (ص 113).

(2)

المصدر نفسه (ص 12، 16، 81، 90، 91، 97).

(3)

المصدر نفسه (ص 16).

(4)

المصدر نفسه (ص 13، 17، 18، 20).

(5)

المصدر نفسه (ص 18، 19).

ص: 63

الإمام عثمان عن بعض الغزوات.

ونقل عن الحافظ ابن عبد البر، من كتابه:"الاستيعاب"(1)، ورجع إلى "وفيات الأعيان" لابن خلكان، وسماه:"تاريخ ابن خلكان"(2)، وابن قتيبة في كتاب:"المعارف"(3)، و"سيرة محمد بن إسحاق"، وكتاب الزمخشري:"ربيع الأبرار"(4).

ويذكر أحياناً مصادر غير واضحة؛ مثل: "صاحب الإرشاد"(5)، أو:"قال صاحب القاموس"(6)، أو "كتب الأدب والتاريخ"(7).

ويورد أحاديث لا يخرجها غالبا بذكر مصادرها الحديثية (8).

ومن مصادره: كتاب أبي بكر بن الخطيب في الرواة (9)، ويرجح أحياناً بعض الروايات (10) على بعض، ورجع إلى كتاب "المدارك" للقاضي عياض (11)،

(1) المصدر نفسه (ص 15).

(2)

المصدر نفسه (ص 15).

(3)

المصدر نفسه (ص 22).

(4)

المصدر نفسه (ص 24).

(5)

المصدر نفسه (ص 29).

(6)

المصدر نفسه (ص 30).

(7)

المصدر نفسه (ص 44).

(8)

انظر تخريجه للحديث: (ص 53).

(9)

المصدر نفسه (ص 58).

(10)

المصدر نفسه (ص 58).

(11)

المصدر نفسه (ص 85، 89، 103).

ص: 64

و"معالم السنن" لأبي سليمان الخطابي، وهو شرح لسنن أبي داود (1)، وتكلم على منحى البخاري ومسلم في مدونتيهما في الحديث في أثناء كلامه عن سنن أبي داود (2)، ونقل من "المنقذ من الضلال" للغزالي (3)، وابن السبكي في "طبقات الشافعية"(4)، وابن الجوزي في كتابه "شذور العقود"(5)، ورجع إلى "الإبانة" للأشعري (6)، وبعض "رسائل الصاحب بن عباد"(7)، و"الوساطة بين المتنبي وخصومه" لأبي الحسن الجرجاني (8)، و"زجر المفتري على أبي الحسن الأشعري" لأبي العباس أحمد القرطبي (9)، و"عقيدة المطلبي" لأبي عبد الله الجويني (10)، وكتاب "تبيين كذب المفتري" لابن عساكر (11)، و"قانون التأويل" لأبي بكر بن العربي (12)، وكتاب "الإحياء" للغزالي (13)، و"المغني عن

(1) المصدر نفسه (ص 78).

(2)

المصدر نفسه (ص 78).

(3)

المصدر نفسه (ص 83).

(4)

المصدر نفسه (ص 85، 90).

(5)

المصدر نفسه (ص 58).

(6)

المصدر نفسه (ص 58).

(7)

المصدر نفسه (ص 92، 94).

(8)

المصدر نفسه (ص 94).

(9)

المصدر نفسه (ص 89).

(10)

المصدر نفسه (ص 88).

(11)

المصدر نفسه (ص 97).

(12)

المصدر نفسه (ص 97، 101، 104، 106).

(13)

المصدر نفسه (ص 68).

ص: 65

حمل الأسفار" لزين العابدين عبد الرحيم العراقي (1)، و"مقدمة ابن خلدون" (2)، و"ترتيب المسالك" لأبي بكر بن العربي (3)، و"مقالات الآثار النبوية" لأحمد تيمور باشا، التي حررها في مجلة "الهداية الإسلامية" (4).

ويبدو أنه اطلع على ما ذكره من مؤلفات أحمد تيمور، ومقالاته في " المؤيد"، "والهلال"، و "المقتطف"، و"المقتبس"، ومجلة "الزهراء"، و "الفتح"، ومجلة "المجمع العلمي بدمشق"، فضلاً عن مقالاته في مجلة "الهداية الإسلامية"، التي أنشأها الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله، ولعل دفنه بالمقبرة التيمورية له صلة بصداقته لأحمد تيمور باشا، ولنجليه الماجدين (5)، على حد وصفه لهما.

(1) المصدر نفسه (ص 99).

(2)

المصدر نفسه (ص 105).

(3)

المصدر نفسه (ص 106).

(4)

المصدر نفسه (ص 112).

(5)

المصدر نفسه (ص 114).

ص: 66