الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حفل افتتاح الملتقى
كلمة الشيخ عبد الرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السيد والي ولاية بسكرة -السيد رئيس المجلس الشعبي الولائي- حضرات السادة المنتخبين- أيها الإخوة الباحثون العاملون في هذا الميدان، ميدان تاريخ عظمائنا وأمجادنا!
إنه ليسعدني أشد السعادة أن أحضر هذا الملتقى الذي يبحث في تاريخ الإمام محمد الخضر حسين، الذي جمع بين جوانب كثيرة في شخصه الواحد، فهو رجل قرآني، مؤرخ، صحفي، مفسّر، لغوي، جمع هذه الجوانب كلها، ودعا إلى الوحدة الإسلامية، وناضل في ذلك المجرى النهضوي التاريخي من جمال الدين الأفغاني إلى محمد عبده، إلى غيرهما من المصلحين الذين وهبوا حياتهم وعقولهم وأبدانهم -أيضاً- في سبيل النهضة الإسلامية، والنهضة العربية، والتحرر.
وهو رجل سياسي، ورجل مصلح، جمع هذه الجوانب الغنية كلها، فهو نور، انطلقت نشأته من هذا الشمال الإفريقي إلى الشام، إلى مصر، وأشع
(1) ألقاها نيابة عنه الدكتور عمار الطالبي نائب رئيس الجمعية.
على هذه المواطن كلها العلمَ والمعرفة، والصدق والكفاح؛ من أجل تحرر هذه الشعوب من رِبْقَة الاستعمار، فقد حُكم عليه بالإعدام، وسجن، ولكنه لم تلن له قناة، ولم يسترح له بال إلى أن أصبح شيخاً لأكبر جامعة إسلامية تاريخية في أرض الكنانة مصر.
وفي هذه المواقف السياسية كلها -بما فيها هذا المنصب- الذي لم يكن ليرغب فيه، ولم يكن يطمح إليه، بل جاءت السلطة الثورية في مصر، ورغبت منه أن يتولى هذا المنصب؛ لما يعرفون عنه من صدق وإخلاص، وثبات وجهاد، ولكنه -أيضاً- لم يرض عن هذا المنصب، واستقال منه؛ لأنه لم يرض عن أشياء كان يرجو أن لا تكون كذلك.
كما أنه تولى القضاء في "بنزرت" سنة وأربعة أشهر، ولكنه -أيضاً- رأى أن هذا المنصب لا يليق به، فاستقال منه، وحنَّ إلى موطنه الأصلي العلمي، وهو الزيتونة، التي أخذ يدرِّس بها. وأخذ يقوم بحركته الإصلاحية السياسية في البلاد التونسية؛ بإلقاء محاضرات، وإنشاء صحافة ومجلات، وكان يشارك في هذا النشاط الحي القوي في البلاد التونسية التي سبقت البلاد الأخرى في هذا الميدان، ونحن في الجزائر كنا نطبع الكتب في تونس، وأغلب المؤلفين في الجزائر يذهبون إلى تونس لطبع مؤلفاتهم، فكانت تونس، وكان جامع الزيتونة موئلاً للدارسين والباحثين، والطلبة الذين يهبون أنفسهم للدرس، لا من أجل تولي منصب؛ لأنهم إذا رجعوا للجزائر، فلا منصب لهم، ولا حظ لهم، وإنما يكافحون من أجل العربية، ومن أجل الإسلام؛ ليحافظوا على هذا التراث الذي أخذت السلطة الفرنسية -في ذلك الوقت- تطمس معالم هذا الدين، ومعالم هذه الثقافة، وأخذت العربية تندرس في هذه البلاد،
وأصبح الناس في ظلام حالك، لولا هذه النهضة التي قام بها هؤلاء، وأشعت أيضاً على الزيبان، فكان الطلبة في هذه المناطق: الزيبان الشرقية، والغربية يطالعون "العروة الوثقى" سراً، يتداولونها بينهم، ويتابعون هذه النهضة التي يقوم بها كبار المصلحين في المشرق الإسلامي، وفي مغربه، فكان هناك أنصار حركة محمد عبده في الزيبان، وكذلك في العاصمة الشيخ عبد الحليم بن سمّاية، ومحمد مضرَّبة، ومن إليهم.
وكذلك هنا في هذه المنطقة ابن ناجي وغيره، كانوا يتابعون هذه الحركة، ويتدارسون أمرهم في هذه البلاد، فنهضت نهضة جديدة في الجزائر، وعلى رأسها الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله وأصحابه.
وإني هنا أعتذر لكم عن عدم حضور فضيلة الشيخ عبد الرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الذي كلفني أن أعتذر لكم باسمه، وأن أنوبه في هذه الكلمة، التي أرجو أن تكون نافعة لشبابنا هذا: أن يتوجه إلى دراسة هذه الأمجاد -كما تفضل الشيخ عبد القادر- التي غفلنا عنها، وشبابنا لا يُعنى كثيراً بدراسة العظماء من رجالنا؛ فإن الأمة إذا نسيت رجالها وأبطالها وأمجادها، فقد نسيت تاريخها، ونسيت جذورها، فهذه الأعلام التي ناضلت من أجل حياتنا اليوم حياةِ الحرية التي نعيش فيها باستقلال وطننا، هذا كله بفضل هؤلاء، فلا بدّ أن نسجل حياتهم في قلوبنا قبل أن تُسجل في طروسنا وصحائفنا الورقية أو غير الورقية، فالشباب اليوم مدعو لأن يسلك هذا المسلك، وأن يدرس تراثه وأمجاده، وأن لا يكون عنها من الغافلين.
وكذلك في هذا الجنوب الصحراوي، أنتم تعلمون الشيخ الطيب العقبي كيف بدأ في إنشاء جريدة "صدى الصحراء" في هذه المنطقة، ثم انتقل بعد
ذلك إلى الجزائر، وغيَّرها تغييراً، حوَّل أولئك المجرمين في العاصمة إلى أناس مصلحين، وغيَّر وجه الجزائر العاصمة من حيث العادات الاجتماعية والأمن الاجتماعي.
وكذلك -كما لا يخفاكم- إخواننا الإباضيون: إن الشيخ بيوض، وقبله الشيخ اطفيش، وغير هؤلاء الأعلام. إخواننا الإباضية قاموا بنهضة، وحافظوا على اللغة العربية، وعلى الإسلام، ولم يكونوا من دعاة العرقية، ولا البربرية، وما إلى ذلك من نزعات ربما يدعو إليها بعض الناس، إنما حافظوا على هذه الثقافة التي عجنت العرب والبربر في بوتقة واحدة، فأصبحنا لا نستطيع أن نفرق أن هذا بربري أو عربي؛ لأن الدماء امتزجت، وامتزج التاريخ بهذه الأرض الطيبة، وتنازل الناس عن مصالحهم الشخصية.
فنسال الله سبحانه وتعالى أن يتغمد برحمته شيخنا وإمامنا الشيخ محمد الخضر حسين، وأن يجزيه أحسن الجزاء؛ لما قدم لهذا الوطن، ولأوطان الإسلام كلها من خدمات، ومن علم وجهاد. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.